شروق صابر

باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

شهدت باكستان في 8 فبراير 2024 انطلاق الانتخابات البرلمانية الـ 12 في تاريخ البلاد، حيث توجه نحو 127 مليون مواطن للتصويت وسط توترات سياسية وأزمة اقتصادية تتصاعد حدتها تدريجياً. وقد أعلن رئيس الوزراء السابق والمسجون حاليًا، عمران خان، فوزه في الانتخابات، في رسالة صوتية ومرئية نشرت بتقنية الذكاء الاصطناعي على حسابه في منصة "إكس"، وذلك عكس ما توقعته استطلاعات رأي كانت قد أشارت إلى أن نواز شريف رئيس الوزراء المنتهية ولايته ومنافس حزب عمران خان هو المرشح الأوفر حظًا في قيادة الدولة للمرة الرابعة.

أجواء انتخابية متوترة

تنافس 44 حزبًا سياسيًا على حصة المقاعد المطروحة للفوز في الجمعية الوطنية (مجلس النواب) في البرلمان، حيث تتكون من 342 مقعدًا موزعة على الأقاليم والمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفدرالية والعاصمة الاتحادية. ولكن لجنة الانتخابات الباكستانية أعلنت في ديسمبر 2023 خفض المقاعد بمقدار 6 مقاعد ليصبح عدد المقاعد الإجمالي 336، وتتوزع كالتالي: 266 مقعدًا عامًا تتنافس عليها الأحزاب والمستقلون، و60 مقعدًا للنساء، إضافة إلى 10 مقاعد للأقليات الدينية.[1]

وبالرغم من كثرة الأحزاب المشاركة في الانتخابات، إلا أن ثلاثة أحزاب فقط هى المسيطرة على السياسة الباكستانية وهى: الرابطة الإسلامية الباكستانية "جناح رئيس الوزراء الحالي نواز شريف"، وحزب إنصاف "الذي يقوده جوه خان بدلًا من عمران خان"، وحزب الشعب "الذي يتزعمه بيلاوال بوتو زرداري".

جرت الانتخابات وسط توترات سياسية وأزمة اقتصادية ومخاوف أمنية متزايدة، حيث لم تخل من أعمال العنف وشبهات بالتلاعب في نتائجها. وقد شهدت باكستان تصعيدًا في نشاط المجموعات المسلحة خاصة في مقاطعتي بلوشستان وخيبر بختونخوا، وفي اليوم السابق على الانتخابات تم تفجير مكتبين سياسيين في جنوب غرب باكستان، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 شخصًا، وكان مجلس الشيوخ الباكستاني قد أصدر في 5 من الشهر الحالي قرارًا طالب فيه المفوضية العليا للانتخابات بتأجيل إجراء الانتخابات العامة في البلاد بسبب التهديدات الأمنية ووجود مخاوف تهدد حياة المرشحين.

كما خيمت شكوك حول نزاهة العملية الانتخابية منذ فتح مكاتب الاقتراع، عندما ندد أنصار خان بقطع الاتصالات وخدمة الإنترنت عبر الهواتف النقالة "لدواعٍ أمنية" حيث رأوا أن الفوز "سُرق منهم"، وأفادت منظمة "نيتبلوكس" التي ترصد الأمن الإلكتروني وإدارة الإنترنت بأن هذا القطع "هو بين الأكثر شدة واتساعًا الذي لاحظناه في أي بلد"، وقالت المحامية نيغات داد التي تدير منظمة الحقوق الرقمية في باكستان إن تعليق خدمات الهواتف المحمولة "هجوم على الحقوق الديمقراطية للباكستانيين".

