صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

زيارة مهمة يقوم بها رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى فى 15 إبريل 2024 للولايات المتحدة الأمريكية. الزيارة تحمل العديد من الملفات المهمة فى ظل الطبيعة الخاصة للعلاقات الثنائية بين البلدين من ناحية، وفى ظل توقيت إقليمى دقيق وصعب من ناحية ثانية؛ حيث يشهد الإقليم حالة من التصعيد العسكرى نتيجة تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة فى أعقاب عملية طوفان الأقصى التى قامت بها المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر 2023. والعراق من الدول المعنية مباشرة بالتداعيات الأمنية لتلك الحرب فى سياق نشاط المليشيات العراقية المسلحة الموالية لإيران ضمن "محور المقاومة" الإقليمى، وفى إطار عملياته المتعددة فى إسناد ونصرة المقاومة الفلسطينية على مدار الشهور الستة الماضية؛ عبر استهدافات عديدة ومتكررة للقواعد العسكرية الأمريكية فى العراق وسوريا والأردن من ناحية، وعبر استهداف بعض المواقع فى داخل إسرائيل من ناحية ثانية، وهى العمليات التى أضفت على العلاقات الثنائية الأمريكية العراقية مزيداً من التعقيد نتيجة الضغوط التى فرضتها المليشيات الشيعية على حكومة شياع السودانى ودفعتها إلى "ضرورة" مراجعة طبيعة التعاون والتحالف الاستراتيجى بين البلدين فى أعقاب عمليات الاستهداف المتبادل بينها وبين القوات الأمريكية، ما اعتبرته العديد من القوى السياسية العراقية على اختلاف انتماءاتها المذهبية/السياسية انتهاكاً واضحاً لسيادة الدولة العراقية، ومخالفة واضحة لنمط التفويض الذى منحته بغداد للتحالف الدولى بزعامة الولايات المتحدة عام 2014، والذى كان مقتصراً على محاربة تنظيم الدولة "داعش" فقط، ودفعت بمقتضى ذلك فى اتجاه إنهاء كافة مهام التحالف الدولى بما فيها المهام الاستشارية والاستخباراتية والتدريب، فى الوقت الذى رأت فيه حكومة السودانى أن ما تقوم به المليشيات المسلحة فى إطار تفاعلاتها الإقليمية مع تداعيات الأزمة فى غزة يضعها فى موقف حرج للغاية؛ لأنه يكبل التزاماتها تجاه حالة "التحالف" التى تربط العراق بالولايات المتحدة، والتى تنظمها "اتفاقية الإطار الاستراتيجى"، المبرمة بين البلدين عام 2008، بأبعادها الأمنية والسياسية.

محاولة لإعادة التوازن

فى ظل المتغيرات الإقليمية الجديدة، الناتجة عن الحرب الإسرائيلية على غزة تحديداً، والتى باتت تضغط على المصالح الأمريكية فى المنطقة نتيجة استهدافها من قبل المليشيات الموالية لإيران فى العراق، أصبح من الضرورى للولايات المتحدة التعامل بنمط أكثر مرونة مع العراق لتنظيم العلاقات الأمنية من ناحية، والارتباطات الاقتصادية من ناحية ثانية، لاسيما مع ردة الفعل السياسية العراقية على الرد المقابل الذى كانت تقوم به القوات الأمريكية على استهدافات المليشيات العراقية لقواعدها؛ لكونها أوقعت خسائر كبيرة، فلم تعد تلك الخسائر تقف عند حدود البنية العسكرية لتلك المليشيات، وإنما تجاوزت ذلك بإحداث خسائر بشرية فى مناطق سكنية مكتظة بالسكان المدنيين، كما حدث فى استهداف متكرر لمناطق جرف الصخر فى جنوب بغداد خلال شهر نوفمبر 2023، وشهر يناير 2024، على سبيل المثال، الأمر الذى وضع رئيس الوزراء شياع السودانى فى بؤرة الاستهداف السياسى من قبل قوى الإطار التنسيقى نفسه – الحاضنة السياسية للسودانى – التى اتهمته بعدم القدرة على حماية سيادة الدولة من انتهاكات دولة أجنبية. وذهبت فى ضغطها إلى ضرورة قيام الحكومة بجدولة زمنية لإنهاء مهام التحالف الدولى والوجود الأمريكى فى العراق، عبر إعادة تفعيل عمل اللجنة العسكرية العليا المشتركة بين البلدين لوضع جدول زمنى يناقش جدياً سبل إنهاء هذا الوجود.   

