منذ أن ظهرت المزاعم الخاصة بوجود تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، والتي نجح فيها الرئيس السابق دونالد ترامب -المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في 5 نوفمبر 2024- بدا جلياً أن مسألة التدخل في الانتخابات الأمريكية ومحاولات التأثير فيها تحولت إلى محور رئيسي في التفاعلات التي تجري على الساحة الداخلية الأمريكية، وعلى مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تواجه اتهامات في هذا الصدد، ولاسيما روسيا والصين وإيران.
فعلى مدار السنوات الثمانية الماضية، تنامت أنشطة قوى عديدة على الساحة الدولية تهدف إلى إعادة توجيه السياسة والرأي العام الأمريكي من خلال التأثير على توجهاتهم، بالإضافة إلى الهجمات السيبرانية المتكررة التي استهدفت العديد من المؤسسات الأمريكية وحملات المرشحين من أجل الحصول على أي معلومات واكتشاف مواطن الضعف في البنية التحتية الأمريكية على نحو يمكن أن يساهم في تسهيل عملية الاختراق والتلاعب.
وإلى جانب روسيا، برز الحديث عن طرفين رئيسيين اتسمت العلاقات بينهما وبين الولايات المتحدة الأمريكية بالتوتر المتصاعد، وهما إيران والصين. وفي الشهور الأخيرة، ظهر اسم إسرائيل بجانب هذه الدول على الرغم من أنها تؤسس علاقة تحالف متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها أيضاً تحاول التأثير في التوجهات الأمريكية لضمان مصالحها في ترسيخ هذا التحالف واستمرار تدفق شحنات الاسلحة بلا توقف، والتحكم في الرواية الخاصة عن حرب غزة. وفي هذا السياق، يكتسب الحديث عن التقنيات والوسائل التي يوظفها هؤلاء الفاعلون للتأثير على الانتخابات القادمة والسياسة الأمريكية بشكل عام أهمية خاصة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- الحسابات المزيفة وتضليل الرأي العام الأمريكي
لم تعد مسألة إنشاء حسابات مزيفة أمراً سهل الكشف، فالقائمون على إنشاء هذه الحسابات أصبحوا يبذلون جهوداً في إظهار تلك الحسابات وكأنها لأشخاص حقيقيين لهم حياة ومغامرات وتفاعل حقيقي على منصات التواصل الاجتماعي، وكل ذلك من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت قادرة على خلق صور من العدم تبدو حقيقية ويصعب على رجل الشارع العادي كشف زيفها.
فمثلاً، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، في 5 يونيو 2024، أن وزارة الشتات الإسرائيلية خصصت 2 مليون دولار لصالح شركة تسويق إسرائيلية "ستويك Stoic"، وذلك لشن حملة تستهدف السياسيين ونواب الكونجرس والرأي العام الأمريكي من أجل استدرار التعاطف في حرب غزة. وقد أنشأت الشركة حسابات وهمية تنتحل صفة سيدات يهوديات في منتصف العمر، وينشرن محتوى باستخدام صور مزيفة مصنوعة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وقالت الصحيفة أن الحملة ركزت بشكل أساسي على الأعضاء السود في الكونجرس من الحزب الديمقراطي. كما أسست الشركة الإسرائيلية ثلاثة مواقع إخبارية مزيفة تتحدث باللغة الانجليزية على موقع X، تويتر سابقاً[1]. وعلى إثر هذا، قامت شركة "ميتا Meta" المالكة لشركة "فيس بوك" بمسح مئات من الحسابات الوهمية تلك التي أنشأتها "ستويك".
وصدرت مزاعم أخرى على عهدة باحثين في مجال الانترنت وشركات التكنولوجيا بالإضافة إلى مسئولين استخباريين أمريكيين بأن حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تحركها على الأقل ثلاث شركات روسية مدعومة من الحكومة تنشر محتوى يضخم من القضايا الخلافية في المجتمع الأمريكي، مثل قضايا الهجرة والتظاهرات في الجامعات الأمريكية والمساعدات العسكرية لأوكرانيا. والهدف من هذه الحسابات الوهمية هو خلق حالة من الجدل، حيث تقوم هذه الحسابات الوهمية بإثارة رأي أو موقف ما من خلال المنشورات أو التعليقات، يثير حفيظة الناس فيتجادلون مع بعضهم، فيما يطلق عليها "عملية Doppelganger". وقد وضع الأمريكيون تصوراً لطبيعة هذه العملية، يقوم على أنها جهاز إعلامي ضخم مؤثر يضم أجهزة الاستخبارات الروسية، وقراصنة إلكترونيين، وقوالب ساخرة جاهزة تلك التي يتم استخدامها على مواقع التواصل الاجتماعي لتوصيل الفكرة أسرع عن طريق السخرية. فيما وصل الأمر إلى توقع الأمريكيين بأن العملية بأكملها تخضع لإشراف كامل من الرئاسة الروسية، إن لم يكن بوتين شخصياً. وقد استطاعت الأطراف الروسية تحويل الهجوم على الديمقراطيين من بايدن إلى هاريس سريعاً بمجرد انسحاب الأول من السباق الرئاسي.
