تستمر تهديدات الإرهاب في إقليم غرب أفريقيا بشكل عام، وفي منطقة الساحل بشكل خاص، فى التصاعد. إذ تظهر فى هذه المرحلة التأثيرات التى تعكسها الأزمات الداخلية والخارجية التى تواجهها دول الإقليم على تطورات ظاهرة الإرهاب والتحديات التى تفرضها على جهود مكافحته.
وتطرح الأبعاد المتغيرة الجديدة لظاهرة الإرهاب فى أفريقيا وخاصة فى إقليم غرب أفريقيا العديد من التساؤلات حول مستقبل الاستقرار فى هذا الإقليم فى ظل الجهود الإقليمية المختلفة لمكافحة الإرهاب، والمستجدات التى شهدتها دول الإقليم بعد وصول الحكومات العسكرية إلى سدة الحكم وانسحاب القوى الغربية، وكذلك التحالفات البديلة كمظهر جديد لمواجهة نمو التنظيمات الإرهابية فى الغرب والساحل الأفريقى.
تطورات الإرهاب والجهود الإقليمية الرئيسية في مواجهتها
كانت الخصاص المشتركة في المناطق التي تشهد ظاهرة الإرهاب أنها تعاني ضعف الإدارات الحكومية وتصاعد استياء السكان نتيجة مشاكل اقتصادية واجتماعية مثل الفقر المدقع وعدم إمكانية الوصول إلى التعليم وقلة فرص العمل والتي استغلتها الجماعات المتطرفة المسلحة لصالحها ضد حكومات تلك المناطق. وقد ساهمت في انتشار الظاهرة وأنشطة حركاتها منذ أوائل عام 2010 في بعض دول الساحل.
ومن خلال أحداث العامين الماضيين، يمكن تصنيف دول غرب أفريقيا والساحل التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية إلى مجموعتين رئيسيتين:
- المجموعة الأولى: تضم الدول التي تعاني من الإرهاب مباشرة وبشدة (أو دول الأصل والنشأة)، وهى مالى ونيجيريا وتشاد وبوركينافاسو ومالي والنيجر والكاميرون.
- المجموعة الثانية: هي الدول التي تزحف إليها الجماعات الإرهابية نتيجة الهزائم التي تتكبدها من حملات الدول الواقعة وسط الساحل (بوركينافاسو ومالي والنيجر)، مما يجبر هذه الحركات على البحث عن مراكز جديدة في الدول بالغة الأهمية استراتيجيًّا لوقوعها في سواحل خليج غينيا. وهذه المجموعة الثانية تشمل بنين وغانا وساحل العاج وتوجو.
وفي دول النشأة أو الأصل للإرهاب (المجموعة الأولى)؛ يمكن تحديد منطقتين رئيسيتين أكثر تأثراً بالظاهرة، وهما:
- المنطقة الأولى: منطقة "ليبتاكو غورما" التي تغطي 19 مقاطعة في بوركينافاسو و4 مناطق إدارية في مالي وإدارتين حكوميتين ومنطقة حضرية في النيجر. وقد ساهمت الأزمة الليبية التى بدأت عام 2011، فى تفاقم أزمة الإرهاب في هذه الدول الثلاثة (مالي والنيجر وبوركينافاسو) مما أدى إلى تراخي مراقبة الحدود وزيادة النشاط الإجرامي. وأشعلت أيضًا تمرد الطوارق في مالي عام 2012، وتصاعدت أنشطة التنظيمات الارهابية مثل "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"المرابطون" و"أنصار الدين" ثم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" و"تنظيم الدولة الإسلامية ولاية الساحل"[1].
- المنطقة الثانية: حوض بحيرة تشاد الذي يمتد إلى أربع دول، هي تشاد (التي يغطي الحوض الجزء الأكبر منها) وجزء كبير من النيجر ونيجيريا والكاميرون. وتزامن اشتداد أنشطة التطرف العنيف في هذه المنطقة مع منطقة "ليبتاكو غورما"، حيث اكتسبت "بوكو حرام"، السمعة الدولية في أعقاب تفجيراتها الانتحارية عام 2011، وتبع ذلك هجمات وأنشطة أخرى من قبل الجماعة وفصائلها في منطقة بحيرة تشاد، مثل "جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان" (الشهيرة بـ "أنصارو")، و"تنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب إفريقيا"[2]. إضافة إلى التعاون بين التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة مع التنظيمات النشطة في منطقة الساحل، والتنافس الشديد بينهما، مثل التنافس بين بوكو حرام و"تنظيم الدولة الإسلامية ولاية غرب أفريقيا"، وبين "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، مما يؤدي إلى انتشار العنف وتفاقم الوضع الأمني ولجوء مقاتلي بعض هذه التنظيمات إلى الغابات والمناطق الجديدة.
