رانيا مكرم

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

في الذكرى الثالثة لسيطرتها على الحكم للمرة الثانية في أفغانستان، نظمت حركة طالبان في 15 أغسطس 2024 عرضاً عسكرياً كبيراً، بقاعدة باجرام الجوية الأمريكية السابقة، في إشارة ضمنية إلى ما حققته الحركة من "انتصار" بعد أن أبعدتها الولايات المتحدة الأمريكية في السابق عن حكم البلاد قبل 23 عاماً. شاركت في العرض دبابات ومركبات حربية سوفيتية وأمريكية الصنع. فيما لم يكن مكان الاحتفال هو الإشارة الضمنية الوحيدة في الاحتفال، حيث حمل مقاتلو الحركة المشاركون في الاحتفال عبوات صفراء على دراجات نارية. تلك العبوات التي كانت تحوي قنابل تزرع في كمائن على الطرق طوال 20 عاماً ضد الحكومة المحلية، والقوات الأمريكية والتحالف الدولي.

وقد حاولت الحركة من خلال احتفالها التأكيد على مكتسباتها ومنهجها في إدارة البلاد، حيث تخلل الاحتفال خطابات للمسئولين، كان أولها كلمة رئيس الوزراء حسن أخوند – الذي لم يحضر الحفل - ألقاها نيابة عنه رئيس مكتبه، أكد فيها أن على البلاد "الإبقاء على حكم الشريعة الإسلامية"، موضحاً أن "ذلك تتحمله سلطات طالبان، كما تتحمل مسئولية حماية الممتلكات وأرواح الناس".

وعلى الرغم دفاع الحركة عن نفسها بأنها استطاعت تحقيق العديد من الإنجازات، فإن العديد من الانتقادات لا زالت توجه إليها دولياً، لاسيما فيما يخص الحريات للمرأة والأقليات. وفي هذا السياق يمكن إلقاء الضوء على أهم ملامح نهج إدارة طالبان للحكم في أفغانستان في النسخة الثانية منه.

واقع يناقض الادعاءات

تدعي حركة طالبان أنها حققت "إنجازات" عدة على الأرض خلال فترة حكمها للسنوات الثلاث الماضية، من أهمها إجبار القوات الأمريكية على الانسحاب بشكل أسرع من أفغانستان، ووقف الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد لعشرين عاماً، مما أدى، في رؤيتها، إلى تحقيق الأمن وأسهم في السيطرة على تهريب المخدرات والحد من زراعتها، وهيأ الفرص أمام إنشاء مشروعات تطوير، لاسيما في مجالات التعدين، وإصلاح الطرق وبناء السدود على الأنهار، واستعادة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية كان قد تم السيطرة عليها من قبل جماعات مسلحة، فضلاً عن بعض قرارات العفو بحق المسئولين في النظام السابق، بالإضافة إلى بعض الخطوات التي أسهمت في تقليص حدة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، تمثلت في الحفاظ على التجارة الخارجية مع عدد من دول الجوار، وكذلك الحضور الدولي في المؤتمرات والاجتماعات كممثل رسمي لأفغانستان على الرغم من عدم الاعتراف بالحركة من قبل المجتمع الدولي.

في مقابل سرد طالبان لـ"نجاحاتها" خلال فترة حكمها، وتأكيدها على أن نهجها في إدارة البلاد يعتمد في المقام الأول على الحكم بالشريعة الإسلامية، وأنها خاضعة لأحكامه فيما يخص التشريعات التي تسير بها أمور البلاد، ومطالبتها بتغيير دستور البلاد ليتماشى مع توجهات الشريعة بشكل كامل، فإن العديد من المؤشرات لازالت تؤكد أن الواقع في أفغانستان لازال مريراً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. من بين هذه المؤشرات:

1- استمرار الأزمة الاقتصادية: ارتفعت مستويات الفقر في أفغانستان، مع توقف المساعدات الدولية من المانحين الدوليين عقب سيطرة حركة طالبان إلى الحكم، لتصل إلى 55% حسب التقديرات الدولية، حيث شهد الناتج المحلي الإجمإلى انكماشاً بنسبة 26% خلال عامي 2021 و2022 بحسب تقديرات البنك الدولي، وذلك كنتيجة حتمية للعقوبات التي يواجهها الاقتصاد الأفغاني تحت حكم طالبان المتمثلة في تجميد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والقيود على القطاع المصرفي الأفغاني، فضلاً عما نتج عن تقييد عمل المرأة، وبعض الإجراءات البيروقراطية الأخرى، التي أدت بدورها إلى زيادة مستويات البطالة. تلك الأوضاع الاقتصادية لا تتناسب نظرياً مع كم الموارد الطبيعية التي تتمتع بها أفغانستان، التي تعد منجماً للمعادن الثمينة والأحجار الكريمة، التي قُدِّرت قيمتها بـ 3 تريليون دولار.

