صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

فى مايو عام 2022، نظم المكتب الخاص بشئون الشباب، التابع للأمم المتحدة، فعالية عالمية تحت عنوان"دعم مشاركة الشباب فى الحياة العامة وتضخيم أصواتهم". استهدفت العمل على ترقية دور الشباب فى الحياة العامة على عدة مستويات بهدف إجراء تغيرات هيكلية تسمح لفئة الشباب داخل دولهم بالمشاركة الفاعلة فى عملية صنع القرار على المستويات التنفيذية كافة؛ بمعنى جعل عملية صنع القرار أكثر شمولا للشباب. ورأى مسئولو المكتب الأممى المعنيين بالشباب أن التطورات العالمية والأزمات السياسية من ناحية، والتغيرات النوعية والجديدة التى يشهدها العالم كأزمة التغيرات المناخية، والتطورات التكنولوجية الفائقة الجودة، وفجوة الأجيال من ناحية ثانية، وإغلاق المجال العام أمام مشاركة الشباب فى بعض البلدان من ناحية ثالثة، كلها عوامل فرضت ضرورة صياغة دور أكثر انخراطا للشباب فى الحياة العامة، وفى صنع القرار العام على المدى الطويل، وذلك من خلال مسارات عامة تتضمن دورًا أكثر فعالية للشباب فى تطوير المؤسسات العامة وفى قيادتها، وتخفيض سن الترشيح فى الانتخابات بكل مستوياتها، لاسيما المحلية والتشريعية، ورفع القيود عن دور أكثر حيوية فى المجال العام، خاصة فى العمل الأهلى والمدنى، وإتاحة الفرصة لإنشاء العديد من الهيئات الشبابية بصورة رسمية، مع الاعتراف بأهمية دورها فى المجتمع.

انطلقت هذه الرؤية، التى تتبناها الأمم المتحدة، من كون الشباب يمثلون ما يقرب من نصف سكان العالم -دون الثلاثين عاما- لكنهم فى الوقت نفسه غير ممثلين بشكل يتناسب مع عددهم فى برلمانات دولهم. على سبيل المثال، ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، فإن النسبة الممثلة للبرلمانيين الشباب على مستوى العالم تمثل نحو 6٫2% ، وهى نسبة تعكس تراجعا ملحوظا فى المشاركة السياسية للشباب على مستوى العالم.فى هذا السياق، أصدرت الأمم المتحدة خلال عام 2022، تقريرا بعنوان"كن مرئيا.. كن مسموعا: فهم المشاركة السياسية للشباب"، تركزت أهدافه على معالجة العوائق الهيكلية التى تقيد دور الشباب فى الحياة العامة من ناحية، وفى المشاركة السياسية من ناحية أخرى، بما يمكَّن المجتمعات من مواجهة تحديات التنمية المستدامة على المستويات كافة.

ثمة اتجاه عالمى للربط بين دور فاعل للشباب فى المجال العام وأنظمة الحكم الرشيدة ؛ بمعنى إتاحة المجال أمام الشباب -من خلال المؤسسات الرسمية أو مؤسسات المجتمع المدنى- للمساهمة فى تطبيق الرشادة فى الحكم، القائمة على مبدأىَ المساواة والمشاركة فى رسم السياسات العامة، ومن ثم المشاركة فى عملية صنع القرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وهو ما يتطلب وضع قوانين وتشريعات تفرض ضرورة تمثيل الشباب بنسبة محددة -"كوتا"- فى مؤسسات صنع القرار المختلفة. ولا يتوقف دور الشباب على المشاركة السياسية فحسب، بل يلعب الشباب دورا مهما فى بناء المجتمعات وتنميتها، خاصة أنها الفئة التى يقع على عاتقها مهمة الإنتاج الاقتصادى باعتبارهم قوة اقتصادية فاعلة، ولا يتوقف هذا الدور على جانب التنمية الاقتصادية والإنتاج، وإنما يتسع ليتضمن المشاركة فى إحداث "التغيير المجتمعى"؛ باعتبارهم الفئة الأكثر حماسا فى المجتمع، والأكثر طموحا وحركة وفعالية، والأكثر تقبلا للتغيير، وذلك عبر طرح المبادرات والاشتراك فى التنمية المجتمعية فى جميع المجالات .

هذا الدور المهم للشباب كقوة اقتصادية، وفئة قادرة على التغيير المجتمعى، يستدعى التعامل معهم على أسس علمية تهدف إلى إكسابهم الخبرات العملية الكفيلة بصقل "شخصيتهم الشبابية". لكن هذه الأسس تختلف من دولة لأخرى، فهى أكثر توافرا فى الدول المتقدمة، لكنها أكثر غيابا وتراجعا فى الدول النامية. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها -على سبيل المثال لا الحصر- مستوى الانفتاح الاجتماعى والتركيبة الاجتماعية له، والموروث الثقافى والاجتماعى، والإمكانات المالية التى تحفز أو تقوض من وجود برامج للتدريب والتأهيل، ووضع الخطط الكفيلة بدعم دور فاعل لفئة الشباب فى المجتمع.

فى مصر، حيث يمثل الشباب النسبة الأكبر من عدد السكان، ومن ثم تلعب هذه الفئة دورا فعالا فى التنمية المستدامة؛ فقد أعطى دستور 2014، فى مادته رقم 82، دورا مهما للدولة فى كفالة ورعاية الشباب والنشء. كما عملت الدولة على إتاحة الفرصة لتمكين الشباب فى مجالات متعددة؛ منها ما هو سياسى؛ حيث أتاحت حرية تدشين تنسيقية شباب الأحزاب والسياسين المستقلين -بدأت الفكرة عام 2016 وتطورت فى عام 2018- التى تركز هدفها الرئيسى فى تنمية الحياة السياسية عبر تدشين نموذج للحوار بين شباب الأحزاب والمستقلين، بالإضافة إلى فتح قنوات اتصال مباشرة مع الدولة ومؤسساتها. فضلًا عن ذلك، عملت الدولة على التوسع فى المشروعات الاقتصادية التى توفر فرص عمل للشباب مع دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال والشركات الناشئة. كما أولت الدولة اهتماما خاصا بمؤتمرات الشباب التى مثلت إحدى قنوات التواصل المهمة بين الشباب ومؤسسة الرئاسة؛ وذلك بدءا من المؤتمر الوطنى الأول للشباب بشرم الشيخ أكتوبر 2016، والذى تم  تطويره ليشمل الشباب على مستوى العالم بعقد منتدى شباب العالم خلال شهر نوفمبر عام 2017.

فى ضوء كل ما سبق، تقدم هذه الدراسة، التى أعدها الأستاذ/ يوسف وردانى -رئيس مجلس أمناء مؤسسة قدرات مصر للشباب والتنمية- بعنوان "التشريعات المنظمة لدور الشباب فى الحياة العامة فى مصر..الخبرة العملية ومقترحات التطوير"، تحليلا للسياقين التشريعى والقانونى لدور الشباب المصرى فى الحياة العامة، كما تقدم أيضًا خطة عمل مقترحة وتوصيات من شأنها تفعيل واقع هذه التشريعات، وجعلها أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ، بالإضافة إلى استعراض عدد من الخبرات الدولية من خلال تجارب بعض الدول التى اهتمت فعليا بالتأطير التشريعى والمؤسسى لدور أكثر فعالية للشباب فى الحياة العامة وبناء المجتمعات.