صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

منذ أن نجحت هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى فى إسقاط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد فى 8 ديسمبر 2024، بدعم تركى وتوافقات إقليمية ودولية، ازداد الحديث عن دور أنقرة المتوقع فى "صياغة" المشهد السياسى الجديد فى سوريا من ناحية، ودورها كذلك فى تحديد ملامح "خريطة النفوذ" الجديدة فيها من ناحية ثانية، لاسيما بعد التغييرات التى طرأت على الثوابت التى أقرتها تفاعلات القوى الدولية والإقليمية المعنية بالملف السورى، على إثر تراجع نفوذ حلفاء النظام القديم، روسيا وإيران، بعد سقوطه، وما سيرتبط بهذا التراجع من نتائج ستغير بالضرورة من قواعد اللعبة الإقليمية والدولية بشأن سوريا الجديدة من ناحية ثانية.

انتهى الشهر الأول من مدة المرحلة المؤقتة -ثلاثة أشهر- التى أقرتها الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وهى المدة المنوط بها استعادة الاستقرار والأمن وتسيير شئون الحياة اليومية من خلال حكومة الإنقاذ المؤقتة، وسط زخم كبير تشهده تفاعلات القوى الدولية والإقليمية مع الحدث الجديد فى سوريا؛ وهو ما يمكن وصفه بحالة مختلطة من "الارتياح والترقب"؛ فالكل شبه متقبل السياقات التى تمت عبرها إزاحة بشار الأسد من السلطة، لكن فى الوقت نفسه ثمة قدر كبير من القلق حيال السياسات المستقبلية التى ستمارسها الإدارة الجديدة فى سوريا المنبثقة عن تنظيم لايزال مصنفاً إرهابياً. ويزداد غموض هذا المشهد فى ظل مجموعة كبيرة من التحديات الداخلية والخارجية التى ستُلقى بالكثير من التبعات على سياسات تلك الإدارة.

وفى ظل هذا المشهد، تأتى الطموحات التركية التى طالما سعى الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تحقيقها عبر تواجد دولته عسكرياً فى الشمال السورى على مدار السنوات الماضية. وبنجاحه فى دعم المعارضة السورية المسلحة وإسقاطها لنظام حكم الأسد، بات الوضع الداخلى فى سوريا - فى ظل متغيرات مشهده السياسى الحالى - يمثل "فرصاً" سانحة ومواتية لتحقيق أنقرة أهدافها "الكبيرة" فى سوريا، وهى الأهداف التى لم تعد خاضعة لقيود "معادلة التوافق القديمة" بينها وبين كل من روسيا وإيران، لكنها فى الوقت نفسه "قد" تواجه قيداً على هذه الأهداف مصدره الولايات المتحدة ذاتها فى ظل الإدارة الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترامب الذى سيتولى منصبه فى 20 يناير 2025.

"قسد" ومحدودية الخيارات

فى 6 ديسمبر 2024؛ أى قبل يومين من إعلان هيئة تحرير الشام إسقاط بشار الأسد، كانت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" قد تأكدت من أن تحركات قوات هيئة تحرير الشام لن تتوقف عند حدود محافظات حلب وحماة وحمص، وإنما ستتجه، وبعد الانهيار الكبير فى صفوف جيش النظام السورى السابق، إلى تحقيق الهدف المشترك الكبير والمتمثل فى إسقاط بشار الأسد، وهو ما تم فعلاً فى 8 ديسمبر 2024. حينها تداركت "قسد" مدى خطورة المشهد المستقبلى بالنسبة لوجودها العسكرى فى مناطق إدارتها الذاتية بشمال شرق سوريا؛ فهى وإن كانت تتشارك مع كافة فصائل وقوى المعارضة السورية هدف إخراج نظام الأسد من المشهد السياسى السورى، لكنها فى الوقت نفسه قلقة حيال مستقبل وجودها فى المشهد الجديد؛ نظراً لحالة العداء الموجودة بينها وبين الجيش الوطنى السورى المعارض المدعوم من قبل تركيا من ناحية، وبينها وبين تركيا مباشرة من ناحية ثانية، حيث تتهم أنقرة "قسد" بالتعاون العسكرى المباشر مع حزب العمال الكردستانى التركى المعارض عبر فصائل عسكرية تابعة لقوات وحدات الشعوب الكردية السورية التى تشكل القوام الرئيسى للقوات الكردية السورية. وسط هذه القناعة، اتجهت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى توظيف تطورات الأحداث على الأرض بإعلان سيطرتها على دير الزور شرقى سوريا، استغلالاً لانسحاب القوات السورية والمليشيات الموالية لإيران من تلك المناطق، وصولاً إلى السيطرة على معبر البوكمال الحدودى الرئيسى مع العراق.   

