تعد هذه الكراسة ذات طبيعة خاصة؛ حيث إنها تتناول الإسهام العلمي للأستاذ الدكتور عليّ الدين هلال حول الصراع العربي – الإسرائيلي وكيفية دراسة إسرائيل من الداخل أو من الخارج، وهو الإسهام الذي جاء معظمه منذ نحو 50 عاما، خلال عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، والذي قدمه منفردا، أو في إطار الفرق البحثية التي شكلها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، حينما كان الدكتور هلال رئيسا لوحدة النظم السياسية بالمركز، هذه الفرق التي تعاملت مع دراسة إسرائيل كتكليف سياسي ومهمة وطنية؛ في وقت كان الاقتراب من الشأن الإسرائيلي طاغيا على الهموم المصرية والعربية، على أثر نكسة 1967، وقبل وبعد رد الاعتبار وتحقيق نصر أكتوبر 1973.
لقد أنتج الدكتور عليّ الدين هلال وفرقه البحثية سلسلة من المؤلفات العلمية، لها قيمتها في تعميق الوعي المصري والعربي بإسرائيل، وتزداد أهميتها في اللحظة الراهنة ومنذ هجمات 7 أكتوبر 2023، التي تحولت إلى حرب مفتوحة في جبهات متعددة، وهي اللحظة التي جسدت فيها إسرائيل ملامح ذاتها ومؤسساتها وصفات سياستها وجدالات نخبها وسلوكها العسكري، بحيث تطابق بشكل كامل مع الاستنتاجات التي خلص إليها الدكتور عليّ الدين هلال خلال هذه الفترة المبكرة من عمر الصراع العربي - الإسرائيلي. من ثم، تؤكد تلك المؤلفات بأثر رجعي صحة وسلامة تلك الاستخلاصات والنتائج، وتشير إلى قيمة الدراسة العلمية والاستراتيجية المعمقة في توجيه بوصلة الحاضر واستشراف آفاق المستقبل.
في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، وممارسات إسرائيل في المنطقة بعد 7 أكتوبر 2023، طُرحت على الذهن العربي العام أسئلة كثيرة، بدت كأننا نطرحها للمرة الأولي. لكن ما ينبغي معرفته هو أن جيلا متقدما طرح هذه التساؤلات منذ نحو 50 سنة وأكثر، وأجاب عنها إجابات علمية، من المهم استعادتها إلى الذاكرة التاريخية لتساعد على فهم الواقع الراهن، الذي بدا مفاجئا وصادما، ولم يكن كذلك إلا بسبب انقطاع معارفنا عن إسرائيل وتكوينها ووعينا بسياساتها ونخبها وصناعة قرارها.
يطرح المشهد الإسرائيلي عام 2024، السؤال حول: ما طبيعة القرار السياسي في إسرائيل، في ظل المفارقة بين ما يبدو من انقسام سياسي واجتماعي داخلي شديد، مع التوافق السياسي والعسكري الداخلي الصلب على إدارة حرب ممتدة في الإقليم، يجري التعامل معها كمهمة وطنية أولى للدولة والنخبة والمجتمع في إسرائيل؟ وكيف تمكن المكون اليميني في الحكومة ورئيس الوزراء نيتانياهو من توجيه الدولة والمجتمع الإسرائيلي وشد معظمه نحو قرار استمرار وتوسيع الحرب، وتجاوز تقاليد وثوابت في السياسة الإسرائيلية؟ هذه الأسئلة كانت ضمن اهتمامات الدكتور عليّ الدين هلال منذ أكثر من خمسة عقود، وقدم إجابات عنها تفيد كثيرا في فهم الحاضر.
تقتضي تفاعلات اللحظة الراهنة إعادة طباعة وقراءة كتاب “تكوين إسرائيل” للدكتور عليّ الدين هلال، والكتب الخاصة بإسرائيل، الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لكي تعرفها الأجيال الجديدة، ولإعادة لملمة الذاكرة العربية بشأن طبيعة إسرائيل وعقلها السياسي وأفكار نخبها وسلوكها العسكري. فقد حدث “شبه انقطاع” معرفي عن التوعية بإسرائيل منذ إبرام معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979، وبدأت كثير من المطبوعات المتخصصة حول إسرائيل تتوقف عن الصدور. وفي بعض الفترات جرى إنشاء جمعيات وتغيير مناهج دراسية بهدف تكريس ثقافة السلام، فيما استمروا هم (على الجانب الإسرائيلي) في اختزان وتطوير مفاهيم الصراع ونظريات الأمن والحروب.
لكل ذلك، فإن الإسهامات العلمية المبكرة للدكتور عليّ الدين هلال وفرقه البحثية في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام تعد محل احتياج في اللحظة الراهنة، لتقديمها لأفضل ذخيرة علمية للأجيال المصرية الجديدة؛ وليس علينا سوى قراءة هذا الإنتاج العلمي حول إسرائيل وإعادة اكتشافه.