د. محمد عز العرب

رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تظل حرب غزة الخامسة أحد الأحداث الرئيسية التي تشكل اتجاه التفاعلات الإقليمية خلال المرحلة المقبلة، بحيث تقترب – بشكل ما- من التحولات الكبرى التي شهدها الشرق الأوسط، خلال العقود الأربعة الماضية، مثل الغزو العراقي للكويت (1990) والاحتلال الأمريكي للعراق (2003) والحراك الثوري العربي (2011)، ليظل ما بعدها يختلف عما قبلها وتتجاوز تأثيراتها حدود ساحات المواجهة في قطاع غزة والضفة الغربية، وهو ما يمكن توضيحه في الأبعاد التالية:

1- تصدع "الردع الاستراتيجي" في الإقليم: يعد أحد التأثيرات الناتجة عن حرب غزة تراجع تأثير نظرية الردع سواء في العلاقة بين القوى الإقليمية وبعضها أو بين بعض الفواعل المسلحة ما دون الدولة من جهة والقوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى. إذ أن حرب غزة هزت مجموعة من المسلمات المستقرة في الشرق الأوسط، حيث هددت هجمات 7 أكتوبر 2023 وجود إسرائيل كدولة في ذاتها ولم تتسبب فقط في وقوع أكبر قدر من الخسائر البشرية في إسرائيل خلال يوم واحد منذ حرب أكتوبر 1973. ولهذا، فإن استمرارها في استخدام أقصى درجات العنف لتفريغ سكان غزة والدفع بمخطط التهجير رغم التحذيرات سينذر بزيادة حدة التصعيد خاصة مع استمرار فشلها في هزيمة فصائل المقاومة بغزة، وهو ما يبرهن على فشل نظرية الردع الاستراتيجي التي تتبناها إسرائيل في مواجهة المحيط الإقليمي، وخاصة التهديد الإيراني.

كما أن ميلشيا الحوثي تواصل تهديداتها للولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية، رغم ردود فعل واشنطن وتل أبيب والمجتمع الدولي في أعقاب استهداف بعض السفن التجارية، حتى بعد إعادة وضع الميلشيا على قائمة "المنظمات الإرهابية العالمية"، وهو القرار الذي سبق أن ألغته إدارة بايدن في بداية عام 2021، الأمر الذي يسلط الضوء على تراجع تأثير الردع الموجه لتلك الميلشيا وغيرها من الأطراف التابعة لما يسمى بـ"محور المقاومة"، لدرجة أنها ترهن وقف هجماتها ضد إسرائيل بالوقف الفوري لحرب غزة، مع الأخذ في الاعتبار هدوء هجمات الحوثي بعد الاستهداف الإسرائيلي لميناء الحديدة.

ومن المتوقع أيضاً استمرار عمليات استهداف القواعد الغربية العسكرية خاصة الأمريكية بشكل خاص من قبل الجماعات المسلحة كما حدث في العراق وسوريا، وكذلك من قبل التنظيمات الإرهابية. وفي حال استمرار حرب غزة، من المرجح اتساع دائرة الاستهداف والضغط على الوجود الأمريكي في المنطقة، هذا بجانب استغلال طهران لهذا الأمر وإثارة وكلائها لاستهداف القوات الأمريكية للضغط نحو خروجهم من المنطقة وتجديد الحديث حول جدوى وجودها بالأساس. في حين أن هناك اتجاهاً معاكساً لذلك يطرح العودة الأمريكية إلى الشرق الأوسط لحماية مصالحها والتصدي للتهديدات الموجهة إليها وللعمل على إعادة الردع مرة أخرى لاسيما بعد حرب غزة.

