شهدت ولاية ميشيغان في 27 فبراير 2024 انعقاد الانتخابات الحزبية التمهيدية Primaries والتي يقوم فيها أعضاء كل حزب باختيار مرشحهم المفضل لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في 5 نوفمبر من العام نفسه. وأسفرت الانتخابات الداخلية في الولاية عن اختيار جو بايدن مرشحاً عن الحزب الديمقراطي بنسبة 81٪ من أصوات الديمقراطيين ودونالد ترامب بنسبة 68٪ من أصوات الناخبين الجمهوريين في الولاية.
ورغم أن نتائج هذه الانتخابات كانت متوقعة، إلا أن هذه الانتخابات شهدت عدداً من المفاجآت المهمة. فقد نجحت حملة "غير ملتزم" Uncommitted والتي قام بتنظيمها نشطاء من العرب الأمريكيين ضد الرئيس بايدن بسبب مواقفه الداعمة لإسرائيل في عدوانها على غزة في حشد عدد كبير من الأصوات فاق كل التوقعات، حيث نجحت حركة "استمع إلى ميشيغان" التي دشنها نشطاء عرب أمريكيون في الأسابيع السابقة على الانتخابات في إقناع عدد كبير من الديمقراطيين بالتصويت بـ"غير ملتزم" في الانتخابات الأوّلية للحزب الديمقراطي كبديل عن التصويت لبايدن أو لأحد المرشحين المنافسين له أو الامتناع عن التصويت. ويعني خيار غير ملتزم أن الناخب لا يؤيد أياً من المرشحين المطروحين في الانتخابات القادمة.
ونجح خيار "غير ملتزم" في الحصول على أكثر من 100 ألف صوت بنسبة 13٪ من الأصوات وجاء خيار "غير ملتزم" في الموقع الثاني بعد جو بايدن على مستوى الولاية في مرتبة أعلى المرشحين المنافسين لبايدن، وهو ما مثل مفاجأة وانتصاراً كبيراً لمنظمي حركة "استمع لميشيغان" الذين كانوا قد استهدفوا الحصول على 10 آلاف صوت وهي عدد الأصوات التي مكنت دونالد ترامب من الفوز في الولاية في انتخابات 2016. ومن الملفت أنه في مقاطعتي ديربورن وهامتراك، حيث يمثل العرب الأمريكيون نسبة كبيرة من السكان، تجاوزت نسبة التصويت لخيار "غير ملتزم" الخمسين في المائة وجاء خيار "غير ملتزم" في المرتبة الأولى قبل المرشح بايدن.
وترتبط أهمية هذا التطور بخصوصية ولاية ميشيغان، حيث تعد من الولايات المتأرجحة swing state المهمة، أي أنها من الولايات التي تحتدم فيها المنافسة بين المرشحين الرئاسيين بشكل كبير، حيث عامة ما يتم تقسيم الولايات الأمريكية إلى ثلاثة فئات رئيسية: الولايات الحمراء والتي عامة ما تقوم بالتصويت لصالح الحزب الجمهوري، والولايات الزرقاء التي عامة ما تقوم بالتصويت لصالح الحزب الديمقراطي، والولايات المتأرجحة التي يحتدم فيها التنافس بين الحزبين الرئيسيين. وفي العقود الأخيرة، تراجع عدد الولايات المتأرجحة وأصبحت نتائج الانتخابات الرئاسية تعتمد بشكل كبير على نتائج التنافس في عدد محدود من هذه الولايات، وهي ولايات فلوريدا وبنسلفانيا وويسكنسن وكارولينا الشمالية وأريزونا وجورجيا وأوهايو ونيفادا ونيوهامشير وأيوا ومينيسوتا.
لذا، فإن خسارة أي من المرشحين نسبة ولو محدودة من الأصوات في الولايات المتأرجحة قد يؤدي إلى خسارته للانتخابات على مستوي الدولة. ومن هنا، فإن كل صوت له وزن مهم في هذه الولايات، وهو ما يفسر خطورة حملة "غير ملتزم" على فرص بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة، حيث أن امتناع الكتلة العربية والإسلامية الأمريكية عن التصويت لصالح بايدن في ميشيغان والولايات المتأرجحة الأخرى قد يؤدي إلى خسارته في مواجهه المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
حجم وتأثير الكتلة التصويتية العربية-الأمريكية والمسلمة-الأمريكية
(انتخابات 2020 نموذجاً)
وفقاً لبيانات المعهد العربي الأمريكي، يوجد حوالي 3.5 مليون أمريكي من أصل عربي، يشكلون حوالي 1 في المئة من سكان الولايات المتحدة، حوالي 65 في المئة منهم مسيحيون، وحوالي 30 في المئة مسلمون. وبالتوازي، يوجد حوالي 4.5 مليون مسلم أمريكي، والغالبية العظمى منهم - حوالي 3.5 مليون - ليسوا من أصل عربي، حيث أن معظمهم من أصول باكستانية وهندية. ووفقاً لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، هناك أكثر من مليون مسلم مسجلين بالفعل للتصويت في انتخابات 2024 ويتركز المسلمون الأمريكيون في ولايات نيويورك وكاليفورنيا وإلينوي ونيوجيرسي وتكساس وفلوريدا وأوهايو وفيرجينيا وجورجيا وميشيغان.