هذا التطور فى سياق العلاقات الأمريكية العراقية – محاولات القوى السياسية والحكومة العراقية إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى – ربما كشف عن "احتمالية" أن تفقد الولايات المتحدة إحدى أهم أوراق الضغط على إيران فى المنطقة وهى العراق، أو على أقل تقدير، فقدان الولايات المتحدة حالة "مواءمة المصالح" - إن جاز التعبير-  التى كانت تمارسها مع إيران داخل العراق، والتى بدورها مكنت الأخيرة لاسيما خلال فترة حكومة مصطفى الكاظمى السابقة وحكومة شياع السودانى الحالية، من تبني سياسات داخلية وخارجية "توازن" بين مصالح إيران ومصالح الولايات المتحدة على حد سواء، وهو توازن أتاح للحكومتين المذكورتين هامشاً من الحركة تم استغلاله فى محاولات بناء شراكات عراقية خارجية متعددة سواء مع أوروبا أو مع العالم العربى، بل ومكن حكومة السودانى نفسها من لعب دور "الوسيط الإقليمى" فى مرحلة ما لبناء حالة من التهدئة الإقليمية التى سادت الإقليم خلال الفترة السابقة مباشرة على عملية طوفان الأقصى فى أكتوبر 2023، ونتج عنها عدة مصالحات إقليمية أبرزها تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية.

فى ضوء تلك المعطيات، ربما تعد زيارة السودانى للولايات المتحدة "فرصة" لإعادة العلاقات الثنائية بين البلدين إلى نقطة "توازن" جديدة؛ لأن دور المليشيات المسلحة بقدر ما يمثل ضغوطاً على حكومة السودانى نفسها، بقدر ما يتيح لها فرصة التأثير فى مسار العلاقات مع الولايات المتحدة سواء بإعادة جدولة حالة التواجد العسكرى، أو بإعادة توظيف الملفات الاقتصادية التى تستخدمها واشنطن كورقة ضغط قوية على المصالح العراقية لديها، وأخص بالذكر هنا أزمة ربط سعر صرف العملة العراقية بالدولار الأمريكى وفقاً لما يقرره بنك الاحتياطى الفيدرالى، وهى الأزمة التى فرضت العديد من الضغوط الاقتصادية على العراق على مدار العامين الماضيين. ويمكن القول إن النقطة نفسها تستطيع الولايات المتحدة توظيفها فى مواجهة الحكومة العراقية لحملها على بذل المزيد فى سياق "ضبط سلوك" المليشيات العراقية المسلحة.

جدير بالذكر هنا، أن اختلاف مواقف تلك المليشيات تجاه "طبيعة" إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى يشكل بدوره أيضاً هامشاً للمناورة أمام السودانى؛ لأنه داخل الغرف المغلقة لا تتفق جميع المليشيات العراقية الشيعية ولا حتى القوى السياسية نفسها على المسار الذى يجب اتخاذه لإنهاء الوجود الأجنبى، وهنا تجدر الإشارة إلى أن قيادات من قوى الإطار التنسيقى، والتيارات السياسية السنية، وحكومة إقليم كردستان، إلى جانب من يملك القرار الاستراتيجى نفسه وهو رئيس الوزراء يرغبون فى الإبقاء على نمط من الوجود العسكرى الأمريكى تحت مسميات جديدة عنوانها العام استبدال نمط التعاون العسكرى المحض بنمط مختلف من العلاقات الثنائية السياسية التى لا تقف عند حدود التعاون الأمنى العسكرى الاستخباراتى، وهو ما يعنى، ووفقاً لرؤية الحكومة العراقية، تفكيك كافة مظاهر البنية العسكرية الأمريكية فى العراق سواء منشآت قواعد عسكرية، أو منشآت للتعاون الاستخباراتى، أو حتى منشآت التدريب وغيرها، لأن بذلك تكون الحكومة قد أنهت الوجود العسكرى فى مظهره العام ( القواعد العسكرية تحديداً)، وبالتالى تخفيف الضغوط التى كانت تتعرض لها حكومة السودانى جراء الاستهدافات العسكرية التى تشنها المليشيات المسلحة على تلك القواعد، وفى الوقت نفسه إفساح المجال أمام الإسراع بعملية تسليح الجيش العراقى وتمكينه من اكتساب القدرة العسكرية على حماية سيادة الدولة العراقية.