2- المراوحة بين "حرب في الإقليم" و"حرب إقليمية": ثمة جدل متصاعد بشأن توصيف ما يجري في المنطقة بعد حرب غزة الخامسة، وتحديداً فيما يتعلق بنطاقها وأطرافها. إذ يرى اتجاه في الكتابات أنها حرب في الإقليم، بين إسرائيل من جهة وحماس وبقية حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى، وتعمل أطراف إقليمية وقوى دولية على منع التصعيد في الشرق الأوسط من خلال التواصل المباشر بين المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين، وتوجيه تحذير لإسرائيل من عواقب شن حرب محدودة في لبنان، ونقل رسائل إلى حزب الله لاحتواء التوتر، واستمرار التوسط بين الطرفين، ومواصلة المحادثات بين إسرائيل وحماس للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

في حين يتبنى اتجاه آخر رؤية مفادها "حرب بين الحروب"، وهو ما يعني أن الحرب التي كانت مقتصرة على حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل، وممارسات الأخيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ستتوسع لتشمل صراعاً بين إسرائيل وإيران ولكن من خلال وكلائها في المنطقة، بما يعني خوض حروب في جبهات مختلفة في توقيت متزامن، وهي حرب إسرائيل في مواجهة حماس، واستهداف عناصر المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، ومواجهة حزب الله في الجبهة اللبنانية الجنوبية، والتصدي لتهديدات ميلشيا الحوثي في اليمن، ومحاربة الميلشيات الشيعية في سوريا والعراق، وخوض مواجهات ضد إيران التي تقود "محور المقاومة".

فالأمر يعني أن المنطقة التي تعيش أوضاعاً متوترة جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي قاربت على بلوغ العام؛ ستشهد وفقاً لما وصفه عدد من المراقبين "مشهداً جيوسياسياً جديداً سيؤدي إلى تحولها إلى برميل بارود انفجاره قد يهدد الأمن الإقليمي والعالمي". ولعل تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي مع المسئولين في دول العالم بأن التصعيد الجاري يضع المنطقة رهينة لاحتمالات توسع الحرب إقليمياً مؤشر على ذلك.

3- تزامنية "اليوم التالي" في غزة مع نظيره في الضفة وإسرائيل: على الرغم من عدم وضوح الأمد الزمني لانتهاء الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة حماس؛ إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية، بدأت البحث في مستقبل القطاع، وملامح إدارته، في مرحلة ما بعد الحرب. إذ تتعدد الأفكار في أكثر من اتجاه؛ وخاصة عودة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع في ظل إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على البقاء في محور فيلادلفيا وعدم الانسحاب من قطاع غزة والسماح بعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، فضلاً عن التباين بشأن هوية المعتقلين الذين تطالب حماس بالإفراج عنهم من السجون الإسرائيلية، إلى جانب المطالبة الإسرائيلية بإبعاد هؤلاء إلى دول أخرى.

وفي هذا السياق، يُمكن القول بأنه رغم تعدد المشاهد المستقبلية، التي يبدو عليها مستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب الدائرة حالياً، إلا أن الواضح هو "غموض مستقبل" القطاع، في ظل هذا التعدد، وفي ظل تقاطع الاستراتيجيات الدولية بخصوص كيفية إدارة هذا القطاع بعد الحرب. ويظل الوصول إلى اليوم التالي في غزة مرهوناً بوضع اليوم التالي في الضفة الغربية ومستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية وإعادة هيكلتها وحوارها مع بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى. كما يرتبط بذلك ترتيبات اليوم التالي في إسرائيل، بما في ذلك استمرار بقاء أو غياب نتنياهو عن الحكم.

فالحرب في غزة ستظل، على ما يبدو، لفترة غير منظورة، يتم فيها استكمال تدمير شبه كامل لشمال غزة وتهجير سكانه إلى الجنوب في محاولة للضغط على حماس لإطلاق المزيد من الرهائن وخاصة العسكريين منهم، مع ترجيح خسارة حماس غزة وخسارة نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية لدرجة أن هناك تحليلات ترى أن اليوم التالي لإسرائيل ربما أهم من اليوم التالي لغزة. ومن ثم، فإن اليوم التالي آتٍ لا محالة مهما تأخر، ولا يمكن تصور تجاوزه الأمد الزمني لنهاية عام 2024، غير أن مرحلة اليوم التالي في غزة ستكون بالغة التعقيد. كما أن إسرائيل تتخوف من تكرار سيناريو 7 أكتوبر في الضفة الغربية داخل إحدى المستوطنات أو حتى داخل إسرائيل.

