صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تتجه العديد من الدول إلى وضع سياسات واستراتيجيات وبرامج عمل ترتكز على استخدام التكنولوجيا المتطورة فى تسيير دولاب العمل اليومى داخل المؤسسات والهيئات الرسمية والحكومية. بمرور الوقت، فرض التطور فى استخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات على الحكومات ضرورة وضع السياسات واتخاذ الإجراءات لتطبيق عمليات التحول الرقمى داخل مؤسساتها وهيئاتها لدورها المهم فى تحسين كفاءة تلك المؤسسات، ورفع مستوى الخدمات التى تقدمها لجمهور المستخدمين والمستفيدين من الأفراد والشركات وقطاعات العمل المختلفة. لا يعنى تطبيق التحول الرقمى فى المؤسسات الاستخدام المباشر للميكنة داخل المؤسسة فحسب، بل يعنى أيضًا، «مجموعة البرامج الشاملة المتعلقة بكيفية استخدام التكنولوجيا داخل المؤسسات والهيئات بهدف تحسين الكفاءة التشغيلية، وتحسين الخدمات المقدمة للعملاء والمستفيدين من تلك الخدمات».

وفقا لهذا المضمون، فإن التحول الرقمى يشير إلى كيفية دمج الحلول الرقمية فى مجالات العمل المختلفة بهدف تغيير مسار وطريقة العمل داخل المؤسسات إلى مسار يستطيع إحداث تغيير جذرى فى نمط تقديم الخدمات للعملاء المستفيدين، ليجعلها أكثر كفاءة وجودة. لا يعنى هذا التحول بالضرورة مجرد نشر حلول تكنولوجية لجهة العمل، ولا تقنية الأدوات المستخدمة، بقدر ما يعنى إحداث «تغيير ثقافى» يتحدى الوضع الراهن لأسلوب العمل داخل المؤسسات الحكومية والهيئات الرسمية المعنية بتطبيق التحول الرقمى فى خدماتها، بما يتيح لها الوصول إلى مرحلة الكفاءة التشغيلية القصوى، والأكثر ذكاءً، والأفضل جودة، والأسرع استجابة لاحتياجات العملاء التى تشهد تطورا مستمرا بمرور الزمن، بما يوفر الوقت والجهد على حد سواء.

أيضًا، تؤدى عملية التحول الرقمى وتطبيقاتها فى المؤسسات والهيئات الحكومية إلى تحقيق أفضل الطرق للربط بين خدمات تلك المؤسسات بعضها بعضا على أساس أن جمهور المستفيدين من خدمات التحول الرقمى هو المواطن الذى ترتبط حياته العملية والمعيشية اليومية بتلك المؤسسات على اختلاف أنواعها وعملها، الأمر الذى يفرض على المؤسسات الرسمية للدولة ضرورة وضع متلقى الخدمة والمستفيد منها فى مقدمة أولويات أهداف عملية التحول الرقمى بأبعادها المختلفة. هذا التحول فى نمط عمل المؤسسات والهيئات الرسمية، وصولا إلى كفاءة التشغيل، وجودة الخدمات، وسهولة الحصول عليها، ينتج عنه ردود فعل من قِبل متلقى ومستخدمى الخدمة الرقمية تمثل مدخلا جديدا لصانعى القرار فى تلك المؤسسات والهيئات، تمكِّنهم أولا من تطوير قدرات وكفاءات موظفى المؤسسة، وتمكِّنهم ثانيا من توفير بيئة عمل متطورة، وتمكِّنهم ثالثا وأخيرًا من مراقبة الأداء بصورة دورية بما يسهم فى تحقيق «الرشادة» فى عملية صنع القرار المؤسسى.

