كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر من مرة وبأكثر من طريقة حديثه عن إخلاء غزة من سكانها، وكأن هؤلاء السكان مجرد متاع، وكأن هذه الأرض ليست أرضهم. والأكثر من ذلك كأن ذلك أمر طبيعي تقره القوانين والشرائع الدولية. ولأن هذه الأحاديث مغايرة تماماً لكل ذلك، جاءت ردود الفعل الإقليمية والدولية واضحة ولا لبس فيها في الرفض المطلق لها. وكان من بين الرافضين الصين.
ولا يعد الرفض الصيني وليد تلك التصريحات، وإنما كانت بكين دائمة التحذير من مثل هذا السيناريو، سواء كان الأمر بشكل جزئي أو كلي، بما في ذلك التهجير داخل قطاع غزة ذاته. وقد دأبت على تكرار موقفها منذ بدأت الجولة الأخيرة للصراع في السابع من أكتوبر 2023. هذه الجولة كان للصين رؤيتها الخاصة بشأنها التي لم ترق للإسرائيليين ولا للأمريكيين منذ البداية. وكان ذلك مرده بالأساس استناد الصين إلى أمور مبدئية ومرجعيات دولية مستقرة لا تريد تل أبيب ولا واشنطن الالتزام بها.
والأكثر من ذلك أنها تريد التخلص منها كلية في إطار تصورات وخرائط لن تنشأ إلا على جثة القانون الدولي، قبل جثث الفلسطينيين. هذا الموقف الصيني المبدئي يأتي في ظل إطار حاكم لرؤيتها للتعامل مع الصراع لممتد لقرابة ثمانية عقود في حال النظر إليه منذ نشأة إسرائيل، والتي كانت لها رؤاها الخاصة بشأن الفكاك من دوامة حلقات العنف التي لا تكاد تخبو حتى تعود. والأساس هنا هو معالجة ما أطلق عليه وزير الخارجية الصيني وانج يي "الجرج النازف في ضمير الإنسانية"، وما صاحب هذا الجرح من ظلم تاريخي للشعب الفلسطيني. هذا الشعب الذي يناط به وحده طبقاً للمنطق الصيني حكم فلسطين الدولة المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وبطبيعة الحال غزة، والتي دأبت الصين في خضم ما كان يطرح حول اليوم التالي لتوقف الحرب على التأكيد على أن من يقرر ذلك هم الفلسطينيون وليس غيرهم. ومن ثم كان من الطبيعي أن يأتي الموقف الصيني واضحاً ومباشراً ومتسقاً مع مجمل الرؤية الصينية للصراع وتسويته.
رد مباشر
تحدث دونالد ترامب وفي فترة وجيزة عن ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى إندونيسيا ثم إلى مصر والأردن. ورغم الرفض القاطع من مصر والأردن، إلا أنه عاد وكرر الأمر، ووصل به الحال إلى الحديث عن فرض السيطرة الأمريكية على غزة، وطبعاً دون أن يسقط خطاب التهجير. هذه التصريحات لم يقتصر استهجانها على الخارج، بما في ذلك من قبل مسئولين دوليين نظراً لخطورتها وارتقاء مضمونها إلى مستوى جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وإنما بات هناك في الداخل الأمريكي من يعول على هذه التصريحات كمدخل لعزل ترامب من منصبه.
في هذا الخضم، جاء الرد الصيني واضحاً وصريحاً ومفاده: "نعارض التهجير القسري لأهالي غزة، ونأمل من الأطراف المعنية أن تستغل فرصة وقف إطلاق النار والحكم في غزة فيما بعد الصراع لإعادة القضية الفلسطينية إلى الطريق الصحيح للتسوية السياسية بناء على حل الدولتين، من أجل تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط". أي أن تهجير الفلسطينيين من غزة وبالتبعية من غيرها من الأراضي الفلسطينية مرفوض صينياً. ليس هذا فحسب، بل إن الرسالة الصينية واضحة للأطراف المعنية من حيث ضرورة العودة بالقضية الفلسطينية إلى ما أسمته بالطريق الصحيح للتسوية السياسية. وهكذا يتضح التأكيد الصيني على التسوية السياسية بينما ترامب يتحدث عن التصفية السياسية للقضية. وهي العملية التي بدأها منذ ولايته الأولى عندما شرع في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وها هو يستمر بسلسلة من الرسائل السلبية ليس فقط تجاه غزة وأهلها وإنما تجاه الضفة الغربية أيضاً.