وعلى إثر هذا، اتخذت إدارة بايدن إجراءات قضائية في 4 سبتمبر 2024 لمواجهة التلاعب الروسي، حيث وجهت النيابة التهم الجنائية ضد اثنين من المواطنين الروس، وفرضت عقوبات على عشر كيانات وأفراد، وصادرت 32 حقلاً على الانترنت. وفي إحدى الوثائق التي حصل عليها الادعاء من واحدة من الشركات الثلاث محل الاتهام وتدعى Social Design Agency SDA، ذكرت أن الهدف من الحملة هو دعم المرشح دونالد ترامب دون أن تصرح باسمه، أو أي مرشح من الحزب الجمهوري، كما صنعت هذه الشركة محتوى موجهاً خصيصاً للولايات الست المتأرجحة يلعب على أوتار خسارة البيض لوظائفهم لصالح الدخلاء والمهاجرين من غير البيض، فضلاً عن تصاعد خطر الجريمة الذي يتسبب فيه الوافدون الأوكرانيون. كما اتهمت وزارة العدل الأمريكية مواطناً روسياً آخر يعمل في شبكة روسيا اليوم RT بإدارة شبكة قوامها ألف حساب على مواقع التواصل الاجتماعي ينشرون محتوى مغلوطاً عن الحرب في أوكرانيا وموضوعات أخرى وكأنهم مواطنون أمريكيون[2].
ورغم العداء الذي يبدو مستعراً بين الصين والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، إلا أنه يبدو أن الصين كانت قد فضلت الأخير على بايدن وقت أن كان مرشحاً، لكن من غير المعلوم إن كان هذا التفضيل ما زال قائماً بعد أن أصبحت كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي أم لا. وقد أشار مسئولون بالاستخبارات وباحثون أمريكيون في مجال الأمن السيبراني إلى رصد حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبطة بمجموعة صينية تدعى "ستورم 1852"[3]، فيما عرفت العملية باسم "دراغون بريدج Dragon Bridge"، تتنكر وكأنهم مواطنون أمريكيون مؤيدون لترامب ويستخدمون شعاره المشهور "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً (ماغا) Make America Great Again MAGA". وتقوم هذه الحسابات بزرع الشكوك في أذهان الرأي العام الأمريكي بخصوص قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة العالم، خاصة تحت قيادة جو بايدن، ثم لاحقاً كامالا هاريس، وتعزز روح الانقسام الداخلي خاصة في قضايا جدلية في المجتمع الأمريكي كالهجرة والجريمة، وحظر تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة الأمريكية.
الأمر لا يتوقف عند إنشاء الحسابات الشخصية الوهمية وخلق حالة من اللغط على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يمتد إلى تأسيس مواقع إخبارية تبدو موثوقة تنشر الأخبار والتحليلات المغلوطة تخلط فيها بين الحقيقة والوهم في محاولة لنسج تصورات في عقلية الناخب الأمريكي تخدم مصالح هؤلاء الفاعلين. والغرض الأساسي من كل تلك المحاولات هو بناء تصور معين عن النظام الأمريكي وعن الساسة الأمريكيين، هذا التصور يجعل الناخب يتخذ قرارات تصويتية تصب في مصلحة أي من تلك الأطراف المتلاعبة.
فمثلاً، كشف تقرير لـ"واشنطن بوست" أن مدير تحرير موقع "جراي زون Grayzone" يتلقى تمويلاً من وكالة أنباء مملوكة لروسيا وإيران. ولطالما كان هذا الموقع مثيراً للجدل في نوعية الأخبار والتوجهات التي يتبناها والتي يراها الأمريكيون تخدم المصالح الروسية والإيرانية ومضادة لإسرائيل.
