د. أميرة محمد عبد الحليم

خبيرة الشئون الأفريقية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

الافتتاحية

مثّلت المنظمات الإقليمية فى أفريقيا مركزاً رئيسياً لتحقيق أهداف حكومات وشعوب القارة خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فمع تصاعد التهديدات المختلفة بين ربوع القارة برزت أدوار رائدة للمنظمة القارية والمجموعات الاقليمية الفرعية أو (Rec,s) وكذلك المبادرات الأمنية المخصصة ضمن جهود استعادة الاستقرار فى العديد من الدول والأقاليم الأفريقية.

ويغطى مصطلح «المنظمة الإقليمية الأفريقية» مجموعة متنوعة من المجموعات التي تمر بمراحل مختلفة من إضفاء الطابع المؤسسي، وهي تشمل المنتديات السياسية والترتيبات العسكرية ومجموعة متنوعة من المنظمات الراسخة. وتمثل المنظمة الإقليمية الأفريقية شكل تعاون مؤسسياً يضم ثلاثة بلدان أو أكثر داخل مساحة جغرافية محددة. وفى هذا الإطار، تبرز خمس فئات من المنظمات الإقليمية الأفريقية كما تحددها علاقاتها مع الاتحاد الأفريقي.

1- منظمات ما بعد الاستقلال التي ركزت على التكامل الإقليمي: وتشمل مجلس الوفاق، والجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (CEMAC)، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (WAEMU؛ UEMOA بالفرنسية). وباستثناء مجلس الوفاق، وهو مبادرة بقيادة أفريقية وتم تأسيسها قبل رحيل الاستعمار، فإن المنظمتين الإقليميتين الأفريقيتين الأخريين هما استمرار للترتيبات الاستعمارية في غرب ووسط أفريقيا بعد إنهاء الاستعمار، في شكل منطقة الفرنك الأفريقي.

2-المجموعات الاقتصادية الإقليمية (RECs): وهي تجمعات إقليمية للدول الأفريقية وتمثل ركائز الاتحاد الأفريقي. وتم تشكيلها جميعاً قبل تطوير المنظمة القارية فى شكل الاتحاد الأفريقي عام 2002. وعلى الرغم من استقلالها وحكمها بقوانينها الخاصة، وتطورها بشكل فردى، فقد تم اقتراح المجموعات الاقتصادية الإقليمية لأول مرة في خطة عمل لاجوس لعام 1980 وأعيد التأكيد عليها بموجب معاهدة أبوجا لعام 1991 كأساس للمجموعة الاقتصادية الأفريقية (AEC)، حيث أصبحت المجموعات الاقتصادية الإقليمية حجر الزاوية في الجماعة الاقتصادية الأفريقية (AEC)، فالغرض من المجموعات الاقتصادية الإقليمية هو تسهيل التكامل الاقتصادي الإقليمي بين أعضاء المناطق الفردية ومن خلال الجماعة الاقتصادية الأفريقية الأوسع (AEC)، التي أنشئت بموجب معاهدة أبوجا (1991).

وتسعى هذه المعاهدة، التي دخلت حيز التنفيذ منذ عام 1994، إلى إنشاء سوق أفريقية مشتركة باستخدام المجموعات الاقتصادية الإقليمية كعناصر بناء. كما أنها تعمل بشكل وثيق مع الاتحاد الأفريقي كجزء من بنية السلم والأمن الأفريقي (APSA). ويعترف الاتحاد الأفريقي بثماني مجموعات اقتصادية إقليمية.

3- المبادرات دون الإقليمية ذات الترتيبات الأمنية المعترف بها من قبل الاتحاد الأفريقي أو ما يطلق عليها المبادرات الأمنية المخصصة: وتشمل هذه المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل ولجنة حوض بحيرة تشاد (LCBC). وعلى الرغم من أن هذين الترتيبين الأمنيين الإقليميين ليسا جزءاً من APSA، فقد أذن الاتحاد الأفريقي بنشر قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات (MNJTF) بقيادة LCBC والقوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس (FC – G5S).

4- مبادرة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي: مثال على ذلك عملية نواكشوط، وتوفر هذه الآلية إطاراً للمناقشة وتبادل المعلومات. وقد تم تأسيسها لتعزيز التعاون الأمني وتفعيل APSA في منطقة الساحل والصحراء. وتشرف عليها مفوضية الاتحاد الأفريقي، وهي الأمانة الدائمة للاتحاد الأفريقي.

5- الترتيبات الأمنية التي لم يعترف بها الاتحاد الأفريقي: وتشمل هذه الترتيبات مبادرة أكرا، ولجنة خليج غينيا (GGC)، وهيئة ليبتاكو جورما (LGA)، واتحاد نهر مانو (MRU). وتضم هذه الفئة المنظمات الإقليمية الأفريقية والترتيبات الإقليمية التي تم إنشاؤها على مدى فترة زمنية أطول، فقد تأسست  LGA في عام 1970، فيما تم إطلاق مبادرة أكرا في عام 2017. وهي تشترك في هدف تعزيز التعاون الأمني، من خلال التركيز على الديناميكيات المحلية العابرة للحدود.