ملفات التفاوض وأولوياتها

فى هذا السياق، عكست تصريحات السودانى فى مقال له بدورية "فورين بوليسى" يوم 11 إبريل الجارى - بشأن زيارته للولايات المتحدة وأهميتها فى سياق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين- أولويات القضايا التى سيتم مناقشتها مع الجانب الأمريكى فى ظل التطورات الإقليمية الراهنة، وتكاد تنتظم تلك القضايا فى ثلاثة مسارات: الأول، تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجى المبرمة بين الجانبين فى عام 2008. الثانى، العلاقات الاقتصادية وإشكاليات الربط المالى بين البلدين. الثالث، مواجهة التصعيد وتهدئة الصراع فى المنطقة، وذلك من منطلق مساعيه لإعادة صياغة " الشراكة الأمريكية العراقية على أسس جديدة وأكثر استدامة" على حد تعبيره، واصفاً تلك العلاقة بأنها "عنصر أساسى لاستقرار منطقة الشرق الأوسط"، مؤكداً على أن حكومته ترفض استهداف القواعد الأمريكية فى بلاده، لكنها فى الوقت نفسه تحتاج مزيداً من الوقت "لإدارة التعقيدات الداخلية"، وذلك من أجل "التوصل إلى تفاهمات سياسية مع مختلف الأطراف". وتتمثل أبرز الملفات التي ستكون محور المحادثات في واشنطن في:    

1- تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجى: يستهدف رئيس الوزراء العراقى هنا نقل علاقات التحالف العراقية الأمريكية التى تقرها اتفاقية الإطار الاستراتيجى من مسمى الاتفاقات الأمنية والعسكرية إلى مسمى التعاون السياسى الثنائى المباشر؛ أى وضع العلاقات الأمنية والعسكرية - التى تمثل المظهر الحالى لنمط العلاقات بين البلدين - فى اتجاه أوسع يشمل العلاقات الثنائية بما فيها التعاون فى مجالات الطاقة والسياحة والثقافة والزراعة والاسثمار. ويلاحظ هنا، أن اتفاقية الإطار الاستراتيجى تتواجد بها فعلياً هذه الاتفاقيات التى تشمل المجالات المذكورة، لكنها غير مفعلة حيث تراجعت أهميتها لصالح الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والتنسيق والتفاهمات فى المجالات الاستخباراتية، ومن ثم فإن مضموناً أشمل لعلاقات سياسية ثنائية يتضمن هذه المجالات من شأنه إخراج نمط العلاقات الثنائية بين البلدين عن سياقه الأمنى العسكرى المحض لنمط أكثر شمولاً لعلاقات سياسية متعددة الاتجاهات.

2- ملفات الاقتصاد: الشراكة الاقتصادية بين البلدين كانت من البنود التالية فى أهميتها على تحقيق الشراكة الأمنية العسكرية مباشرة ضمن بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجى، لكنها أيضاً تراجعت لصالح البعد الأمنى العسكرى فى علاقة البلدين؛ لكن ومع محاولات حكومة السودانى التغلب على الأزمة الاقتصادية التى تواجه العراق والتى من أحد أسبابها تراجع سعر صرف الدينار العراقى أمام الدولار فمن المتوقع أن يناقش السودانى إشكاليات العلاقات الاقتصادية؛ حيث أعلن السودانى عن رغبته فى تنميط التعاون الاقتصادى بين البلدين عبر تفعيل بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجى التى تتماشى مع برنامج الحكومة، لاسيما فى مجالات الاستثمار والصناعة والتكنولوجيا والزراعة والطاقة والبنية التحتية والاتصالات، خاصة وأن هناك نشاطاً برلمانياً مواكباً بدأ يعيد النظر فى القوانين المقيدة لدخول الاستثمارات الأجنبية للعراق.

