بعد سنوات من مطالبة المجتمع الدولي بإنشاء محكمة دولية لآلاف المُحتجزين في المخيمات والملاجئ السورية والعراقية، المُنتسبين إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، دون استجابة، وفي ظل إنكار وتقاعس حوالي 57 دولة عربية وأجنبية عن استلام رعاياها من تلك المعتقلات لإعادة توطينهم ودمجهم في مجتمعاتهم الأصلية؛ أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في 10 يونيو 2023، عن نيتها البدء بإجراء محاكمات علنية لعناصر تنظيم "داعش" المُحتجزين لديها منذ سقوط معاقل التنظيم في العراق وسوريا، وذلك وفقًا للقوانين الدولية والمحلية المتعلقة بالإرهاب، دون الإعلان عن موعد محدد لبدء هذه المحاكمات.
تزامن هذا الإعلان مع إطلاق حملة متعددة اللغات من داخل مخيم "الهول" السوري في أغسطس الجاري، تحت عنوان "فكو العاني"، طالبت خلالها عوائل خلايا تنظيم "داعش" بتحرك قوات التنظيم لتحريرهم وتخليصهم من الأسر، وجاء في نص رسائل تلك الحملة: "مخيم الهول سجن العفيفات يشهد الآن حملة تفتيش واعتقالات طالت العديد من الأخوات والأطفال بحجة البحث عن سلاح ومجاهدين داخل المخيم نسأل الله الفرج القريب العاجل لجميع الأسرى والأسيرات في السجون والمخيمات،... الله الله في الأسرى والأسيرات إخوانكم المجاهدين في الثغور والسجون يستنصرون أهل التوحيد نصرت للعفيفات سارع أخي في الله نصرت العفيفات بنفسك ومالك ودعائك"[1].
فمن بين العديد من مخيمات ومعتقلات عوائل تنظيم "داعش" على الأراضي السورية، والتي من أشهرها: الهول، وعين عيسى، وروج، تهدف هذه الدراسة لتسليط الضوء على مخيم "الهول" بصورة خاصة لعدة أسباب لعل أبرزها وأهمها، أنه أكبر المخيمات السورية من حيث المساحة وأعداد القاطنين فيه سواء من السوريين والعراقيين، أو من الأجانب المُنتمين والمُشتبه في انتمائهم إلى تنظيم "داعش"، وذلك مقارنة بالمخيمات الأخرى كما هو موضح في الخريطة رقم (1)، فضلاً عن أن قاطنيه يُعتبرون الأكثر تشددًا وتمسكًا بأيديولوجيا وتكتيكات تنظيم "داعش"، كما سيتم توضيحه بالتفصيل خلال الدراسة.
تستهل الدراسة في محورها الأول باستعراض الخط الزمني لنشأة مخيم "الهول" والتغيير الذي طرأ على تركبيته السكانيه ليتحول من ملجأ إنساني يستقبل اللاجئين والنازحين من ضحايا الحروب والنزاعات في العراق وسوريا، إلى معتقل وحاضنة تضم متطرفين وإرهابين من مختلف جنسيات العالم. ثم ننتقل بعد ذلك في المحور الثاني إلى إلقاء نظرة على ديناميكيات العيش داخل المخيم لفهم البيئة التي يعيش فيها الآلاف من النساء والأطفال، من حيث مدى القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية والضرورية للحياة، ومدى تأثير ذلك على دوافع وسلوكيات السكان.
هذا، في حين يسلط المحور الثالث من الدراسة الضوء على أبرز التهديدات والتحديات الناشئة من داخل المخيم، والتي تعتبر بمثابة جرس إنذار يدعو لسرعة تفكيك المخيم قبل أن يصبح الآلاف من النساء والأطفال جيشًا في صفوف تنظيم "داعش" يومًا ما. ومن هنا ننتقل إلى المحور الرابع الذي يناقش إشكالية تفكيك المخيم بين اللجوء إلى محاكمة أفراد عائلات "داعش" باعتبارهم إرهابيين، أو إعادة تأهيلهم ودمجهم في مجتمعاتهم الأصلية كضحايا، وتسليط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه جهود إعادة التوطين في تلك المجتمعات باختلافها. أما المحور الخامس والأخير، فهو يناقش مستقبل مخيم "الهول" في ضوء توظيف هذا الملف سياسيًا من قِبل تركيا، ومدى إمكانية استغلال ذلك التوظيف من قِبل تنظيم "داعش"، بما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي.