رغم المزايا العديدة التى تتسم بها عملية التحول الرقمى الشاملة -حال تطبيقها فى المؤسسات والهيئات الرسمية للدول- إلا أن تنفيذها على أرض الواقع يواجه العديد من التحديات والعوائق منها -على سبيل المثال لا الحصر- نقص التمويل المالى لعملية التحول الرقمى بصورتها الشاملة فى المؤسسات الحكومية؛ نتيجة إغفال هذه العملية ضمن أولويات القائمين على وضع ميزانية تلك المؤسسات لمصلحة أولويات أخرى، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بأمن المعلومات وتداولها، الأمر الذى يفرض على المؤسسة وضع خطط لضمان حماية هذا المعلومات مما يتطلب المزيد من الاعتمادات المالية، فضلا عن ضعف البنية التكنولوجية نفسها من اتصالات وشبكات وأنظمة وبرامج، هذا إلى جانب صعوبات تطوير الكادر البشرى العامل فى المؤسسات الحكومية بما يؤهل قدراته العملية للتعامل مع برامج تطبيق التحول الرقمى؛ وهو ما يستدعى وضع المزيد من الإجراءات التى تخص تنمية العنصر البشرى لتتلاءم مع متطلبات العمل فى تلك المؤسسات. وأبرز تلك الإجراءات، هى تغيير ثقافة العمل التقليدية، وتبنى ثقافة عمل متطورة تعتمد التطبيقات الرقمية أساسًا لها.  

فى مصر، يرى المتخصصون فى شأن عملية التحول الرقمى أن ثمة العديد من الخطوات الإيجابية تمت نحو تطبيق خدمات هذا التحول، وقد بدأت مع إنشاء وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عام 1999، وإطلاقها برنامج الحكومة الإلكترونية عام 2001. أيضًا، خلال الفترة (2004 - 2009) تم اتخاذ العديد من الخطوات فى مسار تطبيق الخطة الاستراتيجية للحكومة الإلكترونية عبر إسناد تنفيذ مشروعات الحكومة الإلكترونية إلى وزارة الدولة للتنمية الإدارية فى هذا الحين. وفى عام 2010، كانت «بوابة الحكومة المصرية» - حل محلها حاليا «منصة مصر الرقمية» - أحد أهم أوجه تطبيقات عملية التحول الرقمى بخدماتها الإلكترونية المقدمة لجمهور المستفيدين من الأفراد وشركات الأعمال. لكن الاهتمام الحكومى بعملية التحول الرقمى تراجع عام 2011، الأمر الذى أسهم فى تراجع ترتيب مصر بالنسبة لمؤشر الحكومة الإلكترونية، الصادر عن الأمم المتحدة على مدار الفترة ( 2018 - 2022)، وهو ما وضع مصر ضمن التصنيفات الأقل من المتوسط العالمى فى مجال التحول الرقمى. 

لكن مع متطلبات رؤية مصر 2030 للتنمية الشاملة. فإنه من الضرورى الإسراع بخطط وإجراءات عملية تنفيذ التحول الرقمى لمختلف مؤسسات الدولة وهيئاتها الرسمية، فضلا عن استكمال البنية المعلوماتية للمدن الذكية التى تعتمد فى المقام الأول على تكنولوجيا المعلومات.

فى هذا الإطار، تأتى هذه الدراسة «التطبيقية» تحت عنوان «التحول الرقمى فى مصر.. الفرص والتحديات» لمؤلفيها الدكتور/ أحمد محمود درويش، وزير الدولة للتنمية الإدارية خلال الفترة (2004 - 2011)، والأستاذ/ أحمد محمد عماد الدين السبكى، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لتناقش عددا من الموضوعات والإشكاليات المتعلقة بعملية التحول الرقمى بالنسبة للحكومات ومؤسساتها الرسمية بصفة عامة، وذلك من واقع الممارسات العملية والخبرات الدولية، بالإضافة إلى معاصرتهما ومعايشتهما لتنفيذ العديد من المشروعات المتعلقة بالتحول الرقمى فى مصر والمنطقة، إلى جانب إطلاعهما على المشروعات التى تم تنفيذها فى الخارج فى أثناء مشاركتهما فى المؤتمرات الدولية المختلفة الخاصة بهذا الحقل المعرفى من النواحى التطبيقية. كما تقدم الدراسة عدة نماذج لخبرات الدول فى تطبيق استراتيجيات التحول الرقمى، منها، على سبيل المثال، تجربة كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية، وسنغافورة، وذلك بهدف نقل أفضل الممارسات التطبيقية، ومحاولة تنفيذها فى مصر.