بين 6 و9 يونيو 2024، صوّت ما يقرب من 400 مليون شخص في انتخابات البرلمان الأوروبي لانتخاب 720 عضواً في البرلمان، الذي يعد الهيئة التشريعية، ويعمل مع المجلس الأوروبي لتمرير القوانين بناءً على مقترحات المفوضية الأوروبية، كما يوافق على الميزانية أو يرفضها. ويمكن القول إن الانتخابات الأخيرة للبرلمان الأوروبي- الذي يتألف من ممثلين منتخبين عن مواطني الاتحاد الأوروبي والذين ينقسمون بدورهم إلى كتل سياسية بناءً على الانتماء السياسي- قد غيرت المشهد السياسي في الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى تحوله نحو اليمين بشكل أكبر.
إذ كان المحافظون الأوروبيون – حزب "الشعب الأوروبي" (EPP) - هم الفائزين الواضحين في هذه الانتخابات بـ189 مقعد، بينما تمكن "الاشتراكيون والديمقراطيون" (S&D)، واليسار إلى حد كبير، من الحفاظ على مواقعهم بـ135 مقعد و39 مقعد على التوالي. في حين كان الخاسرون هم الخضر والليبراليين (تجديد أوروبا)، الذين فقدوا أكثر من 40 مقعداً في البرلمان، بينما حققت الكتل الشعبوية اليمينية – "المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون" (ECR)- واليمينية المتطرفة – "الهوية والديمقراطية"(ID) - مكاسب كبيرة بين 76 و58 مقعد على التوالي بزيادة 7 و9 مقاعد عن الانتخابات الماضية.
وعلى الرغم من تحقيق أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية مكاسب واضحة، كان أداء يمين الوسط جيداً أيضاً، حيث احتفظ بمكانته كأكبر تجمع وضمن الحصول على مقاعد. وحلت أحزاب يمين الوسط في المقدمة في ألمانيا واليونان وبولندا وإسبانيا، كما حققت تقدماً كبيراً في المجر.
تقدم اليمين المتطرف وتأثيراته
على مستوى الدول، حققت الأحزاب السياسية نتائج حمل بعضها مفاجآت كبرى وخاصة أحزاب اليمين المتطرف والشعبوي، وجاءت أهم النتائج كالتالي:
في النمسا، حصل "حزب الحرية" اليميني المتطرف (FPÖ) على 25.4% من الأصوات، ليتصدر الانتخابات الأوروبية في البلاد. ثم حل حزب "الشعب النمساوي" (ÖVP) ثانياً (24.5%). وحصل حزب "الخضر" من جهته على 11.1.%. وكان حزب "الحرية" قد فاز بثلاثة مقاعد فقط في البرلمان الأوروبي في انتخابات عام 2019، وهو رقم تضاعف في البرلمان الجديد.
وفي إيطاليا، تصدر حزب "إخوة إيطاليا" (FdI) اليميني المتطرف الذي تتزعمه رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني، النتائج بنسبة 28.76% من الأصوات، ويشكل التقدم الذي أحرزته ميلوني مقارنة بالانتخابات الأوروبية لعام 2019 أمراً لافتاً، ذلك أن حزب "إخوة إيطاليا" لم يحصل آنذاك سوى على 6,44% من الأصوات. ومن شأن هذه النتيجة أن تتيح لميلوني تعزيز ثقلها في بروكسل.
وحل "الحزب الديمقراطي" (يسار الوسط)، حزب المعارضة الرئيسي، في المرتبة الثانية بحصوله على أكثر من 24.11% تليه حركة "خمس نجوم" الشعبوية بقيادة رئيس الوزراء السابق جوزيبي كونتي بنسبة 9.98%. وحصل شريكا ميلوني في الائتلاف الحكومي- حزب "الرابطة" المناهض للمهاجرين بزعامة ماتيو سالفيني وحزب "فورسا إيطاليا" المحافظ الذي أسسه سيلفيو برلسكوني- على 8.98% و9.59% من الأصوات.