من ملجأ إنساني إلى معتقل للإرهابيين
على الأطراف الجنوبية من بلدة "الهول" بالريف الشمالي لمحافظة "الحسكة" السورية، وعلى بعد حوالي 14 كم من الحدود السورية – العراقية، يقع مخيم "الهول" على مساحة قرابة 2.9 كم مربع، المعروف بكونه أكبر وأخطر مخيم في العالم. ويعود تاريخ إنشاء المخيم إلى عام 1991 إبان حرب الخليج الثانية بطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)، وبالتنسيق مع الحكومة السورية آنذاك لإيواء اللاجئين العراقيين الفارين من براثن الحرب إلى الأراضي السورية عبر الحدود العراقية – السورية، وهو الأمر ذاته الذي تكرر في عام 2003، عندما أعيد فتح المخيم وتفعيله في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق لاستقبال اللاجئين العراقيين.
بحلول منتصف عام 2013 استحوذ تنظيم "داعش" الإرهابي على المخيم وطرد ساكنيه، بعد أن أعلن سيطرته على عدد من المناطق السورية وكان من بينها بلدة "الهول". إلا أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" استطاعت في 15 نوفمبر من العام 2015 بدعم طيران التحالف الدولي أن تطرد تنظيم "داعش" من بلدة الهول وتعلن سيطرتها على المخيم، ليصبح مخيم "الهول" منذ ذلك الوقت خاضعًا لإدارة قوات "قسد"، إلى جانب قوات الأمن الداخلية الكردية المعروفة باسم "الأسايش"، فضلاً عن إشراف عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، المعنية بتقديم الخدمات الإنسانية والإغاثية لقاطني المخيم، من اللاجئين العراقيين، والنازحين السورين الفارين من المناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش".
مع انطلاق الحملات العسكرية المُكثفة التي شُنت ضد معاقل تنظيم "داعش" في كل من العراق وسوريا، حتى سقوط آخر معاقله في بلدة "الباغوز" بريف دير الزور شرقي سوريا في مارس عام 2019، تحول المخيم من ملجأ إنساني لإيواء اللاجئين والنازحين العراقيين والسوريين من براثن الحروب والعمليات الإرهابية والحملات العسكرية المضادة، إلى معتقل يضم الآلاف من العراقيين والسوريين والمُرتزقة العرب والأجانب من عائلات تنظيم "داعش"، حيث تم تصنيف جميع الرجال والمراهقين (فوق سن 14 عامًا) المشكوك في كونهم من أعضاء التنظيم وأرسلوا إلى السجون، بينما تم نقل نساء وأطفال عوائل التنظيم إلى المخيمات السورية، التي كان من بينها مخيم "الهول".
والجدير بالذكر فيما يخص تقسيم المخيم، أنه في بداية الأمر قد تم إنشاءه بحيث تكون سعته الاستيعابية تقدر بحوالي 40000 شخصًا، وكان يتم توزيع سكانه على 6 قطاعات (Phases)، بحيث تضم ثلاث قطاعات من اللاجئين العراقيين، وقطاعين من النازحين السوريين، بينما خُصص بعد ذلك قطاع أخير لعائلات تنظيم "داعش" من الأجانب. لكن مع بلوغ العدد الإجمالي لقاطني المخيم حوالي 74 ألفًا في بدايات عام 2019، تم توسيع المخيم بإنشاء قطاعين آخرين، لتخصيص ثلاث قطاعات للاجئين العراقيين، وقطاعين للنازحين السوريين، وقطاع خاص بعوائل "داعش" من الجنسية السورية، وقطاع خاص بعوائل "داعش" من الجنسيات الأوروبية، وقطاع خاص بعوائل "داعش" من غير السوريين أو الأوروبيين. ثم بعد ذلك تم إضافة ما يُسمى بـ "ملحق" “Annex” يضم 5 قطاعات، فتم تخصيص الـ 8 قطاعات للعراقيين والسوريين، وتم نقل عوائل "داعش" الأجانب إلى قطاعات الملحق[2].
