مهاب عادل حسن

باحث مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تتصاعد في اللحظة الراهنة حدة الخلاف بين المستويين السياسي والعسكري داخل حكومة الحرب الإسرائيلية التي تم تشكيلها في أعقاب أحداث 7 أكتوبر 2023 بضم أحزاب من المعارضة لم يتبق منها سوى حزب "المعسكر الوطني" بزعامة بيني غانتس وغادي إيزنكوت، خاصة بعد انسحاب زعيم حزب "أمل جديد" جدعون ساعر. هذه الخلافات الراهنة تصاعدت على خلفية هجوم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 15 مايو الجاري، بسبب إدارته الفاشلة للحرب، وهو ما أعقبه تصعيد موازٍ من جانب عضو مجلس الحرب بيني غانتس الذي دعم خلاله موقف غالانت وأيّد تصريحاته، مهدداً نتنياهو بالانسحاب من الحكومة إذا لم يلتزم بتغيير استراتيجيته في إدارة الحرب وفقاً لبنود محددة خاصة فيما يتعلق بسيناريوهات اليوم التالي، تنذر بانهيار حكومة الحرب الإسرائيلية وإضعاف شرعية الائتلاف الحاكم، في ضوء تصاعد احتجاجات الداخل.

مظاهر الخلاف وعوامل الانقسام

تُثار في الوقت الحالي العديد من الملفات الخلافية التي يتعزز معها الانقسام الداخلي بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية خاصة على المستويين السياسي والعسكري، وهو ما يُمكن إيضاحه عبر المؤشرات التالية:

1- إدارة الحرب في قطاع غزة وسيناريوهات اليوم التالي: تتصدر مسألة الخلاف حول إدارة الحرب في قطاع غزة وترتيبات اليوم التالي للحكم في القطاع، مقدمة القضايا الخلافية بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية في اللحظة الراهنة، وينعكس ذلك في عدة مسائل خلافية كالتالي:

أ- مسألة حكم قطاع غزة: هاجم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في تصريحات له في 15 مايو 2024، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وطالبه بإعلان أن إسرائيل لن تسيطر مدنياً على قطاع غزة، مشيراً إلى أن جهوده لإثارة قضية الحكم في غزة بعد الحرب لم تجد استجابة من قبل حكومة نتنياهو، حيث قال: "طالبت بإيجاد بديل لسلطة حماس ولم يستجب لطلبي ومعنى ذلك حكم عسكري في قطاع غزة وهو ما أرفضه". وقد كان لهذه التصريحات أصداءها على تصاعد الخلافات بين أعضاء الحكومة، حيث هاجم الوزراء المتطرفون بالحكومة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سومتريش هذا الموقف وطالبوا بإقالة غالانت، بينما كشفت نتائج استطلاع رأي للقناة 14 الإسرائيلية أن 73% من ناخبي اليمين المتطرف يعتقدون أن على نتنياهو إقالة وزير الدفاع غالانت.

وفي الجهة المقابلة دعم أعضاء الحكومة بيني غانتس وغادي إيزنكوت الذين يمثلون التيار المعارض في الوقت الراهن داخل الحكومة، تصريحات غالانت، بل وأصدر بيني غانتس بياناً في 18 مايو 2024، طالب فيه نتنياهو بصياغة خطة عمل شاملة خلال مدة زمنية أقصاها 8 يونيو القادم، بحيث يكون من بين أهدافها تحديد بديل للحكم في غزة من دون حماس ولا عباس، وأن يتم إنشاء إدارة أمريكية - أوروبية - عربية - فلسطينية، تتولى إدارة القطاع بشكل مدني، وسيؤدي عدم الالتزام بصياغة الخطة وفق المدى الزمني المحدد إلى الانسحاب من حكومة الحرب.

