رابحة سيف علام

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

 

جاءت حادثة قرية مجدل شمس التي سقط فيها صاروخ على ملعب كرة قدم وقتل 12 طفلاً من السكان المحليين، في 27 يوليو 2024، لتسلط الضوء على الجولان المحتل وأحوال أهله من السوريين الدروز. إذ اتهمت اسرائيل حزب الله بـ"استهداف الأطفال الأبرياء في هدف مدني كملعب كرة"، بينما نفى الأخير استهداف هذه القرية العربية مرجحاً أن يكون الصاروخ من صواريخ القبة الحديدية التي تطلقها إسرائيل لملاحقة صواريخه وطائراته المسّيرة. وبينما تحاول تل أبيب استغلال هذه الحادثة كذريعة للتصعيد ضد حزب الله في جبهة لبنان والانتقال بالرد إلى مستوى يخرج عن قواعد الاشتباك المعتادة بينهما منذ اشتعال الجبهة بينهما في 8 أكتوبر 2023، رفض السكان الدروز في هذه القرية العربية استقبال المسئولين الإسرائيلين ورفعوا لافتات ضد "قتلة الأطفال" خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القصيرة إليها.

من يسكن مجدل شمس المحتلة؟

كان الجولان قبل احتلاله في حرب يونيو 1967 عامراً بحوالي 138 ألف من السكان السوريين من الدروز والمسيحيين والمسلمين السنةُ. ولكن خلال الأيام الأولى لحرب 1967، قام نحو 131 ألف بالنزوح إلى مناطق أخرى داخل سوريا وخاصة على أطراف دمشق التي تبعد بمسافة 50 كم. بينما بقى السكان الدروز والذين كانوا يقدرون حينها بنحو 7 آلاف رافضين النزوح من أرضهم خوفاً من عدم إمكانية العودة إليها مرة أخرى. ولكن اليوم وطبقاً للزيادة السكانية خلال العقود الماضية صار عدد من بقوا بالجولان نحو 23 ألف، بينما من غادر واستقر في سوريا وصل عددهم إلى نحو 600 ألف[1]. ولعل سقوط الجولان بيد الاحتلال الإسرائيلي كان له واقعة لافتة في التاريخ السوري، حيث روى عدد من الضباط السوريين السابقين على جبهة القنيطرة أن خبر سقوط الجولان قد أُذيع في الإذاعة السورية قبل أن يصل الجيش الإسرائيلي فعلياً إلى الجولان بنحو خمس ساعات. وكانت إذاعة هذا الخبر سبباً رئيسياً لانسحاب اللواء الحامي للجولان بعد انقطاع الاتصال بينه وبين القيادة السورية، ومن ثم هرب السكان المحليون من الجولان تبعاً لهذا الأداء الرسمي الملتبس من الجانب السوري[2].

وهكذا، تعرضت القرى السورية الأخرى في الجولان وتقدر بنحو 223 إلى الترويع والإرهاب من الجيش الإسرائيلي مما أدى إلى تدميرها وتهجير سكانها إلى العاصمة دمشق، بينما بقى السكان الدروز وهم موزعون اليوم على نحو أربعة قرى أكبرهم مجدل شمس التي يقدر سكانها بنحو 12 ألف. وكان الدروز وخاصة سكان قرية مجدل شمس قد عانوا من تهجير سابق في عام 1925 إبان الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، ولذا كانت هذه الواقعة حاضرة في أذهانهم بعد نحو أربعين سنة ورفضوا الخروج من أرضهم خوفاً من عدم إمكانية العودة إليها مرة أخرى[3]. وقد ساعد على ذلك ترابط المجتمع الدرزي وتماسكه والتفافه حول رجال الدين الذين يوجهون المجتمع الدرزي إلى اتخاذ القرارات التي تخص الطائفة بشكل جماعي ويتم نبذ من يخالف هذه القرارات.  

