سعيد عكاشة

خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

في 27 أكتوبر 2024 وبعد يومين فقط من الهجمات التي شنتها إسرائيل ضد إيران، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريراً ذكرت فيه أن "وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت انتقد بشدة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته وأخبرهم في رسالة قبل ضربة إيران بأن الحرب تشن بدون بوصلة"، وأن مكتب نتنياهو رد على تصريحات جالانت بقوله أن "رسالته محيرة، لأن أهداف الحرب وبوصلتها هي كما حددها مجلس الوزراء".

الخلاف بين نتنياهو وجالانت ليس جديداً، ولكن فحص جوانب الخلاف الأخير والخلافات الأسبق بينهما منذ شهر مارس من العام الماضي، تكشف عن أنه خلاف حول كيفية تحقيق الأهداف وليس حول الأهداف ذاتها، أو بمعنى آخر هو خلاف يكتسب طابعاً تكتيكياً أكثر من كونه استراتيجياً.

ويبدو السؤال الهام هنا: هل تؤثر الخلافات بين الرجلين على مسار تلك الحروب في الأمد المنظور؟، وهل يمكن لنتنياهو الإطاحة بجالانت قبل نهايتها؟، وما هو التأثير المحتمل لإقالة جالانت (إذا ما قرر نتنياهو ذلك) على تماسك الائتلاف الحاكم، وكذلك ما هي ردود الفعل المنتظرة من جانب الرأي العام الإسرائيلي على ذلك؟

قبل محاولة الإجابة على تلك التساؤلات، يمكن رصد القضايا الخلافية بين الجانبين على النحو التالي:

1- مطالبة يؤاف جالانت في مارس 2023 بتعليق العمل بخطة التعديلات القضائية التي قدمتها حكومة نتنياهو، وتسببت في انقسام الرأي العام الإسرائيلي، واندلاع مظاهرات حاشدة، تطورت لإعلان عصيان مدني. ورغم ذلك، أعلن نتنياهو إقالة جالانت من منصبه، مما تسبب في زيادة حدة المظاهرات، وأُجبر نتنياهو على التراجع عن قرار الإقالة بعدها بأيام قليلة (بالتحديد في 11 أبريل 2023).

2- عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، دافع جالانت عن وجهة نظره بضرورة البدء في شن حرب على حزب الله الذي ساند حماس وقام بشن هجمات من الجنوب اللبناني ضد الأراضي الإسرائيلية، مما أجبر الحكومة على اتخاذ قرار بترحيل سكان الشمال بعيداً عن مسرح القتال. وعلى حين كان جالانت يطبق المبدأ المعروف للمفكر الشهير كلاوسفيتس الذي ينص على أنه في حالة اضطرار دولة ما لخوض حرب متعددة الجبهات، فعليها أن تبدأ بالجبهة الأقوى، فإن نتنياهو ومجلس الحرب الذي تشكل في 12 أكتوبر 2023، الذي ضم بيني جانتس - رئيس حزب معسكر الدولة المعارض - ومعه عضو الحزب جادي ايزنكوت، إلى جانب جالانت ونتنياهو، ووزير الشئون الاستراتيجية رون دريمز، رفض اقتراح جالانت مؤكداً على أولوية جبهة غزة.

3- في 30 ديسمبر 2023، منع نتنياهو رئيس الموساد ديفيد برنياع، ورئيس الشاباك رونين بار، من المشاركة في جلسة مع جالانت لتنسيق قضايا عملياتية أمنية حساسة، وذلك بعد أقل من أسبوع من منعه (أي نتنياهو) كلاً من رئيس الموساد ورئيس الشاباك من المشاركة في جلسة مع جالانت كانت مخصصة لقضية الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين لدى حماس.

4- هاجم  جالانت رئيس الموساد ديفيد برنياع بعد عودته من إحدى الرحلات خارج البلاد على خلفية إدارة قضية الإفراج عن المختطفين. واحتج خلال جلسة شارك بها الاثنان بحضور نتنياهو على إدارة برنياع الملف مع الوسطاء. 