يُقدر سكان مخيم "الهول" بأنهم ما بين (50000 إلى 60000) شخص يحملون جنسية 57 دولة مختلفة، 90% منهم من النساء والأطفال[3]، ونسبه أقل من الرجال الذين يقطنون قطاعات المخيم الـ 8 كلاجئين ونازحين عراقيين وسوريين، دون أي وجود لهم داخل الملحق المُخصص لعائلات "داعش" من النساء والأطفال.
ديناميكيات العيش داخل المخيم
على الرغم من الجهود المبذولة من قِبل حوالي 7 منظمات دولية، و34 منظمة غير حكومية محلية، في إدراة وتنسيق ديناميكيات العيش داخل مخيم "الهول"، لدعم وتسهيل تقديم الخدمات والاحتياجات الأساسية للقاطنين فيه[4]، إلا أنه وفقًا للتقارير المحلية والدولية الصادرة عن المخيم، لاسيما منذ عام 2019 وتنامي عدد قاطنيه، يعاني السكان من ظروف إنسانية قاسية ومعقدة، بسبب سوء وتدهور مستوى الخدمات والرعاية المُقدمة على المستويات كافة، وذلك ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
1- مستويات التأمين: يخضع المخيم بشكل عام بمختلف قطاعاته لتأمين كل من قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وقوات الأمن الداخلية الكردية "الأسايش". بينما تخضع القطاعات التي تقطنها عائلات أعضاء "داعش" إلى مستوى خاص من التأمين والحراسة مقارنة بباقي قطاعات المخيم، ويتم تقسيم تلك القطاعات إلى مستويين من التأمين. بالنسبة للملحق الذي يضم عائلات "داعش" من الأجانب غير السوريين أو العراقيين، يتم عزله عن باقي قطاعات المخيم بواسطة سياج من الشباك المعدنية ويخضع لحراسة أمنية مُشددة مقارنة بباقي القطاعات التي تضم عائلات "داعش" من السوريين والعراقيين، والتي تخضع لمستوى أقل من الحراسة، ويُسمح فيها بحرية الحركة داخل المخيم، وإمكانية التواصل مع العالم الخارجي عن طريق الهواتف المحمولة أو غيرها من سبل التواصل.
2- مرافق العيش: يعيش سكان المخيم في خيم مصنوعة من أنواع رديئة من الأقمشة المُمزقة، والبلاستيك غير الفعالة في مواجهة التحديات المناخية القاسية التي تعاني منها المنطقة، لاسيما في فصل الشتاء بسبب البرد القارس الذي يدفع سكان المخيم إلى إشعال المدافئ طوال فترات الليل، الأمر الذي نتجت عنه العديد من حوادث الحريق، حيث تم تسجيل عدد كبير من الحرائق داخل الخيام، وتعتبر الإصابات الناجمة عن الحرائق هي الأكثر شيوعًا لوفاة القاطنين، لاسيما من الأطفال[5].
وفي إحدى الحوادث ذكرت فتاة من طاجيكستان تعيش مع والدتها وإخوتها الأربعة في الملحق كيف اندلع الحريق في قسمهم وبدأت الحرائق تأكل الخيام واحدة تلو الأخرى حتى جاءت سيارات الإسعاف بعد ساعة، بعد أن دمر الحريق 75 خيمة في هذا الحادث[6]. وقد شهد ملحق المهاجرات يوم 9 أغسطس من العام 2023، حريقًا ضخمًا – مجهول السبب- انتشر في 16 خيمة حتى وصل إلى مركز تابع لمنظمة ترعى الأطفال في المخيم، مما أسفر عن أضرار مادية كبيرة، دون وقوع أي اصابات بشرية. ويُذكر أنه تم إخماد الحريق من قِبل قوة الشرطة الكردية "الأسايش" التي استخدمت صهاريج مياة من خارج المخيم لإخماد الحريق[7].