عانى السكان الدروز السوريون في الجولان من مصاعب كثيرة تعوق ممارستهم للحياة بشكل طبيعي تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما أنهم قد تمسكوا بولائهم لسوريا وعاشوا على أمل تحرير الجولان. وقد تحررت بلدة القنيطرة بموجب اتفاقية فك الاشتباك بين اسرائيل وسوريا عام 1974، ولكن بقى الجولان بانتظار التحرير. ومنذ عام 1981، انتعشت التحركات الاحتجاجية الدرزية المعارضة لـ"أسرلة" الجولان، وتعهد السكان بالتمسك بالهوية السورية ورفض التجنيس الإسرائيلي، ونظموا إضرابات متعددة للتأكيد على هذه التوجهات. وإزاء ذلك تراجعت إسرائيل عن فرض الهوية الإسرائيلية على سكان الجولان بالقوة ولكنها أصدرت قانون "ضم الجولان" في نهاية عام 1981 والذي مد سيطرة القانون والإدارة والقضاء الإسرائيلي إلى مساحة الجولان المحتل وسمح بتجنيس سكانه إذا طالبوا هم بهذه الجنسية ولكنه لا يفرضها عليهم.

رفض سكان الجولان هذا القانون وقرروا بشكل جماعي التمسك بهويتهم السورية ورفض التجنس بالجنسية الإسرائيلية لسنوات طويلة، مما حرمهم من مزايا الحصول على جواز سفر من أجل التنقل، بل يحصلون على وثيقة سفر غير محدد فيها الجنسية. ولكن لتسيير شئون حياتهم اليومية حصلوا على بطاقة الهوية المدنية الإسرائيلية للتعامل مع الإدارة المحلية التي فُرضت عليهم ولكن دون حمل الجنسية الإسرائيلية. فأصبح وضعهم أقرب إلى مقيمين دائمين وليسوا مواطنين في دولة إسرائيل، ومن ثم فهم لا يُستدعون للخدمة في الجيش ولا يدلون بأصواتهم في الانتخابات المختلفة. ويتناقض موقف السوريين الدروز من أهل الجولان مع موقف دروز الجليل والكرمل وهم من عرب فلسطين التاريخية الذين بقوا في قراهم ولم يغادروها خلال نكبة عام 1948، ثم تدريجياً اندمجوا في المجتمع الإسرائيلي وحملوا الجنسية وقبلوا التجنيد في الجيش. وتُميز إسرائيل دروز الجليل الذين اندمجوا في المجتمع الإسرئيلي بشكل كامل عن دروز الجولان الذين تمسكوا بالهوية السورية وتعلقوا بأمل تحرير الجولان والعودة للوطن الأم سوريا.

معضلات العيش تحت الاحتلال

 يعمل دروز الجولان بالزراعة بالأساس نظراً لخصوبة الأرض ووفرة المياة وملائمة الطقس لزراعة مختلف محاصيل الفاكهة وخاصة التفاح. وعادةً ما كانت إسرائيل تحاول معاقبة سكان الجولان عبر منع بيع محصول التفاح الخاص بهم رداً على مقاطعاتهم لكافة أشكال الاندماج في المجتمع الإسرائيلي بما يؤثر بشكل ملحوظ على مصادر الدخل المتاحة لهم. ولكن تم  تنسيق تفاهم بين الجانبين السوري والإسرائيلي عبر الصليب الأحمر يسمح بنقل محصول التفاح من الجولان إلى الأسواق السورية لكي يتم بيعه بشكل عادل دون أن يضطر السوريون في الجولان إلى التوجه للأسواق الإسرائيلية. ولكن في المقابل، قامت إسرائيل بتوطين نحو 25 ألف من الإسرائيليين في حوالي 30 مستوطنة في الجولان من أجل إنشاء مزارع منافسة لمختلف أنواع الفاكهة وخاصة التوت والعنب والتفاح، بينما تستمر في التضييق على السكان المحليين من السوريين أصحاب الأرض وتمنعهم من بناء مخازن لتبريد الفاكهة أو مرافق لتحسين عملية الري. وكانت صفقات نقل التفاح الجولاني عبر معبر القنيطرة إلى سوريا تهدف إلى تأسيس سوق خارجية لمزارعي الجولان بعد تعثر تسويق إنتاجهم إلى الأسواق الفلسطينية منذ اندلاع الانتفاضة والأوضاع الأمنية المتردية التي تلتها. وكانت هذه الصفقات تتم بشكل شبه مستقر برعاية الصليب الأحمر منذ عام 2005 ولكنها تعثرت خلال سنوات الحرب السورية بسبب خروج بعض المناطق السورية عن السيطرة الحكومية، وكانت آخر الصفقات المعلنة في عام 2013 وقدرت بحوالي 14 طن[4].  