أيضًا، زاد بطء عملية الفرز الشكوك بحصول تلاعب ممكن في النتائج لا يصب في صالح حزب عمران خان، وعزز ذلك ما تم قبيل الانتخابات- كما يرى أنصاره- من تهميش للحزب واستبعاده من خوض الانتخابات. ففي 31 يناير الفائت وسط استعداد الأحزاب للعملية الانتخابية حُكم على خان بالسجن لمدة 14 عامًا في قضية فساد بعد يوم من حكم منفصل بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة، في حين تلاشت مشاكل منافسه نواز شريف القانونية الواحدة تلو الأخرى خلال الأشهر الأخيرة، قبل أن تسمح له المحكمة العليا بالترشح لولاية رابعة ما عزز من حظوظه للفوز رغم أن ولاياته الثلاث السابقة كرئيس للوزراء، انتهت جميعها بشكل مبكر، بسبب توترات مع قادة المؤسسة العسكرية، بما في ذلك ولايته الأخيرة، عندما تمت الإطاحة به في 2017، وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات بتهم الفساد.

ولكن على الرغم من استبعاد حزب "إنصاف" بزعامة عمران خان من خوض الانتخابات، فإن المرشحين المستقلين الذين دعمهم حصلوا على 101 مقعد على الأقل (من بينها 89 مقعدًا لموالين لخان)، وبذلك، تقدم المدعومون من حزب خان على حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بزعامة نواز شريف، الذي فاز بـ75 مقعدًا. وحل حزب الشعب الباكستاني بزعامة بيلاوال بوتو زرداري في المركز الثالث، بحصوله على 54 مقعدًا.[2]

ما بعد إعلان النتائج

سيكون أمام الحكومة المقبلة قائمة طويلة من المهام، بداية من إنهاء مراحل تشكيلها، والعديد من التحديات الأخرى التي ستواجهها، والتي يمكن طرحها في الآتي:

أولًا: ما يتعلق بالتوصل إلى تشكيل الحكومة، حيث تعتمد باكستان في تشكيل حكومتها على نظام "الفائز الأول"، أي أنه بعد إعلان النتائج يقوم الحزب الفائز بتشكيل الحكومة حتى لو حصل على أقل من 50%، حيث بإمكانه تشكيل حكومته إذا كانت نسبته أعلى من باقي الأحزاب. وتشير نتائج الانتخابات إلى احتمال اضطرار الفائزين لتكوين تحالفات من أجل تشكيل الحكومة، ومن ثم سيضطرون إلى التحالف مع عدد من الأحزاب الأخرى التي لديها عدد مقاعد أقل، وإذا تمكنوا من التحالف مع الأحزاب الصغيرة التي فازت بـ 27 مقعدًا، والتي من بينها 17 مقعدًا للحركة القومية المتحدة، فمن الممكن أن يحصلوا على حصة من المقاعد السبعين المخصصة للنساء والأقليات الدينية.

وفي حال استطاع حزب إنصاف الحصول على 169 صوتًا يمكنه تشكيل الحكومة، حيث تسقط الحكومة بمجرد فقدانها الأغلبية، أي أقل من 169 صوتًا في الجمعية الوطنية كما حصل مع حكومة عمران خان في أبريل 2022. وفي هذا الإطار دعا قائد الجيش الجنرال سيد عاصم منير البلاد يوم 10 فبراير إلى "قطيعة سياسة الفوضى"، متخوفًا من توجه أنصار عمران خان للحصول على أغلبية المقاعد، وقال في بيان: "بما أن شعب باكستان وضع ثقته بالدستور الباكستاني فيتعين الآن على جميع الأحزاب السياسية أن تفعل الشيء نفسه من خلال إظهار النضج السياسي والوحدة".