5- في 4 يناير 2024 وفي مؤتمر صحفي، أكد جالانت - بالمخالفة لموقف نتنياهو - على أن إسرائيل لا تنوي حكم قطاع غزة، وأن إدارة مدنية مكونة من عناصر فلسطينية هي التي ستتولى هذه المهمة بشرط ألا يكون أعضاؤها معادين لدولة إسرائيل ولا يستطيعون العمل ضدها. في المقابل، كان نتنياهو يتجاهل الحديث في هذا الملف، ويلمح إلى احتلال القطاع وإدارته عسكرياً لسنوات طويلة قادمة.

6- في 12 يناير 2024، نشبت أزمة كبيرة بين نتنياهو وجالانت بعد أن منع الأول مدير مكتب الثاني من حضور اجتماعات مجلس الحرب، كما منعه من الاجتماع مع رئيس الموساد الذي كان يتولى ملف مفاوضات الرهائن، مما أدى إلى انسحاب جالانت من أحد هذه الاجتماعات، وحينها ظهرت تقارير إعلامية تشير إلى أن نتنياهو بدأ في محاصرة جالانت لإجباره على الاستقالة. وبعدها علل نتنياهو قراراته تلك باتهامه لجالانت ورجاله بتسريب ما يجري في اجتماعات مجلس الحرب لوسائل الإعلام.

7- في 15 مايو 2024، دعا جالانت نتنياهو إلى اتخاذ إجراء واضح فيما يتعلق باليوم التالي لنهاية الحرب في غزة، حيث قال في هذا الصدد: "أدعو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى اتخاذ قرار وإعلان أن إسرائيل لن تفرض سيطرة مدنية على قطاع غزة، وأن إسرائيل لن تقيم حكماً عسكرياً في قطاع غزة، وأنه سيتم طرح بديل لحكم حماس في قطاع غزة على الفور".

8- في شهر يونيو 2024، عارض جالانت مشروع قانون خفض سن الإعفاء من الخدمة العسكرية لشباب الطائفة الحريدية، وهو المشروع الذي قدمته الأحزاب الحريدية بدعم صريح من نتنياهو.

9- في 12 أغسطس 2024، طالب جالانت بانسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فلادلفيا لمدة ستة أسابيع، مقابل عقد صفقة مع حماس للإفراج عن الرهائن، معللاً ذلك بأن التهديد القادم من جنوب غزة لن يكون كبيراً بعد أن فقدت حماس معظم قوتها العسكرية، كما يمكن للجيش الإسرائيلي العودة إلى هناك في أي وقت يحدده، وهو ما رفضه نتنياهو وكل أعضاء الحكومة المصغرة (الكابينت).

10- في  4 سبتمبر 2024، بعث وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي وأربعة أعضاء كنيست من حزب الليكود برسالة إلى جالانت طالبوه بتقديم استقالته، وتهرب نتنياهو عندما سُئِل عما إذا كان سيقيل جالانت بقوله: "أنا لا أنشغل بالسياسة أثناء الحرب".

بفحص المواقف العشرة السابقة، يمكن الكشف بوضوح عن أبعاد الخلافات بين نتنياهو وجالانت، والتي تؤكد أنها خلافات في الوسائل وليس في الغايات. ففي أزمة التعديلات القضائية، كان جالانت من أنصار "تعليقها مؤقتاً" وليس "إلغائها "كما كانت القوى المعارضة وجزء من الرأي العام الإسرائيلي تريد.

وعندما كان جالانت يفضل البدء بالتعامل مع جبهة حزب الله، لم يكن ذلك يعني ذلك أنه مستعد للتنازل عن هدف القضاء على حماس، وقد شدد دوماً على ضرورة القضاء عليها عسكرياً، ومنعها من حكم القطاع، ولم يمتلك جالانت الشجاعة للقول بإمكانية عودة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع، ليس خوفاً من نتنياهو بل خوفاً من الرأي العام الإسرائيلي الذي كان يرفض أي تحرك يمكن أن يٌفضي إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقبلاً.

أما فيما يتعلق باحتلال محور فلادلفيا، فإن خلاف جالانت مع نتنياهو كان فقط حول الأسلوب الأمثل لاستعادة الرهائن، بالتضحية مؤقتاً والخروج من  المحور لمدة ستة أسابيع، ثم العودة لاحتلاله مجدداً بعد الإفراج عن الرهائن. وبشكلٍ عام، بدت معظم اقتراحات جالانت المخالفة لموقف نتنياهو غير منطقية وغير عملية، لافتقارها إلى بدائل حقيقية، وهو ما أضعف موقفه داخل الائتلاف الحاكم وأمام الرأي العام الإسرائيلي، ومن ثم ارتفعت أصوات عديدة داخل الائتلاف تطالب بإقالته.