ويبقى السؤال هنا هو كيف اكتشفت "واشنطن بوست" هذه الصلة؟
في عام 2022، تم اختراق بعض رسائل البريد الإلكتروني وتسريب وثائق باللغة الفارسية على تطبيق تليجرام تشير إلى مدفوعات إلى مدير تحرير الموقع ويدعى ويات رييد من وكالة أنباء تليفزيونية ممولة من الحكومة الإيرانية. ولطالما كان ريد شخصية مثيرة للجدل، فقد عمل سابقاً لدى وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك Sputnik"، لذا فهو ليس شخصاً جديداً أو مفاجئاً، وكذا فإن أبرز الصحفيين العاملين في هذا الموقع قد عملوا سابقاً لدى موقع سبوتنيك وروسيا اليوم[4]. ومن جانبه، رد مؤسس الموقع على هذه الاتهامات الموجهة إلى مدير تحرير الموقع، مشيراً إلى أنها أموال تقاضاها رييد نتيجة ظهوره كمحلل في عدد من الفقرات الإخبارية على التلفزيون الإيراني.
وكانت هذه القضية هي الأبرز طوال عام 2024، حتى 4 سبتمبر 2024 حين وجهت الجهات القضائية الأمريكية التهم الجنائية لاثنين من العاملين في موقع روسيا اليوم باعتبارهم المسئولين عن ضخ 10 مليون دولار لإنشاء شركة في ولاية تينيسي تكون واجهة لصناعة محتوى إعلامي ونشر مقالات إخبارية تروج لترامب وسياسيين آخرين، وترتبط هذه الشركة بعدد من المؤثرين من اليمين المتطرف الذين لديهم ملايين المشتركين على موقع "يوتيوب".
بالإضافة إلى ذلك، تم رصد مواقع إخبارية تستخدم أسماء لامعة مثل دي سي ويكليDC. Weekly ، أو بوسطن تايم، توحي للقارئ وكأنه موقع إخباري شرعي أو موثوق، أو مواقع تستخدم شعاراً مزيفاً للمواقع الإخبارية المعروفة، تنشر فيها أخبار وروايات تمتزج فيها الحقيقة باللغط، تصنع اضطراباً في الروايات السائدة في الوعي الأمريكي، غرضها تضخيم حجم الأصوات الأمريكية المنادية بتقليص دعم الناتو وأوكرانيا في حربهما ضد روسيا، وإفقاد الرأي العام الأمريكي الثقة في مؤسساته.
وعليه، رصدت شركة "نيوز جارد News Guard" المعنية بتتبع المعلومات المغلوطة على الانترنت، شبكة من 167 موقع إخباري محلي مستقل باللغة الانجليزية كلها ترتبط بمأمور سابق من فلوريدا يعيش الآن في موسكو. كل هذا العدد المرصود، وغير المرصود، يسهم في تعقيد المشهد في تتبع مصادر المعلومات المغلوطة أو بمعنى أدق خلط الحقيقة ببعض التحليلات المضللة خدمة لمصالح أطراف خارجية.
أما عن التهديد الإيراني، فقد صرحت أفريل هاينز Avril Haines، مديرة وكالة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، في جلسة أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن إيران تسعى لتقويض ثقة الأمريكيين في مؤسساتهم الديمقراطية، حيث أطلقت مزاعم بأن فاعلين تابعين لإيران قد نشروا محتوى يدعون فيه حدوث تزوير في انتخابات عام 2020 والتي فاز فيها بايدن على ترامب وكأنهم من مجموعة "Proud Boys" اليمينية المتطرفة، في محاولة لتعميق الانقسام الدائر في المجتمع الأمريكي آنذاك. ولكن يتوقع المحللون أن تقتصر التدخلات الإيرانية على بعض القضايا المحددة، ويشيرون إلى أنه في ظل حرب غزة، فإن الموقف الإيراني من الانتخابات الأمريكية القادمة يعتبر أقل وضوحاً من الموقف الروسي مثلاً، لأن كلا المرشحين بالنسبة لإيران "ليسوا جيدين"، بحسب قول المحللين[5]. إلا أن العديد من المسئولين الأمريكيين على الجانب الآخر يقللون من تأثير الأنشطة الإيرانية "المضللة"، مقابل أنشطة الصين وروسيا على اعتبار أنهما قوتان عالميتان تنافسان الولايات المتحدة الأمريكية على الهيمنة وقيادة العالم، فضلاً عن امتلاكهما للقدرات التكنولوجية المتطورة على القدر نفسه من احترافية القدرات الأمريكية.