ب- أولوية المسار السياسي لإطلاق سراح الأسرى: كشفت الفترة الماضية عن اتساع الخلاف بين أعضاء الحكومة حول دفع جهود المسار السياسي باعتباره أولوية لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من خلال عقد اتفاق هدنة كان على وشك حدوثه، حيث أعلنت حركة حماس موافقتها على المقترح المصري للهدنة، بيد أن رئيس الوزراء نتنياهو أذعن للابتزاز السياسي الذي مارسه شركائه في الائتلاف الحكومي ضده لرفض الاتفاق واستمرار الأعمال العسكرية بمدينة رفح، حيث أعرب وزير المالية المتطرف بتسلئيل سومتريش في 30 أبريل 2024، خلال اجتماعه مع أعضاء حزبه "الصهيونية الدينية"، عن رفضه للهدنة المقترحة قائلاً: "إن الحكومة التي تخضع للضغوط الدولية، وتوقف الحرب في منتصفها، وتتجنب الدخول الفوري إلى رفح وتعود إلى مقترحات الوساطة المصرية التي تبقي حماس موجودة بأي شكل من الأشكال، ستفقد في تلك اللحظة حقها في الوجود". وتقاطع مع هذا الموقف أيضاً وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، وهو ما أوضحه في تصريحاته قائلاً: "حذرت رئيس الوزراء (من العواقب) إذا، لا سمح الله، لم تدخل إسرائيل رفح، إذا أنهينا الحرب، لا سمح الله، إذا، لا سمح الله، ستكون هناك صفقة متهورة"، مضيفاً: "لقد سمع رئيس الوزراء كلامي، ووعد بأن إسرائيل ستدخل رفح، ووعد بأن الحرب لن تنتهي، ووعد بأنه لن تكون هناك صفقة متهورة"، مستطرداً: "أعتقد أن رئيس الوزراء يفهم جيداً ما سيعنيه إذا لم تحدث هذه الأشياء".

وفي المقابل لذلك، هاجم بيني غانتس هذه التصريحات مؤكداً إن "الحكومة لن يكون لها الحق في الاستمرار في الوجود" إذا قام زعماء اليمين المتطرف بعرقلة اتفاق لاستعادة الرهائن الذي لا ينهي الحرب ضد حماس"، وهو ما أيده أيضاً زميله من حزب "المعسكر الوطني"، غادي أيزنكوت، الوزير المراقب بحكومة الحرب، والذي رفض بدوره الابتزاز السياسي الذي يقوم به الوزراء المتطرفون سموتريش وبن غفير، لعرقلة جهود التوصل إلى اتفاق هدنة. وهنا تجدر الإشارة إلى تضمين بيان غانتس المشار إليه سلفاً إعادة المختطفين كأولوية لخطة العمل الشاملة التي طالب بها نتنياهو.

ج- استكمال مسار التطبيع الإقليمي في مقابل خيار حل الدولتين: أكد عضو مجلس الحرب بيني غانتس في بيانه الذي أصدره على ضرورة الترويج للتطبيع مع السعودية كجزء من تحرك شامل من شأنه تأسيس تحالف ضد إيران، دون الإشارة إلى مسألة حل الدولتين، بيد أن مرونته في التعامل مع مسألة الحكم المحلي الفلسطيني في القطاع (وإن كان استبعد حكم السلطة الفلسطينية) ورفضه للحكم العسكري الإسرائيلي، قد يعكس مرونة في موقفه المستقبلي – إذا ما تولى رئاسة الوزراء في ظل تصاعد حظوظه الانتخابية وفقاً لنتائج استطلاعات الرأي الإسرائيلية – مع التصور الأمريكي بشأن إصلاح السلطة الفلسطينية وعودتها لحكم القطاع، وهو ما يرفضه نتنياهو وأوضحه في بيان رده على غانتس بقوله: "أؤكد مجدداً رفضي المطلق لقيام دولة فلسطينية كجزء من صفقة التطبيع مع السعودية". كما هاجم أيضاً الوزير المتطرف بن غفير غانتس قائلاً: "الرجل الذي استقبل أبو مازن في بيته وقام بإدخال العمال الفلسطينيين من غزة هو الأخير الذي يستطيع أن يتحدث عن الخيارات الأمنية".

ووفقاً لتقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، في 12 سبتمبر 2023، فقد هاجم وزير المالية المتطرف بتسلئيل سومتريش مباحثات التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل قائلاً: "الاتفاق الذي يجري التباحث بخصوصه مع السعودية، والذي بموجبه يتعين على إسرائيل تقديم تنازلات للفلسطينيين، فإنني أؤكد مخاوفي بشأن هذا الاتفاق، وفي الواقع لن أسمح أنا وزميلي (وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير) أن يكون هنالك تقدم في الاتفاق على حساب مصالح إسرائيل القومية".