وقد كانت هناك جهود كثيرة في غرب أفريقيا والساحل لمكافحة التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية. وتتركز معظم هذه الجهود على الحملات العسكرية والإجراءات الاستخباراتية مع مساعدات مالية وعسكرية من جهات إقليمية ومهام غربية وأوروبية.
ومن بين هذه الجهود الإقليمية:
- قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات: هي مبادرة تعود إلى عام 1994 من قبل دول حوض بحيرة تشاد (تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون) وجمهورية بنين بهدف مكافحة الجريمة المنظمة وانعدام الأمن العابر للحدود. وتطورت هذه المبادرة باتخاذ مجلس السلم والامن التابع للاتحاد الأفريقى قرارًا فى يناير 2015 بتشكيل قوة مشتركة متعددة الجنسيات لمكافحة أنشطة "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" (الشهيرة بـ "بوكو حرام") العابرة للحدود الإقليمية، مع تجديد الموافقة سنويًا منذ ذلك الحين. وتعتمد القوة المتعددة الجنسيات أساسًا على دولها الأعضاء، كما تتلقى مساعدة مالية ودعمًا لوجستيّا من الاتحاد الأوروبي بهدف وقف تدفق الأسلحة عبر الحدود الدولية والبحث عن المختطفين وإطلاق سراحهم وتدمير البنية التحتية للإرهابيين في المنطقة[3].
- مسار نواكشوط: يعتبر إحدى الآليات المهمة في مجال مكافحة الإرهاب بالساحل وغرب أفريقيا، حيث أنشئ بدعم الاتحاد الأفريقي كواحد من استراتيجياته لتحقيق السلام في مالي ومنطقة الساحل إبان ذروة الأزمة الدستورية في عام 2014. وقد وُضِعَ تصوّر "مسار نواكشوط" في عام 2013 من قبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، وتأسّس رسميًا بإعلان عام 2014 في مدينة نواكشوط الموريتانية[4]، وذلك بهدف مكافحة الإرهاب في الدول الأعضاء فيها، وهي موريتانيا والجزائر وبوركينافاسو وتشاد وليبيا ومالي والسنغال وساحل العاج ونيجيريا وغينيا والنيجر[5]. ومن ميزات "مسار نواكشوط" أنه راعي ديناميكيات العلاقات الجغرافية بين الشمال والجنوب والروابط الإثنية والتاريخية الإقليمية بين دول شمال أفريقيا والساحل وغرب أفريقيا الأعضاء فيه. ومع ذلك، ضَعُفت فاعلية المسار بعدما تجاهلتْه فرنسا وحلفاؤها في منطقة الساحل وأوروبا؛ لإطلاق آلية أخرى باسم "مجموعة الساحل الخمس".
- مجموعة دول الساحل الخمس: هي آلية أُنشِئَت في عام 2014 من قبل حكومات خمس دول في الساحل، هي بوركينافاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، وذلك بدعم رئيسي من فرنسا بهدف تحديد أماكن نشاط الإرهابيين والتنبؤ بتحركاتهم في الساحل من أجل وقف اعتداءاتهم وأعمال العنف الأخرى ضد السكان المحليين. وشكّلت المجموعة قوة مشتركة تضم 5000 جندي وافق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي عليها في 8 مارس و3 أبريل 2017. وأعلنت دول الساحل الخمس عن عزمها لإنشاء صندوق اتئماني لجمع المساهمات الطوعية من جميع أنحاء العالم لصالح القوة المشتركة، وقد دعمت المجموعةَ وأنشطتها ماليًا وعسكريًا دولُها الأعضاء وفرنسا والاتحادُ الأوروبي[6]. وفي 6 ديسمبر 2023 أعلنت تشاد وموريتانيا عن حل مجموعة دول الساحل الخمس نتيجة انسحاب مالي وبوركينافاسو والنيجر منها[7].
