الافتتاحية
تهتم معظم الأدبيات البحثية والأكاديمية، إن لم يكن مجملها، بالإجابة على أسئلة رئيسية حول تطور أو ظاهرة معينة، من قبيل: ماذا حدث؟، وكيف حدث؟، ولماذا حدث؟. لكن التحولات المتسارعة التي بدأت تفرض نفسها على مستوى العالم والإقليم باتت تطرح بدورها سؤالاً آخر لا يقل أهمية ومفاده: ماذا يمكن أن يحدث؟، أو: ماذا لو وقع تطور ما؟
هذا السؤال بات يكتسب أهمية وزخماً خاصاً لاعتبارات عديدة، أبرزها أن هذه التحولات تصبح، في أحيانٍ عديدة، مصدراً لأزمات تكون في بعض الأحيان مُفاجِئة، أو طارئة، وتتركز خطورتها في أبعاد رئيسية ثلاثة:
أولها، أنها تنتج تهديدات مباشرة لأمن ومصالح فاعل معين، سواء كان دولاً أو فاعلين من غير الدول. وثانيها، أنها تفرض على هذا الفاعل أن يتعامل معها خلال وقت ضيق. وثالثها، أنها لا توفر خيارات كثيرة للتعامل معها.
من هنا، تكمن أهمية السؤال عن: ماذا يمكن أن يحدث؟، أو ماذا لو وقع تطور ما؟. إذ أن هذا السؤال يمكن أن يتعامل مع هذه الأبعاد الثلاثة. صحيح أنه يطرح تصورات قد تصيب في بعض الأحيان وتُخطِئ في أحيانٍ أخرى، لكنه في النهاية يقدم اجتهادات لما يمكن أن يحدث في حالة وقوع تطور ما، على نحو قد يساعد في تحييد التهديدات التي يمكن أن تنتج عنه، ويوفر هامشاً أوسع من الوقت للتعامل معه، وفي الوقت نفسه يطرح خيارات أكثر في مواجهته.
في هذا السياق، يحاول هذا الملف الذي ينشره الموقع الإليكتروني لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ويتضمن مقالات لخبراء ومتخصصين من المركز، تطبيق ذلك على احتمالات اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. وينطلق مصطلح الحرب الشاملة من واقع أن الحرب قائمة بالفعل بين الطرفين منذ 8 أكتوبر 2023، وإن كانت على نطاق محدد، عقب اندلاع عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس داخل مستوطنات غلاف غزة في اليوم السابق على ذلك، وما تلاها من شن إسرائيل حرباً واسعة النطاق ضد الحركة في قطاع غزة، أنتجت بدورها ارتدادات إقليمية في جبهات متعددة بدايةً من إيران مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، وانتهاءً باليمن.
وبالتالي، فإن الاجتهادات التي يضمها الملف تتركز حول مدى إمكانية التحول من هذه الحرب ذات النطاق المحدد إلى الحرب الشاملة، عبر تقييم واستشراف حسابات الأطراف الرئيسية المنخرطة فيها والمعنية بها، مثل إسرائيل وإيران وسوريا وحزب الله والمليشيات العراقية واليمنية والمخيمات الفلسطينية، والخيارات المتاحة أمامهم للتعامل مع تطوراتها المحتملة وارتداداتها المتوقعة، والتداعيات التي يمكن أن تسفر عنها في النهاية.
كما يقدم الملف زاوية مختلفة عن تطورات الحرب في غزة. فإذا كانت معظم الأسئلة التي طرحت سابقاً تركزت حول تأثيرات حرب غزة على الجبهات الإقليمية الأخرى، فإن الملف يطرح سؤالاً مقابلاً حول تأثيرات الحرب المحتملة في لبنان على جبهة غزة.