ويُعزى اندلاع تلك الحرائق وتنامي معدل خسائرها إلى جملة من العوامل، لعل أبرزها: مادة البلاستيك التي يتم صناعة الخيم منها وهي غير مقاومة للحرارة وسريعة الاشتعال، واستخدام مادة الكيروسين في مواقد الطبخ والتدفئة داخل الخيام، وتأخر استجابة سيارات الإطفاء عن الوصول إلى مكان الحادثة، وعدم ترك مسافات بعيدة وآمنة بين الخيم تحول دون سرعة وسهولة انتقال الحرائق إلى الخيم المجاورة. فضلاً عن عدم وجود أقسام طبية مُخصصة داخل وخارج الخيم لاستقبال حالات الحروق، وعزوف المشافي المُتعاقدة مع منظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية عن استقبال حالات الحروق التي يتم إحالتها لها من قِبل مخيم "الهول" لأسباب أمنية، بحجة عدم وجود أقسام خاصة بالحروق، وعدم توفير الأدوية اللازمة.
3- التمويل: هناك عدة مصادر أساسية للدخل في المخيم بالنسبة للاجئين والنازحين العراقيين والسوريين، منها: إما الحصول على عمل داخل المخيم، أو الحصول على مبالغ مالية من الأهل أو الأصدقاء أو الجيران الأصليين من خارج المخيم، أو بيع بعض المدخرات والممتلكات للحصول على المال[8]. هذا، بينما يوجد نظام خاص بتمويل عائلات "داعش" داخل المخيم من خلال الحوالات المالية الصادرة من داخل وخارج سوريا. فهناك مكتبان لتحويل الأموال في الملحق وتأتي الحوالات المالية عن طريق نظام جوالة مُصرح به من قِبل سلطات المخيم، بحيث يتم التحكم في مقدار الأموال التي يتلقاها السكان شهريًا[9].
وحسب التقارير الصادرة في هذا الشأن تأتي الأموال المُرسلة إلى نساء وأطفال "داعش" من قِبل أعضاء التنظيم بالخارج لمساعدة النساء على توفير احتياجات العيش الأساسية داخل المخيم، فضلاً عن شراء الهواتف المحمولة، والأسلحة والمستندات المُزورة، وتوظيف المُهربين، ورشوة المسئولين لتأمين عمليات الهروب من المخيم. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول تُجرم التحويلات المالية لسكان "الهول"، باعتبارها تمويلاً للإرهاب بناءً على قوانين مكافحة الإرهاب.
4- آلية الحصول على المواد الغذائية: تعمل بعض المنظمات الإغاثية المحلية والدولية على توزيع قسائم مُخصصة من الطعام على أهالي المخيم في شكل "سلة غذائية" لكل عائلة إما اسبوعيًا بشكل منتظم، أو بشكل غير منتظم في أحيانًا أخرى. وتحتوي تلك السلة على المواد الغذائية الأساسية من سكر وأرز وبقوليات وزيت وغيرها، بكميات -من المُفترض- أن تتوافق مع عدد أفراد كل أسرة. إلا أن هناك شكاوي من عدم كفاية تلك السلة مع عدد أفراد الأسر ما يدفع الأطفال للعمل من أجل شراء المزيد من المواد الغذائية من المحال التجارية المُنتشرة في المخيم. أما بالنسبة للخبز فيتم الحصول عليه من خلال مراكز منتشرة داخل المخيم، وغالبًا ما تشهد عملية استلام الخبز من تلك المراكز ازدحامًا وعنفًا شديدًا بين الأفراد بسبب كثافة السكان مقارنة بعدد تلك المراكز، وحجم الموارد المتاحة[10].
5- آلية توفير مياه الشرب: تعتبر البنية التحتية المائية داخل المخيم مُتضررة ورديئة إلى درجة كبيرة، حيث يعاني السكان من أزمة في توفير مياه الشرب النقية الصالحة للاستخدام لعدة أسباب: أولها، عدم إنشاء شبكات توزيع مياة داخل المخيم، والاعتماد في توزيع المياه على صهاريج مُحملة بالماء من الخارج يتم تفريغها في خزانات مُوزعة على قطاعات المخيم، ونتيجة الكثافة السكانية العالية داخل المخيم مقارنة بسعة تخزين تلك الخزانات، يتم تكدس الأفراد أمام الخزانات وتتزايد أعمال العنف للحصول على جالون واحد من المياه[11].