2- قانون تجنيد الحريديم: تعمق في الوقت الراهن أزمة تجنيد الشباب الحريديم، من الانقسامات بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية، خاصة بعد موافقة اللجنة الوزارية للتشريع في 15 مايو 2024، على مشروع قانون التجنيد الذي طرحه لأول مرة عضو مجلس الحرب بيني غانتس في الحكومة السابقة، وأعلن نتنياهو المضي قدماً بهذا القانون الذي أقر بالقراءة الأولى في الكنيست السابق، والذي كان لا يلقى قبول قادة الأحزاب الحريدية حيث وصفه عضو الكنيست عن حزب "يهدوت هتوراة"، موشيه غافني - آنذاك– وهو الآن عضو في الائتلاف، بأنه "اقتراح حقير ومشين". ولم يستجب غافني بعد للجهود الحالية، بينما وصفه رئيس حزب "شاس" وصديق نتنياهو المقرب أرييه درعي القانون في ذلك الوقت بأنه "قانون مهين هدفه الوحيد هو إيذاء أعضاء المدرسة الدينية واستبعاد الشباب من دراستهم". بينما تؤكد بعض التقارير العبرية، تغير هذا الموقف وأن درعي يقف وراء الجهود المبذولة لدفع مشروع القانون الآن.

وفي الجهة المقابلة هاجم بيني غانتس عزم الائتلاف تمرير هذا القانون، مؤكداً أن "مخطط الخدمة الإسرائيلية الذي وافقت عليه الحكومة السابقة تم إعداده في المؤسسة الأمنية كقانون انتقالي وكأساس لتطوير مخطط الخدمة الإسرائيلية، من أجل تقديم الخدمة لجميع شرائح الشعب" مضيفًا أن "قانون الوساطة المؤقتة الذي تم تقديمه والذي تريدون إقراره الآن، لم يكن مرضياً حينها، ولا يمت بصلة اليوم إلى الواقع بعد 7 أكتوبر". كما أنه قد وضع هذه المسألة ضمن البنود الستة في بيانه الذي أعلنه، حيث أشار إلى ضرورة اعتماد مسار للخدمة العسكرية الإسرائيلية يؤدي إلى انخراط كل الإسرائيليين في خدمة الدولة. وفي هذا الصدد يؤيد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت موقف بيني غانتس وغادي إيزنكوت الرافض لمسودة القانون، حيث كان أعلن في 24 مارس 2024، أنه لن يدعم الخطوط العريضة التي وضعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمشروع قانون الحريديم.

ومع استئناف الدورة الصيفية للكنيست من المتوقع أن تتصدر هذه الخلافات المشهد السياسي في ظل إعلان نتنياهو عزمه المضي قدماً لتمرير التشريع خاصة في ظل انتهاء القانون الذي يسمح بالإعفاءات الشاملة من الخدمة العسكرية في يونيو 2023، إلى جانب انتهاء قرار حكومي لاحق يأمر الجيش الإسرائيلي بعدم فرض التجنيد الإلزامي للحريديم على الرغم من انتهاء الصلاحية في 1 أبريل 2024، كما أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية أمراً مؤقتاً في 28 مارس 2024، يقضي بتجميد التمويل للمدارس الدينية الحريدية للطلاب الملزمين بالتجنيد، وأنه لم يعد هناك أي إطار قانوني لعدم تجنيد الرجال الحريديم المؤهلين للجيش الإسرائيلي.

3- إدارة العلاقات الخارجية: أثارت أزمة إدارة قادة الائتلاف الحكومي وخاصة الوزراء المتطرفين للعلاقات مع واشنطن التي تصاعدت توتراتها في الفترة الأخيرة، الخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية بين المستويين العسكري والسياسي، خاصة على وقع اتخاذ إدارة بايدن قراراً بتعليق شحنة من الذخيرة متوجهة لإسرائيل خلال الشهر الجاري، وهو ما دفع وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير لنشر تغريدة على موقع X، قائلاً :"حماس تحب بايدن"، ووفقاً لتقرير القناة 12 الإسرائيلية نقلاً عن مسؤولين حكوميين لم تذكر أسمائهم مقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وصفهم للوزير اليميني المتطرف بأنه "صبياني وغير ذي صلة بأي نقاش" واتهموه بإلحاق أضرار جسيمة بالأمن القومي. والجدير بالإشارة أن هذه لم تكن المرة الأولى، حيث سبق ذلك أن انتقد بيني غانتس وزير الأمن القومي بن غفير بسبب تصريحاته ضد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال مقابلة له مع صحيفة "وول ستريت جورنال" في 4 فبراير 2024، قائلاً: "على رئيس الوزراء أن يأمر وزير الأمن القومي بضبط النظام، الذي بدلاً من التعامل مع قضايا الأمن الداخلي يتسبب في أضرار جسيمة للعلاقات الخارجية لإسرائيل".