الرد الصيني المباشر تضمن أيضاً التأكيد على حل الدولتين. ومن الواضح أن لا إسرائيل ولا إدارة ترامب معنية بمثل هذا الحل. فمن يطالب بتهجير أهل غزة لن يتورع عن تهجير أهل الضفة. ومن ثم يصبح الحديث عن وقف الاستيطان وما دونه من قضايا مسائل ترفية من وجهة نظر ترامب وإدارته. تلك الإدارة التي استهدفت من اليوم الأول المنظمات الدولية على خلفية مواقفها من الحرب في غزة تماماً كما تفعل إسرائيل، وبنفس الحجج التي تطرحها الأخيرة.
لم يكتف لين جيان المتحدث باسم الخارجية الصينية في تعليقه في الخامس من فبراير 2025 على مسألة الترحيل القسري للفلسطينيين بذلك بل إنه أعاد التأكيد على مبدأ "الفلسطينيون يحكمون فلسطين" كمبدأ أساسي لحكم غزة بعد الحرب. وشتان بين من يتحدث عن حكم الفلسطينيين لغزة بعد الحرب ومن لا يريد بقاء للفلسطينيين في غزة بعد الحرب. وفي اليوم التالي، وعلى لسان متحدث آخر باسم الخارجية الصينية هو قو جيا كون، جاءت الرسالة الصينية أقوى: "إن غزة ملك للشعب الفلسطيني، وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وليست ورقة مساومة في ألعاب سياسية، فضلاً عن أنها ليست فريسة للأقوياء"، مع التأكيد على أن حالة الدمار والمعاناة التي فيها غزة بعد الحرب تقتضي تكاتفاً لجعل الأوضاع في القطاع أفضل. وهذا التكاتف ينبغي أن يكون دولياً وعلى رأسه الدول الكبرى، بحيث تتم عملية إعادة الإعمار وتقدم المساعدات الإنسانية اللازمة والضرورية.
موقف مبدئي
هذا الموقف الصيني الواضح في الرد على تصريحات ترامب بخصوص التهجير القسري للفلسطينيين قد يذهب البعض إلى القول بأنه ناتج عن حالة الصراع في العلاقات الأمريكية- الصينية. لكن متابعة تطورات الموقف الصيني من القضية الفلسطينية عبر تاريخها يثبت أن هناك موقفاً صينياً واضحاً تحكمة مجموعة من القواعد. وهذا ما عبرت عنه الصين في أحاديث كبار مسئوليها عبر سنوات، وفي مواقفها في المنظمات الدولية عند عرض القضية الفلسطينية، وفي ما طرحته من رؤى ومبادرات للتعامل مع مجمل القضية ومع جولة الصراع الأخيرة. يضاف إلى ذلك ما قامت به على صعيد المصالحة الفلسطينية. وإن كان كل ذلك لا يعني أن الصين قد استغلت التطورات للتعريض بواشنطن على أكثر من صعيد، خاصة فيما يتعلق بتشدق الأخيرة بحماية حقوق الإنسان، بينما هي لا تكتفي بالصمت فقط في حالة قتل الفلسطينيين في غزة وتدميرها، وإنما توفر مع الدعم المالي والعسكري لإسرائيل الحماية في مجلس الأمن عبر استخدام الفيتو. وفي كل هذا إطالة لأمد الحرب التي لا تعود على الفلسطينيين إلا بالخراب والدمار والقتل والتشريد.
