د. دينا شحاتة

رئيس وحدة الدراسات المصرية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

اهتز المشهد السياسي الأمريكي في الثالث من أكتوبر 2023 بسبب عزل كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب الجمهوري، عن منصبه بتصويت 216 نائباً منهم 208 نائب ديمقراطي و8 نواب جمهوريين مقابل معارضة 210 نائباً من الحزب الجمهوري. هذا التصويت يعد أول تصويت لإقالة رئيس مجلس النواب منذ أكثر من مئة عام وأول تصويت ناجح من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة. ففيما مضى، تعرّض رؤساء سابقون لمجلس النواب لتهديدات بالإقالة، ولكن لم تنجح أي من هذه المحاولات السابقة في الإطاحة بهم.

وقد صوت الديمقراطيون بالإجماع بالإضافة إلى 8 نواب جمهوريين يتنمون للجناح اليميني المتطرف بقيادة النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا مات جيتس والذي تقدم بطلب إقالة مكارثي من منصبه كرئيس للمجلس. وعلى الرغم من الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق بين بعض الديمقراطيين ومكارثي لإنقاذه، إلا أن رئيس المجلس رفض في النهاية تقديم أي تنازلات لأعضاء الحزب الديمقراطي في مقابل دعمهم، مما جعل الديمقراطيين يصوتون ضده. وفي مجلس النواب المنقسم بشكل ضيق، كان يكفي عدد قليل من الجمهوريين للانضمام إلى الديمقراطيين لتكوين الأغلبية اللازمة للفوز في التصويت.

وبعد عزل مكارثي تم تعيين النائب باتريك ماكهنري، نائب رئيس المجلس والنائب الجمهوري من نورث كارولينا، كرئيس مؤقت على أن يقوم مجلس النواب في الأسابيع القادمة باختيار رئيس جديد. ولم يتقدم أي نائب جمهوري آخر للمنصب بعد وتشمل الأسماء التي تم تداولها: النائب ستيف سكاليز من لويزيانا، والنائب توم إيمر من مينيسوتا، والنائبة إليز ستيفانيك، أعلى امرأة في القيادة الجمهورية، والنائب توم كول من أوكلاهوما، وماكهنري، الذي غالباً سيرفض الدعوات للترشح لرئاسة المجلس. وسوف تظل عملية التشريع معطلة في مجلس النواب لحين انتخاب رئيس جديد وهو ما قد يعطل عملية اعتماد الميزانية الحكومية قبل 7 نوفمبر 2023، على نحو قد يؤدي إلى إغلاق الحكومة الفيدرالية وتعطيل العمل على المستوى الفيدرالي.

علاقة مضطربة بين مكارثي واليمين المتطرف

رغم المعارضة العارمة من النواب الجمهوريين، فقد تقدم النائب الجمهوري اليميني المتطرف عن ولاية فلوريدا مات جيتس بطلب عزل كيفين ماكارثي بدعم 7 نواب جمهوريين منتمين لنفس التيار، وقد مثلث هذه المجموعة من النواب "شوكة" في جنب رئيس المجلس كيفين مكارثي منذ انتخابات 2022 والتي فاز فيها الحزب الجمهوري بأغلبية ضيقة في مجلس النواب، حيث قامت هذه الأقلية اليمينية المتطرفة بتعطيل عملية انتخاب مكارثي رئيساً لمجلس النواب، مما أدى إلى إعادة التصويت على انتخابه 15 مرة ونجح التصويت له في المرة الخامسة عشرة بعد أن قدم تنازلات مهمة لأعضاء التيار المتطرف ومنها تنازلات سهلت من عملية عزله بعد تعديل إجراءات العزل لجعلها بالأغلبية البسيطة. وتصاعدت الصدامات بين مكارثي والأقلية اليمينية المتطرفة في حزبه منذ ذلك الحين حتى وصلت إلى أوجها في الثالث من أكتوبر الجاري، حين نجحت هذه الأقلية في عزله بمساندة جميع أعضاء الكتلة الديمقراطية في المجلس ومعارضة 210 من 218 نائب جمهوري.

مفتاح فهم فترة رئاسة مكارثي لمجلس النواب هو علاقته المضطربة بالفصيل اليميني المتشدد داخل الحزب الجمهوري. هذا الفصيل، المرتبط بالكتلة النيابية المسماة بكتلة الحرية freedom Caucus وحركة "ماجا" اليمينية المتطرفة المؤيدة لترامب، عبّر بشكل متكرر عن استيائه من قيادة مكارثي. وينبع هذا الاستياء أساساً من اعتقادهم بأن مكارثي كان مستعداً للتنازل عن مبادئ اليمين المتطرف والتوافق والتفاوض مع الحزب الديمقراطي مما أدى إلى إقرار عدد من التشريعات يرفضها اليمين المتطرف ومنها مشروع الميزانية ومشروع تمويل الحكومة الفيدرالي.