وقد ساعد التكامل الإقليمي في أفريقيا، الناشئ عن تطوير المنظمة القارية وتصاعد أدوار المجموعات الاقتصادية الإقليمية، على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، حتى ولو لم تتوزع الفوائد بالتساوي في جميع أنحاء القارة، على  تعزيز الجوانب الاقتصادية والأمنية فى القارة. فقد زادت المجموعات الاقتصادية الإقليمية من تدفقات التجارة البينية، وساعدت على حرية حركة الأشخاص والمعرفة والتكنولوجيا. كما عملت المنظمات العابرة للحدود الوطنية والمنظمات المشتركة بين الدول على تعزيز النظام والسلام من خلال إنشاء آليات أمنية ومنصات للحوار في قارة غارقة في الصراعات.

إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ردود فعل مُفاجِئة من العديد من الدول الأفريقية إزاء الأدوار والتدخلات التى تقوم بها المجموعات الاقتصادية الإقليمية فى شئون الدول والتى تفرضها التطورات وكذلك المواثيق والتعهدات القانونية التى تتبنها هذه المجموعات، وتنوعت هذه المواقف ما بين رفض لأدوار المجموعات الإقليمية والتشكيك فى نزاهتها وحياديتها وانسحاب كامل من هذه المجموعات. وأمام هذه التطورات التى لحقت بالعلاقات بين الدول والمجموعات الإقليمية الأفريقية وخاصة المجموعات الفرعية، برزت العديد من التساؤلات حول أهمية الأدوار التى تضطلع بها المجموعات الإقليمية فى أفريقيا وهل هناك حاجة ضرورية لتطوير هذه المجموعات سواء من حيث الهياكل أو المبادىء والقيم والقواعد التى تتبناها؟، أم أن هناك حاجة ضرورية لبناء منظمات بديلة؟، وما هى الأدوار التى تقوم بها التحالفات الجديدة الممثلة فى المبادرات الأمنية المخصصة التى تتوازى فى أعمالها مع أدوار المجموعات الإقليمية الفرعية؟      

فقد تناولت العديد من الدراسات تأثير عضوية الدولة في المجموعات الاقتصادية الإقليمية الثماني في أفريقيا على سلوك الدول الأعضاء عبر ثلاثة مجالات رئيسية أهمها استمرار الصراع، وإرساء الديمقراطية، والحكم، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويعتبر الاتحاد الأفريقي المجموعات الاقتصادية الإقليمية بمثابة ركائز التكامل القاري والاتحاد السياسي المحتمل. ويفترض عدد من الباحثين أن عضوية الدولة في (واحدة أو أكثر) من المجموعات الاقتصادية الإقليمية مع مرور الوقت سوف ترتبط بشكل إيجابي بالحكم الرشيد والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والحد من الصراعات. إلا أن العقبات التى تواجه عمل المجموعات الإقليمية فى أفريقيا أصبحت تحد من تأثيراتها وأدوارها المتوقعة.

إذ أن جذور التحديات الرئيسية التي تواجهها أفريقيا-ومنها هشاشة الدولة، والاستبداد، وانقسامات الهوية، وارتفاع معدلات البطالة-تظل ذات طبيعة وطنية، وكثيراً ما يتم إهمالها من قِبل المنظمات فوق الوطنية.

كما أن انتشار المنظمات الإقليمية ذات التفويض الشامل بشكل متزايد قد استخدمه السياسيون الأفارقة، بما في ذلك القادة المستبدون، كقنوات للوصول إلى التمويل الدولي، وزيادة نفوذهم المحلي وإبراز صورتهم على الساحة الدولية.

وتساهم مثل هذه الديناميكيات فى بروز فجوة واضحة بين الخطاب الرسمي الذي يدعو إلى الديمقراطية والحكم الرشيد وممارسات منظمات مثل الهيئة الحكومية الدولية للتنمية أو الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ومجموعة شرق أفريقيا، أو مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي، أو الاتحاد الأفريقي.

فضلاً عن ذلك، فإن المنظمات الإقليمية الأفريقية تعانى -في بعض الأحيان- من التبعية للقوى الدولية فى ظل عدم وجود تمويل وطنى أو إقليمى لمشروعاتها وخططها الأمنية والسياسية. 

وفى هذا الإطار، جاءت فكرة الملف الحالى حول «المنظمات الإقليمية الأفريقية» والذى يحاول من خلاله الخبراء والباحثون دراسة الأدوار الراهنة لعدد من التنظيمات الإقليمية الأفريقية وفى مقدمتها المنظمة القارية وما تعكسه هذه الأدوار على الاستقرار والأمن فى دول ومناطق مختلفة من القارة الأفريقية، ومدى نجاح أو فشل المنظمات الإقليمية الراهنة فى أفريقيا فى الاستجابة للتهديدات التى تتصاعد فى أجزاء مختلفة من القارة وتعيق استراتيجيات التنمية والتطوير فيها، والوصول إلى تحليلات تحدد مستقبل المنظمات الإقليمية فى أفريقيا ومدى حاجة دول القارة إلى إلغاء أو تأسيس أو تطوير منظمات إقليمية لدعم السلام والأمن بين ربوع القارة الأفريقية.