2- الوضع الأمني بحاجة إلى مزيد من السيطرة: على الرغم من انتهاء الاقتتال الأهلي في أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان على مجمل أراضي البلاد، فإن أفغانستان عادت لتكون مصدر تهديد لدول جوارها، لا سيما في ظل نشاط خلايا تنظيم "داعش – ولاية خراسان" الذي يتخذ من أفغانستان مقراً له، في حين أن تقديرات عدة تشير إلى أن كثيراً من الشبكات الإرهابية الإقليمية والدولية قد عادت إلى أفغانستان مؤخراً، وتستخدم البلاد كمعسكرات للتدريب والتخطيط. فيما أكد استهداف قاعة "كروكوس سيتي هول" بموسكو في مارس 2024 والذي أودى بحياة أكثر من 140 شخصاً، على مدي قوة وانتشار "داعش – ولاية خراسان"، بينما ترفض حركة طالبان الاتهامات الدولية بشأن التهديدات الصادرة من الأراضى الأفغانية ضد دول المنطقة والغرب.

3- استمرار تهميش المرأة وحرمانها الحق في التعليم والعمل: منذ سيطرة طالبان على الحكم، تتعرض المرأة للقمع والتهميش من قبل مسئولي الحركة، فيما تشير بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئات الأفغانيات يتضاعف سنوياً منذ عودة حكم طالبان، موضحة أن عدد اللاجئات الأفغانيات قد بلغ 3.1 مليون امرأة أفغانية خلال عام 2023، في حين كان هذا العدد نحو 1.2 مليون امرأة خلال عام 2021.

وللعام الثالث على التوالى، تمنع الفتيات من اتمام تعليمهن فوق الصف السادس الابتدائي، إلى جانب استمرار القيود المفروضة على التوظيف خارج الحكومة، وإجبارهن على إغلاق مراكز التجميل، التي كانت في الماضي توظف نحو 60 ألف امرأة. فيما تعد ممارسات حركة طالبان ضد النساء أحد أهم الانتقادات الدولية الموجهة للحركة، والمُعطِّلة، ضمن أسباب أخرى، للاعتراف الدولي بالحركة على رأس السلطة في أفغانستان، لاسيما منعهن من الحق في التعليم، حيث تشير منظمة اليونسكو إلى أن 2,5 مليون فتاة قد حرمن من التعليم، أي ما يمثل حوالى 80% من إجمالى الفتيات الأفغانيات في سن الدراسة، لتصنف بذلك أفغانستان الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع الفتيات من التعلم.

 فيما جددت الحركة ذاتها الجدل الدولي حول وضع النساء في البلاد برفضها حضور منظمات اجتماع الدوحة لمناقشة الأوضاع في أفغانستان الذي انعقد بدون حضور ممثلين عن الحركة في 19 فبراير 2024 بسبب حضور ممثلين عن المرأة والمجتمع المدني الأفغاني.

4- استمرار العزلة الدولية: لم تعترف أي دولة بحركة طالبان حتى الآن، نظراً لعدم وفاء الحركة بأي من شروط المجتمع الدولي. غير أن ضرورات الأمن الحدودي والاستقرار الاقتصادي قد دفع عديداً من دول الجوار الأفغاني إلى الحفاظ على مستوى من التعاون مع الحركة في هذين المجالين الحيويين. كما حافظت الحركة على علاقاتها بدول المنطقة، مثل الصين وباكستان وتركيا وروسيا والهند وإيران، وحرصت على التواجد في أغلب الاجتماعات الدولية التي تناقش الأوضاع في أفغانستان. وفي مؤتمر الدوحة المنعقد في 30 يونيو 2024، طالب المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، المجتمع الدولي بـ"فصل شئون أفغانستان الداخلية عن السياسة الخارجية"، حتى يتسنى للحركة الانخراط في المجتمع الدولي.

غير أن اعتزام كل من روسيا وكازاخستان رفع اسم الحركة من قائمتهما للمنظمات الإرهابية والذي أعلنتا عنه في يونيو 2024، يعد أبرز التطورات على صعيد علاقات طالبان الخارجية خلال هذا العام، لاسيما وأنها خطوة تمهيدية على الأرجح للاعتراف بالحركة على رأس السلطة في البلاد. فيما عينت الحركة سفيراً لها في الإمارات لأول مرة منذ سيطرتها على الحكم وذلك في 23 أغسطس 2024.

 في مقابل ذلك، أقدمت الحركة على قطع علاقاتها مع البعثات الدبلوماسية الأفغانية التابعة للنظام السابق في العديد من الدول الغربية، بحجة تجاوز هذه البعثات وعدم التزامها بتوجهات الحركة، الأمر الذي جعل الحركة محط انتقاد دولي بسبب الضرر الذي يعود على الرعايا الأفغان في هذه الدول.

في هذا السياق، يبدو أن حركة طالبان تنتهج سياسة كسب الوقت مع المجتمع الدولي الرافض لانخراطها فيه دون الوفاء باشتراطاته، وعلى رأسها تغيير نهج الحركة في التعامل مع حقوق المرأة والأقليات، مع الحفاظ على تواجدها على الساحات الدولية في الاجتماعات والمؤتمرات المعنية بتحسين أوضاع أفغانستان، تلك السياسة التي تثبت حتى الآن أن تشابك المصالح سيؤدي بمرور الوقت إلى تقديم بعض التنازلات من الأطراف كافة، ولعل انفتاح علاقات طالبان مع روسيا والصين وكازاخستان اقتصادياً وسياسياً يعد دليلاً على ذلك، على الرغم من الإخفاقات الداخلية وسوء إدارة الحركة للعديد من الملفات في الداخل وعدم قدرتها على تحقيق اختراقات مماثلة لتلك التي حققتها، إلى حد ما، على صعيد علاقاتها مع بعض دول جوارها.