صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

يعد تجمع «بريكس» من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم؛ بالنظر إلى سمات وإمكانات التكتل الذى يضم عددا من الدول ذات الاقتصادات الناشئة، وهى: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا. يسهم التكتل، منذ تأسيسه فى عام 2008، فى منح تلك الاقتصادات مكاسب تنموية ضخمة؛ حيث يشارك التكتل بنحو 30% من إجمالى الناتج العالمى، وتنتج دوله نحو ثلث الإنتاج العالمى من الحبوب، ويحوز سوقا اقتصادية ضخمة توفر فرصا جادة للاستثمارات بين دوله؛ حيث الإمكانات الصناعية والزراعية الهائلة، بالإضافة إلى تنوع الهيكل الإنتاجى له، وأثر ذلك على فرص التجارة البينية وسلاسل التوريد. 

يتميز تكتل «بريكس» بقوته البشرية الضخمة؛ حيث يشكل 41% من إجمالى سكان العالم، كما تشكل رقعته الجغرافية غير المتجاورة ما يقرب من 26% من مساحة العالم، ويستحوذ على 17% من حجم التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية، وهو ما يعنى أن «بريكس» كتجمع دولى يوفر فرصا اقتصادية متنوعة، لاسيما فى مجالات التنمية والتجارة والاستثمار. ووفقا لبيانات مجموعة «جولدمان ساكس» البنكية العالمية، فمن المتوقع أن ينافس «بريكس» اقتصادات الدول الغنية بحلول عام 2050. تعكس هذه المؤشرات حقيقة الدور المتزايد لـ «بريكس» فى التأثير على الاقتصاد العالمى من زاوية تشكيل سياسات اقتصادية عالمية متعددة الأقطاب. هذا إلى جانب أن دوله مؤثرة فى الهياكل والمنظمات الدولية الرسمية كالأمم المتحدة، ومجموعة العشرين، ومنظمة التجارة العالمية، فضلا عن عضوية عدد منها فى منظمات التعاون الإقليمية المختلفة.

شاركت مصر فى جلسات الحوار الرفيعة المستوى للتنمية العالمية الخاصة بـ«بريكس» خلال القمة الخامسة عشرة، التى عُقدت بمدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا فى أغسطس 2023، وتم الإعلان خلالها عن قبول انضمام ست دول جديدة، هى: مصر، والأرجنتين، وإثيوبيا، وإيران، والسعودية، والإمارات، وتفعيل عضويتها بدءا من يناير 2024، الأمر الذى يسمح لمصر بالاستفادة من فرص تعزيز التعاون الاقتصادى مع دول التكتل عبر التبادل التجارى والاستثمارات المشتركة. كما أصبحت مصر عضوا فى «بنك التنمية الجديد»، التابع للتكتل فى مارس 2023، بما يوفر لها فرصا لتمويل مشروعات البنية الأساسية والتنمية المستدامة. 

يبدو«بريكس» -بعد توسيع عضويته بقبول الدول المذكورة، ليصبح بدءا من يناير 2024 «بريكس بلس»- كتجمع اقتصادى يحمل أبعادا سياسية باعتباره يجمع دولا تتمتع بثقل اقتصادى وسياسى يسهم كلاهما فى تعزيز مكانتها الدولية، بما يسمح لتلك الدول إحداث «تغيير نسبى» فى بنية النظام العالمى الأحادى القطب، واستبداله بنظام متعدد الأقطاب يتيح فرصا أمام التكتل لممارسة دور وازن يتناسب وحجم قوته الاقتصادية والسياسية والبشرية، وهو ما يفيد مصر باعتبارها عضو فى تجمع يحمى مصالحها الاقتصادية والسياسية، عبر الشراكات متعددة المستويات؛ فى مجالات التجارة والزراعة والتقنية والبنية التحتية والتغييرات البيئية والطاقة والسياحة والاستثمارات، وهى شراكات يوفرها ويضمنها التكتل لدوله، خاصة أن «بريكس بلس» سيسعى، وفقا لتوجهات دوله، إلى وضع سياسات اقتصادية من شأنها فك الارتباط بالدولار الأمريكى فى المعاملات التجارية بصورة تدريجية تبدأ بالاتجاه إلى تحديد التعامل التجارى عبر العملات المحلية لدوله أو عبر عملات أجنبية أخرى غير الدولار، ثم إصدار عملة رقمية مشتركة. ومن شأن هذه الإجراءات مساعدة مصر على تجاوز أزمتها الاقتصادية نتيجة انخفاض قيمة العملة الوطنية فى مواجهة الدولار. 

رغم المزايا العديدة التى تتيحها عضوية «بريكس» إلا أن ثمة مجموعة من التحديات، أبرزها: التحديات المتعلقة بطبيعة العلاقات الثنائية والمشتركة بين دوله وتوجهات السياسة الخارجية لها التى من الممكن -فى حالة تعارضها- أن تؤثر سلبا فى مستوى التعاون الاقتصادى والتجارى البينية، فضلا عن معضلة تدشين عملة موحدة تنافس الدولار، ومن ثم إلغاء التعامل التجارى به، وهو ما يصعب حدوثه على المديين القصير والمتوسط، فضلًا عن تداعيات ذلك على العلاقات بين دول التكتل والقوى الدولية المهيمنة على الاقتصاد العالمى التى سترى فى سياسات «بريكس بلس» استهدافا مباشرا لنفوذها.    

فى هذا السياق، تقدم هذه الدراسة تحت عنوان "مصر و«بريكس».. فرص واعدة وطموح حذر"، للخبيرة الاقتصادية أسماء رفعت -الباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية- تحليلا شاملا للمزايا الاقتصادية التى تعود على مصر نتيجة انضمامها لتكتل «بريكس» وتفعيل عضويتها بدءا من يناير 2024، كما تناقش أهم التحديات الناتجة عن هذا الانضمام وسبل مواجهتها عبر عدة محاور تتناول السمات الخاصة بتكتل «بريكس» وأهميته فى الاقتصاد العالمى، ومكانته بالنسبة للاقتصادات الناشئة. وتفسر الدراسة كذلك أسباب انضمام مصر للتكتل فى ظل توسيع عضويته، وتستعرض العديد من الفرص والمكاسب التى تعود على الاقتصاد المصرى نتيجة عضويته فى «بريكس»، وتفند التحديات الناتجة عن هذا الانضمام ومحاذيرها المحتملة. وأخيرًا، تخلص الدراسة إلى مجموعة من التوصيات التى توضح سبل وآليات تعظيم مصر الاستفادة من توسيع عضوية «بريكس».