رابحة سيف علام

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

 

بعد الكثير من الترقب، أطل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في تشييع القائد العسكري الأول للحزب فؤاد شكر، في أول أغسطس 2024، ليضع من خلال خطابه ملامح واتجاهات الرد المحتمل على إسرائيل. وكان حزب الله قد تأخر في الاعتراف بنجاح عملية اغتيال شكر لعدة ساعات، وسط تضارب لأنباء واردة من تل أبيب التي أكدت مقتله وأخرى واردة من طهران أكدت نجاته. بينما كانت المصادر اللبنانية تتمهل لحين رفع الركام وتبين أضرار الغارة الإسرائيلية التي أصابت مبنى سكنياً في حارة حريك وأدت إلى انهيار نحو أربعة طوابق منه. وفي تشييع فؤاد شكر، أعلن نصرالله أن الغارة قتلت أيضاً إلى جانب شكر وشخص إيراني نحو 5 مدنيين بينهم 3 نساء وطفلين.

رسائل كامنة

حمل خطاب نصر الله كالعادة عدداً من الرسائل الهامة التي تستهدف مجموعة من الأطراف دفعة واحدة. فالخطاب في بدايته كان يتوجه بالأساس إلى المحور الذي تقوده إيران، بهدف احتواء مشاعر الهزيمة التي ألمت به بعد الضربة المزدوجة لاغتيال فؤاد شكر أولاً ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ثانياً وقبلهما تنفيذ هجوم الحُديدة في اليمن قبل عدة أيام بالإضافة إلى وجود أنباء ترجح نجاح إسرائيل في اغتيال قائد "كتائب القسام" محمد الضيف قبل أسبوعين في غزة. وبالتالي فاللحظة الراهنة في موازين هذا المحور في المنطقة تبدو أقرب إلى إعادة تأكيد تفوق إسرائيل العسكري وقلب المعادلة التي أرساها هجوم 7 أكتوبر وما بعده. ومن ثم فرسائل نصرالله في هذا الإطار كانت تطمئن جمهوره القريب بأنه بالرغم من أن فؤاد شكر هو من الجيل المؤسس للعمليات العسكرية لحزب الله، فإن له، وفقاً لرؤيته، كوادر بنفس الكفاءة يمكن أن يتبوءوا موقعه ويملئوا الفراغ الذي خلفه. أما بالنسبة للجمهور الأوسع، فقد شدد نصرالله على أن "اغتيال القادة كان من شيم إسرائيل منذ عقود وأن هذه السياسة لم تفلح في وقف المقاومة في مختلف الحركات سواء في فتح أو حماس أو في حزب الله نفسه، بل اتخذت المقاومة بعدها خطاً تصاعدياً وتوسعت عملياتها". وفي خطابه للجمهور المساند، حرص نصرالله على تأكيد مبدأ وحدة الساحات ومبدأ التضامن والتكامل السُني الشيعي، حيث اعتبر أنه من مكتسبات "طوفان الأقصى" التي يجب الحفاظ عليها بعد سنوات من محاولة إشعال الفتنة الطائفية والمذهبية في المنطقة.  

ثم تعرض نصرالله في خطابه إلى تكييف الهجوم الذي أودى بحياة شكر بالضاحية الجنوبية، فعاد إلى ذكر هجوم مجدل شمس مفصحاً عن استعداد حزب الله للاعتراف بالهجوم لو كان خطأ ما قد تسبب به ولكن ذلك لم يحدث ونفى بحزم مسئولية الحزب. وحذر مرة أخرى من رغبة إسرائيل في بث الفتنة والشقاق بين الشيعة والدروز وأثنى على مواقف عقلاء الدروز "الداعمين للمقاومة الذين فوتوا هذه الفرصة". وبناءً على هذا التأكيد، عاد للتذكير بأن القصف الذي وقع في حارة حريك ليس رداً على هجوم مجدل شمس بل هو اعتداء متعدد المستويات، فهو أولاً اعتداء على الضاحية التي تقع في نطاق العاصمة، ثم هو ثانياً اعتداء على مبنى مدني ملاصق لمشفى في حي سكني مكتظ، وثالثاً هو اعتداء أدى إلى مقتل مدنيين، بالإضافة إلى المستوى الرابع من الاعتداء وهو اغتيال قائد كبير في الحزب. ولعل تفصيل نصرالله لطبيعة الاعتداء على هذا النحو رباعي الأبعاد قد يحمل بعض الإشارات عن ملامح الرد المرتقب الذي يتم التخطيط له بشكل مدروس وغير متعجل كي يفي بكل مستوى من هذه المستويات الأربعة.