يجدر الذكر أن للاتحاد الأوروبي أيضًا بعثات ومهام تحت مسمى مكافحة الإرهاب ودعم الجهود الإقليمية في غرب أفريقيا والساحل. وبين تلك المبادرات: "بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في النيجر" (EUCAP Sahel Niger) التي أُنْهِيت مهمتها في 30 يونيو 2024 بعدما قرّر المجلس الأوروبي عدم تمديد مهمة الشراكة العسكرية للاتحاد الأوروبي في النيجر إلى ما بعد 30 يونيو 2024 نتيجة الوضع السياسي الجديد في النيجر والمتمثّل في الانقلاب العسكري على الرئيس محمد بازوم في 26 يوليو 2023[8]؛ و"بعثة الاتحاد الأوروبي للتدريب في مالي" (EUTM Mali) التي ضمت 22 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وانتهت مهمّتها في 17 مايو 2024[9]؛ و"بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في مالي" (EUCAP Sahel Mali) التي أُطلِقت في 15 يناير 2015[10] ومُدِّدت ولايتها حتى 31 يناير 2025 من قبل المجلس الأوروبي في يناير 2023.
وهناك مبادرة من قبل الأمم المتحدة تمثّلت في "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينوسما)، والتي أُطْلِقتْ في عام 2013 بهدف دعم الاستقرار في مالي في أعقاب عمليات المتمردين المسلحين والإرهابيين. وقد أُنْهِيَت المهمة الأممية في 30 يونيو 2023 بناءً على طلب وزير خارجية مالي تحت الحكومة العسكرية المؤقتة والذي ذكر أن البعثة فشلت في تحقيق الاستقرار في البلاد[11].
تغير الأنظمة السياسية وانسحاب القوى الغربية
كان التغير المفاجئ في الأنظمة السياسية ببعض دول المنطقة نتيجة الوضع الأمني المتفاقم، وخاصة الإرهاب، قد أدى إلى فقدان الغرب مكانته في الساحل. وكانت فرنسا، المستعمِرَة السابقة في المنطقة الأكثر تضررًا من الوضع السياسي الجديد؛ إذ طُرِدَت من مالي وبوركينافاسو والنيجر في تتابع سريع بعد توّتر علاقاتها مع هذه الدول عقب الانقلابات العسكرية الأخيرة فيها وتبنّي حكوماتها العسكرية تحالفات جديدة في حل أزماتها الأمنية، مع التوجه نحو روسيا ومرتزقتها "فاجنر" ثم الفيلق الأفريقى والصين وإيران وتركيا.
ففي مالي مثلاً؛ كان ميل المجلس العسكري نحو روسيا ومزاعم دخول مقاتلي مرتزقة "فاجنر" إلى البلاد (في أعقاب الانقلابين العسكريين في 2020 و2021) ضمن عوامل توتّر علاقات البلاد مع فرنسا، لتعلن باريس في فبراير 2023 سحبَ نحو 2400 جندي ومهام عسكرية مثل قوة "برخان" التي بدأتْ عملياتها في 1 أغسطس 2014، وقوة "تاكوبا" التابعة للاتحاد الأوروبي تحت قيادة فرنسا والتي نشطت بالقرب من حدود النيجر وبوركينا فاسو[12].
وفي بوركينافاسو بعد انقلابي يناير وسبتمبر 2022؛ كان من التصورات السائدة أن الوجود العسكري الفرنسي لم يُحسّن الوضع الأمني في البلاد. فعلّقت حكومة بوركينافاسو العسكرية في يناير2023 اتفاق عام 2018 العسكري الذي كان يسمح بوجود القوات الفرنسية في البلاد، وهو ما أجبر فرنسا على سحب نحو 400 من قواتها الخاصة المتمركزة في البلاد[13]. وفي النيجر التي شهدت انقلابًا في يوليو 2023، طرد مجلسها العسكري القوات الفرنسية البالغ عددها حوالي 1500 جندي وطيار، كما طلب مغادرة القوات الأمريكية، البالغ عددها أكثر من 1000 جندي متمركز في قاعدتها على بعد حوالي 5 كم جنوب شرق أغاديز[14].
