أمل مختار

خبيرة في شئون التطرف والعنف - رئيس تحرير مجلة المشهد العالمي للتطرف والإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

خلال الأيام الأخيرة من عام 2024، مر العالم بحدث مفاجئ هو زحف فصائل المعارضة السورية المستقرة في إدلب نحو باقى المحافظات، وصولًا إلى العاصمة دمشق تحت مسمى «إدارة العمليات العسكرية»، وفي القلب منها «هيئة تحرير الشام» بقيادة زعيمها أبو محمد الجولاني، المصنف هو وتنظيمه إرهابيًا. سقط نظام الأسد نهائيًا في 8 ديسمبر 2024، كما اختفى لقب «الجولاني» وتصدر لقب «الشرع» للمشهد السياسي، وتم إعلان أحمد الشرع «الجولاني سابقًا» رئيسًا شرعيًا للبلاد، وبدأ في تلقي التهاني من الوفود الدولية الرسمية، والسفر للخارج، واستقباله رسميًا كرئيس شرعي لسوريا.

أحمد الشرع هو نفسه أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة الذي أرسله أيمن الظواهري في عام 2012 لنصرة «أهل الشام» في احتجاجهم المسلح ضد نظام الأسد بهدف إسقاطه، ومن ثم تزعم تنظيم «جبهة النصرة»، ليكون فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا، وتم إعلانه من قبل وزارة الخارجية الأمريكية «إرهابيًا عالميًا» في عام 2013. وهو نفسه الشاب السوري أحمد الشرع الذي خرج بصورة غير شرعية وانضم بصورة غير قانونية للحرب الشرسة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له في عام 2003. وعلى مدى سنوات طويلة، انضم فيها إلى جماعات مسلحة وحرب شوارع وعمليات عنف تحت مظلة تنظيم «القاعدة» ثم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، الذى تحول بدوره بعد ذلك إلى تنظيم «داعش» في عام 2014. وهو العام نفسه الذى اختلف فيه الجولاني مع تنظيم «داعش»، وأعلن رفض وجوده في سوريا من الأساس، وأكد انضواءه تحت مظلة تنظيم «القاعدة»، وهو نفسه الذي أعلن فك ارتباطه بتنظيم «القاعدة» في عام 2016، وغيَّر اسم تنظيمه إلى «جبهة فتح الشام».

بين عام 2016 و8 ديسمبر 2024، كانت هناك فترة وسيطة وانتقالية وتحولات تدريجية في أيديولوجية واستراتيجية وأهداف وتفاعلات الفصائل تحت قيادة الجولاني باختلاف مسمياتها. ثماني سنوات من التحولات التي شملت، حتى هيئته الشخصية وملابسه ومفردات خطابه، إلا أن انتقاله إلى خانة الرؤساء الشرعيين فهذا أمر آخر.

إذن، نحن أمام واقع يشير إلى أن تصنيف الأشخاص، بل والجماعات المتطرفة العنيفة بين صفتي الإرهاب والفاعل السياسي أمر وارد. بات مؤكدًا أنه لا وصم بالإرهاب دائم، ولا تصنيف بالتطرف ثابت. حتى إن سياسات مواجهة الإرهاب تتقلب بين المواجهات الأمنية العنيفة وسياسات المواجهة الناعمة، من قبيل الحوار وإعادة الدمج والتأهيل والقبول مع تغير السياقات المحلية والإقليمية والدولية.

متغيرات عديدة ومتلاحقة تضرب بظاهرة الإرهاب وحق دراسة التطرف العنيف، ليس فقط التصنيف ولا سياسات المواجهة، وإنما أيضًا تحديد المفهوم في حد ذاته. فمع استمرار الحرب على غزة، عدنا لإحياء مفهوم «إرهاب سلطة الدولة»، الذي كان قد تراجع كثيرًا بعد ظهوره الأول مع الثورة الفرنسية وتراجعه الكامل بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية. لكن الممارسات العنيفة والإرهابية، فضلًا عن الخطابات المتطرفة للحكومة والجيش الإسرائيليين في حربه الممتدة على غزة، قد أحيت هذا المفهوم مجددًا، وأصبحنا قادرين على وصف ممارسات جيش نظامي ودولة ذات سيادة بممارسة الإرهاب، الذي لم يعد حكرًا على التنظيمات والجماعات من دون الدول.

على صعيد آخر، تظل هناك ثوابت في دراسة ظاهرة الإرهاب والتطرف والتطرف العنيف، تتعلق بأدوات وضحايا هذه الظاهرة، وكان الأطفال في مقدمة الضحايا، لسنوات طويلة، كان الأطفال في الدول والمجتمعات التي تعاني من تمدد التنظيمات والجماعات المتطرفة المسلحة والعنيفة، هم المكوِّن الرئيسي للضحايا، سواء كانوا قتلى أو مصابين أو مخطوفين أو معرضين للتجنيد القسري، أو من جهة أخرى باعتبارهم أكثر المتضررين في ظل ممارسة العنف وعدم الاستقرار، ما يؤثر في حصولهم على حقوقهم من التعليم والغذاء والصحة والمسكن والملبس أو بصورة عامة مقومات الأمن الإنساني الذي يحتاجون إليه كأطفال طبيعيين.

أمثلة عديدة، بين أفريقيا وآسيا والمنطقة العربية، نسوقها لأطفال عاشوا فترة طفولتهم معرضين لتداعيات مخاطر عنف التنظيمات الإرهابية، بداية من فقْد بعض مقومات الحياة الطبيعية، وصولًا إلى الانخراط الطوعي أو القسري في العمل المسلح العنيف كما سبقت الإشارة الذي يصل إلى حد قيامهم بتنفيذ عمليات قتل وحشي قد تكون موجهة إلى عائلاتهم، ما يعني خرقًا كاملًا لكل ما تعنيه «حقوق الأطفال»، ونزع كلي لبراءتهم. يظل السؤال قائمًا بشأن التعامل مع هؤلاء الأطفال الذين شاءت الأقدار أن يعيشوا في النطاق الجغرافي والسياق السياسي الخاص بتمدد وعمل التنظيمات المتطرفة العنيفة، هل هم ضحايا أم أدوات لهذا الإرهاب، ومن ثم فاعلون إرهابيون؟