4- تأثيرات اقتصادية واجتماعية ضاغطة لحرب غزة على الدول العربية المجاورة: أدت حرب غزة – ضمن عوامل أخرى- إلى تزايد وتيرة مستويات التضخم وارتفاع الأسعار وصعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الإقليم مع اختلاف وتباين قدرة كل دولة على استيعاب هذه الصدمات الاقتصادية والمستمرة منذ جائحة كورونا (نهاية 2019) ثم تفاقمها نتيجة تداعيات الحرب الأوكرانية، وهو ما برز جلياً في لبنان التي تواجه أزمة اقتصادية حادة، للعام السادس على التوالي بعد الجمود السياسي، وتداعيات جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، والأزمة السورية المستمرة، وتزايدت ملامح أزمة لبنان بعد حرب غزة حيث تأثر السكان القاطنون في الجنوب من المواجهات المستمرة بين إسرائيل وحزب الله، وطالت بعض القطاعات الاقتصادية مثل السياحة والزراعة والاستثمار الأجنبي. وينطبق ذلك على الأردن أيضاً بعد حرب غزة، لاسيما مع استضافتها أكثر من 2.3 مليون لاجئ فلسطيني.

5- "الاستثناء الإسرائيلي" في اتجاه التهدئة الإقليمية: شهدت السياسات الخارجية لعدد من دول الإقليم، خلال الأعوام الثلاث الماضية، استدارة ملحوظة نحو تعزيز التقارب مع دول كانت تمثل خصوماً لها، فوق جغرافيا متحركة، على نحو ما عبّرت عنه مؤشرات مختلفة منها إجراء اتصالات والقيام بزيارات وعقد محادثات بين وفود رسمية، معلنة وغير معلنة، في توقيتات متزامنة، وتشكيل لجان للمتابعة، للنقاش بشأن القضايا العالقة أو المسائل الخلافية في العلاقات الثنائية أو التحديات الضاغطة على الأمن الوطني والاستقرار الإقليمي، بل تم التوصل لتفاهمات سياسية والتوقيع على اتفاقيات اقتصادية وزيادة منسوب العلاقات التجارية والتدفقات الاستثمارية، وتجاوز "المقاربات الصفرية"، حتى اندلعت هجمات 7 أكتوبر 2023 لتتجه التفاعلات الإقليمية إلى مسار تصعيدي لاسيما في ظل النسق العقيدي الحاكم للقيادة السياسية في إسرائيل.

فقد صار أحد الملامح الرئيسية لتفاعلات الشرق الأوسط، إجراء العديد من القوى الإقليمية الرئيسية مثل السعودية والإمارات وتركيا وقطر وسوريا مراجعة لسياستها الخارجية بما يخالف ما كان قائماً منذ سنوات، وهو ما عبّرت عنه مؤشرات عدة منها قيام القيادات السياسية بزيارات رسمية لدول كانت تمثل خصوماً لها، والتوقيع على اتفاقيات سياسية كاتفاق العلا بين دول الرباعي العربي وقطر، وتدشين أطر مؤسسية مشتركة كمجالس التنسيق الاستراتيجي بين قطر والسعودية ومصر وتركيا، وإجراء المحادثات الاستكشافية لتجاوز القضايا الخلافية، والاتجاه لبدء محادثات سياسية بين الدول الخصوم كتركيا وسوريا، في حين تظل إسرائيل هي الاستثناء من التهدئة الإقليمية في ظل استمرار تفكير قيادتها بمواصلة حرب غزة.