2- تقنيات الـ "تزييف العميق Deep Fake"
يدرك الأمريكيون أن التطور الحادث في تقنيات التزييف العميق من شأنه أن يهدد المصالح الأمريكية الداخلية والخارجية بدرجة خطيرة. وما حدث من تزييف فيديو للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر عن الحرب في أوكرانيا ما هو إلا خير دليل. الفيديو مدته 45 ثانية مفبرك على درجة عالية من الجودة، وانتشر بعد الحديث عن ضوء أخضر أعطته الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا لاستخدام أسلحتها في مهاجمة الأراضي الروسية. وقد ظهر ميلر في الفيديو يتحدث عن إمكانية مهاجمة مدينة بيلغورود الروسية لأنها خالية من السكان وتضم العديد من الأهداف العسكرية وبالتالي فهي هدف مشروع.
كما رصدت مايكروسوفت انتشار فيديو دعائي لكامالا هاريس بصوتها على منصة X تتحدث بشكل غير مقبول عن جو بايدن بعد انسحابه من الانتخابات[6]، وفيديو ثانٍ يظهر مؤيدي هاريس يعتدون بالضرب على مؤيدي ترامب وتم نشر هذه المشاهد على موقع إخباري مزيف لسان فرانسيسكو لإعطائها مزيد من المصداقية، وآخر انتشر على منصة تليجرام تظهر فيه لوحة دعائية عليها معلومات مغلوطة عن البرنامج الانتخابي لهاريس، وكلها حصدت مئات آلاف المشاهدات. ويخشى المسئولون الأمريكيون من استمرار تطور هذه التكنولوجيا بشكل متسارع بحيث يفقدون القدرة على ملاحقته، لذا تصدر تقارير عدة تحذر من المخاطر المرتفعة لاستخدام هذه التقنية في الانتخابات الرئاسية.
وإذ أفادت شركة "مانديانت Mandiant" للأمن السيبراني بأن الصين حاولت ثني الأمريكيين عن التصويت في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس عام 2022، وذلك بحسب "نيويورك تايمز"[7]، فإن ما حدث خلال فترة الانتخابات الأولية أثار قلق الأجهزة الأمنية. إذ تم رصد تلقي المواطنين الأمريكيين مكالمات هاتفية مزيفة بتقنية الذكاء الاصطناعي "ديب فيك Deep Fake" بصوت الرئيس الحالي بايدن يثنيهم فيها عن الذهاب إلى الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي، باعتبار أنه لا داعي للذهاب وأن الفارق الحقيقي يصنعه صوتهم يوم الانتخابات العامة في 5 نوفمبر 2024، وهو ما استدعى الكونجرس الأمريكي لمنع استخدام المكالمات الآلية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأصوات[8].
3- هجمات القرصنة على المواقع والمرافق الأمريكية
أثبتت الأحداث في السنوات الأخيرة أن خطر القرصنة الإيرانية يفوق خطر أنشطتها السيبرانية الأخرى. فقد تعرضت العديد من المرافق العامة الأمريكية في الآونة الأخيرة إلى هجمات قرصنة خاصة تلك ذات الأنظمة الإسرائيلية، ومنها مرافق المياه والصرف الصحي وشركات الكهرباء، وصناعة الأغذية والقطاع الصحي. وبتتبع مصدر هذه الهجمات استطاعت أجهزة الأمن إثبات صلتها بمجموعة قراصنة إيرانيين تدعى "CyberAv3ngers"[9].