من جهة ثانية، واجه طلاب البكالوريا السوريون في الجولان مصاعب تتعلق باستكمال دراستهم الجامعية، إذ كانوا يرفضون الانخراط في الجامعات الإسرائيلية، ويواجهون التضييق للالتحاق بالجامعات الدولية الأخرى بسبب صعوبة الحصول على جواز سفر لاستخراج أوراق الدراسة، حتى تم التوصل إلى اتفاق برعاية الصليب الأحمر، يسمح بموجبه لخريجي البكالوريا السوريين من الجولان بالالتحاق بالجامعات السورية من خلال عبور معبر القنيطرة الحدودي بين البلدين. ففي الفترة بين 1997 و2011، كان نحو 400 طالباً سورياً من الجولان يعبرون سنوياً للدراسة في الجامعات السورية ثم يعودون إلى الجولان بعد الانتهاء من الدراسة لخدمة مجتمعهم المحلي في الجولان أو ربما يستمرون في العيش في دمشق[5]. ولكن منذ عام 2012 بدأ هذا العدد في التناقص بشكل ملحوظ مع تعقد الوضع الأمني في سوريا وانقطاع الطريق الواصل بين القنيطرة ودمشق أكثر من مرة وخروجه عن سيطرة الحكومة السورية لحساب المجموعات المسلحة المعارضة التي كانت تقاتل دمشق آنذاك في إطار الحرب الأهلية. وهكذا تغيرت أحوال سكان الجولان مرة أخرى، فتعقدت خياراتهم وصاروا إزاء اختبار صعب، بين تمسكهم برفض الهوية الإسرائيلية أو الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، وبين حاجة أبنائهم للدخول إلى جامعات أخرى بدلاً من جامعات سوريا التي أصبح الوصول إليها شبه مستحيل.

وكان لهذا الوضع المعقد أثره على تغيير خيارات بعض الدروز الذين بدأوا في قبول الجنسية الإسرائيلية وبدأ أبنائهم يقبلون على تعلم اللغة العبرية للحصول على البكالوريا الإسرائيلية طموحاً في الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية أو حتى الجامعات الأوروبية، إذ تقدر نسبة من اكتسب الجنسية الإسرائيلية بين دروز الجولان بحوالي 20%، وهي تعتبر نسبة ضئيلة إذا وضعت في السياق العام للشعور الوطني للدروز من سكان الجولان، حيث يعتبر هؤلاء أنفسهم أقرب في الخيارات السياسية وفي الموقف من السلطة الإسرائيلية لسكان الضفة الغربية من الفلسطينيين منهم لدروز الجليل ممن قبلوا الاندماج في المجتمع والدولة الإسرائيلية دون قيود. فبصفة عامة تعتبر الهوية السورية أكثر رسوخاً من الهوية الإسرائيلية لدى هؤلاء، كما أن نسبة كبيرة ممن اكتسب الجنسية الإسرائيلية تعود في جزء منه إلى روابط التزاوج مع دروز الجليل، نظراً لأن المجتمع الدرزي منغلق عن التزاوج بغير دروز، وبالتالي البعض اكتسب الجنسية عبر التوارث وليس بالضرورة بطلب مباشر[6]. ورغم قرار ضم الجولان من جانب إسرائيل، فإن الجولان لا يزال أرضاً سورية محتلة في نظر القانون والمجتمع الدوليين، ولم تعترف أي جهة دولية بهذا القرار سوى إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2019، وقد أثار هذا القرار موجة جديدة من رفض الهوية الإسرائيلية من جانب السكان المحليين.