أما في تشاد؛ فقد كان النظام الحالي بمثابة استمرار لنظام الرئيس السابق إدريس ديبي الذي قُتِل في 20 أبريل 2021 أثناء قتال متمردي "جبهة التغيير والوفاق في تشاد". وقد دعم المجلس العسكري وصول الجنرال محمد (نجل إدريس ديبي) إلى السلطة، وفاز بالانتخابات الرئاسية التي أُجْرِيت في 6 من مايو الماضي. بل وفي حين تستمر علاقات تشاد مع فرنسا تحت رئاسة محمد إدريس ديبي، إلا أن علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية انهارت بعدما طلبت الحكومة التشادية من القوات الأمريكية الخاصة المتمركزة في البلاد مغادرة أراضيها نتيجة فشل واشنطن في تقديم وثائق تبرر وجودها العسكري في نجامينا[15].
ويُضاف إلى ما سبق أن الشراكات والتحالفات العديدة التي كانت تهدف إلى مكافحة الإرهاب في المنطقة قد تضررت بسبب التغييرات المفاجئة للأنظمة السياسية الحاكمة، وخاصة في مالي وبوركينافاسو والنيجر؛ إذ إلى جانب انسحاب الإدارات العسكرية في تلك الدول الثلاث من "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" (إيكواس) بعد تهديد الكتلة بالتدخل في النيجر لاستعادة الديمقراطية، فقد اتهمت الحكومات العسكرية الثلاث الكتلة بعدم بذل ما يكفي لمكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا. بل وانسحبت أيضًا من "مجموعة دول الساحل الخمس" بدعوى أنها مبادرة كانت تتماشى مع إملاءات باريس بهدف تعزيز المصالح الفرنسية في الساحل. وفي سبتمبر 2023، وقعت الدول الثلاث اتفاقية تحالف فيما بينها لتوطيد علاقتها، كما أعلنت في 6 يوليو 2024 بقمة في النيجر، عن تأسيس كونفدرالية تحت اسم "تحالف دول الساحل"[16].
وفي حين أن القوى الغربية التي غادرت مالي والنيجر وبوركينافاسو تتطلع للنفوذ الآن إلى دول أخرى في غرب أفريقيا، مثل غانا وتوجو وساحل العاج وبنين، لاستضافة قواعدها وعملياتها العسكرية؛ فقد سجلت بعض المناطق المتضررة من الإرهاب في الشهور الأخيرة نجاحات في مكافحته، مثل بحيرة تشاد التي تشهد مؤخرًا الحد الأدنى من حوادث الهجمات والوفيات المرتبطة بالأزمة. كما أن الجيش المالي استعاد مدينة كيدال الشمالية من الإرهابيين في نوفمبر 2023، حيث تقدم مرتزقة "فاجنر" أيضًا مساهمة كبيرة مع الجيش المالي.
ومع ذلك، لا يوازي النجاح النسبي في مكافحة الإرهاب حدّة تصاعد العنف الناتج من أنشطة الإرهابيين بمناطق أخرى في الساحل، حيث أصبح الوضع الأمني معقدًا[17] ويؤدي إلى زحف الإرهابيين إلى بنين وغانا وساحل العاج، وإخلاء عدة بلدات مع فرار عشرات الآلاف من السكان إلى مناطق جديدة في ودول مجاورة مثل الجزائر وموريتانيا.
استراتيجيات وتحالفات بديلة
باعتبار التطورات السياسية الجديدة في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل وتشكّل التحالفات الجديدة خلال العام الماضي، يمكن القول إن الاستراتيجيات أو المبادرات الوحيدة القادرة على جمع دول غرب أفريقيا والساحل معًا بهدف محاربة الإرهاب هي "مسار نواكشوط"، وذلك لأن "مجموعة الساحل الخمس" قد تفككت، في حين أن "قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات" تستهدف فقط بنين ودول بحيرة تشاد.