3- التهدئة وضبط الصراع الإقليمى: من ضمن أهم المناقشات التى سيعرضها رئيس الوزراء العراقى على الرئيس الأمريكى جو بايدن، الدور "المشترك والمتبادل" فى تهدئة الصراع فى المنطقة، عبر وقف الاستهداف المتبادل بين المليشيات العراقية الولائية لإيران وبين القوات الأمريكية فى العراق. هذا الموضوع تحديداً سيشكل الجزء الأكبر من المباحثات الثنائية، وهذا يعنى إتاحة مجال أوسع أمام عمل اللجنة العسكرية العليا المشتركة لجدولة التفاعل الأمنى العسكرى وإنهاء مظاهره من ناحية، وفتح قنوات للتهدئة مع المليشيات المسلحة وربما مع إيران مباشرة من ناحية ثانية. وإن كانت قدرة رئيس الوزراء العراقى على ضمان التحكم فى تفاعلات المليشيات المسلحة الموالية لإيران، أو على أقل تقدير القدرة على التأثير فى قرارها لازالت عملية صعبة، وترتبط بمدى قدرة السودانى على موازنة العلاقات العراقية مع الجانب الإيرانى من ناحية، كما ترتبط بمصالح إيران فى العراق وسوريا مرحلياً من ناحية ثانية، ومسار الحرب الإسرائيلية الراهنة على قطاع غزة وتداعياتها من ناحية ثالثة.

قيود عديدة

يبقى التساؤل المهم بعد ذلك هو مدى إمكانية أن تحقق زيارة السودانى لواشنطن الأهداف المرجوة منها؛ بمعنى أن نرى لهذه الزيارة فى ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة وفى ضوء المعطيات السابق طرحها نتائج يعتد بها، بحيث تجعل من الزيارة مرحلة جديدة فى العلاقات العراقية الأمريكية تنتج تطوراً فعلياً فيها. الواقع يقول أن ثمة حدوداً لتطلعات السودانى بشأن تحقيق نتائج ضخمة من تلك الزيارة ؛ بمعنى أن ثمة قيوداً أو كوابح بإمكانها التأثير على مستوى تلك النتائج ونجاعتها، منها على سبيل المثال:

1- البعد الداخلى: ويرتبط بالقناعات السياسية لدى القوى والأحزاب الشيعية التقليدية، والتى يدين معظمها بنمط ولائى سواء سياسى أو حتى دينى مرجعى لإيران ولديها أذرع عسكرية من مليشيات مسلحة. والمفارقة هنا أن معظمها يشكل الحشد الشعبى الذى يمثل الإطار المسلح لقوى الإطار التنسيقى الشيعى، والتى تمثل الحاضنة السياسية التى جاء منها السودانى نفسه لمنصبه. هذه التعقيدات تفرض رؤية مغايرة بين الالتزامات التى يفرضها منصب رئيس الوزراء فيما يتعلق بإدارة السياسة الخارجية للدولة لاسيما تجاه الولايات المتحدة، وبين مواقف تلك القوى بخصوص توصيفها لهذه العلاقات. يمكن القول أن هناك "ازدواجية" فى مواقف تلك القوى نفسها بشأن رؤيتها للعلاقات الأمريكية العراقية (بعضها يريد بقاء الولايات المتحدة تحت مسميات جديدة، والبعض الآخر يرفض المظهر العسكرى لهذه العلاقات، والبعض الثالث يرى فى الانسحاب الأمريكى إهداراً لمكتسباته السياسية)، وكلها عوامل تضع نتائج تطوير العلاقات بين العراق والولايات المتحدة فى ضوء زيارة السودانى الحالية لواشنطن على المحك بالنسبة للداخل العراقى وتفاعلات القوى السياسية بشأنها، لاسيما مع تطورات الإقليم والتى تشهد تصعيداً خطيراً فى أعقاب استهداف إسرائيل لمبنى القنصلية الإيرانية فى سوريا مؤخراً، وقيام إيران باستهداف الأراضى المحتلة داخل إسرائيل يوم 13 إبريل الجارى رداً على ذلك. وهنا يأتى متغير فصائل المقاومة الإسلامية فى العراق التابعة للمليشيات المسلحة، ومدى الرهان على أنها ستكون طرفاً فى حال أرادت إسرائيل الرد على هذا الاستهداف الإيرانى مستقبلاً.