إلى جانب ذلك، اهتم نصرالله بتوجيه رسائل إلى الدول الغربية خاصة تلك الفاعلة في نقل التهديدات والرسائل إلى حزب الله في محاولة للجمه عن التوسع في استهداف إسرائيل خلال رده المرتقب. إذ اعتبر أن كل رسائل ومحاولات التهدئة أو التلويح بالتهديد لن تفلح في التخفيف من حدة الرد القادم، فالرد، في رؤيته، "سيكون غير مسبوق وسيكون أكبر وأوسع من رد طهران على استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق في إبريل الماضي". بينما عاد إلى مداعبة مشاعر الجمهور عندما اعتبر أن "اغتيال هنية ليس فقط اغتيال قائد كبير وليس مجرد اعتداء على سيادة إيران بل هو اعتداء على الشرف الإيراني لأنه استهدف ضيف بهذا المستوى الرفيع على الأراضي الإيرانية". وكان هدف نصرالله الأهم من توجيه رسائل للغرب هو التأكيد على جملة مفتاحية ساقها في خطابه، وربما تؤسس لتوازن جديد ألا وهي "إذا أردتم منع توسع الحرب فأوقفوا رد إسرائيل على الرد المرتقب، وإذا أردتم منع توسع الحرب فأوقفوا الحرب في غزة". وفي ذلك يرمي حزب الله بعض البذور التي ربما قد تفيد في رفع السقوف التفاوضية لحين استهلاك الوقت اللازم لتوجيه الرد المدروس. فرغم الحدة الظاهرة في الخطاب، فإن نصرالله لم يستبعد فكرة أن الأمر لا يزال خاضعاً للتفاوض وتبادل رسائل التفاهم عبر الوسطاء الغربيين.

توقيت الرد المرتقب

أما الشق الأخير من الخطاب فقد توجه به بشكل غير مباشر للداخل الإسرائيلي، فنصرالله موقن بأن لخطاباته تأثير كبير على الجبهة الداخلية في إسرائيل. ولذا فقد أشار إلى حالة الاستنفار الكبيرة التي تتحكم في مسار الحياة اليومية في إسرائيل ليس فقط في المناطق الشمالية المعتادة، ولكن أيضاً بعمق أكبر يطابق كل المناطق التي رصدتها صور مسيّرة الهدهد. فقد أعاد التذكير بأن إسرائيل تنتظر الرد من كل الأطراف المشاركة في "وحدة الساحات"، ولكنها لا تعرف هل سيأتي من الشمال أم من الجنوب أم في الوسط أي منطقة تل أبيب الكبرى، وهي لا تعلم إذا كان سيأتي كضربة واحدة متزامنة أو ضربات متفرقة، وبالتالي فالاستنفار والترقب الإسرائيلي كان هدفاً من أهداف هذا الغموض الذي يحيط بطبيعة الرد. وهنا أشار نصرالله بوضوح إلى أن "رد حزب الله سيكون مدروساً بالمعنى الذي يجعله موجعاً ومؤثراً ولكن أيضاً غير متعجل"، مما يسمح بحالة من الاستنزاف لأطول فترة ممكنة توازي الاستنفار الإسرائيلي في سياقه العسكري والمدني على حد سواء. وهنا يعتبر نصرالله أن الإجراءات الاحترازية الإسرائيلية بإخلاء القواعد العسكرية وتعطيل العمل بالمصانع ونقل مخازن المواد الحارقة كالأمونيا، ضمن الأثمان التي ستدفعها إسرائيل مقابل إقدامها على الاغتيالات الأخيرة.

