صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تتأثر عملية إدارة تدفقات النقد الأجنبى التى تحتاجها الدول، بهدف توفير احتياطيات نقدية استراتيجية، بالأحداث والتطورات والعوامل الدولية والإقليمية. فخلال الفترة (2020 - 2023) تأثر الاقتصاد العالمى والاقتصادات المحلية بعدد من الأزمات التى بدأت مع جائحة (كوفيد- 19) وما نتج عنها من تداعيات أدت إلى فرض الدول حالة الإغلاق العام التى أثرت بقوة على السيولة والتمويل وشبكات التوريد، مرورا بالانعكاسات الحادة الناتجة عن الحرب الروسية - الأوكرانية، والتى ضربت بقوة سلاسل التوريد وأسعار النفط وغيرها، وصولا إلى حالة التوترات الإقليمية الحادة التى يشهدها الإقليم نتيجة للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى منذ أكتوبر 2023.

يضاف إلى ذلك طبيعة السياسات الاقتصادية والقرارات الاستراتيجية المرتبطة بتداعيات الأزمات الكبرى، وهى السياسات المتعلقة بمعالجة الأزمات الاقتصادية لاسيما أزمة توفير احتياطيات النقد الأجنبى وضمان استدامة هذه الاحتياطيات، وهو ما يفرض على المؤسسة الاقتصادية التنفيذية المعنية بالسياسات النقدية ضرورة وضع سياسات من شأنها اعتماد الكفاءة التشغيلية فى إدارة رأس المال كآلية مهمة فى سياق ضمان تدفقات النقد الأجنبى داخل دائرة الاقتصاد المحلى، وذلك على أساس أن الإدارة الفعالة للسياسات النقدية من شأنها ضمان استقرار الاقتصاد المحلى فى مواجهة مثل هذه الأزمات، وما ينتج عنها من ركود وتراجع اقتصادى، بما يؤدى إلى ضمان استمرار تدفق رأس المال الأجنبى واستقراره نسبيا فى ظل الأزمات الكبرى والحادة.

وقد تأثر الاقتصاد المحلى إلى حد كبير بتلك الأزمات، وانعكس هذا التأثر بصورة كبيرة فى تراجع حصيلة النقد الأجنبى، وعجز السياسات الاقتصادية المتبعة عن تعزيز موارده، وضمان استدامة تدفقاته، لا سيما فى ظل المعاناة الناتجة عن اتساع الهامش بين السعر الرسمى للعملة الأجنبية (الدولار الأمريكى) مقابل السعر غير الرسمى (السوق السوداء)، وما ارتبط به من تراجع فى معدلات الاحتياطى النقدى منه، فضلا عن تراجع التصنيف الائتمانى للاقتصاد المحلى طبقا لما ورد فى تصنيفات المؤسسات الاقتصادية المعنية بهذا الشأن.

فى ظل هذه التداعيات، أصدرت الدولة «وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصرى 2024-2030»، التى ركزت على كيفية زيادة عائدات النقد الاجنبى بهدف تعزيز قدرة الاقتصاد المحلى على مواجهة الأزمات الدولية والإقليمية وانعكاساتها الاقتصادية. تستهدف الوثيقة الوصول إلى احتياطى نقدى من العملة الصعبة يقدر بنحو 300 مليار دولار بحلول عام 2030. وذلك عبر عدة أدوات رصدتها الوثيقة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 100 مليار دولار، ودعم قطاع السياحة والعمل على زيادة موارده بنسبة 20 % سنويًا، ودعم الصادرات وإنشاء عشر مناطق تصديرية فى عدد من المحافظات، واستثمار أمثل لتحويلات المصريين العاملين بالخارج، وتنمية عوائد قناة السويس بنحو 10% سنويًا. وجدير بالذكر أن الدولة تستهدف تحقيق نمو اقتصادى يتراوح بين 6% و8% خـلال الفترة (2024 - 2030) مقارنة بمعدل نمو قدره 3.8% للعام المالى (2022-2023).

ورغم كون هذه الاستراتيجية تعبر عن خطط اقتصادية «طموحة» و«متفائلة» فى ظل ما يعانيه الاقتصاد الوطنى من تحديات، إلا أن تطبيقًا أمثل لهذه الاستراتيجية من شأنه نقل الاقتصاد المحلى إلى مرحلة مختلفة يكون فيها أكثر قدرة على استيعاب تداعيات الأزمات الدولية والإقليمية، بما يدفعه نحو نوع من «الاستقرار النسبى»، وهو ما يمكن تحقيقه عبر التركيز على تنمية الموارد الاقتصادية بصورة مستدامة، ووضع السياسات التى من شأنها التحرك السريع لجذب النقد الأجنبى والاستثمارات، للعمل داخل منظومة الاقتصاد المحلى.

فى هذا الإطار، تقدم هذه الدراسة التى تأتى تحت عنوان «آليات تعزيز النقد الأجنبى فى مصر»، للخبيرة الاقتصادية/ سالى أحمد عاشور، المدير التنفيذى للإدارة العامة للدراسات المستقبلية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلا شاملا لأوجه القصور فى السياسات المتبعة بشأن آليات تعزيز النقد الأجنبى فى مصر، واقتراح حلول عملية وفعالة لزيادة احتياطياته بهدف طرح البدائل والخيارات الممكنة أمام صانعى القرار الاقتصادى للمساعدة على صياغة سياسات فعالة لتعزيز النقد الأجنبى، وتحقيق الاستقرار الاقتصادى. وتحاول الدراسة فى هذا السياق الإجابة عن عدة تساؤلات بحثية بشأن ماهية السياسات التى من خلالها تستطيع مصر التغلب على نقص موارد النقد الأجنبى وضمان استداماتها. كما تقوم الدراسة بتحليل بيانات تدفقات النقد الأجنبى فى مصر خلال السنوات العشر الماضية -الفترة المحددة فى الدراسة، وهى (2014 -2024)- بالإضافة إلى ذلك ترصد الدراسة عددًا من التجارب الدولية الناجحة فى تعزيز موارد النقد الأجنبى بهدف الاسترشاد بها فى سياق الخصوصية المصرية، فضلًا عن تقييم البدائل والخيارات بشأن سبل تعزيز موارد النقد الأجنبى فى مصر، وصولًا إلى استخلاص الدروس المستفادة، واقتراح حلول عملية وفعالة قابلة للتنفيذ.