وفي ولاية ميشيغان، تمثل الجالية الأمريكية من أصل عربي حوالي 2 في المئة من الناخبين. وبالاشتراك مع الناخبين المسلمين، الذين يتداخلون مع الجالية العربية الأمريكية، يمثلون حوالي 3 في المئة من الناخبين. وتوجد أيضاً تجمعات عربية كبيرة في ولايات جورجيا وبنسلفانيا وفلوريدا وفيرجينيا. ومن بين هذه الولايات، تعتبر على الأقل ثلاث منها- جورجيا وميشيغان وبنسلفانيا- مناطق حاسمة في الانتخابات التي ستجري في نوفمبر، حيث يكون الفارق في الدعم بين الديمقراطيين والجمهوريين ضئيلاً، وقد تؤدي تحولات صغيرة في توجهات الناخبين إلى تغيير النتائج.
وقد لعبت أصوات العرب دوراً مهماً في السباق الرئاسي لعام 2020، حيث تمكن بايدن من التقدم على ترامب بفارق 154,000 صوت في ولاية ميشيغان، ويرجع الفضل في ذلك بشكل كبير إلى الجالية العربية الأمريكية، التي شكلت خمسة في المئة من الأصوات، حيث يقدر عدد الناخبين الأمريكيين من أصل عربي في ميشيغان بحوالي 240,000. أما في ولاية جورجيا، فقد فاز بايدن بفارق أقل من 12,000 صوت في انتخابات 2020. وتعد الولاية موطناً لأكثر من 57,000 ناخب أمريكي من أصل عربي.
وفي المجمل، صوّت حوالي مليون مسلم في انتخابات 2020، وقد صوّت ثمانين في المئة منهم لصالح بايدن. لذا، فإن فقدان بايدن لهذه الأصوات في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024 قد يكون له تأثير كبير علي فرصه في الفوز في الانتخابات.
العدوان على غزة وتحول موقف العرب والمسلمين الأمريكيين من بايدن
أدى الاستياء المتزايد من موقف بايدن وإدارته الداعم للعدوان الإسرائيلي على غزة إلى تراجع شعيبة بايدن والحزب الديمقراطي بشكل غير مسبوق في أوساط الناخبين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة. فوفقاً لاستطلاع قام به المعهد العربي الأمريكي، فقد انخفضت نسبة التأييد لبايدن بين العرب الأمريكيين من تسعة وخمسين في المئة في عام 2020 إلى سبعة عشر في المئة في عام 2023. كذلك وفقاً لاستطلاع أجرته منظمة Emgage حول المشاركة المدنية للمسلمين الامريكيين، فإن خمسة في المئة فقط من المسلمين الأمريكيين قالوا إنهم سوف سيصوتون لبايدن في نوفمبر القادم. ويرى العرب والمسلمون الأمريكيون أنه يجب معاقبه إدارة بايدن على دعمها المطلق لإسرائيل في الانتخابات القادمة وتوصيل رسالة مفادها أن الصوت العربي والإسلامي في الولايات المتحدة له وزن وأهمية مما يطلب قيام المرشح الرئاسي الراغب في الحصول على تأييد العرب والمسلمين بتبني سياسات متوازنة تجاه القضايا التي تهم هذه الجاليات ومنها القضية الفلسطينية.
وقد قام العديد من النشطاء العرب والمسلمين بتدشين حملة Abandon Biden أو التخلي عن بايدن في 2023 بهدف دعوة الناخبين لعدم التصويت لبايدن في الانتخابات القادمة بسبب مواقفه الداعمة لإسرائيل، مما أثار مخاوف لدى الإدارة الأمريكية من إمكانية خسارة الانتخابات القادمة في ميشيغان وعدد من الولايات المهمة. وقد قامت إدارة بايدن في الشهور الأخيرة بعقد عدد من اللقاءات مع قيادات الجاليات العربية والإسلامية في محاولة لإثنائها عن موقفها. ومن الملاحظ أنه بعد نجاح حملة "غير ملتزم" شهدت مواقف بايدن تجاه إسرائيل تحولات مهمة، حيث بدأت الإدارة في تبني خطاب ناقد لإسرائيل ولأول مرة قامت نائبة الرئيس كمالا هاريس في خطابها بعد أيام من الإعلان عن نتائج انتخابات ميشيغان بمطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار وقالت أن الأوضاع في غزة لم تعد مقبولة وهي أول إدانة قوية تصدر عن الإدارة الأمريكية ضد إسرائيل منذ بداية العدوان على غزة.