ثانيًا: فيما يخص الأوضاع الداخلية، تبدو البلاد على وشك مواجهة اختبار صعب، حيث فشلت القيادات السياسية المتعاقبة في إخراجها من أزمات اقتصادية وأمنية تعصف بها، فلم تحقق أي منها أهدافها، لاسيما فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة الاقتصادية. فوفق تقرير حكومي نُشر في 8 يونيو 2023، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي لم يتعد 0.3 بالمئة. وتراجع تصنيف باكستان في الترتيب الاقتصادي العالمي للدول من المرتبة 24 في 2017 إلى 47 حاليًا، حسبما قال وزير المال إسحق دار في مؤتمر صحفي للإعلان عن نتائج البحث.[3] لذا يفقد الشعب الثقة في أن الحكومة الجديدة سوف تحل مشاكله، ما يضعها أمام تحديات كبيرة حتى قبل تشكيلها، فعليها أولًا تحسين الوضع الاقتصادي الذي تردى إلى أدنى مستوياته، وإصلاح البنية التحتية المتداعية، هذا إلى جانب ملف الجماعات المسلحة الدينية والانفصالية، فقد شهدت باكستان خلال العام الماضي 664 هجومًا مسلحًا مختلفًا في الحجم والنوع، مما يشير إلى زيادة بنسبة 67% مقارنة بالعام 2022.[4]

ثالثًا: على الصعيد الخارجي، توجد عدة ملفات تنتظر الحكومة الجديدة للتعامل معها، ولعل أهمها، ما تواجهه البلاد من تهديدات على عدة جبهات، منها ما يحدث على الحدود مع إيران غربًا، حيث تشترك الدولتان في حدود مضطربة تمتد حوالي 900 كليو متر، مع محافظة بلوشستان الباكستانية من جهة، ومحافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية من جهة أخرى. وتشهد تلك المنطقة هجمات من قبل الجماعات القومية الانفصالية التي تتسلل متنقلة بين باكستان وإيران وتنفذ هجمات في أراضيهما، حيث تسببت هذه الجماعات قبل أسابيع في توترات شديدة بين البلدين أدت إلى تبادل الضربات الصاروخية.

هناك كذلك ما يتعلق بملف تحسين العلاقات مع أفغانستان التي تحكمها حاليًا حركة طالبان، في ظل تصاعد الهجمات التي تنسب إلى الجماعات الإرهابية المتمركزة في أفغانستان، وكانت باكستان قد أعربت عن قلقها من أن الجماعات والكيانات الإرهابية التي تهددها قد وجدت ملاذات آمنة لها هناك، ما يمكنها من مهاجمتها ورعاية الأنشطة الإرهابية داخل أراضيها بسهولة، وكانت قد حثت أفغانستان على اتخاذ إجراءات فورية وفعالة ضد هذه الكيانات الإرهابية، وتسليم قيادتها إليها. كما ستتعامل الحكومة الجديدة أيضًا مع ما تفرضه الخلافات مع الهند من تهديدات استراتيجية على حدود باكستان الشرقية، حيث خاضت الدولتان حروبًا بسبب النزاع على إقليم كشمير.

في النهاية، يمكن القول إن نتائج الانتخابات الباكستانية قد تعزز الانقسامات السياسية التي تعيشها البلاد وسط رفض من جانب حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف نتائجها أو محاولة الترويج إلى أنه صاحب المركز الأول فيها على نحو يخوله- وفقًا لرؤيته- مهمة تشكيل الحكومة، التي ستواجه- أيًا كانت تركيبتها السياسية- ملفات داخلية وخارجية عديدة ستضعها أمام اختبار صعب ينتظر الشعب نتائجه على وجه السرعة.


[1] قانون الانتخابات والنظام الانتخابي في باكستان، الجزيرة، 6 فبراير 2024، متاح على: https://shorturl.at/lIKNY

[2] باكستان: قائد الجيش يدعو إلى "قطيعة سياسة الفوضى"، الشرق الأوسط، 10 فبراير 2024، متاح على: https://shorturl.at/bfmBD

[3] باكستان تفشل في تحقيق أي من أهداف النمو الاقتصادي، سكاي نيوز عربية، 8 يونيو 2023، متاح على: https://shorturl.at/giEGT

[4] مخاوف غياب الأمن والنزاهة تلقي بظلالها على انتخابات باكستان، الجزيرة، 2 فبراير 2024، متاح على: https://shorturl.at/wOVY4