إن المعطيات القائمة تعزز من خيار التهدئة، بين الأطراف المتخاصمة لفترة من الوقت، إذ بدأ النسق العقيدي لعدد من القيادات السياسية يتغير وصار المحدد الإدراكي مفاده تكلفة السلام أقل من تكلفة الحرب وأن تسوية القضايا الخلافية يمكن أن تكون مكسباً لمختلف الأطراف، وهو ما عكسته خبرة الصراعات المسلحة التي شهدتها دول الإقليم خلال العشرية الماضية. ولكن من الملاحظ أن تلك التهدئة لا تقود بالضرورة إلى مصالحة كاملة، حيث أن فجوة الثقة لازالت قائمة بين بعض تلك الأطراف، وهو ما يتطلب إجراءات محددة للتحول من انهيار الثقة إلى استعادة وبناء الثقة وصولاً إلى تمتين الثقة.

فضلاً عن تعدد القضايا الخلافية التي قد تشهد توافقاً في بعضها وخلافاً في بعضها الآخر مما يؤثر أيضاً في مسار المصالحة. علاوة على تعدد الأطراف المؤثرة في صنع القرار داخل عدد من دول الإقليم، مما يؤدي إلى تباينات في الرؤى تؤدى إلى تعثر الجهود التصالحية. فقد أصبح من الممكن رؤية تغير متدرج بالعين المجردة في الشرق الأوسط، إلا أن المرحلة المقبلة تتطلب مراقبة السلوكيات التي تراعي قواعد أو مصالح الدول العربية للتأكد من جدية خيار التهدئة.

6- إشكاليات علاقات إسرائيل مع الدول العربية: إن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة يفرض ضغوطاً متعددة على الدول العربية التي قامت في الأعوام الأخيرة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو تفكر في تأسيس علاقات معها، في ظل الاستهداف الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة، دون تمييز بين مدنيين ومسلحين، وبنية قتالية وبنية مدنية، وتوجه نحو رفع تكلفة الهجوم على إسرائيل. إذ يتعين –وفقاً لرؤية اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل- معاقبة المواطنين الفلسطينيين لقيامهم باحتواء حماس، والسماح لها بتنفيذ هجمات 7 أكتوبر 2023.

ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، فإن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإبرام مزيد من اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل قد يتباطأ أو يتوقف لفترة من الزمن. وربما تراهن القيادة السياسية في إسرائيل على نجاح الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لممارسة ضغوط على الدول العربية أو مساومتها في بعض الملفات المرتبطة بمصالحها الوطنية للمضي قدما في اتجاه التطبيع مع إسرائيل، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك تياراً سائداً في مراكز البحث والتفكير الأمريكية يرى أن هجمات 7 أكتوبر 2023 كانت لـ"فرملة" قطار التطبيع.

7- جمود الصراعات الداخلية المسلحة في المنطقة العربية: وهو لا يعني "السكون"، وإنما عدم الخروج عن النموذج العام للصراع في المنطقة. ويضاعف من استمرار هذا الملمح انشغال القوى الكبرى بأولويات أهم آنذاك هي تفاعلات الحرب في أوكرانيا؛ فضلاً عن حركة المتغيرات الإقليمية التي كانت آنذاك تشهد نزوعاً واضحاً إلى التهدئة بين قوى رئيسية في النظام العربي ومحيطها الإقليمي، كما تمثل بصفة خاصة في التقارب بين هذه القوى وبين كل من تركيا وإيران، وهو تطور مهم بالنظر إلى الدور الذي تؤديه هاتان الدولتان في أهم الصراعات العربية (تركيا في سوريا وليبيا، وإيران في سوريا واليمن).

وقد أدى اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية من ناحية، وتواصل حرب إسرائيل على قطاع غزة من ناحية أخرى، إلى تراجع الاهتمام على المستويين الدولي والإقليمي بالسبل الكفيلة لتسوية الصراعات المسلحة في ليبيا واليمن وسوريا والسودان. وعلى الرغم من أن التقارير الدولية تشير إلى أن السودان مقبلة على أزمة مجاعة حادة، إلا أن الأنظار الدولية كانت تتوجه إلى قطاع غزة بسبب تشابكات الأطراف المختلفة، المحلية والإقليمية والدولية.