خيارات الناخبين العرب والمسلمين الأمريكيين بين مطرقة بايدن وسندان ترامب
يواجه الناخبون العرب والمسلمون خيارات صعبة في الانتخابات الرئاسية القادمة. فمن ناحية، هم يعارضون سياسات بايدن الداعمة بشكل مطلق للعدوان الإسرائيلي على غزة. ومن ناحية أخرى، فإن المرشح الجمهوري ترامب له مواقف أكثر تطرفاً تجاه إسرائيل وأيضاً تجاه العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، حيث أعلن ترامب أنه سيستمر في دعم إسرائيل وأنه سوف يقوم بإعادة فرض قرار منع سفر إلى الولايات المتحدة على عدد من الدول العربية والإسلامية وسيقوم بسحب الجنسية من العرب والمسلمين المتطرفين وترحيل الطلبة المشاركين في المظاهرات الداعمة لفلسطين. لذا، فإن عودة ترامب إلى الرئاسة تمثل خطراً كبيراً على مصالح العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وقد استخدمت قيادات الحزب الديمقراطي هذه الورقة في محاولة للضغط على العرب والمسلمين للتصويت لبايدن، حيث أكدت خطابات بايدن وقيادات الحزب الديمقراطي تجاه العرب والمسلمين على الخطر الذي سوف تمثله إدارة ترامب لهم، ولكن العديد من القيادات العربية والإسلامية ترى أن المسئولية الرئيسية تقع على إدارة بايدن وأنها إن أرادت أن تحافظ على تأييد العرب والمسلمين فعليها أن تتخذ إجراءات حاسمة تجاه إسرائيل مثل وقف إطلاق النار ووقف المساعدات العسكرية كما ترى العديد من القيادات العربية والإسلامية أن إيصال رسالة مفادها أن الأصوات العربية والإسلامية لها وزن وأهمية في الانتخابات الأمريكية هو موقف ذو أهمية مطلقة على المدي الطويل، وأنه يجب الحرص على إبراز هذه الحقيقة قبل أي اعتبار آخر. كما يرون أن العرب والمسلمين غير مضطرين للتصويت لأيٍ من المرشحين الرئيسيين وأنه من الممكن أن يمتنعوا عن المشاركة في الانتخابات أو أن يُبطِلوا أصواتهم، وأن ينتخبوا مرشحاً مستقلاً.
ومن ناحيتها، حاولت إدارة بايدن أن تقلل من حجم الحملة الحالية ضدها من قبل الناخبين العرب والمسلمين من خلال التأكيد على أن قضية غزة ستفقد مركزيتها مع الوقت وأنه بحلول الانتخابات في نوفمبر 2024 ستعود قضايا داخلية أخرى مثل قضايا الاقتصاد والحريات إلى صدارة المشهد، مما سوف يؤدي بالضرورة إلى قيام الجاليات العربية والإسلامية بإعادة النظر في موقفها تجاه بايدن.
هل تؤدي حرب غزة إلى تفكك التحالف الداعم لبايدن في انتخابات 2024
رغم أن الصوت العربي والإسلامي يمثل نسبة محدودة من الأصوات الانتخابية في الولايات المتحدة، إلا أن العدوان على غزة قد يكون عاملاً مؤثراً في تغير مواقف كتل انتخابية أخرى من بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهناك مؤشرات على تشكل تحالف مناؤي لبايدن داخل الحزب الديمقراطي يتضمن العرب والمسلمين الأمريكيين وبعض القوى التقدمية وقطاعاً من الشباب الديمقراطي الرافض للدعم الأمريكي لإسرائيل وأيضاً قطاعاً من الأقلية السوداء المتضامنة مع محنة الشعب الفلسطيني. وتشير استطلاعات الرأى إلى أن نسبة كبيرة من أنصار الحزب الديمقراطي خاصة في أوساط الشباب والأقليات تؤيد وقف إطلاق النار وترفض الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، وقد تؤثر حرب غزة خاصة إذا استمرت مشاهد القصف والتجويع والإبادة، على مواقف هذه الكتل من المرشح بايدن في الانتخابات الرئاسية في 2024، حيث أبرزت استطلاعات الرأى المختلفة في الشهور الأخيرة تصاعد شعبية ترامب وتراجع شعبية بايدن بشكل ملحوظ وذلك بسبب رفض قطاعات مهمة داخل الحزب الديمقراطي لسياسات بايدن تجاه العدوان علي غزة. وهناك مؤشرات على أن التصويت في حملة "غير ملتزم" في ولاية ميشيغان لم يقتصر على العرب والمسلمين الأمريكيين فقط، بل امتد ليشمل شرائح أخرى من الشباب والقوي التقدمية. لذا، فإن هذه الحملة رغم محدودية تأثيرها على فرص ترشح بايدن في الانتخابات الرئاسية، إلا أنها تمثل مؤشراً مهماً على فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024 في مواجهة المرشح الجمهوري المتوقع دونالد ترامب.