وقد عبّر هذا الفصيل، بقيادة النائب مات جيتس، عن تحفظات عميقة حول قدرة مكارثي على دعم أجندتهم اليمينية بفعالية. وأدى التوتر بين ميل مكارثي للتوجهات المعتدلة وموقف الفصيل المتطرف إلى تشققات داخل الحزب الجمهوري.

إقالة مكارثي تمثل زلزالاً للكتلة الجمهورية في مجلس النواب المنقسمة على نفسها، والتي تشهد تصاعداً في التوترات بين الفصائل الأيديولوجية المختلفة داخل الحزب، والتي وصلت إلى ذروتها مع إزاحة مكارثي والتي تجعل اختيار خليفة له عملية معقدة قد تستمر لعدة أسابيع وتؤدي إلى تعطيل العمل بالمجلس التشريعي والحكومة الفيدرالية إن لم يتم تجديد إقرار بنود تمويلها قبل 7 نوفمبر 2023.

المعركة الأخيرة حول مشروع قانون تمويل الحكومة الفيدرالية

وصل الصراع بين مكارثي والأقلية اليمنية بقيادة جيتس إلى ذروته بسبب إقرار مشروع قانون تمويل الحكومة الفيدرالية في ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٣ رغم معارضة جيتس وأنصاره. وقد وجد مكارثي نفسه عالقاً بين مطالب الجمهوريين اليمينين من ناحية وضرورة تجنب إغلاق الحكومة من ناحية أخرى، واختار مكارثي نهجاً أكثر اعتدالاً في التفاوض مع الديمقراطيين، مما أثار غضب الفصيل اليميني الذي اعتبر موقف مكارثي "خيانة" لمبادئ اليمين وعمّق الانقسام داخل الحزب.

وفي أعقاب اعتماد مشروع قانون تمويل الحكومة، قام الفصيل اليميني بقيادة مات جيتس بتقديم طلب بعزل رئيس مجلس النواب بعد اتهامه بعدم الالتزام بقيم اليمين، والتنازل عن المسائل الحيوية، والميل الزائد نحو التوافق مع الديمقراطيين. ورأى جيتس وأنصاره إزاحة مكارثي عن منصبه كوسيلة لتفعيل أجندة يمينية متطرفة، لاعتقادهم أن مكارثي غير قادر على الدفاع عن أجندتهم بفعالية.

تداعيات محتملة

أثار عزل مكارثي مخاوف بشأن قدرة الحزب الجمهوري على مواجهة الحزب الديمقراطي بفعالية في الانتخابات القادمة في 2024. ويمكن أن يؤدي الصراع داخل الحزب الجمهوري إلى فترة من الشلل التشريعي، مما يجعل من الصعب تمرير التشريعات المهمة ومعالجة القضايا الوطنية العاجلة. ويمكن أن يزيد هذا الشلل المحتمل من تفكك الثقة العامة في العملية السياسية وتعميق الانقسامات الحزبية.

ويفرض عزل كيفين مكارثي آثاراً عميقة على الانتخابات الأمريكية المقبلة. ويجب على الحزب الجمهوري الآن تجاوز الانقسامات الداخلية الخطيرة داخله للبحث عن طريقة لاستعادة السيطرة على مجلس النواب. فاختيار الرئيس القادم وقدرة الحزب على معالجة الانقسامات الداخلية سيكون لها دور حاسم في تحديد فرص الحزب الجمهوري الانتخابية. كذلك فإن مصير مكارثي، الحليف المخلص لترامب، يثير أسئلة حول تأثير الرئيس السابق على الحزب الجمهوري.

عزل كيفين مكارثي عن رئاسة مجلس النواب يعتبر لحظة حاسمة في الصراع المتواصل حول هوية الحزب الجمهوري. وتسلط انتفاضة الفصيل اليميني ضد قيادة مكارثي الضوء على الانقسامات العميقة داخل الحزب وتثير أسئلة حول اتجاه الحزب في المستقبل. وبينما يبحث الجمهوريون عن رئيس جديد، تظل التداعيات على الكونجرس والانتخابات الأمريكية المقبلة غير مؤكدة.