8- عدم انفراد الولايات المتحدة بترتيبات شئون الإقليم: يؤثر استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، واحتمالات توسعها، على مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، التي عادت لتكتسب أهمية متزايدة على أجندة الإدارة الأمريكية بعد فترة من التراجع لصالح الاهتمام الأمريكي بمنطقة الإندو-باسيفيك. إذ يهدد الدعم الأمريكي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمن الأمريكيين والقوات الأمريكية في المنطقة، بجانب ارتفاع نسب المعارضة الشعبية للولايات المتحدة، والتي تفرض على الحكومات العربية تبني سياسات تتعارض مع أهداف واشنطن في الشرق الأوسط.

كما أن الإدارة الأمريكية تشهد راهناً ضغوطاً من عديد من الدبلوماسيين بوزارة الخارجية الأمريكية، ومشرعين ديمقراطيين من التيار التقدمي، ومنظمات حقوقية، بجانب التظاهرات واسعة النطاق التي تخرج في الشوارع الأمريكية، وفي ساحات الجامعات؛ من أجل تغيير سياساتها، والدعم اللا متناهي لإسرائيل، وهو ما فرض عليها العمل على احتواء الغضب الداخلي، وتبرير موقفها الداعم لاستمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، في ظل عدم ممارسة ضغوط فعالة على نتنياهو من أجل الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

9- محدودية التأثير الروسي والصيني على تفاعلات الأحداث في الشرق الأوسط: على الرغم من الطلب المتزايد من دول الإقليم على دور موسكو وبكين للقيام بأدوار في عدد من الملفات والقضايا والصراعات في الشرق الأوسط، إلا أن الدولتين أو القوتين الدوليتين لا تملكا الكثير من الأوراق الضاغطة. وقد كشفت حرب غزة التحركات الأمريكية، رغم عدم فعاليتها في التوصل إلى اتفاق تهدئة ووضع نهاية للحرب، مقارنة بروسيا المشغولة –بالطبع- بحربها في مواجهة أوكرانيا وتعزيز وجودها في الساحل الأفريقي والحفاظ على مصالحها في بعض بؤر التوتر في سوريا وليبيا، في حين لم يظهر تأثير لبكين باستثناء استضافة محادثات بين الفرقاء الفلسطينيين سعياً لتحقيق مصالحة وطنية.  

10- الدخول في مرحلة من عدم اليقين في الإقليم حال صعود ترامب إلى الحكم: إن المنطقة في مرحلة ما بعد استهداف إسرائيل قيادات حماس وكوادر حزب الله، واحتمالات الرد من أطراف إقليمية بشكل متقطع، وغياب الإرادة السياسية الإسرائيلية للتهدئة، بعد المماطلة والتسويف والتهرب من الجانب الإسرائيلي وخاصة من قبل نتنياهو وائتلافه الحاكم، للوصول إلى اتفاق التهدئة وإرسال وزارة الدفاع الأمريكية مقاتلات وسفناً حربية إضافية في الشرق الأوسط، فضلاً عن زيادة الاستعداد العسكري بالشرق الأوسط بنشر دفاعات صاروخية إضافية، تواجه مخاطر التصعيد الإقليمي واتساع دائرة الصراع. ولا تريد قوى عديدة نقل المعركة إلى أبعاد جديدة وسيكون لها تداعيات كبيرة على المنطقة بأسرها، ومن الصعب للغاية التكهن بتوقيت وآلية الخروج منها، لاسيما في ظل احتمال وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الحكم، والذي قد يعمل على تبني سياسات مختلفة إزاء القضية الفلسطينية وإيران.

خلاصة القول، إن الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد سكوت مدافع حرب غزة سيختلف عما قبله في أبعاد عديدة تخص توازنات القوة والضعف بين القوى الإقليمية، واحتمالية نشوب حرب إقليمية موسعة وفقاً لأسوأ سيناريو محتمل، ومستقبل القضية الفلسطينية وخيار حل الدولتين في حال بقاء نتنياهو أو مجئ حكومة جديدة، وتوجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، ومدى حدوث حراك جيلي في هيكل القيادة الفلسطينية، وهى كلها عوامل تؤثر في مسارات العلاقات العربية-الإسرائيلية إلى حد كبير.