استغلال الحادثة لتسويغ ضرب لبنان

ساهمت حادثة استهداف قرية مجدل شمس في عودة وضع سوريي الجولان المحتل إلى الواجهة، إذ تحاول إسرائيل أن تتصدر للدفاع عنهم وكأنهم من مواطنيها وتحرص على سلامتهم، وتتهم حزب الله باستهدافهم لتخلق بذلك ذريعة لتوجيه ضربة للبنان ولتوسيع الحرب. بينما نفي حزب الله بحسم استهداف القرية العربية، وعبر الزعيم الدرزي اللبناني البارز وليد جنبلاط عن تمسكه برواية حزب الله عن الواقعة معتبراً أن اتهام إسرائيل لحزب الله بالتسبب بهذه المجزرة هو محض كذب وأنه يجب الوقوف ضد توسيع الحرب في المنطقة. وحيّا جنبلاط موقف سكان قرية مجدل شمس الذين رفضوا الفتنة ورفضوا استقبال مسئولين اسرائيليين ورفضوا أن يتم التلاعب بهم لتعزيز الرواية الإسرائيلية[7]. وقد أثار موقف جنبلاط بعض ردود الفعل المرتبكة خاصة أن الزعيم الدرزي ليس على وفاق كامل مع حزب الله لاسيما فيما يتعلق بالشئون السياسة الداخلية اللبنانية، ولكنه دعم الموقف القومي للدروز من سكان الجولان وأثنى عليه واعتبره "وأداً للفتنة" التي تستهدف لبنان والجولان على حد سواء.

 وكان سكان القرية العربية قد طردوا وزير المالية اليميني بتسلئيل سموتريتش من ساحة التشييع، حيث طالبوه بالانصراف ورفضوا التفاعل معه أو تلقي العزاء منه. وفي المقابل، رفض السكان أيضاً طلب مكتب نتنياهو لقاء أهالي الضحايا لتقديم العزاء، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي زار موقع سقوط الصاروخ تحت حراسة مشددة في زيارة قصيرة لاقت رفضاً من الأهالي الذين قاموا برفع لافتات تحمل عبارة "لا لقتلة الأطفال"[8]. ورغم أن سكان الجولان ضحايا المذبحة أنفسهم قد كذّبوا الرواية الإسرائيلية ورفضوا استغلالها من جانب نتنياهو كذريعة لتوسيع الحرب، فإن هذا لا ينفي أن إسرائيل استخدمتها لتوجيه ضربة للبنان.

وقد تأهبت كل الأطراف إزاء هذه الضربة الإسرائيلية من حيث دعوة بعض الدول رعاياها لمغادرة لبنان، بينما قررت دول أخرى دراسة خطط لإجلاء رعاياها عن لبنان سواء من خلال طيران عسكري أو عبر بواخر بحرية. فيما عُلِّقت حركة الطيران في مطار بيروت لعدة ساعات، وتم تأخير عودة بعض طائرات شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية من العواصم الإقليمية المحيطة. بينما أوقفت بعض شركات الطيران الكبرى رحلاتها لكل من بيروت وتل أبيب حتى نهاية الأسبوع تحسباً لاشتعال الحرب بشكل موسع بين البلدين. من جهته، عبّر رئيس الحكومة اللبنانية عن رفضه لاستهداف المدنيين من كل الأطراف وحذر من اتساع نطاق الحرب وطالب الجميع بوقف عمليات التصعيد.  

