صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

لا تخلو السياسات العامة للدول، فى الوقت الراهن، من وجود تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى برامج عمل القطاعات المختلفة، لاسيما قطاعات التعليم والصحة والصناعة والزراعة والاتصالات والاقتصاد الرقمى، بما يتيح للدول تبنى سياسات تساعد على إحداث تغييرات أكثر تطورا فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، وذلك انطلاقا من الفرص التى يتيحها الذكاء الاصطناعى فيما يتعلق بالقدرة على التنبؤ واتخاذ القرارات مستقبلا. تشير إحصاءات عالمية إلى أنه من المتوقع بحلول عام 2030، أن تضيف تطبيقات الذكاء الاصطناعى ما قيمته 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمى، فضلا عن اعتماد منظمة الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية المختلفة التخصصات، فى عملها على جداول أعمال لا تخلو بدورها من وجود  العديد من المبادرات التى لها علاقة مباشرة بتطبيقات الذكاء الاصطناعى. حيث تهدف هذه المبادرات بصورة مباشرة إلى تحديد «مبادئ وأولويات سياسات الذكاء الأصطناعى» التى تساعد الدول على تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

وقد أدركت الحكومة المصرية نهاية عام 2019،  أهمية تطبيقات الذكاء الاصطناعى في المجالات المختلفة حينما أنشأت «المجلس الوطنى للذكاء الاصطناعى»، الذى يضم، إلى جانب المؤسسات الحكومية، كلًا من الشركات الرائدة فى مجال الذكاء الاصطناعى والأكاديميين المتخصصين، والمجلس هو الجهة التى وضعت الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى عام 2023، ويتولى كذلك مهام إدارة وتنفيذ هذه الاستراتيجية من ناحية، وتطوير التطبيقات المختلفة المتعلقة بالذكاء الاصطناعى من ناحية ثانية، وتبنى وتفعيل وتنفيذ توصيات تتعلق ببناء القدرات والمهارات فى مجال هذه التطبيقات من ناحية ثالثة وأخيرة. إلى جانب ذلك، قامت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فى يوليو 2021، بإطلاق «منصة الذكاء الاصطناعى» انبثاقا من المجلس الوطنى لتكون بوابة مصر الرسمية فى مجال الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته.

أيضًا، تشارك مصر بفعالية فى معظم المؤتمرات الدولية التى لها علاقة مباشرة بتطبيقات الذكاء الاصطناعى، كان أبرزها، خلال عام 2024، «الحوار العالمى حول حوكمة الذكاء الاصطناعى»، الذى عُقد فى مارس 2024 بفرنسا، بالتعاون بين الاتحاد الأفريقى ومنظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى، و«القمة العالمية للذكاء الاصطناعى من أجل المصلحة العامة» التى عقدت فى مايو 2024، بسويسرا برعاية الاتحاد الدولى للاتصالات، بالتعاون مع الحكومة السويسرية، و«ملتقى التجارب والممارسات الإدارية الناجحة حول تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى المؤسسات الحكومية»، الذى عقد فى يونيو 2024 بالقاهرة برعاية المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية. يضاف إلى ذلك قيام مصر بإطلاق «الميثاق المصرى للذكاء الاصطناعى»، فى أبريل 2024، بهدف وضع الأطر التنظيمية للاستخدام الأخلاقى لتقنيات الذكاء الاصطناعى.

جدير بالذكر أن استعدادات الحكومة المصرية لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى عبر توفير بيئة رقمية وتكنولوجية قادرة على استخدام هذه التطبيقات من ناحية، وعبر المشاركة الفعالة فى مؤتمرات دولية وعربية تتعلق بالذكاء الاصطناعى وتوظيفاته فى مجالات العمل والتنمية من ناحية أخرى، من شأنه أن يدفع مصر نحو رفع مستوى جهازية الحكومة (مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعى)، ونحو مزيد من الاستخدام الفعال للذكاء الاصطناعى فى قطاعات حكومية متعددة، بما يؤدى إلى الإسهام فى تسريع عملية النمو الاقتصادى. فوفقا لتقديرات «مؤسسة برايس ووتر هاوس كوبرز للاستشارات والأبحاث Price Waterhouse Coopers»، فإنه من المتوقع أن تسهم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى بنمو 42.7 مليار، ما يوازى 7٫7٪ من الناتج المحلى فى مصر بحلول عام 2030.

فى المقابل، تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى مصر عدة تحديات، منها -على سبيل المثال لا الحصر- الحاجة الدائمة لبنية تكنولوجية متقدمة ومتطورة، وارتفاع تكلفة استخدام وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعى، والكفاءات والكوادر المدربة على متابعة تقنيات تطبيقات الذكاء الاصطناعى، وتوفير برامج حماية لمواجهة احتمالات اختراق قواعد بيانات الحكومة (الأمن السيبرانى)، فضلًا عن ضرورة توفير الحكومة لما يسمى العوامل التمكينية لتطبيق الذكاء الاصطناعى كالحوكمة والبنية التحتية والنظام البيئى ككل...الخ.

فى هذا السياق، تقدم هذه الدراسة، تحت عنوان «آفاق الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته فى مصر» للدكتورة/ شيماء العربى والأستاذة/ فيروز عطية، الباحثتان بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلًا لواقع تطبيقات الذكاء الإصطناعى فى مصر، عبر استخدام بيانات المؤشرات الدولية والمحلية المتعلقة بالذكاء الاصطناعى، كما تناولت الفرص التى يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعى أن تحققها فى مجالات مختلفة لاسيما التعليم والخدمات الصحية وبعض مجالات القطاع الصناعى. أيضًا، تحلل الدراسة أهم التحديات التى تعوق الاستخدام الكامل لتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى قطاعات الدولة المختلفة، كما ركزت على عدد من التجارب الدولية التى شهدت استخدامًا فعالًا لتطبيقات الذكاء الاصطناعى بهدف استخلاص الدروس المستفادة التى يمكن تطبيقها فى مصر، وتختتم الدراسة تحليلها لواقع الذكاء الاصطناعى فى مصر بتقديم مجموعة من التوصيات المفيدة التى يمكن الاسترشاد بها للنهوض بهذا المجال، فضلًا عن آليات التنفيذ الممكنة.