2- مدى قدرة السودانى على إدارة التوازن فى العلاقات بين إيران والولايات المتحدة: حتى اللحظة يمكن القول أن السودانى ربما لديه القدرة السياسية التى تمكنه على خلق سياسة توازن يدير بها مصالح العراق بين إيران والولايات المتحدة، لكنه فى الواقع لا يملك أدوات ضغط كافية على الطرفين لتحقيق هذا التوازن؛ وربما تجاه الجانب الإيرانى تحديداً؛ فإيران هى التى تمتلك أوراق ضغط أقوى على الحكومة العراقية نابعة من تأثيرها على المليشيات المتعددة، فضلاً عن تأثيرها على الأحزاب والقوى السياسية فيها. والأمر نفسه بالنسبة للولايات المتحدة التى تمتلك أوراق ضغط اقتصادية كبيرة على أى حكومة عراقية نتيجة سيطرتها على الاحتياطى النقدى الناتج عن عائدات بيع النفط العراقى ووضعه لدى البنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك، الذى تتحكم فيه وزارة الخزانة الأمريكية وهى التى تحدد حجم المبالغ المصروفة من هذا العائد تجاه الحكومة العراقية، وحجم المبالغ التى يتم حجزها. وترتبط هذه العملية بمدى استجابة العراق لمطالب الولايات المتحدة بالسيطرة على مصارف تهريب الدولار لإيران (تشير المعلومات إلى تجاوز عائد بيع النفط العراقى حاجز الـ 100مليار دولار). هذا الواقع يعنى أن الولايات المتحدة تمتلك أدوات التحكم فى الاقتصاد العراقى والتأثير فيه بقوة كبيرة. فى هذا الصدد يبدو العراق الغنى باحتياطيه النقدى يواجه أزمة اقتصادية طاحنة ناتجة عن ارتفاع سعر صرف الدولار فى مواجهة العملة المحلية، ويبدو أن زيارة السودانى تستهدف فعلياً حل تلك الإشكالية أو على أقل تقدير التوصل لتفاهمات ضرورية بشأنها.

3- الانتخابات الأمريكية: بناء شراكة بمعنى وتفاهمات جديدة بين العراق والولايات المتحدة، انطلاقاً من تفعيل اتفاقيات الإطار الاستراتيجى وفقاً لما يريده أو يتطلع إليه رئيس الحكومة العراقية شياع السودانى خلال زيارته للولايات المتحدة، يبدو أنه يعبر عن تطلعات تأتى متأخرة لأنها تُطرح على إدارة ستواجه سباق الانتخابات بعد ستة شهور تقريباً من تاريخ تلك الزيارة. ومن المعروف أن الإدارات الأمريكية لا تتخذ قرارات استراتيجية قوية فى فترات اقتراب موسم الانتخابات. وبالتالى فإن الخروج بصيغة تفاهمات "كاملة وشاملة وجديدة" لنمط جديد من العلاقات السياسية بين العراق والولايات المتحدة، كما يتطلع السودانى، بات أمراً غير متوقع إلى حد ما، وكل ما سيحدث هو أن تسوق الحكومة العراقية نتائج تلك الزيارة باعتبارها تمثل نجاحاً دبلوماسياً للسودانى، وأن أقصى ما يمكن التوصل إليه فعلياً هو مجرد تفاهمات تتعلق بعمل اللجنة العسكرية وبعض السياسات المالية، دون أن يعنى ذلك التوصل إلى اتفاقات فعلية تعيد هيكلة وصياغة وتفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجى.

فى النهاية، لا تزال العلاقات الأمريكية العراقية بعيدة إلى حد كبير عن تأطيرها رسمياً فى صورة "شراكة ندية" بين بلدين كما تتصور حكومة السودانى، لأنها وكما سبق القول ترتبط وتتوقف على علاج العديد من الإشكاليات التى تتوسط تلك العلاقة؛ سواء على مستوى الداخل العراقى أو على مستوى تفاعلات العراق الخارجية التى يلعب متغير العلاقات مع إيران وجماعاتها الولائية دوراً بارزاً فيها.