سوف يتم تأجيل الخوض في بعض تفاصيل تلك القواعد إلى القسم التالي، بينما يتم التركيز هنا فقط على مسألة الترحيل القسري للفسطينيين في الخطاب الصيني. ففي يناير من العام 2024، حذرت الصين عبر مجلس الأمن ليس فقط من خطورة التهجير القسري، وإنما كذلك "التهجير الطوعي"، حيث اعتبر تشانج جيون مندوب الصين الدائم في الأمم المتحدة أن "هذا يعني دفع مليوني شخص للخروج من غزة وتحويلها إلى ما يسمى منطقة آمنة خالية من السكان. وإذا وضعت موضع التنفيذ فإن مثل هذه الفكرة المروعة ستشكل جرائم فظيعة بموجب القانون الدولي وقد تدمر تماماً آفاق حل الدولتين".
إذن، فالرؤية واضحة لدى الصين بخصوص خطابات التهجير وتداعياتها، وهي بالنسبة لها فكرة مروعة، وجريمة فظيعة، والأكثر من ذلك تحمل دماراً لحل الدولتين. وفي ورقة الموقف التي أصدرتها بكين حول تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في الثلاثين من نوفمبر 2023، وكما هو واضح من تاريخ صدور الورقة فإنها قد جاءت في خضم العدوان على غزة. ومن ثم، فإن البنود الأربعة الأولى من هذه الوثيقة ركزت على كيفية التعامل مع ما أسمته بالجولة الدائرة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وكان لافتاً بالنسبة لقضية التهجير تحديداً أنه في البند الثاني الذي ركز على "حماية المدنيين بخطوات ملموسة" وردت هذه الجملة الطويلة ذات المغزى الواضح: "يجب على مجلس الأمن الدولي أن يواصل بعث رسالة واضحة تؤكد على رفض التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين لتجنب نزوحهم".
من الواضح أن الصين ترفض حتى التهجير القسري داخل القطاع. إذ كانت السلطات الإسرائيلية تطلب من الفلسطينيين ترك أماكن والذهاب إلى ما تسميه المناطق الآمنة. وقد اتضح أنه لم يعد هناك مكان آمن في غزة، وأن الأمر كان في إطار خطة واضحة لجعل الحياة في غزة مستحيلة. ولقد كان وزير الخارجية الصيني وانج يي واضحاً في مجلس الأمن قبل إصدار بلاده لورقة الموقف هذه بيوم واحد في التأكيد على أن حماية المدنيين "خط أحمر في القانون الدولي لا يمكن تجاوزه". كما أنه أعاد التأكيد على معارضة بلاده "للعقاب الجماعي الذي يتعرض له سكان غزة، والتهجير القسري الذي يستهدف المدنيين الفلسطينيين". وقد ذهب إلى أنه "لا توجد أماكن آمنة تحت النار، وقطاع غزة ليس به جدار صد".
من ثم كان من الطبيعي أن يتضمن البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي-الصيني نهاية شر مايو 2024 تأكيداً على "رفض تنفيذ مخططات ومحاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني إلى خارج أرضه، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار فرص السلام في منطقة الشرق الأوسط، وتوسع وتفاقم الصراع في المنطقة".
هذا الموقف الصيني الواضح والمبدئي من مسألة التهجير يتفق مع ما ذهبت إليه منظمات دولية، ومن بينها مجلس حقوق الإنسان، حيث ذهب المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في فبراير 2024 إلى أن ما قامت به إسرائيل من عمليات تدمير شامل بما في ذلك للأماكن التي لم يكن فيها قتال من شأنه أن يؤدي إلى مفاقمة النزوح. "ويبدو أنه يهدف أو يؤدي إلى جعل عودة المدنيين إلى هذه المناطق مستحيلة". كما أن الأمم المتحدة كانت واضحة في عدم مشاركتها في جريمة التهجير القسري. وقد جاء ذلك صراحة على لسان ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة في أبريل 2024 في وقت الحديث عن الاجتياح الإسرائيلي لرفح بعدما كانت قد طلبت من سكان شمال ووسط القطاع الذهاب إليها باعتبارها منطقة آمنة، حيث قال دوجاريك: "نحن نعمل في منطقة صراع لا نملك فيها السيطرة الكاملة على المساعدات التي يمكن أن تصل إلى غزة. ما أستطيع أن أقوله لكم إننا لن نكون طرفاً في أي تهجير قسري للناس". ثم جاءت كلمات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش المؤكدة على رفض أي شكل من أشكال التطهير العرقي وضرورة الامتثال للقانون الدولي بعد تصريحات ترامب الأخيرة حول تهجير الفلسطينيين.