المآلات والمسارات المحتملة

يقود تصاعد مؤشرات الخلاف واتساع الهوة بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية في الوقت الراهن خاصة على وقع إنذار الوزير بحكومة الحرب بيني غانتس الذي وجهه لنتنياهو، إلى احتمالية انهيار الحكومة والتأثير على تماسك الائتلاف وشرعيته، ووفقاً لهذه المعطيات فإن مستقبل الحكومة الإسرائيلية قد تحدده عدد من المسارات على النحو التالي:

1- استقرار الحكومة ونجاح نتنياهو في تأمين خروج آمن: يتعزز هذا السيناريو في ضوء هامش المناورة السياسية المتوقع أن يقوم بها نتنياهو عبر إبداء المرونة مع بعض مطالب غانتس خاصة فيما يتعلق بمسألة "قانون التجنيد" بحيث يعيد المسودة مرة أخرى للنقاش، في محاولة منه لكسب مزيد من الوقت، مع إبداءه المرونة لطرح مسألة سيناريو اليوم التالي للنقاش دون أن يعني ذلك أنه سيقدم على تلك الخطوة بغرض الحسم، وإنما لكسب الوقت الذي يسمح له بمزيد من التغلغل في الجزء الجنوبي للقطاع بمدينة رفح للوصول إلى النقطة التي يراهن فيها على استسلام حركة حماس للضغط والذهاب لاتفاق هدنة بشروط يتوافق مع ميول شركاءه المتطرفين. ويستهدف نتنياهو عبر هذه المناورة التي يتضمنها هذا السيناريو أن يظهر غانتس بموقف المتعنت في حال رفضه لمرونته، وبالتالي سيفرض ذلك الضغط على غانتس نظراً للاعتبارات والحسابات الانتخابية ومكاسبه التي قد يؤدي انضمامه للتصعيد ضد الحكومة أثناء الحرب إلى خسارته لبعض المقاعد المحتملة من كتلة اليمين. ومن ناحية أخرى، قد تقنعه واشنطن بالعدول عن قرار الانسحاب من الحكومة لضمان وجود صوت معتدل في مجلس الحرب تمارس من خلاله الضغط لعدم سيطرة الوزراء المتطرفين على قرارات الحرب، والاتجاه بها نحو مسار تصعيدي غير متوافق مع محاذير وتخوفات واشنطن، وهو ما قد يزيد من الضغوط المفروضة على الإدارة الأمريكية التي ستكون على موعد مع سباق للانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم.

وفي هذا الصدد سيؤمن السيناريو المزيد من الوقت لنتنياهو وائتلافه من أجل تمرير الدورة الصيفية للكنيست المقرر أن تنتهي في 28 يوليو القادم، وتجنب حل الائتلاف على الأقل خلال الثمانية أسابيع المقبلة، خاصة في ظل تصاعد الخلاف المتوقع على خلفية مشروع "قانون التجنيد" المقدم والذي لا يحظى بالقبول من المعارضة وكذلك المعسكر الحريدي (الذي يقبل جزءاً منه فقط المسودة) وهو ما يجعل الفرصة التالية لن تكون إلا في أكتوبر مع بدء الدورة المقبلة، وحينها لن يكون من الممكن إجراء الانتخابات إلا في حوالي مارس 2025، بعد ما يقارب العام ونصف من اندلاع العدوان على قطاع غزة.

2- تعنت نتنياهو ورهانه على شركاءه في الائتلاف: يتعزز هذا السيناريو في ضوء اتجاه نتنياهو لإضعاف موقف غانتس، والذي بدأه بإصدار مكتبه بياناً رداً على بيان غانتس حاول فيه المزايدة على موقفه، وإحراجه أمام كتلة الناخبين اليمينيين التي تعكس نتائج استطلاعات الرأي ميلها للتصويت له في الانتخابات المقبلة، وذلك عبر تأكيده بأن غانتس يقوم بـ"إصدار إنذار نهائي لرئيس الوزراء بدلاً من إصدار إنذار نهائي لحماس"، هذا فضلاً عن إشارته إلى أن موافقته على التطبيع مع السعودية–بحسب بيان غانتس –تعني الموافقة على قيام دولة فلسطينية، واختتم بيانه بالإشارة إلى أن حكومة الوحدة هي المفتاح لتحقيق أهداف الحرب، وهو ما يعني بحسب نتنياهو أن تهديد انسحاب غانتس من حكومة الوحدة سيؤثر على وتيرة الحرب والعملية العسكرية في رفح التي دعمها.

وفي هذا الإطار سارع غانتس إلى إضعاف تأثير هذا البيان عبر الرد على هذه النقاط برفع سقف المزايدة بتأكيد مسئولية نتنياهو عن تأخير عملية رفح، مع نفيه أن تكون إقامة الدولة الفلسطينية ضمن شروط السعودية للتطبيع، وتأكيد رفضه عودة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع، ولكن تأكيد ميله بأن يحكم الفلسطينيين الآخرين، بدعم من الدول العربية والولايات المتحدة (في إشارة إلى حكم العشائر المحلية).