وعاد نصرالله ليؤكد أن "الرد آتٍ وحتمي ولا يمكن تجنبه أو تفاديه وأنه سيكون غير مسبوق بل إن المعركة قد دخلت بالفعل مرحلة جديدة"، وكلها رسائل لرفع الروح المعنوية للجمهور المناصر له، ولكنه أوضح أن الرد غير متعجل معبراً عن ذلك بعبارة "بيننا وبينكم الأيام والميدان". وقد ميّز نصرالله في نهاية خطابه بين نشاط حزب الله الروتيني في مساندة جبهة غزة عبر قصف صاروخي متفرق على الشمال الإسرائيلي ضمن قواعد الاشتباك المعتادة وبين الرد المرتقب الذي يفترض أن يكون مختلفاً وخارجاً عن هذه القواعد. وأوضح أن استئناف الضربات الروتينية لا يعني أن الرد قد بدأ، بل إن الأمرين يسيران في مسارين منفصلين تماماً. ولعل في ذلك إضافة نوعية لفكرة استنزاف القدرات الإسرائيلية عبر ترقب الرد المختلف من جهة وبين صد التراشق الصاروخي المعتاد من جهة أخرى، ففي كل رد روتيني إنذار كاذب للرد المرتقب وبالتالي تمويه مؤكد عن هذا الرد عندما يبدأ بالفعل.    

فكل من تابع خطاب نصرالله يرى أن الرد قادم ولكنه سيستغرق وقتاً لترتيبه وتنفيذه، وهذا الوقت كفيل بإنجاز بعض المهام قبل التنفيذ الفعلي للرد. من جهة، حزب الله يحتاج لإعادة ترتيب سلسة القيادة العسكرية لكتائبه بعد الإطاحة برأس غرفة العمليات العسكرية، ولكن من جهة أخرى هو أيضاً بحاجة لبعض الوقت لدراسة الثغرة أو الاختراق الذي نُفذت من خلاله عملية اغتيال شكر. فبعد كل عملية اغتيال للقادة الميدانيين أو المتوسطين عادةً ما يجري حزب الله عدداً من المناورات الاستخباراتية للكشف عن الثغرة التي تسرب من خلالها نبأ تواجد هؤلاء القادة في هذا المكان في ذلك التوقيت، سواء كانت هذه الثغرة اختراق بشري عبر عملاء أو تعقب استخباراتي لوجستي، وهو أمر أدعى للحدوث عندما يكون ثمن هذا الاختراق بحجم اغتيال القائد العسكري الأول في الحزب. ولكن من جهة ثالثة، لابد أن يدرس الحزب بشكل دقيق الرد المناسب لكل مستوى من مستويات الاستهداف الأربعة التي تم تحديدها بدقة في خطاب نصرالله. فالرد على الأرجح سيكون أيضاً رباعي الأبعاد، وبالتالي فالمدى الزمني لتنفيذه لن يكون سريعاً حتماً. ومن جهة رابعة تأخر الرد سيكون معلقاً أيضاً بكيفية ترتيب العمليات اللوجستية والدفاعية اللازمة التي ستوضع موضع التنفيذ تحسباً لرد مقابل من إسرائيل، ومن هنا فإعادة نشر العناصر والأسلحة والعتاد والصواريخ والذخيرة لابد أن تكون حاضرة ومجهزة لصد أي تصعيد لاحق قد تقرر إسرائيل أن تمضي فيه بعد تلقي ضربة حزب الله والضربات الأخرى سواء من إيران نفسها أو اليمن أو العراق. وأخيراً فتأخر الرد سيكون أيضاً مرهوناً بدراسة حزب الله لأنماط استجابة إسرائيل واستعدادها لهذه الضربة ومن ثم التخطيط لمهاجمتها في النقاط الحرجة أو الأقل استنفاراً من أجل تحقيق الضرر المطلوب بأقل الموارد. ومن ذلك أيضاً دراسة انتشار الدعم العسكري الأمريكي في المنطقة وطبيعته والتحسب للفضاءات التي سيتحرك فيها وأي مدى سيبلغ.

