شروق صابر

باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

حلّت في 16 سبتمبر الجاري (2023) الذكرى الأولى للاحتجاجات التي شكلت أكبر تحدي للنظام الإيراني منذ عام 1979، والتي اندلعت العام الماضي على خلفية وفاة مهسا أميني، الشابة المنحدرة من أصول كردية، بعد أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق لاتهامها بانتهاك قواعد ارتداء الحجاب المتعارف عليها هناك.

لكن كان لافتاً أنه لم يحدث ما كان يتوقعه البعض من أن يعاد تكرار تلك الاحتجاجات في ذكراها الأولى، بالرغم من استمرار الأوضاع على ما كانت عليه العام الماضي وعدم حدوث تغييرات في سياسات النظام بشأن القضايا التي كانت محل الاعتراض من قبل المتظاهرين.

 وبخلاف ذلك، استمر النظام في إحكام قبضته على الشارع بشكل أكبر، حيث كان لافتاً أن مجلس الشورى وافق في 19 سبتمبر الحالي، على تطبيق قانون "دعم ثقافة الحجاب والعفاف" الذي يشدد العقوبة بحق النساء اللواتي ينتهكن قواعد اللباس في الأماكن العامة، حيث يحاول النظام من خلال تلك الخطوة توجيه رسائل تشير إلى أنه لا يزال راسخاً بقوة في السلطة على الرغم من الصعوبات التي واجهته في البداية لإخماد الاحتجاجات، الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة الوضع الداخلي لإيران، وكيف نجح النظام في السيطرة على مقاليد الأمور؟.

وضع داخلي مأزوم

كان شعار احتجاجات عام 2022 التي فرضت ضغوطًا قوية على النظام الإيراني وشكلت خطرًا حقيقيًا له هو: "المرأة.. الحرية.. الحياة"، على نحو يوحي بأن التوجه الأساسي للمحتجين كان المطالبة بمزيد من الحريات للمرأة، ومزيد من الحريات للشعب عمومًا، وتحسين الوضع الاقتصادي للدولة بشكل يسمح بمعالجة مشاكل التضخم وانهيار الريال والبطالة. لكن رغم ذلك، لم تجد هذه المطالب استجابة على الأرض، حيث لم يجر النظام أي تغيير في سياساته على نحو يبدو جليًا في المؤشرات التالية:

1- اقتصاد متدهور: تمر إيران بوضع اقتصادي متدهور لا يعود فقط إلى العقوبات المفروضة عليها، بل يكمن السبب الرئيسي وراء ذلك في سوء الإدارة الاقتصادية والفساد المستشري في البلاد، وقد أفاد مركز الإحصاء الحكومي الإيراني في تقرير له في مايو الماضي، بأن معدل التضخم للعام الماضي، الذي بدأ في مارس 2022 وانتهى في مارس 2023، وصل إلى 45.8%، ويظهر قرار الحكومة بمنع نشر تفاصيل بيانات التضخم قلقها من المعدلات الخطرة، إذ كشفت الأرقام التي أعلن عنها المركز أن معدل التضخم استمر في الارتفاع بنسبة 3.7% خلال أبريل.[1]

2- ارتفاع مؤشر البؤس: يعاني سوق العمل في إيران من مشاكل عديدة، حيث ارتفع معدل البطالة في إيران إلى 9.70% في الربع الأول من عام 2023. كما زادت أعداد الشباب والشابات في شتى محافظات البلاد الذين لا يعملون بعد أن يأسوا من البحث عن عمل، حيث تُظهر دراسة الإحصائيات الرسمية، بما في ذلك تقارير مركز الإحصاء الإيراني في سبتمبر 2023، أن "مؤشر البؤس" ارتفع في العديد من محافظات إيران مع نهاية موسم الربيع، ووصل إلى ما يقرب من 70%.

3- استمرار تقييد الحريات: تستمر الإيرانيات في تحدي ضوابط اللباس الرسمي الذي تفرضه السلطات عبر الخروج علنًا من دون حجاب ولاسيما في مناطق طهران، وبالرغم من غياب شرطة الأخلاق إلى حد كبير عن الشوارع بعد وفاة أميني، إلا أنها مع انحسار الاحتجاجات عادت إلى الشوارع مع تركيب كاميرات مراقبة لرصد النساء غير المحجبات ومعاقبتهن.[2] والآن وفقًا للتشريع الجديد الذي أقره البرلمان مؤخرًا باتت النساء مهددات بالسجن لمدة قد تصل إلى عشر سنوات في حال عدم وضعهن الحجاب بالطريقة التي يشترطها النظام، بعد أن صوت مجلس الشورى يوم 20 سبتمبر الجاري على مشروع قانون يفرض عقوبات مشددة على "المتمردات على قواعد اللباس الصارمة" وعلى رأسها قانون الحجاب.