وقد أعلنت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" أن وجودها سيبقى كما هو فى شرق الفرات، حيث مدن الطبقة بمحافظة الرقة، ومناطق شمال شرق دير الزور، ومحافظة الحسكة، وأنها حينما اتجهت إلى المناطق التى كانت تسيطر عليها فصائل من المليشيات الإيرانية والمليشيات التابعة للحشد الشعبى العراقية فى مناطق غرب نهر الفرات كان هدفها هو تأمين تلك المناطق، ولم تستهدف القوى الموالية لتركيا، وإنما استهدفت – حينها  - قطع الطريق أمام تلك المليشيات من العودة إلى السيطرة على المناطق التى انسحبت منها، وأكدت "قسد" أنها، وبعد إحكام تأمين مناطق غرب الفرات، قامت بالانسحاب منها بعد تسليمها للقوات التابعة لقيادة العمليات العسكرية، وأنها بصدد "التفاوض" مع القيادة السورية الجديدة بشأن الوضع فى شمال شرق سوريا. ووفقاً لتصريحات مظلوم عبدى قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، فإنه سيسعى - عبر القيادة السورية ممثلة فى أحمد الشرع - إلى فتح حوار مباشر مع تركيا بهدف "تخفيض التوتر" معها، لكنه يأمل أن يتم هذا الحوار برعاية "روسية-أمريكية"، بهدف الحصول على ضمانات دولية.

فى السياق نفسه، أكد عبدى أنه سيسعى إلى التوصل لاتفاق لتسوية سلمية بضمانات دولية مع الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع. واللافت هنا، هو ما أعلنه عبدى من تراجع "قسد" عن فكرة الانفصال بالإدارة الذاتية الكردية عن سوريا، حيث أشار فى تصريحاته التى أعقبت سقوط نظام الأسد إلى أن "مطالب قوات سوريا الديمقراطية تتوافق مع سوريا الموحدة وأنها لا تسعى إلى الانفصال"، وأن التفاوض فى المرحلة المقبلة يستهدف الحصول على ضمانات من القيادة السورية تضمن "تثبيت الحقوق السياسية والثقافية للأكراد السوريين فى الدستور الجديد ضمن دولة واحدة". وجدير بالذكر أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لم تحضر الاجتماع الذى عقده أحمد الشرع مع الفصائل المسلحة فى دمشق يوم 23 ديسمبر 2024، وهو الاجتماع الذى خصص لمناقشة دمج الفصائل المسلحة فى مؤسسة عسكرية واحدة ضمن الجيش النظامى، لكنها عادت للاجتماع معه بصورة مباشرة ومن خلال قائدها العام مظلوم عبدى فى 30 ديسمبر 2024، حيث تباحث الشرع وعبدى بشأن الجوانب العسكرية فى ظل التطورات الاخيرة وآليات التنسيق بين الجانبين دون التطرق للوضع السياسى فى مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق البلاد.

أهداف استراتيجية

فى المقابل، فإن الدور التركى المتوقع فى سوريا الجديدة يرتبط بعدد من الأهداف التى تصطدم مع مساعى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بشأن التفاوض مع الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وفقاً للسياق السابق ذكره، حيث تسعى أنقرة إلى توظيف الوضع الجديد فى سوريا لتحقيق "أهدافها الكبرى"، كالتالى:

أولاً، تحييد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من مشهد النفوذ العسكرى فى مناطق الإدارة الذاتية الكردية- شمال شرق سوريا- وذلك تأميناً لحدود تركيا الجنوبية من التعاون العسكرى الوطيد بينها وبين حزب العمال الكردستانى التركى المعارض. ويرتبط بهذا التحييد توسيع المنطقة الآمنة المقامة حالياً بعمق (15 – 20 كلم) لتصبح منطقة عازلة بعمق يصل إلى (32 كلم) داخل الأراضى السورية، بما يتماثل مع عمق المنطقة التى فرضتها تركيا فى شمال العراق للسبب نفسه. ويرتبط بتحييد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من المشهد العسكرى والسياسى السورى الجديد، وفقاً للرؤية التركية، تفكيك هذه القوات وتسليم ترسانتها العسكرية للقيادة الجديدة؛ ومن المتوقع أن تشترط تركيا على القيادة الجديدة فى دمشق اتخاذ خطوات فاعلة نحو تفكيك قوات سوريا الديمقراطية كأساس لتعاون استراتيجى أوسع بين تركيا ودمشق مستقبلاً.