وثانيها، أن محطة "علوك" التي تقع في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية في شمال شرق البلاد، والمسئولة عن توفير مياه الشرب بشكل أساسي لما يقرب من مليون سوري بمن فيهم سكان المخيم، تشهد اضطرابات عديدة وتأخيرًا في وصول الفرق الإنسانية لإجراء أعمال الصيانة والإصلاحات اللازمة، مما يؤدي إلى تكرار أزمة انقطاع المياة لفترات طويلة. هذا، فضلاً عن أن هناك العديد من الشكاوي بشأن نظافة المياه، وتسببها في العديد من الأمراض، ما يضطر السكان لشراء مياة شرب نقية من المحلات التجارية.
6- خدمات الرعاية الطبية: يضم مخيم "الهول" بشكل عام عددًا من المستشفيات الميدانية والعيادات الصحية المُتنقلة، التي تعمل بالتناوب في كافة قطاعات المخيم. وغالبًا ما تأتي الشكاوي بسبب عدم كون تلك النقاط الطبية مؤهلة بالشكل الكافي لتقديم الخدمات الطبية الأساسية للسكان، ونقص المعدات والتجهيزات الضرورية لمعاينة المرضى، وضعف مستوى الكوادر الطبية وعدم تخصصها بشكل كافٍ، ما يجعل الخدمات الطبية مقتصرة على تقديم الإسعافات الأولية وعلاج الحالات المرضية البسيطة فقط. هذا، فضلاً عن نقص الأدوية المجانية أو المدعومة، واضطرار السكان إلى شراء الأدوية من السوق التجاري على نفقاتهم الخاصة.
ورغم زيارة القوافل الطبية للمخيم بين الحين والآخر للكشف عن الحالات الصعبة المُسجلة ضمن قوائم الانتظار، إلا أن المرضى قد ينتظرون قرابة الأسبوع للحصول على معاينة الطبيب. أما فيما يخص الحالات الحرجة التي تحتاج إلى تدخل جراحي يتم نقل المرضى إلى مستشفى مدينة الحكسة بعد الحصول على موافقة أمنية من الأمن العام التابع لقوات "قسد" وهو إجراء غالبًا ما يأخذ عدة أيام، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور حالة المرضى بصورة كبيرة[12].
بالنسبة للملحق الخاص بعائلات تنظيم "داعش"، فعلى الرغم من أنه يقع تحت إشراف منظمة "أطباء بلا حدود" منذ عام 2019، إلا أنه يعتبر الأسوأ من حيث الوضع الصحي بسبب القيود التي تفرضها قوات الأمن على الكثير من الخدمات الطبية مثل العيادات المُتنقلة، أو الإحالة إلى مستشفيات خارجية خوفًا من محاولات الهروب[13].
ناهيك عن أنه منذ شهر مايو عام 2022، قيدت السلطات الأمنية حركة السيارات الخاصة من وإلى المخيم لأسباب أمنية، وهو ما أدى إلى إعاقة الحركة بصورة كبيرة، لاسيما بالنسبة للمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة في فترات المساء. ويعتبر من الشائع أن تلد النساء في خيامهن، خاصة في الملحق، لأن مسألة الإحالة إلى مستشفى خارجي تكون معقدة وغالبًا مرفوضة، وهو ما يعرض حياة الأمهات وأطفالهن إلى الخطر في كثير من الأحيان[14].