ومن بين التحالفات والاستراتيجيات الإقليمية الأخرى التي يمكن تطويرها واستخدامها لمكافحة الإرهاب سواء في غرب أفريقيا أو الساحل، ما يلي:
- قوة إيكواس الاحتياطية لمكافحة الإرهاب: هي قوة أعلنت إيكواس عنها مؤخرًا لمساعدة دولها الأعضاء في مكافحة الإرهاب. وفي حين أن المفترض أن تكون القوة رائدة في غرب أفريقيا لكون جميع الإقليم تقريبًا أعضاء في الكتلة، ولديها القدرة النقدية والعسكرية للعمل بفعالية؛ إلا أن هذه القوة أُعلِن عنها بعد مغادرة مالي والنيجر وبوركينافاسو من إيكواس، وهي تستهدف دول الكتلة فقط دون غيرها، كما أن المفاوضات حول تمويلها لا تزال جارية بين أعضاء الكتلة[18].
- القوة المشتركة لتحالف دول الساحل: وقعت النيجر ومالي وبوركينافاسو في 16 سبتمبر 2023 على اتفاقية التحالف من أجل التعاون الدفاعي ضد أي تدخل عسكري من إيكواس أو دول الجوار، ومن أجل توحيد الجهود في مكافحة الإرهاب في منطقة "ليبتاكو-غورما"، حيث تلتقي حدود الدول الثلاث. وتأثّر قرار تشكيل التحالف الثلاثي أيضًا باقتراب رحيل "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينوسما) بعد انتهاء مهمتها، وعودة الرغبة الخاملة للطوارق في السيطرة على الأراضي من قوات الحكومة الوطنية. وفي 7 مارس 2024 في أعقاب اجتماع بين قادة القوات العسكرية لمالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ أعلنت الدول الثلاث عن إنشاء قوة مشتركة مستقبلية "للعمل في أقرب وقت ممكن"[19].
ومع ذلك، تتأثر حدود هذه القوة المشتركة بـ"هشاشة" أنظمة الدول الثلاث والتي تصعًب عملية بناء إطار أمني مستقر. كما أن المبادرة قد تؤدي إلى زيادة التهديد الإرهابي للدول المجاورة التي كانت آمنة سابقًا، مما يؤدي إلى تصعيد التوترات بين حكومات تحالف الساحل وجيرانها. هذا، بالإضافة إلى أن هذه الجهود تقتصر على مكافحة الإرهاب داخل إطار حدود هذه الدول الثلاث فقط لكون دول منطقة الساحل الأخرى غير مندمجة في التحالف الجديد.
- مبادرة أكرا: تأسستْ "مبادرة أكرا" في سبتمبر 2017 في "أكرا" عاصمة غانا، مصمَّمة على نمط "القوة المشتركة المتعددة الجنسيات" و"مجموعة الساحل الخمس"، وذلك بعد هجمات 2016 في بوركينافاسو التي أثارت مخاوف امتداد الإرهاب إلى دول سواحل خليج غينيا المجاورة. وتمثل المبادرة آلية أمنية تعاونية إقليمية تهدف إلى منع انتشار التطرف العنيف والإرهاب من منطقة الساحل والتصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في المناطق الحدودية لدولها المشاركة التي كانت خمسة في البداية (بنين وبوركينافاسو وساحل العاج وغانا وتوجو)، قبل أن تنضم إليها مالي والنيجر، بينما حصلت نيجيريا على صفة مراقب. وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية لـ "مبادرة أكرا"، إلا أنها تواجه قيودًا كثيرة، مثل اختلاف هياكل قواتها المختلفة بين دولها الأعضاء؛ وتكرار المهام لوجود مبادرات مماثلة في المنطقة؛ وقدرات محدودة على جمع المعلومات الاستخبارية؛ إضافة إلى توتر العلاقات بين الأنظمة العسكرية في بعض دولها الأعضاء (بوركينافاسو ومالي والنيجر) وبين إيكواس، مما يهدّد المبادرة وأنشطتها ونجاحها[20].
خاتمة
من خلال استقراء الوضع الأمني في مناطق نفوذ الحركات الإرهابية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، تتضح العلاقة بين ظاهرة الإرهاب وضعف الحوكمة الذي ينتج الفقر المدقع ومتغيرات أخرى تحفز بعض السكان في المناطق النائية والفقيرة على اللجوء إلى العنف أو استغلال مظالمهم التاريخية من قبل الحركات الإرهابية. ومن الواضح أيضًا أن انسحاب القوات الغربية من المنطقة لم يؤثر كثيرًا في الظروف الأمنية، حيث هناك جهود فردية ومشتركة جارية بين دول المناطق التي تعاني من الإرهاب، بما في ذلك دول تحالف الساحل الجديد (مالي وبوركينافاسو والنيجر).