وخلال الأيام التالية لهجوم مجدل شمس سيطر القلق والترقب بشأن مدى وحجم الضربة وأيضاً مدى اتساع رد حزب الله عليها فيما بعد. إذ تم تبادل رسائل التهديد والتهديد المقابل بين بيروت وتل أبيب عبر الوسيط الأمريكي، حيث توعدت إسرائيل بتنفيذ ضربة ضد حزب الله بعد تحميله المسئولية عن هجوم مجدل شمس. في المقابل، رفض حزب الله هذا الاتهام واعتبر أن أي ضربة توجه للبنان سيترتب عليها ضربة مقابلة تتناسب معها بالحجم والمدى. وهنا برزت من جديد المعادلة التي قد تحكم الرد والرد المقابل، فعادة ما كان حزب الله يعتبر أن وصول الضربة لبيروت سيرتب عليه استهداف مقابل يقترب من تل أبيب ولا يقتصر فقط على الشمال. كما لوح المحللون المقربون من حزب الله أيضاً بأن التوسع في استهداف الأهداف المدنية سيؤدي إلى استهداف مقابل للمرافق المدنية الإسرائيلية وهي المعادلة التي تقوم على "قاعدة مدني مقابل مدني". بينما كانت خلاصة الرسائل المتبادلة أن الضربة الإسرائيلية ستتم وأنه سيتلوها رد متناسب من حزب الله وأن التصعيد سيتوقف عن هذه النقطة ولن يتوسع إلى ما قد يؤدي للانزلاق لحرب موسعة.

محاولة اغتيال بقصف محدود للضاحية الجنوبية

بعد يومين من هجوم مجدل شمس، وبعد ترويج تل أبيب لمسئولية حزب الله عنه بما يستوجب الرد الإسرائيلي، نفذت إسرائيل قصفاً جوياً محدوداً استهدف الضاحية الجنوبية ببيروت وأصاب عدة طوابق بمبنى سكني في حارة حريك. وأعلنت تل أبيب أن القصف استهدف اغتيال قائد غرفة العمليات العسكرية لحزب الله فؤاد شكر الشهير بالاسم الحركي الحاج محسن، وهو أحد كبار القادة العسكريين بحزب الله وكان وفق المصادر الإسرائيلية أحد الضالعين في الهجوم على قاعدة المارينز الأمريكية في بيروت عام 1983. ولعل اختيار هذا الهدف بالذات من جانب تل أبيب يعبر عن رغبتها في استهداف حزب الله ولكن من مدخل يستوجب الدعم الأمريكي على اعتبار أن الهدف المذكور كان مطلوباً للسلطات الأمريكية أيضاً. وفي ذلك التفاف إسرائيلي ملحوظ على التحذيرات الأمريكية التي طالبت باستبعاد بيروت من الضربة الإسرائيلية منعاً لرد حزب الله بالمثل بما يستوجب توسيع الحرب وفتح الجبهات على مصراعيها.

تضاربت الأنباء عن نجاح الاغتيال من عدمه، ففي مقابل تأكيدات اسرائيلية بنجاح استهداف القائد العسكري الرفيع في حزب الله، نفت مصادر رسمية لبنانية نجاح الاغتيال، بينما أكدت مصادر طبية لبنانية سقوط 3 قتلى وإصابة نحو 25 دون بيان هويتهم. بينما أكدت وكالة الأنباء الإيرانية نجاة فؤاد شكر من عملية الاغتيال دون أن توضح تفاصيل أكثر عن هوية الضحايا أو مدى جدية إصابة شكر[9]. وبصرف النظر عن التحقق من مصير شكر، فالواقع أن إسرائيل قد تخطت الخط الأحمر المرسوم من جانب حزب الله وقامت باستهداف الضاحية الجنوبية الواقعة في نطاق العاصمة بيروت. ومن ثم فهي تكون بذلك قد استفزت حزب الله لتفعيل معادلة بيروت مقابل تل أبيب، كما أن سقوط عدد من الضحايا خاصة لو كانوا من المدنيين قد يستتبع توسيع نطاق الاستهداف المقابل من جانب حزب الله.