7- الخدمات التعليمية: تعتبر منظمة "إنقاذ الطفل" “Save the children” البريطانية واحدة من عدة جهات فاعلة في مجال التعليم داخل مخيم "الهول" بشكل عام، بينما تعتبر هي الجهة الوحيدة التي تقدم دعمًا تعليميًا في الملحق. وعلى الرغم من حاجة أطفال المخيم لتلقي خدمات تعليمية متنوعة، لاسيما أطفال عائلات "داعش" الذين اقتصرت دراستهم خلال فترة وجودهم في التنيظم على علوم القرآن والسنة والحديث، إلا أن أغلب الأطفال تتخلف عن الذهاب إلى المراكز التعليمية لعدة أسباب، لعل أبرزها:
أولاً، مخاوف الأمهات من إرسال أطفالهم إلى المدرسة بسبب تنامي عمليات الخطف، والاعتداءات المستمرة التي يتعرض لها الأطفال داخل المخيم من تحرش وتنمر من قِبل طلاب آخرين. ثانيًا، أن أطفال المخيم لا يتلقون تعليمًا رسميًا ولا يحصلون على شهادات مُعترف بها من الدولة تُمكنهم من دخول الامتحانات الرسمية، أو الانتقال إلى مستوى دراسي جديد. ثالثًا، لا توجد مرافق تعليمية تتناسب كمًا ومساحة مع عدد الطلاب الذي يقطنون المخيم. رابعًا، تظل عمالة الأطفال مصدر قلق بالغًا في المخيم، حيث يترك الأطفال التعليم للعمل في الأسواق والمنازل لجني المال الذي تحتاجه أسرهم[15].
8- مرافق الصرف الصحي: تعاني مرافق وشبكات الصرف الصحي في مخيم "الهول" من مشكلات عدة، نظرًا لعدم وجود مرافق خاصة، واعتماد السكان على دورات المياه العامة المُوزعة في أرجاء المخيم، والتي يعتبر أغلبها غير صالح للاستخدام، مما يضطر السكان لقضاء حوائجهم في العراء، الأمر الذي يتسبب في انتشار الأمراض والأوبئة المعدية وتلوث البيئة المحيطة في المخيم. هذا، فضلاً عن طوفان مياه الصرف الصحي وتسربها إلى الخيام، بسبب أعطال فنية في شبكات الصرف، وعدم اتخاذ إدارة المخيم الإجراءات اللازمة لحل تلك الأضرار.
التهديدات الناشئة من داخل المخيم
انطلاقًا من أن النساء والاطفال هم المكون الرئيسي للتركيبة السكانية داخل مخيم "الهول"، بالتالي يرتبط جزء كبير من التهديدات والتحديات الناشئة من داخل المخيم بالنساء والأطفال، خاصة أن أغلب نساء "داعش" اللواتي تم نقلهن إلى المخيم يُعتبرن من أكثر الجهات صرامة وتعصبًا لفكر التنظيم، كونهن من القيادات اللاتي دخلن دورات عسكرية تدريبية، وشاركن في تنفيذ العمليات والهجمات الإرهابية، فضلاً عن ضلوعهن في العديد من الأنشطة اللوجيستية والدعوية والخدمية داخل هيكل التنظيم. ويمكن استعراض أبرز تلك التهديدات على النحو التالي:
1- انتشار الجريمة وأعمال العنف: يعد الأجانب المُنتمون لـ "داعش" من غير السوريين والعراقيين، الذين تم نقلهم إلى المخيم في عام 2019، هم الأكثر عدوانية وراديكالية داخل المخيم سواء تجاه عناصر قوات "قسد" وذراعها الأمني "الأسايش"، أو عمال الإغاثة، أو عائلات عناصر "داعش" الذين أصبحوا أقل تشددًا وانشقوا عن ولائهم للتنظيم داخل المخيم، أو اللاجئين والنازحين الذين لا تربطهم أي صلة بالتنظيم، وهو الأمر الذي دفع السلطات لزيادة مساحة المخيم وإنشاء "ملحق" منفصل لضم الأجانب فيه وعزلهم عن باقي القطاعات كما ذكرنا آنفًا.
فقد كشفت الحملة العسكرية واسعة النطاق التي اطلقتها قوات "قسد" و"الأسايش" في مارس 2021 لتمشيط كافة قطاعات المخيم، والتي أسفرت عن اعتقال 158 مرتزقًا من "داعش" تم تجنيدهم كخلايا نائمة في المخيم بين السوريين والعراقيين، عن وجود كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والأدوات الحادة داخل الخيام، فضلاً عن شبكات الخنادق والأنفاق السرية المُعدة لتهريب الأفراد والأسلحة والأموال[16].