وبالتالي فلا يتصور أن يكون رد حزب الله خلال أقل من أسبوع من اغتيال شكر بل على الأرجح سيتخطى ذلك إلى أسبوعين أو أكثر، وربما يسبق الرد الإيراني رد حزب الله، وربما يتزامنان، ولكن المرجح أن حزب الله سيتريث في رده عن بقية الأطراف الأخرى. فالموقف العسكري لحزب الله لا يحتاج إلى تأكيد متعجل لنفوذه، بل هو يتحرك من موقع الذي يعلم أنه يدير أقوى جبهات الحرب الراهنة وأكثرها تأثيراً في قدرات إسرائيل العسكرية وأكثرها استنزافاً لموارد الجبهة الداخلية عبر تعطيل أوجه الحياة في الشمال بالكامل. كما أن توازن الردع بين إسرائيل وحزب الله لم يهتز كثيراً، فصحيح أن تل أبيب اغتالت قائداً كبيراً في قلب الضاحية الجنوبية، ولكن دقة الاستهداف ومحدوديته واقتصاره على بعض الطوابق بدلاً من دك المبنى كله يعني أن إسرائيل تتحسب لرد حزب الله ولذا كان الاستهداف دقيقاً. ومن هنا، فالأرجح أن حزب الله سيرد بنفس الاستهداف الدقيق وليس مضطراً لإنتاج مشهد دمار هائل كي يرد بالتناسب ذاته، بل على الأرجح ستكون إيران والحوثيين معنيين أكثر بإنتاج هذا المشهد لا حزب الله. ولذا فحسابات حزب الله بشأن التوقيت ليست متعجلة، وإنما سيتريث لأنه يعلم جيداً أن مشاركته في الرد الجماعي ستكون هي الأكثر حسماً وأكثر ترقباً، ولذا سيستثمرها حتى النهاية وسيحجبها لحين استنفاد كل فرص التهديد بها والمساومة عليها.   

مدى وحجم وأهداف الرد المرتقب

أما عن مدى وحجم وأهداف رد حزب الله المرتقب، فلا شك أن الحزب لديه بعض السيناريوهات المعدة مسبقاً من أجل توجيه الرد المتناسب على كل خرق لقواعد الاشتباك. ولكن مع ذلك، فإن شرح نصرالله بالتفصيل لإدراك حزب الله لاعتداء الضاحية الجنوبية الأخير يشي بأن الرد قد يكون استثنائياً ومتعدد المستويات.

أما عن مكان الرد، فمن الخيارات المطروحة خيار استهداف السفارات والبعثات الخارجية الإسرائيلية، وسبق أن تم تنفيذه في مراحل تاريخية سابقة كان حينها حزب الله أقل عدداً وعتاداً وأقل قدرة على استهداف إسرائيل نفسها، ولكنه الآن أصبح قادراً على استهداف إسرائيل في عقر دارها ولذا لا يحتاج إلى ملعب خارجي لتأكيد نفوذه. كما أنه يدرك أن تنفيذ عمليات خارجية سوف يثير تعاطفاً مع تل أبيب ويتسبب له ولمناصريه في الخارج بمشكلات في بلاد المهجر.

أما عن تعدد مستويات الرد، فيبدو أنه سيكون ذا شقين أحدهما عسكري والآخر مدني[1]. ففي الشق العسكري، يتوجب أن يكون الرد على أهداف عسكرية دقيقة ويترتب عليه تعطيل لبعض القدرات العسكرية الإسرائيلية لفترة لا بأس بها. وربما لن يقتصر ذلك على الشمال فقط وإنما سيتوسع بعض الشيء ليصل إلى القدرات العسكرية المركزية تماماً كما كان فؤاد شكر قائداً عسكرياً مركزياً، بما يعني أنه ليس فقط قواعد الشمال هي المهددة وإنما قواعد الوسط أيضاً تقع في دائرة التهديد. ولعل النسخ الثلاثة للصور التي عادت بها مسيّرة الهدهد تكشف عن حجم بنك أهداف حزب الله وقدرته على الحصول على صور محدثة لهذه الأهداف باستمرار.

ولكن رغم ذلك فالمتوقع أن يكون الهدف القادم من خارج بنك الأهداف التي أعُلن عنها في مقاطع الهدهد المصورة، فالمقاطع التي بثها الإعلام العسكري لحزب الله كان الهدف منها دعائياً للتهديد والردع لمنع إسرائيل من تخطي الخطوط الحمراء وإقناعها بفداحة تداعيات هذا التخطي، ولم يكن الهدف منها بالضرورة تنفيذ الاستهداف الفعلي. فكل هذه الأهداف أصبحت الآن مكشوفة ومعروفة وتم تأمين بعضها وإخلاء البعض الآخر بالفعل، وربما حتى قبل تنفيذ إسرائيل للاغتيالات الأخيرة. وهنا فالمتوقع أن يكون الهدف العسكري الذي يسعى حزب الله لتحييده هو هدف من خارج صور الهدهد، سواء كان قد تم استهدافه من قبل بشكل محدود فيعيد الحزب استهدافه بشكل كامل يخرجه عن الخدمة تماماً أو لم يستهدف من قبل على الإطلاق فيقوم باستهدافه بشكل جزئي للتذكير بقدرته على الوصول إليه. ولكن إذا سلمنا أن مدى الرد سيتخطى الشمال إلى العمق والوسط الإسرائيلي، فالراجح أن يكون الهدف المنشود لم يتم استهدافه من قبل، ويصيبه حزب الله بضرر جزئي وليس شاملاً.