وعلى كل حال، يبقى الترقب سيد الموقف خاصة مع برهنة حزب الله مرة بعد أخرى على امتلاك بنك أهداف ثري ومحدث يمتد ليشمل الشمال الإسرائيلي وصولاً إلى حيفا وصفد وطبرية ويكشف عبر رحلات المسيّرات "هدهد" بنسخها الثلاثة أهدافاً عسكرية ذات ثقل كبير يمكن إذا أصيبت وأخرجت عن الخدمة أن تشل النشاط العسكري الإسرائيلي تجاه جبهة الشمال بشكل كامل لعدة أيام.  كما برهن حزب الله أيضاً أكثر من مرة على قدرة مسيّراته الهجومية على اختراق وتضليل الرادارات الإسرائيلية وبيان عجز القبة الحديدية عن صدها بما يعنيّ أن الرد المتوقع لن يكون بالضرورة قابلاً للإجهاض من جانب إسرائيل.

وبالنسبة لمنطق حزب الله الذي نفى بحزم مسئوليته عن هجوم مجدل شمس، فإن قصف الضاحية الجنوبية ليس رداً دفاعياً يمكن التغاضي عنه بل هو اعتداء صارخ على السيادة اللبنانية من خارج قواعد الاشتباك المعتادة منذ 8 أكتوبر. ومن ثم، فإن الرد على هذا القصف يستوجب أيضاً هدفاً من خارج قواعد الاشتباك بقوة صاروخية من خارج قواعد الاشتباك وربما أيضاً ضحايا برتب رفيعة من خارج الاستهداف المعتاد للجنود والضباط منخفضي الرتبة في قواعد الشمال الإسرائيلي. بينما يبدو أن الفيصل في تحديد الهدف القادم لحزب الله هو الوقوف على حجم الأضرار والخسائر التي خلّفها قصف الضاحية الجنوبية وما إذا كان الضحايا مدنيون أم من عناصر حزب الله ومصير القيادي فؤاد شكر نفسه الذي كان الهدف الأساسي لمحاولة الاغتيال.  بينما يرجح آخرون أن حزب الله ربما قد يتأخر في الإعلان عن الخسائر بشكل دقيق لحين إعداد الرد المطلوب بحيث يأتيان بشكل متزامن في إعلان واحد ويكون بذلك قد استغل ضبابية الموقف لمباغتة الإسرائيليين برده دون إمهالهم للاستعداد لضربته المرتقبة.   


[1] موقع وزارة الخارجية والمغتربين السورية، "الجولان السوري المحتل"،

http://mofaex.gov.sy/ar/pages535/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%84

[2] د. ثائر أبو صالح، "تاريخ الجولان منذ الاحتلا حتى اليوم"، موقع المنصة الإعلامية العربية المستقلة، 1/4/2023 

https://faraamaai.org/articles/belkhat-alareed/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85

[3]  المرجع السابق

[4] Ylenia Gostoli, “Druze in Golan Heights: squeezed between Occupation and Civil War, in Qantara website, 10/8/2015, https://qantara.de/en/article/druze-golan-heights-squeezed-between-occupation-and-civil-war

[5]  نايف زيداني، "طلاب الجولان ينزحون من سوريا للجامعات الإسرائيلية"، موقع العربية، 17/2/2013،

https://www.alarabiya.net/articles/2013/02/17/266769

[6]  تيسير مرعي وأسامة حلبي، "مرتفعات الجولان الحياة تحت الاحتلال"، مجلة الدراسات الفلسطينية، شتاء 1993، العدد #13

https://www.palestine-studies.org/ar/node/34516

[7]  سي أن أن العربية، "هجوم مجدل شمس.. وليد جبنلاط يثير تفاعلاً بتعليق، 28/7/2024،

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/07/28/lebanon-walid-jumblat-golan-attack-reaction

[8] موقع  i24 ، "جبان لن نقبل منك التعازي: فوضى خلال زيارة نتنياهو إلى مجدل شمس"، 30/7/2024 ،

https://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84/artc-6c7b49e4