هذا، واعتبر عام 2021 من أكثر الأعوام دموية في تاريخ المخيم، حيث شهد حوالي 128 حالة قتل أغلبهم لاجئين عراقيين ونازحين سوريين تم الاعتداء عليهم وقتلهم بأسلحة وأدوات حادة، وبأساليب مختلفة كقطع الرؤوس والخنق، فضلاً عن ضحايا حوادث حرق الخيام المُتعمدة، وجرائم الاغتصاب. إذ وصفت صحيفة "الإندبندنت" المخيم في مقال استقصائي بتاريخ 12 نوفمبر عام 2021 بأنه أكثر الأماكن دموية على وجه الأرض[17].
وحسب التقديرات فإن أغلب الجرائم والاعتداءات يقوم بها نساء "داعش" اللاتي يُطلق عليهن "المهاجرات" أي "الأجنبيات"، ولا يزلن يؤمن بعقيدة التنظيم ويعملن على نشر أيديولوجيته داخل المخيم، حيث شكلت تلك العناصر النسائية ما يطلق عليه "جهاز الحسبة" أو "الشرطة الدينية" داخل المخيم كامتداد لكتيبة "الخنساء" التي أنشأها التنظيم في عام 2014 كأول كتيبة نسائية مسلحة مُكونة من مئات النساء السوريات والأجانب، وتشارك في العمليات الإرهابية والمهام الشرطية ضمن حدود دولة الخلافة المزعومة. فتقوم خلايا نساء "داعش" بمراقبة تطبيق القواعد الشرعية داخل قطاعات المخيم، ويفرضن عقيدة التنظيم الخاصة فيما يخص الملبس والسلوك قسرًا على باقي النساء، عن طريق فرض ارتداء النقاب، وحظر التدخين والرقص والموسيقى، ومعاقبة كل من ينحرف سلوكه عن تلك القواعد من خلال إنشاء "محاكم شرعية" تقوم بتطبيق عقوبات تشمل الجلد، والتعذيب، والحرمان من الطعام، وحرق الخيام، وحتى القتل.
والجدير بالذكر في هذا الشأن، أن تلك العقوبات لا تُطبق فقط على النساء اللاوتي يخالفن تعاليم وقواعد التنظيم الدينية بشأن السلوك والملبس، إنما يتم تطبيقها أيضًا على النساء اللواتي كن أعضاء في التنظيم قبل دخولهن المخيم، إلا أنهن أصبحن بعد ذلك يظهرن شكلاً من أشكال العصيان والتمرد على قواعده الفقهية، ويعلن ندمهن على الانضمام إليه، ويرغبن في العودة إلى أوطانهن الأصلية، وكثيرًا ما يقمن بنشر أفكار سلبية عن التنظيم وعن تجاربهن الخاصة فيه داخل المخيم. هذا، فضلاً عن الاعتداءات المستمرة التي تقوم بها نساء الحسبة على عمال منظمات الإغاثة، وقوات الأمن التابعة لـ "قسد" أو "الأسايش" باعتبارهم من "الكفار" الذين قتلوا واعتقلوا رجالهن.
ووفقًا لقاعدة بيانات أمن عاملي الإغاثة (AWSD) ازدادت الهجمات والاعتداءات العنيفة على عمال الإغاثة في المخيم بشكل ملحوظ منذ عام 2020، حيث مثلت 72% من إجمالي الهجمات في المخيمات على مستوى العالم في عام 2022، مما نتج عنه تراجع شديد في معدل وكفاءة الخدمات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية، والمحلية غير الحكومية داخل المخيم، لاسيما في ظل إجراءات التقييد التي طبقتها السلطات الأمنية، وتعليق جميع الأنشطة غير المتعلقة بإنقاذ الحياة منذ أغسطس عام 2022 في ضوء الحملة العسكرية التي أطلقتها السلطات داخل المخيم لمواجهة التهديدات الأمنية الناشئة منه[18].