من المهم الإشارة إلى أنه حتى لو كان اغتيال شكر استهدافاً موجعاً لحزب الله، فلا يجب أن ننسى أن شكر هو مهندس صيغة توازن الردع بين حزب الله وإسرائيل، فلن ينسف حزب الله هذا التوازن وهذه الصيغة التي أسسها شكر في الاستهداف العسكري الدقيق ثأراً لاغتياله. فالحزب يهدف من هذا الرد المرتقب أن يعيد صيغة التوازن لسابق عهدها – أي ما قبل الاغتيال- ويحد من التفوق العسكري الإسرائيلي ولكن لا يريد فعلياً أن يفتح جبهة حرب واسعة[2]. فحزب الله لا يريد أن يسدي خدمات مجانية لحكومة نتنياهو – الذي يحتاج الحرب الموسعة لإنقاذ مستقبله السياسي- بل يريد أن يسقطها ويطيح بها سواء فعلياً أو سياسياً.

أما فيما يتعلق بالشق المدني من الرد، فالخيارات واسعة ومتعددة، ولكن من غير المتوقع أن يلجأ حزب الله لخيار قصف تجمعات سكنية أو بؤر استيطانية فيها سكان بالفعل. فمنذ بداية الحرب، تجنب حزب الله بشكل ملحوظ استهداف مدنيين إلا فيما يخص الفرق التقنية المساندة التي تتردد على القواعد والمرافق العسكرية لإصلاح ما طالها من أضرار بعد قصف حزب الله لها، وهو خيار واعٍ لدى الحزب في مواجهته العسكرية مع إسرائيل، ينشأ عن رغبته في تجنب توسيع قاعدة التعاطف الدولي معها. ولذا فالمرجح أن يتم استهداف مرفق حيوي له استخدامات مدنية واسعة بشكل يخرجه عن الخدمة مؤقتاً بما يضر بشكل مباشر بجودة حياة المدنيين وبالتالي يزيد من سخطهم على حكومة نتنياهو وعلى خياراتها العسكرية والسياسية. وقد تكون القطاعات المدنية الأقرب للاستهداف هي قطاع الاتصالات وقطاع الكهرباء وربما أيضاً بعض مخازن الوقود أو مخازن المواد التموينية.

لا يبدو أن هناك خياراً مرجحاً أكثر من غيره بين هذه القطاعات، لكن قد يتم استبعاد منصات استخراج الغاز لعدم رغبة حزب الله في استعداء الطرف الأوروبي أو بعض الأطراف الإقليمية الأخرى التي تستفيد فعلياً من هذا المرفق الحيوي لتوريد الغاز إليها، بل يريد أن ينعكس الضرر فقط على الداخل الإسرائيلي من أجل توليد الضغط اللازم للإطاحة بحكومة نتنياهو.     

ختاماً، سيحرص حزب الله على استنزاف القدرات النفسية والعسكرية الإسرائيلية لأطول فترة ممكنة في حالة الاستنفار الراهنة قبل أن ينفذ ضربته المرتقبة، ولذا فالتريث سيكون حاكماً لسلوكه عموماً في الفترة القادمة. وسيستفيد أيضاً من توازي هجماته الروتينية مع عملية ترقب الرد الاستثنائي كي يخلق مناخاً من التمويه والغموض البناء بحيث تصبح ضربته شبه مفاجئة رغم أنها متوقعة للغاية. ورغم توقع أن تطال الضربة هدفاً عسكرياً وهدفاً آخر كمرفق حيوي مدني، إلا أنه في الحالتين سيكون رداً دقيقاً له بداية ونهاية ولن يكون معنياً كثيراً بإظهار مشهد دمار هائل، بل بتحييد الهدف المطلوب لإيصال الرسالة دون التسبب في إشعال حرب واسعة بعد ضربته.   


[1] موقع العربية، "مسؤول إيراني: رد حزب الله قد يشمل أهدافاً مدنية وعسكرية في إسرائيل"، 3/8/2024، https://shorturl.at/62mgK

[2] الشرق الأوسط، 2/8/2024، https://shorturl.at/DjImb