يعد التعاون سلوكا إنسانيا فطريا لتوحيد جهود الأفراد في نشاط جماعي من أجل تحقيق مصلحة مشتركة؛ هذا السلوك الإنساني الذي يعكس حاجة أفراد الجماعة مُشاهد في كل العصور حتى في عصرنا الحالي، وإن كان قد اتخذ صورا مختلفة وفق اختلاف الثقافات، واختلاف التطورات التي لحقت بالمجتمعات البشرية على تعاقبها. بيد أن تفسير هذه الحركة في صورتها الحديثة مرتبط بما شهده العالم من تطورات اقتصادية واجتماعية، وبخاصة في أوروبا مع بداية عهد الثورة الصناعية. كما كان للتجارب التعاونية الرائدة أثرها الفعال في تدعيم الحركة التعاونية، حتى صارت من أهم الحركات الأهلية التي تؤثر وتتأثر بالاقتصاد القومي، مما دعا الحكومات إلى الاهتمام بتنظيم هذه الحركة، فصدرت التشريعات التعاونية في بلاد متعددة لتقنين المبادئ التعاونية، وتنظيم علاقات الحركة التعاونية بغيرها من التنظيمات الاجتماعية، والهيئات الرسمية، وبالأفراد المتعاملين معها.
وقد بدأت الجمعيات التعاونية في الظهور خلال الثلث الأخير من القرن الثامن عشر بصورة تلقائية، ودون أي اهتمامات أيديولوجية، بل في صورة مجهودات من الطبقات الشعبية في سبيل استعادة الاستقلال الاقتصادي. ولكن منذ الربع الثاني من القرن التاسع عشر، اختلطت مجهودات الرواد التعاونيين، بالأفكار والمذاهب الاجتماعية الجديدة، وتطورت تلك الأفكار التي أسهمت في بلورة الحركة التعاونية على المسارين: الأول الفكري في صورة أفكار ومبادئ تنادي بالعدالة الاجتماعية وتقترح تنظيمات بديلة، والثاني العملي في شكل تجارب رائدة في مجال الحركة التعاونية؛ حيث بدأت الجمعيات التعاونية بصورتها الحديثة في الظهور بين عمال النسيج.
ومن ثم فقد شكلت الحركة التعاونية على المستوى العالمي والعربي والمحلي مدخلا فعالا لعلاج اختلالات اقتصاد السوق، ولعبت دورا مؤثرا في مواجهة التحديات التي واجهت المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وأسهمت في توفير فرص عمل جديدة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتعد من البدائل المطروحة لمعالجة الإشكاليات الاقتصادية ببعديها الاجتماعي والتعاوني.