ثانياً، تحييد الدعم السياسى الذى يمكن أن تقدمه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" باعتبارها الحليف المحلى للولايات المتحدة داخل سوريا، بمعنى أن تركيا ستعمل على منع أى نوع من المساندة السياسية الأمريكية لأى قرار سياسى يتضمن توفير مظلة دولية لانفصال أكراد سوريا بمناطق إدارتهم الذاتية على غرار ما تقدمه من سياسات داعمة للأكراد العراقيين فى إقليم كردستان العراق. لكن يظل هذا الهدف رهناً بطبيعة التعاطيات التى سيبديها ترامب مع الحدث السورى الجديد، وربما تحاول تركيا القياس على تعاطياته خلال فترة رئاسته الاولى (2017- 2021)، حينما قرر فى عام 2019 خفض عدد القوات الأمريكية الموجودة فى شمال شرق سوريا، وسحب جزء منها بالرغم من تراجعه عن هذا القرار، مع ملاحظة أن الظرف الإقليمى والدولى الحالى يختلف إلى حد كبير عما كان عليه الوضع خلال فترة رئاسته الأولى.

ثالثاً، زيادة مستوى النفوذ السياسى التركى فى سوريا فى ظل تراجع النفوذ الروسى والإيرانى؛ ومن ذلك اتجاه أنقرة إلى ترسيخ دورها كقوة إقليمية فاعلة باتت قادرة على إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمى فى سوريا من جديد، وهى فى سبيل ذلك ستعمل على تبنى خطاب سياسى يغلب عليه تقديم خيارات التعاون السياسى والعسكرى وطرحها على القيادة السورية الجديدة؛ وهى خيارات متعددة تبدأ بإعادة فتح السفارة التركية فى دمشق، وتشمل مساراً طويلاً من التعاون والتدريب العسكرى، ونقل خبرات "إدارة الدول" للقيادة السورية المؤقتة، فضلاً عن المساهمة فى إعادة الإعمار، ودفع الشركات التركية لدخول السوق السورية...إلخ. أى ستسعى تركيا لإقامة "علاقات تعاون استراتيجية" مع إدارة سوريا الجديدة فى مجالات متعددة.

رابعاً، الحفاظ على "سوريا واحدة موحدة"؛ ففى 6 يناير 2025، صرح الرئيس رجب طيب أردوغان بأن أنقرة لن تقبل تقسيم سوريا بأى حال من الأحوال؛ وأنه سيتخذ "الإجراءات اللازمة" لمنع مثل هذا السيناريو. ورغم وجاهة هذا الهدف الذى يتلاقى مع رؤية الدول العربية بشأن مستقبل سوريا، إلا أن تركيا تستهدف منه ضمان أمنها القومى الذى سيصبح مُهدَداً بشكل مباشر إذا ما تم تقسيم سوريا؛ لأن هذا التقسيم سيتضمن بالضرورة قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية، وهو ما دفع أردوغان إلى إعلان استعداده القيام بعملية عسكرية واسعة ومباشرة يشنها الجيش التركى نفسه، لإجهاض مثل هذا السيناريو، وليس عبر وسيط محلى مدعوم منه.

خامساً، ترسيم الحدود البحرية مع سوريا مستقبلاً؛ حيث أعلنت الحكومة التركية عن رغبتها فى التوصل لاتفاق سياسى جديد لتقسيم الحدود البحرية فى البحر المتوسط بين البلدين، على أن يؤجل إبرام مثل هذا الاتفاق حتى يتم تشكيل حكومة دائمة فى دمشق. وهذا يعنى أن تركيا تسعى إلى مزيد من النفوذ البحرى فى شرق المتوسط بهدف التنقيب عن البترول والغاز، على حساب سوريا الجديدة.  

موقف الإدارة السورية الجديدة

لم تبد الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع تفاعلاً واضحاً ومباشراً مع حالة التصعيد العسكرى الذى تشهده مناطق فى شمال سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وبين الجيش الوطنى السورى المدعوم من تركيا عسكرياً، لاسيما فى عين العرب "كوبانى" بمحافظة حلب. وبالرغم من الاختلافات الجوهرية بين هيئة تحرير الشام وبين الجيش الوطنى السورى- مع أن مصدر دعمهما واحد وهو تركيا- إلا أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" تتخوف من لحظة يتوافق فيها الطرفان على محاربتها. وإن كان هذا التخوف لا يوجد ما يؤكده، على الأقل فى الوقت الراهن، بالنظر إلى الاجتماع الذى عقده أحمد الشرع مع مظلوم عبدى القائد العام لقوات "قسد" فى 30 ديسمبر 2024، لمناقشة الأوضاع العسكرية وآليات التنسيق، وهو اجتماع قيل عنه أنه كان إيجابياً، بالإشارة إلى تصريحات عبدى التى قال فيها أن قوات سوريا الديمقراطية لا تستهدف الانفصال عن جسد الدولة وكل ما تريده هو الحصول على ضمانات لحقوق اجتماعية وثقافية تتعلق بالأكراد ضمن الدستور السورى الجديد، وبالتالى فلا يوجد مبرر لدى القيادة السورية الجديدة لدخول مواجهة مع قوات "قسد". فى الوقت نفسه، ثمة رأى يقول أن الشرع غير مضطر حالياً لدخول صراع مع "قسد"، بالنظر إلى قوة أخرى تقوم بهذه المهمة وهو الجيش الوطنى السورى المدعوم أيضاً من تركيا، وبالتالى فإن المواجهة بين الأخير وقوات "قسد" ستنهك الطرفين، وهو ما يصب مباشرة فى صالح القيادة السورية الجديدة.