فهناك العديد من الاستراتيجيات المشتركة والمبادرات التي يمكن إحياؤها أو تطويرها لتناسب الديناميكيات الإقليمية الجديدة في غرب أفريقيا والساحل، مثل "قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات"، و"مسار نواكشوط" و"مبادرة أكرا" و"القوة المشتركة لتحالف دول الساحل". ويستدعي نجاح هذه المبادرات اقتران الجهود العسكرية بإعادة البناء الداخلي للحد من استياء السكان وتعزيز الظروف الاجتماعية والاقتصادية على النحو الذي يضمن خروج إقليم غرب أفريقيا والساحل من تضنيف الملاذات الآمنة لانتشار الحركات المتمردة والجماعات المتطرفة المسلحة.
[1]Center for Preventive Action (2024). “Violent Extremism in the Sahel.”Council on Foreign Relations - Global Conflict Tracker, retrieved from https://shorturl.at/pvjm7(visited on July 13, 2024)
[2]Malik Samuel (2023). “Turning away from terrorism: lessons from the Lake Chad Basin.”Institute for Security Studies, retrieved from https://shorturl.at/xeHVw(visited on July 13, 2024)
[3]Dieng, M. (2019). “The Multi-National Joint Task Force and the G5 Sahel Joint force: The limits of military capacity-building efforts.” Contemporary Security Policy, 40(4), 481-501.
[4] سكينة اصنيب (2014). "موريتانيا تحشد لقمّة "مسار نواكشوط" حول أمن الساحل". العربية، متوفر عبر الرابط: https://shorturl.at/XLHwp (اطلع عليه في 13 يوليو 2024).
[6] مصدر سابق:
- Dieng, M. (2019). “The Multi-National Joint Task Force and the G5 Sahel Joint force: The limits of military capacity-building efforts.”
[7]RFI (2023). “Chad and Mauritania pave way to dissolve G5 anti-jihadist alliance”. Retrieved from https://shorturl.at/i1tFW(visited on July 13, 2024)
[11]UNMISSIONS (2023). “Minusma Presents Its Withdrawal Plan To The Malian Foreign Minister”. United Nations Peacekeeping, retrieved from https://shorturl.at/fSngS(visited on July 13, 2024)
[12]Elysee(2022). “Joint declaration on the fight against the terrorist threat and the support to peace and security in the Sahel and West Africa”. Retrieved from https://shorturl.at/VcWSt(visited on July 13, 2024)
[13]Aljazeera (2023). “Burkina Faso confirms it has ended French military accord.” Retrieved from https://shorturl.at/q6uzY(visited on July 13, 2024)
[14]Emmanuel Egobiambu (2023). “Last French Troops Bow Out Of Niger Republic”. Channels TV, retrieved from https://shorturl.at/xfzca(visited on July 13, 2024)
[15] حكيم ألادي نجم الدين (2024). "سحب قوات العمليات الخاصة الأميركية من تشاد: السياقات والدلالات". مركز الجزيرة للدراسات، متوفر عبر الرابط https://shorturl.at/VPxEJ (اطلع عليه في 13 يوليو 2024)
[16] حكيم نجم الدين (2024). "كونفدرالية دول الساحل بأفريقيا.. تحديات العزلة وآمال الاستقطاب". الجزيرة نت، متوفر عبر الرابطhttps://shorturl.at/wb6Zk(اطلع عليه في 13 يوليو 2024)
[17]HéniNsaibia (2024). “The Sahel: A Deadly New Era in the Decades-Long Conflict”. ACLED, retrieved from https://shorturl.at/GG6oq(visited on July 14, 2024)
[18]Gift Habib (2024). “ECOWAS plans $2.4bn fund for counter-terrorism standby force.” Punch Nigeria, retrieved from https://shorturl.at/I0wTj(visited on July 14, 2024)
[19]Africa News (2024). “Terrorism in the Sahel: AES force will be “operational as soon as possible””. Retrieved from https://shorturl.at/fKH1T(visited on July 14, 2024)
[20]Emma Birikorang, & Mustapha Abdallah(2023). “The Accra Initiative: An Old Wine in a New Bottle?”.KAIPTC Occasional Paper 51, retrieved from https://shorturl.at/tkZKi (visited on July 14, 2024)