مدى تأثير مواقف جالانت على مسار الحرب

من الواضح تماماً أن تأثير آراء جالانت على مسار الحرب منذ انطلاقها على أكثر من جبهة لم يكن كبيراً، وفي أغلب المواجهات مع نتنياهو خسر جالانت، وحتى اللحظة يبدو الأخير معزولاً تماماً عن حسم القرارات الأمنية الأكثر خطورة، حيث بدا من خلال التقارير الإعلامية التي نٌشرت مؤخراً في الصحف الإسرائيلية، أنه لم يكن راضياً عن الحجم المحدود للضربة الإسرائيلية التي وجّهت لإيران في 26 أكتوبر الجاري، وأن اعتراضه لم يغير من قرارات نتنياهو في هذا الشأن. كذلك، يبدو موقف جالانت من الحرب على جبهة المواجهة مع حزب الله متناقضاً، فهو يدافع عن لجم التصعيد معه، ولكنه لا يقدم تصوراً لكيفية تحقيق هدف الحرب في هذه الجبهة - إبعاد حزب الله إلى نهر الليطاني وإعادة سكان الشمال إلى ديارهم - بدون حدوث التصعيد!

هل يتأثر الائتلاف الحاكم بإقالة جالانت؟

رغم أن نتنياهو كان وما يزال يرغب في الإطاحة بجالانت من منصبه كوزير للدفاع، سواء بسبب تحديه العلني له، أو بسبب مطالبة العديد من أعضاء الليكود وبعض أحزاب الائتلاف الحاكم بتنحيته عن منصبه، إلا أن نتنياهو لا يرغب في المغامرة بإقالة جالانت في الوقت الراهن، حيث يمكن أن تثير إقالته ردود فعل سلبية في أوساط الرأي العام الإسرائيلي، كما حدث في أزمة إقالته على خلفية خطة التعديلات القضائية – كما سبقت الإشارة إلى ذلك - حيث بيّن استطلاع للرأي أجرى في 20 سبتمبر الماضي بواسطة صحيفة "معاريف" أن 52% من الإسرائيليين يعارضون إقالة وزير الدفاع، واستبداله بعضو الكنيست جدعون ساعر. وأظهر الاستطلاع تأييد 24% لإقالته، في حين أجاب  24% من المشاركين بأنهم لا يعرفون.

ورغم أن هذه النتائج قد تتغير في حال ما إذا كان المرشح المحتمل لخلافة جالانت شخصاً آخر غير جدعون ساعر الذي لا يمتلك أي خبرة عسكرية أو أمنية، إلا أن نتنياهو ليس لديه خيارات أخرى يمكن أن تقنع الجمهور بالاستغناء عن جالانت، ومن ثم ليس من المرجح أن يقدم نتنياهو على إقالته حالياً. ويمكن القول في ظل ضعف تأثير جالانت على قرارات الحكومة أنه سواء بقى في منصبه أم تمت الإطاحة به، فإن تأثيره على تماسك الائتلاف ليس كبيراً في الحالتين.

وأخيراً، فإن المفارقة الحقيقية في قضية الصراع بين نتنياهو وجالانت هي أن مصيرهما يبدو مرتبطاً إلى حد بعيد، فالمحكمة الجنائية الدولية أصدرت في شهر مايو الماضي توصية بتوجيه الاتهام لكل من جالانت ونتنياهو بارتكاب جرائم حرب. كما أن اللجنة القومية التي ستشكل بعد نهاية الحرب للبحث عن مسئولية كليهما عن الإخفاق في توقع هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، من المحتمل أن تدينهما معاً.

أيضاً، رغم أن جالانت من أكثر المدافعين عن الاستيطان والمستوطنين، ورغم رفضه، على غرار نتنياهو، لحل الدولتين، إلا أن اليمين الإسرائيلي كممثل أصيل لهذه التوجهات يشعر بالغضب نتيجة ما يسمونه "محاولة جانتس منع الجيش الإسرائيلي من تحقيق الانتصار النهائي على كل خصوم إسرائيل"!!