كما أنه وفقًا للتشريع الجديد أيضًا سيتم تغريم النساء اللواتي يقدن السيارات من دون حجاب أو من يرتدين ملابس غير مناسبة بخمسة ملايين ريال أو حوالي عشرة دولارات، كما يفرض مشروع القانون غرامات على أي شخص "يروج للعري" أو "يسخر من الحجاب" في الإعلام. وأيضًا يحظر السفر على أصحاب الأعمال التجارية الذين تخرق الموظفات لديهم قواعد اللباس الصارمة. 

وبجانب هذا التشريع، اتخذت السلطات منذ بداية عام 2023، سلسلة من الخطوات تجاه "غير الملتزمات"، وذكرت لجنة معنية بمتابعة أوضاع المعتقلين في الاحتجاجات الإيرانية، أن 600 امرأة على الأقل أُوقفن في طهران ومدن أخرى، خلال الذكرى الأولى لوفاة مهسا أميني، وقامت السلطات بإطلاق سراح غالبية المعتقلات بكفالات مالية، مشيرة في الوقت نفسه إلى إحالة العشرات إلى الادعاء العام الإيراني.

استعدادات مكثفة

يمكن تفسير مرور ذكرى وفاة أميني دون تجدد الاحتجاجات في ضوء الاستعدادات التي قامت بها السلطات الإيرانية في الفترة التي سبقت موعد الذكرى من خلال إجراءات حازمة هدفت إلى الحيلولة دون أي أعمال تؤثر على "الاستقرار"، وتمثلت تلك الإجراءات فيما يلي:

1- ظهور مصطلح "الإنترنت الطبقي" وحجب شبكات التواصل الاجتماعي: ارتبط تراجع حرية الإنترنت في عام 2022 بشكل أساسي بالصراعات السياسية في أجزاء مختلفة من العالم، وفيما يخص إيران فهي تحتل مراتب متقدمة في قائمة البلدان التي تحد من الاستفادة من شبكة الإنترنت بمعدل 16 نقطة في مؤشر Freedom House ، حيث حصلت كل دولة على درجة عددية من 100 (الأكثر حرية) إلى 0 (الأقل حرية).

وخلال احتجاجات عام 2022، قامت السلطات بحجب مواقع على الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة في محاولة لتقليل التواصل بين المتظاهرين، وفي خطوة مماثلة وبالتزامن مع قرب حلول الذكرى الأولى لتلك الاحتجاجات في سبتمبر 2023، شهدت إيران خللاً ملحوظًا في شبكة الإنترنت وكانت نسبة الوصول إلى الإنترنت 71% أقل من الوضع العادي، ولم يتمكن مستخدمو الإنترنت من الوصول إلى المواقع الداخلية والخارجية. ورغم أن المسئولين قد أعلنوا أن سبب الخلل يعود إلى عمليات صيانة في البنى التحتية، لكن التحقيقات أشارت إلى أن نسبة الخلل مرتفعة جدًا في شمال غربي البلاد التي وردت منها دعوات لإحياء ذكرى وفاة أميني، ما يثير شكوكًا بأن السلطات لجأت إلى هذه الإجراءات لاحتواء الاحتجاجات المحتملة.

وفي ظل الحظر المفروض على التطبيقات الغربية، لم يعد أمام الإيرانيين خيارات كثيرة غير الاعتماد على التطبيقات المدعومة من الدولة.[3] ويرتبط ذلك بما يُطلق عليه مصطلح "الإنترنت الطبقي" في إيران، حيث تسمح بشرائح للهواتف المحمولة مخصصة للسياح الأجانب، ويسمح الإنترنت الذي توفره هذه الشرائح للمستخدم بفتح المواقع والتطبيقات المحظورة في البلاد، مثل "انستجرام"، و"واتساب"، في إطار ذلك تمكن مديرو بعض وزارات الحكومة، وبعض البرلمانيين، وأعضاء اتحاد التقنيين بطهران، وأعضاء الغرفة التجارية بطهران، وأساتذة الجامعات، من الحصول على إنترنت حر لا يحتاج إلى برامج "كاسرة للحجب".