فى السياق نفسه، عملت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على إثبات حسن نواياها تجاه الأوضاع الجديدة فى سوريا، وتجاه قيادة هيئة تحرير الشام لمسار التحول فى المشهد السياسى، وذلك بسعيها لاحتواء الموقف مع الجيش السورى الوطنى المدعوم من تركيا، عبر الانسحاب من ساحة التصعيد معه فى مدينة منبج (غرب الفرات) بمحافظة حلب بهدف التاكيد على سعيها لدعم ظروف محفزة تدفع نحو بدء عملية سياسية جديدة فى سوريا. وبالرغم من ذلك، اتجه الجيش السورى الوطنى إلى شن هجوم واسع على "قسد" فى عين العرب كوبانى (شرق الفرات) بالمحافظة نفسها، وهو ما ترجمته "قسد" بسعى تركيا - عبر الجيش السورى الوطنى – إلى دخول مناطق تمركزها فى شرق الفرات بما يعنى تهديد وجودها بصورة مباشرة فى الرقة والحسكة وباقى مناطق الإدارة الذاتية الكردية. فى السياق نفسه، يحاول تحالف مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" الظهير السياسى لقوات سوريا الديمقراطية توجيه خطاب سياسى هادئ النبرة للقيادة السورية الجديدة بقيادة الشرع لدفعها إلى دعم "تسوية سياسية" بين الإدارة الذاتية الكردية السورية وبين تركيا. لكن حتى اللحظة لم تبد القيادة السورية الجديدة تفاعلاً أو تجاوباً مباشراً مع هذا الطرح، بدليل الأنباء التى تم تداولها بشأن الاجتماع الذى عقده أحمد الشرع مع مظلوم عبدى والذى اقتصر على مناقشة التنسيق العسكرى وتطورات الأوضاع فى شمال شرق سوريا دون التطرق لأى ترتيبات سياسية.   

الموقف الأمريكى

الموقف الأمريكى من الحليف السورى المحلى ممثلاً فى قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وفى ضوء المشهد السورى الجديد سيظل رهناً لتفاعلات الإدارة الأمريكية المنتخبة التى ستتولى مهامها فى 20 يناير 2025. وقد تفاعلت إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن مع التصعيد العسكرى فى منبج بين قوات "قسد" والجيش السورى الوطنى المدعوم من تركيا، عبر إرسال تعزيزات أمنية عسكرية من قواعدها للإشراف على وقف التصعيد بين الجانبين، وجاء تحرك القوات الأمريكية على الأرض، خلال الأسبوع الأول من يناير 2025، بهدف تقييد التهديدات التركية المتصاعدة بشن هجوم مباشر على قوات "قسد" فى منبج، وفى عين العرب (كوبانى) كذلك.  

مما سبق، يتضح أن التطورات التى شهدتها سوريا على مدار شهر مضى منذ سقوط نظام الأسد فى 8 ديسمبر 2024، وضعت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" أمام تحديات تتعلق بوجودها ضمن خريطة المشهد السياسى والعسكرى فى سوريا مستقبلاً؛ وأن تركيا باعتبارها الرابح الأكبر فى المشهد السورى الجديد تتجه لحسم خياراتها بشأن "المتغير الكردى السورى" فى علاقتها مع القيادة السورية الجديدة عبر خيارين: الأول، دفع تلك القيادة إلى تفكيك قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وما يعنيه هذا بالضرورة من تفكيك قوات وحدات الشعوب التابعة لحزب الاتحاد الكردى السورى المتماهى مع حزب العمال الكردستانى التركى المعارض. والثانى، احتمال قيام الجيش التركى، بالتعاون مع الجيش السورى الوطنى، بشن عملية عسكرية واسعة ضد "قسد" فى المناطق التى تشهد تصعيداً مباشراً فى منبج وعين العرب. فى المقابل، تبدو "قسد" أمام خيارات محدودة وترتبط بموقف الحليف الأمريكى، وما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستولى اهتماماً بإنقاذ حليفها المحلى السورى، أم أنها ستتبع مساراً يقضى بالخروج من سوريا، ومن ثم بفك الارتباط معه، ما يعنى ترك "قسد" أمام سيناريو صعب للغاية فى مواجهة مزدوجة ما بين تركيا من ناحية، وتفاعلات القيادة السورية الجديدة مع الأوضاع السورية المتغيرة من ناحية ثانية.