ورغم فوز حزب "الاتحاد المدني" المجري (فيدس) بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان في انتخابات البرلمان الأوروبي، بيد أنه حقق أسوأ نتيجة له في الانتخابات الأوروبية منذ عقود، وجاء الحزب في المقدمة بنسبة 44.9%.
وتصدر اليمين المحافظ النتائج في إسبانيا متقدماً على "الحزب الاشتراكي" بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، فيما حقق اليمين المتطرف مكاسب. وبحسب النتائج الرسمية، حصل "الحزب الشعبي"- التشكيل الرئيسي للمعارضة الإسبانية- على نحو 34% من الأصوات و22 مقعداً في البرلمان الأوروبي مقارنة بنحو 30% من الأصوات و20 مقعداً للاشتراكيين.
وحقق حزب "فوكس" اليميني المتطرف نتيجة أفضل من عام 2019 بحصوله على 6 مقاعد مقارنة بأربعة قبل خمس سنوات (9.62% من الأصوات مقابل 6.21%). أما مفاجأة هذه الانتخابات فتتمثل في حزب "انتهى الحفل"- وهو تشكيل جديد يصنف على أنه يميني متطرف وأسسه ناشط مثير للجدل على يوتيوب- وقد حصل على حوالي 4,5% من الأصوات وسيدخل البرلمان الأوروبي بثلاثة نواب.
أما في بولندا، فقد تقدم "الحزب الوسطي"- الائتلاف المدني المؤيد لأوروبا بزعامة رئيس الوزراء دونالد تاسك- بنسبة 37.06% على حزب "القانون والعدالة" القومي الشعبوي بنسبة 36.16%، وهو فارق ضئيل. كما أن اليمين المتطرف المتمثل في حزب "كونفيديراجا" لن يحصل على أقل من 6 مقاعد في البرلمان الأوروبي بنسبة 12.08%.
وعزز الهولنديون موقف حزب خِيرت فيلدرز اليميني المتطرف "حزب من أجل الحرية" بـ17.7% مما يعطيه 6 مقاعد، حتى وإن اكتفى بالمركز الثاني خلف ائتلاف "الديمقراطيين الاشتراكيين" و"الخضر" الذي حصد 21.6%.
أما المفارقتان الأهم والأكثر صدمة في النتائج هذا العام، فجاءت في ألمانيا وفرنسا. ففي ألمانيا، منى "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" للمستشار الألماني اولاف شولتز والتحالف الحاكم بهزيمة على يد "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" من يمين الوسط الذي تصدر القائمة بنسبة 30% وحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف الذي حل ثانياً بنسبة تصويت 15.9% ارتفاعاً من 11% في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019.
وبنسبة 13.9% فقط من الأصوات، حصل حزب المستشار الألماني على أسوأ نتيجة له في انتخابات وطنية منذ أكثر من قرن، وحل في المرتبة الرابعة حزب "الخضر" بحصوله على 11.9% متراجعاً من 20.5% التي سجلها في 2019، كما حصل "الحزب الديمقراطي الحر" (الليبرالي) - الشريك الثالث الأصغر في الائتلاف الحاكم - على 5.2%، ولذلك يواجه شولتز دعوات من قوى المعارضة على اختلاف أطيافها للقيام بما فعله ماكرون والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهو ما رفضه المستشار بشكل قاطع.
والجدير بالذكر أن الحزب الشعبوي الذي تأسس حديثاً "تحالف سارا فاغنكنشت" حصل على نسبة 6.2%، في حين حصل حزب "اليسار" على 2.7% فقط.
لكن الحدث الأبرز في هذه الانتخابات هو تصويت أكثر من ثلث الناخبين الفرنسيين لصالح حزب يميني متطرف، حيث احتل حزب "التجمع الوطني" المركز الأول بنسبة 31.37%. ومن هنا، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تعرض حزبه الوسطي "النهضة" وحلفاؤه لهزيمة ثقيلة بنسبة 14.6%، حل البرلمان على الفور، وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، على جولتين في 30 يونيو و7 يوليو 2024. وقد صرح الرئيس في خطابه المتلفز قائلاً: "إن صعود القوميين والديماجوجيين هو خطر على فرنسا".