كل التصريحات حول إيران كانت تتحدث عن مجرد "توقعات" بالتأثير في الانتخابات، من خلال نشر معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون الإشارة إلى حدث بعينه، حتى 8 أغسطس 2024، حين نشر مركز مايكروسوفت لتحليلات المخاطر أن مجموعة قراصنة تابعة للحرس الثوري الإيراني حاولت اختراق الحملة الانتخابية لأحد المرشحين دون تسميته، وبعد يومين أعلنت الحملة الانتخابية لترامب عن تعرضها للاختراق، ثم نشرت CNN تقريراً مفصلاً عن العملية التي تمت في يونيو على يد مجموعة قراصنة إيرانيين -على صلة بالحكومة- اخترقوا الحملة الانتخابية للمرشح ترامب من خلال خرق البريد الالكتروني لصديقه ومستشار حملته السابق روجر ستون، وأرسلوا المعلومات الخاصة بالحملة إلى العديد من وكالات الأنباء. ويعتقد أن تلك المجموعة لازالت لديها منفذ وصول إلى موقع الحملة أو البريد الإلكتروني للعاملين فيها -أو أن عملية الاختراق لازالت جارية- حيث أقرت العديد من وكالات الأنباء بتلقيها رسائل إلكترونية من نفس المصدر الذي سرب لهم المعلومات أول مرة ويطلق على نفسه اسم "روبرت"، وعرض عليهم إرسال وثيقة ما بتاريخ 15 سبتمبر 2024. وعليه، صرح مكتب مدير وكالة الاستخبارات الوطنية أن الإيرانيين في عملية الاختراق هذه لم يسعوا فقط إلى اختراق حملتي المرشحين الرئاسيين، بل حاولوا أيضاً إرسال وثائق حملة ترامب إلى حملة بايدن الذي لم يكن قد انسحب من السباق الرئاسي وقتها[10]، لترجيح كفة المرشح الديمقراطي وتفادي الاصطدام بترامب مرة أخرى، بحثاً عن بعض المرونة الأمريكية إذا ما استؤنفت المفاوضات على البرنامج النووي وقضايا المنطقة بين الجانبين. ومن جانبها نفى المتحدث باسم حملة كامالا هاريس علمها بأي وثائق تم إرسالها إلى الحملة[11].
وفي السياق نفسه، رصد مركز جوجل لتحليل المخاطر محاولات اختراق إيرانية من مجموعة APT 42 التابعة لاستخبارات الحرس الثوري، على غرار تلك التي رصدتها مايكروسوفت، تستهدف سياسيين ودبلوماسيين وأعضاء في الحزبين وفي الحملات الانتخابية وأكاديميين ومسئولين حكوميين وكلهم ممن لهم صلة بصنع السياسة الخارجية الأمريكية. تأتي هذه المحاولات في سياق استراتيجية أوسع كانت إيران قد صبت تركيزها على تنفيذها بعد الانتخابات الرئاسية القادمة. فقد رصدت شبكات مثل إيران انترناشونال وسيمافور تقريراً نشره مركز أبحاث إيراني "ساراماد SARAMAD" يتحدث صراحة عن ضرورة تكوين "شبكة من مراكز الأبحاث والمدافعين وجماعات الضغط تعزز مصالح النظام الإيراني وتعبر عن توجهاته في السياسة الأمريكية وتحسن صورة إيران أمام الرأي العام الأمريكي[12].
كما رصدت شركة "Crowd Strike" لخدمات الأمن السيبراني تعرض بعض منظومات التصويت وتسجيل الناخبين وقواعد البيانات لهجمات قرصنة إما للحصول على معلومات ديموغرافية تخص توزيع السكان أو تصل إلى المخاوف من حدوث تلاعب في نتائج أى عملية تصويتية. وكل هذا يخدم الغرض النهائي بالتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية في رؤية الأمريكيين[13].
وتأتي التهديدات بهجمات سيبرانية صينية على المرافق الأمريكية الحيوية على القدر نفسه من الخطورة. وقد صرح مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي أن الصين استعدت بعملية "Volt Typhoon" قامت من خلالها بتجميع أكبر قدر من المعلومات عن المرافق الأمريكية في قطاعات حيوية عديدة.
في النهاية، يمكن القول إنه بقدر ما أن مسألة التلاعب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مثلت مصدر تهديد لا يمكن تجاهله، بقدر ما تحولت إلى وسيلة انتخابية استخدمها المرشحون الرئاسيون. إذ أنها ورقة انتخابية كان يستخدمها بايدن للفوز بالانتخابات نفسها، حيث يصور للأمريكيين أن أعداء الولايات المتحدة الأمريكية يؤيدون ترامب، لذا فعليهم انتخابه!، أما هاريس فلا يبدو أنها تعير هذا الأمر اهتماماً، إذ لم تصرح به ولم توجه اتهامات بالتدخل لأي طرف، في حين أن إدارة بايدن نفسها لازالت تطلق مثل تلك التحذيرات من خلال تصريحات الأجهزة الأمنية والاستخبارية. في حين أن ترامب يسعى إلى استخدامه أيضاً لتعزيز فرصه، خاصة أن ذلك يتزامن مع الاتهامات التي توجه إلى إيران بمحاولة اغتياله.
[7] على بردي، "مخاوف أمريكية من حسابات صينية متنكرة للتدخل في الانتخابات"، الشرق الأوسط، 1 إبريل 2024، https://2u.pw/LXM6P57x