2- تشديد الخناق على المعارضة: قامت إيران خلال الفترة الماضية باتخاذ عدة إجراءات ضد المعارضة سواء داخل أو خارج البلاد تتمثل في:

أ- إجراءات في الداخل: تم إعلان حالة الطوارئ في عدد من المناطق الكردية في البلاد، كما تم اعتقال العديد من الأشخاص في تلك المناطق، هذا بجانب التعزيزات الأمنية في سقز ومناطق أخرى في غرب البلاد، حيث نُشرت صور عبر منصة "إكس" تظهر مسلحين بلباس عسكري في الشوارع، فضلاً عن مقطع مصور لمتاجر مغلقة ومضربة تزامنًا مع الذكرى، في سقز وسنندج ومدن أخرى في محافظة كردستان الإيرانية.[4]

وفي حين التقى الرئيس إبراهيم رئيسي عائلات أفراد من قوات الأمن قضوا خلال الاحتجاجات، خلال زيارة قام بها إلى مشهد في شمال شرقي البلاد، مارست السلطات في المقابل حملة قمع ضد أقارب الذين قُتلوا في الاحتجاجات لمنعهم من الحديث، وذكرت مواقع إخبارية أن أفراداً من عائلات ما لا يقل عن 36 شخصًا قُتلوا أو أُعدموا خلال حملة القمع خضعوا للاستجواب أو أُوقفوا أو تمت مقاضاتهم أو صدرت أحكام سجن في حقهم. كما مارست السلطات عمليات قمع في حق الصحفيين الذين تحدثوا عن قضية مهسا بإسهاب وعرضوا تداعياتها داخل إيران وخارجها، وبحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، أوقف 79 صحفيًا خلال عام وما زال 12 منهم وراء القضبان.[5]

ب- إجراءات في الخارج: كثّفت إيران ضغوطها على الحكومة العراقية في الأسابيع التي سبقت ذكرى الاحتجاجات بهدف طرد أو تحجيم التنظيمات الكردية المناوئة لها والموجودة في العراق، والتي توجه لها اتهامات بالوقوف وراء إذكاء احتجاجات 2022 خاصة في المدن الكردية، حيث ترى أن الأسلحة التي وصلت إلى المحتجين تم إدخالها من معبر كوملة. وقد انتهت يوم 19 سبتمبر 2023، المهلة التي كانت حددتها طهران لبغداد بموجب اتفاق وقع في مارس من نفس العام، ينص على طرد أو تحجيم التنظيمات الكردية المعارضة الموجودة في العراق من جهة إقليم كردستان. وبدأت الحكومة العراقية قبل انتهاء المهلة بالفعل في اتخاذ إجراءات لتنفيذ الاتفاق الذي أبرمته مع إيران في هذا الصدد.

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن مرور الذكرى الأولى لوفاة مهسا اميني دون اندلاع احتجاجات جديدة سوف يدفع النظام إلى تبني سياسة أكثر تشدداً في التعامل مع المطالب التي تتبناها قوى داخلية بتوسيع هامش الحريات الاجتماعية واتخاذ إجراءات أكثر فعالية لاحتواء تداعيات الأزمة الاقتصادية.


[1] التضخم يتغذى على مدخرات الإيرانيين... إلى أين وصل في عام؟، اندبندنت عربية، 21 مايو 2023، متاح على الرابط التالي:

https://shorturl.at/SWX79

[2]  في ذكرى مقتل مهسا أميني: لا شيء تغير في إيران، العرب اللندنية، 17 سبتمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

https://shorturl.at/ovAK7

[3] الإيرانيون يعانون قيود الإنترنت بعد عام على الاحتجاجات، الشرق الأوسط، 12 سبتمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

https://shorturl.at/GN267

[4] السلطات الإيرانية تمنع عائلة مهسا أميني من إحياء ذكراها، الشرق الأوسط، 16 سبتمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

https://shorturl.at/bsKX1

[5] إيران تستهدف صحفيين أزاحوا الستار عن مقتل مهسا أميني، اندبندنت عربية، 14 سبتمبر 2023، متاح على الرابط التالي:

https://shorturl.at/iqrD1