وفي مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية بخصوص طلب الرأي الاستشاري للمحكمة بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ذهبت الصين إلى أن القوة القائمة بالاحتلال عليها التزامات تجاه الأرض المحتلة وسكانها. ومن بين هذه الالتزامات "الامتناع عن نهب الموارد والممتلكات، والنقل القسري للسكان أو ترحيلهم، وممارسة الفصل العنصري، وتبني تشريعات تمييزية أو أي انتهاكات أخرى".
إطار حاكم
عمودان أساسيان يقوم عليهما الإطار الحاكم للمنطق الصيني في التعامل مع القضية الفلسطينية بكافة تشعباتها، بما في ذلك مسألة التهجير القسري. أولهما، عدالة القضية الفلسطينية. وثانيهما، الانتصار للقانون الدولي. ولقد لخصت الصين ذلك في مقدمة مرافعتها المشار إليها سابقاً أمام محكمة العدل الدولية بالقول: "إن التعامل مع القضية الفلسطينية يعد بمثابة اختبار للضمير الجماعي للإنسانية، وحكمة الأمم المتحدة، وسلطة القانون الدولي". كما أن وزير الخارجية الصيني اعتبر أن تجاهل حقوق الفلسطينيين بما فيها الحق في إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة، وكذلك الحق في عودة اللاجئين، هو ما يتسبب في تكرر الاضطرابات فيما أسماه بالوضع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وكما هو معلوم، فإن قضية اللاجئين كانت ضمن ما عرف بقضايا الحل النهائي ضمن مفاوضات السلام التي انطلقت منذ مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، ومن ثم اتفاق أوسلو في العام 1993. هذه العملية توقفت تماماً. والآن بات الحديث ليس عن كيفية معالجة قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها، وإنما عن تهجير من بقى منهم في فلسطين. كما أن الوزير الصيني في كلمته في الختامية لحوار المصالحة الفلسطينية الذي استضافته بلاده في يوليو من العام 2024 اعتبر أن القضية الفلسطينية التي لم تحل على مدار أكثر من سبعة عقود "محك للعدالة والإنصاف الدوليين والضمير والأخلاق للبشرية".
الصين تتحدث عن الفلسطينيين كشعب له حقوق مسلوبة، تلك الحقوق لابد أن تسترد. وعلى رأس هذه الحقوق حقه في تقرير المصير، وحقه في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة. ومن ثم فإنها قد اعترفت بالدولة الفلسطينية وأيدت انضمامها كمراقب للأمم المتحدة، وتؤيد انضمامها كعضو كامل العضوية للمنظمة الدولية. هذه العناصر الرئيسية تجدها حاضرة في المقترحات الصينية المتوالية. إذ ترى بكين وعلى حد قول الرئيس شي جين بينج أنه "لايجوز غياب العدالة إلى الأبد". من ثم فإن الصين مع الحل السياسي. هذا الحل السياسي لابد أن يرافقه وقف شامل ودائم لإطلاق النار. كما أن هذا الحل لابد أن يكون طبقاً للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن بخصوص القضية الفلسطينية. هذه القضية التي تعتبر الصين مخرجها الأساسي في "تنفيذ "حل الدولتين"، واستعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية". وترى الصين ضرورة عقد مؤتمر دولي موسع للسلام يكون ذا مصداقية وفعالية أكثر، وبحيث يكون هناك جدول زمني محدد بحيث يكون هناك "حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية".