وهنا تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو سيستكمل مناورته التي بدأها عبر هذا السجال الخطابي، من خلال تسريع وتيرة العمليات العسكرية وفرض مزيد من الضغط ضد عناصر المقاومة الموجودين بالجزء الجنوبي للقطاع من أجل تحقيق أية إنجازات تعزز موقفه، على غرار الإعلان على مدار الأيام الماضية عن العثور على جثث بعض الأسرى، والتي من شأنها أن تؤكد رجاحة رؤية نتنياهو برفض عقد هدنة واستمرار الضغط عبر المسار العسكري، وأنه قاب قوسين أو أدني من إيجاد الأسرى الأحياء.

ويؤكد من هذا العزم زيادة الحضور العسكري للألوية الإسرائيلية المنخرطة في القتال داخل قطاع غزة، وكان آخرها إعادة تعبئة لواء المشاة الاحتياطي 12 "النقب" ليصبح إجمالي عدد الألوية 9 ألوية تعمل في جميع أنحاء غزة، (4 في رفح) وذلك لتحقيق هدفين: أولهما، التسريع بتحقيق إنجازات على الأرض على النحو المشار إليه سلفاً. وثانيهما، إضعاف المقاومة وتحجيم حركتها في المناطق التي كان قد أعلن الجيش الإسرائيلي تطهيرها، وذلك لتقليل الخسائر البشرية في صفوف المقاتلين الإسرائيليين على النحو الذي يزيد من غضب الجبهة الداخلية ويعزز موقف المعارضة. وفي هذا الصدد قد يسعى نتنياهو إلى توظيف إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تقديم طلبات إلى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال ضده بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، لتعزيز موقفه، وشرعيته الداخلية لاستكمال الأعمال العسكرية إذا ما قادته هذه المناورة إلى انهيار حكومة الحرب، وذلك من أجل ضمان استقرار الائتلاف حتى الوصول إلى نقطة الانتصار التي يمكن ترويجها لضمان بقاءه في المشهد السياسي عبر أية انتخابات مقبلة.

3- انهيار حكومة الحرب وتآكل شرعية الائتلاف: قد لا ينخدع غانتس بالمراوغة المتوقعة من نتنياهو، عبر سيناريو المرونة وكسب الوقت المقرر اتباعه وفقاً للسيناريو الأول، ويختار أن يسلك المسار الأصعب بأن ينفذ وعده بالانسحاب من حكومة الحرب، إذا لم يتجاوب نتنياهو مع مطالبه وفقاً للمهلة الزمنية التي حددها في بيانه، وهو ما يؤدي إلى تآكل شرعية الائتلاف في استكمال الحرب وكذلك المخططات الأخرى التي من شأنها تعزيز الحظوظ الانتخابية لصالح اعضاء الائتلاف على حساب غانتس خاصة في الأوساط اليمينية، وفي هذه الحالة من المتوقع أن ينضم غانتس للاحتجاج الجماهيري في الشارع الإسرائيلي لفرض مزيد من الضغط ضد نتنياهو وائتلافه لدفعهم نحو إبداء المرونة في هذه الحالة مع مطالب الشارع الإسرائيلي التي ستتماهى مع مطالب غانتس المحددة في بيانه الأخير، والتي قد ترفع من سقفها خلال مراحل متقدمة بالمطالبة بضرورة الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

ختاماً، يمكن القول إنه رغم تأثير حالة الانقسام والاستقطاب التي أصبح يواجهها المشهد السياسي والمجتمعي في الدولة العبرية، على استقرار الائتلاف الحاكم، واحتمالية انهيار حكومة الحرب، إلا أن قدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على المناورة السياسية عبر الالتزام بخط التشدد للحفاظ على دعم شركاءه المتطرفين في الائتلاف، من خلال سياساته المتطرفة تجاه إدارة العدوان على قطاع غزة، وتسخين الجبهة الشمالية، تقوض في أوقات كثيرة مسارات الانهيار طالما بقيت الحرب التي يراهن عليها في توحيد الجبهة الداخلية، إلا أن الفترة القادمة قد تدفع نحو مسارات تغيير تعجز أمامها حيل نتنياهو للبقاء خاصة إذا ما انسحب الخلاف وتضاربت المصالح بين أعضاء الائتلاف على خلفية مسودة قانون تجنيد الحريديم، بالإضافة إلى تزايد ضغوط الداخل في ظل الفشل في تحقيق أي من أهداف الحرب التي أعلنها الائتلاف حتى الآن.