ما الذي يمكن أن يحدث في فرنسا؟
الآن، بقى نحو 15 يوماً فقط لمحاربة موجة التطرف اليميني، وهي مهمة كانت الأحزاب الديمقراطية تعتقد أنها تمتلك الوقت الكافي لها حتى الانتخابات الرئاسية القادمة في 2027. ويعني ذلك أن ماكرون يطلب من الديمقراطية الفرنسية المخاطرة بدرجة كبيرة، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حدث سابقاً في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك حينما حل البرلمان في خطوة مشابهة في عام 1997. وفي ذلك الوقت، سارت الأمور على نحو لا يتوافق مع حسابات شيراك، الذي اضطر للتعايش مع حكومة اشتراكية تحت قيادة ليونيل جوسبان لباقي فترة ولايته.
ويسمح الدستور للرئيس الفرنسي بتقويض رئيس الوزراء وحكومته بطرق متنوعة، وهذا ربما هو ما يجعل ماكرون واثقاً من أن نتائج هذه المعركة سوف تتوافق مع حساباته، رغم أن فكرته عن ائتلاف بين "النهضة" و"الجمهوريين" لتعزيز موقعه فشلت بعد الانتخابات، حيث أن الجمهوريين المحافظين المتشددين لا يريدون العمل معه.
وعلى ضوء ذلك، تجري عملية إعادة ترتيب أنماط التحالفات والائتلافات السياسية بشكل متسارع في الفترة الأخيرة. إذ أعلن ممثلو جميع الأحزاب اليسارية - أي "الاشتراكيين"، "فرنسا الأبية"، "الشيوعيين"، "الخضر" وعدد قليل آخر - تشكيل "جبهة شعبية" وتقاسم الدوائر الانتخابية البالغ عددها 577. و"الجبهة الشعبية" هو مصطلح استخدمه النائب عن "فرنسا الأبية" فرانسوا روفين على وسائل التواصل الاجتماعي في ليلة الانتخابات، للدعوة إلى تحالف يساري، وتبذل هذه القوى جهوداً حثيثة حالياً من أجل تقليص حدة التباينات الأيديولوجية، رغم أن ذلك لا ينفي أن ثمة خلافات أخرى لا تبدو هينة يتعلق أبرزها بهوية رئيس الوزراء القادم في حالة فوز اليسار.
في حين قامت النائبة المنتخبة حديثاً في البرلمان الأوروبي عن حزب "الاسترداد" (روكونكيت) اليميني المتطرف المناهض لأوروبا، ماريون ماريشال- ابنة شقيقة مارين لوبان- بالترويج في وسائل الإعلام لتحالف بين الحزبين اليمينيين المتطرفين (الاسترداد والتجمع الوطني)، وهو ما تسبب في استبعاد مؤسس الحزب إريك زمور، المتهم مرات عدة بتهم التحريض على الكراهية العرقية، لها بعدما دعت إلى التصويت لصالح "التجمع الوطني" المنافس. كما قامت بفتح قنوات تواصل مع الشعبويين اليمينيين من الجمهوريين. في حين نأى معسكر إريك سيوتي عنه بسبب اقتراحه تشكيل تحالف غير مسبوق مع "التجمع الوطني"، حيث أطيح به من رئاسة الحزب المحافظ الرئيسي في البلاد "الحزب الجمهوري"، لكنه يرفض حتى الآن ترك منصبه.
كيف يمكن أن تتشكل التحالفات بين الكتل داخل البرلمان الأوروبي؟
في السابق، كان حزب "الشعب الأوروبي" (EPP) و"الاشتراكيون والديمقراطيون" (S&D) يتعاونون لتمرير التشريعات بدعم من "تجديد أوروبا" - حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - وهي الكثل الثلاث الأكبر في البرلمان. ومع ذلك، فقد قللت الانتخابات بشكل كبير من تأثير مجموعة "تجديد أوروبا"، التي كانت سابقاً لاعباً رئيسياً. لكن حزب "الشعب الأوروبي" (EPP) سعى مؤخراً إلى تقارب أوثق مع "المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين" (ECR) اليميني المتطرف بقيادة رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، مما أثار استياء الأحزاب داخل مجموعة "الاشتراكيين والديمقراطيين" (S&D) بشكل خاص. لذا قد يتغير هذا التفاعل في البرلمان الجديد.