وفي هذا السياق، فإن نظرة الصين إلى حركات المقاومة الفلسطينية واضحة تمام الوضوح وتتطابق مع قواعد القانون الدولي أيضاً. إذ أن الشعوب الخاضعة للاحتلال من حقها المقاومة بكل السبل بما فيها المقاومة المسلحة. ومن ثم فإنه لا ينبغي الخلط بين المقاومة المسلحة والإرهاب. وتذهب الصين إلى أن القواعد الدولية واضحة في هذا الشأن. ولعل هذا ما جعلها لا تقدم على إدانة فصائل المقاومة بعد عملية طوفان الأقصى بعد السابع من أكتوبر. وهذا ما أثار استياء الولايات المتحدة وإسرائيل كثيراً. وقد كان الخطاب الصيني واضحاً طوال جولة الصراع الأخيرة في غزة من حيث رفض استهداف المدنيين أياً كانوا. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم استضافة الصين للفصائل الفلسطينية الأربعة عشر في بكين من أجل المصالحة الوطنية، التي تتضمن إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية. هذه الرعاية الصينية للمصالحة الفلسطينية بينما كانت الحرب في غزة على أشدها. ومن ثم فإن بكين أكدت على خطوات ثلاث تراها مترابطة، ولا تغني أحدها عن الأخرى، بحيث يأتي وقف إطلاق الناري وعمليات الإغاثة الإنسانية كأولوية قصوى. ثم يأتي إعادة إعمار غزة استناداً إلى مبدأ أساسي مفاده حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين. ويشار هنا إلى أن ورقة الموقف الصينية بخصوص تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والصادرة بعد حوالي أربعين يوماً من اندلاع الحرب في غزة، وقبل حوالي ثمانية أشهر من مؤتمر المصالحة الفلسطينية في بكين قد ختمت بجملة ذات دلالة مهمة بالنسبة لكل الجدل الدائر حالياً فيما يتعلق بمصير الفلسطينيين في غزة: "على أي ترتيب حول مستقبل قطاع غزة أن يحترم إرادة الشعب الفلسطيني وخياره المستقل، ولا يجوز أن يفرض عليه".
ربما ينظر البعض إلى هذا الإطار الصيني باعتباره إطاراً تقليدياً قد تجاوزته المتغيرات على أرض الواقع. لكن مسألة فرض الأمر الواقع على أصحاب الحقوق أثبتت التطورات أنها غير مجدية. كما أن هذا الإطار الذي يعده البعض تقليدياً هو موضع قبول دولي واسع، وهناك قرارات دولية بشأنه. ناهيك عن أنه يتحدث عن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. وقد يذهب البعض الآخر إلى أن هذا الإطار يحمل الكثير والكثير من التنازلات، وربما ذهب فريق ثالث إلى أنه لا ينبغي القبول بما يتضمنه ذلك المسمى إطاراً تقليدياً من تنازلات نظراً لأن فتح باب التنازلات قد أوصل الأمور إلى ما صارت إليه من حديث صريح عن تهجير قسري للفلسطينيين من أراضيهم.
في الختام، من الواضح أن الصين لها موقف واضح في الرفض المطلق لتهجير الفلسطينيين. ومن الواضح أيضاً أنها كانت تدرك منذ نشوب الجولة الأخيرة من الصراع في غزة أنها قد تحمل بعدها مخاطر جمة على الفلسطينيين ووجودهم. ومن ثم كان تحذيرها المستمر من عمليات التهجير، وبيان رفضها القاطع لها، وتأكيدها المستمر على أن مصير غزة يجب أن يترك في يد الفلسطينيين وحدهم في ظل وجود دعم دولي لمعالجة آثار الكارثة الإنسانية التي خلفها الصراع، والتأكيد على أن لا تترك غزة فريسة.
من الأهمية بمكان أن لا يترك الملف الفلسطيني لأطراف تريد أن تدفنه تماماً، وتعلنها صريحة أنها مع ترحيل الفلسطينيين، وتضغط بشدة على دول الجوار لكي تقبل بتوطين الفلسطينيين في أراضيها. وإذا كان الأساس هو التمسك الفلسطيني بالأرض، ومن ثم المواقف العربية الداعمة للفلسطينيين، والرافضة لأي حديث أو نقاش حول ما هو مطروح من تهجير للفلسطينيين، فإن من الأهمية بمكان العمل على تكوين حشد دولي واسع لكي ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة. وتأتي الصين في مقدمة الدول التي يعول على مواقفها في هذا الخصوص.