وعلى العكس من ذلك، تم تعزيز حضور المجموعات اليمينية المتطرفة، بما في ذلك "المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين" (ECR) ومجموعة "الهوية والديمقراطية" (ID)- التي تضم مارين لوبان وحزبها "التجمع الوطني" (RN)- في البرلمان. ومن المرجح أن تنضم مجموعة من الأحزاب اليمينية المتطرفة الجديدة، التي ليس لديها بعد كتلة سياسية، إلى صفوف هاتين المجموعتين.
كما سيشارك حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) في البرلمان لأول مرة بـ15 مقعداً، ويسعى "فيدس" المجري (10 مقاعد) للعثور على كتلة جديدة بعد مغادرته حزب "الشعب الأوروبي" في 2021. هذه الأحزاب الشعبوية معاً، إلى جانب "المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين" (ECR) و"الهوية والديمقراطية" (ID)، تمتلك حوالي 156 مقعداً، أى أكثر من مجموعة "الاشتراكيين والديمقراطيين" .(S&D) وقد تكهنت بعض الجهات بإمكانية ظهور مجموعة يمينية متطرفة كبيرة، تجمع بين (ECR) و (ID)لكن ذلك غير مرجح نظراً للاختلافات الأيديولوجية بين الأحزاب في كل مجموعة.
وفي الواقع، من المرجح أن تستمر عضوية المجموعات اليمينية المتطرفة، وأيضاً إلى حد أقل المجموعات الوسطية، في التحول والانقسام في الأسابيع والأشهر القادمة بسبب الخلافات الداخلية المستمرة، مما يؤثر على قدرتها على التأثير. وتناقش مجموعة "تجديد أوروبا" حالياً ما إذا كانت ستطرد "الحزب المحافظ" الهولندي بسبب ائتلافه المحلي مع حزب "الحرية" اليميني المتطرف على الرغم من أن القيام بذلك سيقلل من عدد مقاعد "تجديد" بشكل أكبر.
وبشكلٍ عام، ستتأثر قدرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على ممارسة تأثير حقيقي في البرلمان بمدى توحدها. فهي ليست متوافقة على القضايا الرئيسية مثل دعم أوكرانيا والمسئوليات المالية. كما أن إبرام الاتفاقيات الأوروبية الشاملة بشأن القضايا السياسية يتعارض مع النزعات القومية للعديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة، خاصة تلك الموجودة في مجموعة "الهوية والديمقراطية" (ID). وكان مستوى مشاركتها في البرلمان أيضاً منخفضاً في الماضي، حيث فشل نواب البرلمان الأوروبي اليمينيون المتطرفون بانتظام في الحضور للتصويت.
أبرز القضايا التي يمكن أن يؤثر عليها اليمين المتطرف
داخلياً، يواجه الاتحاد الأوروبي تحدي الحفاظ على التماسك بين الدول الأعضاء. إذ يمكن أن تؤدي الاختلافات السياسية المتزايدة والضغوط التي تمارسها الحركات الشعبوية إلى إضعاف التضامن داخل الاتحاد الأوروبي، على نحو سوف يفرض أزمة جديدة في وقت يحتاج فيه إلى بذل المزيد من الجهود المشتركة للتصدي للتحديات العالمية. وتتمثل أبرز القضايا التي يمكن أن تتعرض لتأثير مباشر من جانب اليمين المتطرف في:
1- توسع الاتحاد الأوروبي: يشكل صعود أحزاب اليمين المتطرف تحدياً محتملاً لمشاريع توسيع الاتحاد الأوروبي، مما قد يُعيق ضم دول جديدة، مثل أوكرانيا، خلال الدورة البرلمانية الحالية (5 سنوات).
2- قضايا الهجرة واللجوء: سيؤدي صعود أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، على الأرجح، إلى فرض مزيد من القيود على الهجرة، بما يتماشى مع سياسات هذه الأحزاب الرامية إلى الحد من الهجرة غير الشرعية وطلبات اللجوء.
3- حرب أوكرانيا: تؤسس بعض الأحزاب اليمينية الصاعدة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة علاقات وثيقة مع روسيا، مما قد يُؤدي إلى تبني "نهج أوروبي جديد ومختلف" في التعامل مع حرب أوكرانيا. وكانت تلك الحرب قد فاقمت من الأزمات الاقتصادية في أوروبا، مما أدى إلى خروج مظاهرات تطالب بوقف المساعدات الضخمة التي تُقدم لأوكرانيا من قِبل الدول الأوروبية. وقد صوّت العديد من أحزاب اليمين المتطرف لوقف دعم الحرب.
إلا أن تقارير أوروبية تشير إلى انقسام اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين بشأن الموقف من روسيا. إذ يُعد رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، من أكثر السياسيين اليمينيين صراحةً في التعبير عن عدم رضاه عن الحرب وعن العقوبات المفروضة على روسيا. وكذلك أكد زعيم حزب الحرية النمساوي، هربرت كيكل، على "حياد" فيينا، منتقداً الدعم المقدم لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو، وذلك بعد تحقيق حزبه تقدماً في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة. وعلى النقيض من ذلك، تبدي زعيمة حزب "أخوة إيطاليا"، جورجيا ميلوني، التي حقق حزبها أيضاً تقدماً في انتخابات البرلمان الأوروبي، تأييدها للعقوبات على روسيا.
4- قضايا الطاقة والمناخ: أدت حرب أوكرانيا إلى اندلاع أكبر أزمة طاقة تشهدها أوروبا في هذا القرن، وذلك نتيجة لقرارات الاتحاد الأوروبي بالاستغناء التدريجي عن الغاز والنفط الروسيين، مما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار الطاقة. وقد دفعت هذه الأزمة بعض الدول، وعلى رأسها ألمانيا، إلى اتخاذ إجراءات لإحياء وتعزيز استخدام المفاعلات النووية، وهو ما حظى بدعم من فرنسا. كما اتجه الاتحاد الأوروبي بشكل عام إلى تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والبديلة، مثل الهيدروجين والميثان الحيوي. وفي هذا السياق، يحذر بعض المراقبين من احتمال تراجع برامج تحول الطاقة في أوروبا مع صعود الأحزاب اليمينية، التي يُعارض العديد منها العقوبات المفروضة على روسيا، بما في ذلك وقف استيراد الغاز والنفط منها.
5- السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي: يكشف نجاح اليمين المتطرف الانفصال المتزايد بين أولويات المشرعين في الاتحاد الأوروبي وأولويات العديد من الأوروبيين الذين يواجهون ضغوط تكلفة المعيشة. ويرى بعض الخبراء أنه من المرجح أن تشكل الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة عائقاً أمام العديد من الخطوات التي يسعى الاتحاد لاتخاذها لتحسين الوضع الاقتصادي. وربما يدعم البرلمان - الذي يميل إلى اليمين - أيضاً التدابير الاقتصادية غير المدروسة. فعلى سبيل المثال، قد ترحب بعض الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة بالمزيد من استخدام إعانات الدعم على المستوى الوطني، لحماية الصناعة المحلية والشركات الوطنية الرائدة. وربما تدعم أيضاً مقترحات مثل السماح بالمزيد من عمليات الاندماج في قطاعات مثل الاتصالات، والتي قد تنتج شركات وطنية أكثر قوة من خلال تقويض قوانين المنافسة في الاتحاد الأوروبي. ويبدو اليمين المتطرف أيضاً متعاطفاً مع تحول الاتحاد الأوروبي نحو سياسة تجارية أكثر حمائية.
ختاما، يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه الآن في مرحلة يحتاج فيها إلى إعادة ضبط التوازنات السياسية، بعد التغييرات التي فرضتها نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي. وربما تكشف الشهور القادمة إلى أي اتجاه سيتطور الاتحاد وكيف يمكنه التفاعل مع الواقع السياسي الجديد الذي أنتجته الانتخابات.