2- تنشئة جيل جديد من الإرهابيين: في أبريل عام 2019، صرخت بعض النساء بفخر أمام العدسات التلفزيونية خلال إحدى اللقاءات، قائلات: "عقيدتنا الراسخة هنا لن يتمكن أحد من إزالتها لا أمريكا، ولا الكرد، ولا الكفار، ولا اليهود. هذه العقيدة انغرست حتى في أطفالنا ولن نندم أبدًا. سوف نستمر لأن دولة الخلافة ستعود مجددًا". هذا في أثناء رشق الأطفال الصحفيين بالحجارة وهددوهم بالذبح لأنهم "كفار"[19].
يأتي ذلك في إطار خطة واستراتيجية نساء "داعش" داخل مخيم "الهول" بشأن تحويل المخيم إلى مركز لتعليم عشرات الآلاف من أطفال "داعش" الذين يُطلق عليهم "الأشبال" فكر التنظيم وأيديولوجيته المتطرفة، فضلاً عن التدريب على كيفية استخدام الأسلحة وقطع الرؤوس وتنفيذ العمليات الانتحارية، بهدف إعداد جيل جديد من "أشبال الخلافة" -كما يُطلق عليهم- يحمل على عاتقه مواصلة إرث آبائه والانتقام من الذين اعتقلوهم وقتلوهم في المعارك التي خاضها تنظيم "داعش" قبل سقوط معاقله في العراق وسوريا، ويكون بمثابة عودة للتنظيم في المستقبل.
ومن بين أكثر الممارسات شيوعًا في المخيم، هي تزويج المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين (13 – 16) من فتيات ونساء التنظيم لإنجاب المزيد من الأطفال، وزيادة أعداد الموالين للتنظيم داخل المخيم،[20] حيث تصل نسبة الأطفال دون سن الـ 5 سنوات إلى حوالي 23% من إجمالي سكان المخيم[21]. فوفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، يشهد مخيم الهول شهريًا 60 حالة ولادة، أي أن المخيم شهد منذ عام 2019 نحو 3500 حالة ولادة، وتستمر حالات الولادة حتى الآن. وتعتبر نسبة الولادات في المخيم أعلى بكثير من النسب في المجتمعات الطبيعية مقياسًا بعددهم، بسبب تعدد الزوجات وتزويج الأطفال.[22]
هذا، بالإضافة إلى تحريض الأمهات لأطفالهن على الإضراب والتعدي على كل من هو خارج عقيدة "داعش" سواء من سكان المخيم، أو من العاملين في منظمات الإغاثة، أو موظفي المنظمات غير الحكومية، أو رجال الأمن من "قسد" و"الأسايش"، أو حتى من المراسلين الذين يحاولون إجراء مقابلات معهم، وذلك بهدف إرباك الوضع الأمني داخل المخيم وإثارة القلاقل فيه.
ففي إحدى الوقائع، أقر صبي من عائلات "داعش" داخل المخيم يبلغ من العمر 16 سنة لمراسلي إحدى القنوات التلفزيونية بطعن صديقه عشر طعنات في عنقه وجسده بواسطة سكين، مُشيرًا إلى أن والدته قد تلقت تعليمات بالقتل من رجلين من "داعش" في إدلب، وحصلت على المال لتنفيذ المهمة، باعتبار أن الضحية "يحارب ضد دين الله". وفي واقعة أخرى، صرخ طفل في العاشرة من عمره تقريبًا قائلًا: "سوف نقتلكم لأنكم كافرون.. أنتم أعداء الله،.. نحن الدولة الإسلامية،.. أنتم شياطين وسوف أقتلكم بسكين،.. سوف أفجركم بقنبلة"[23].
3- تعزيز الشبكة المالية لتنظيم "داعش": استغل تنظيم "داعش" وجود النساء والأطفال في مخيم "الهول" لتعزيز شبكته المالية عن طريق إطلاق حملات التبرعات الجماعية على مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة التي من أبرزها: فيسبوك وتليجرام، لجمع الأموال والتبرعات عبر أنظمة التمويل غير التقليدية، مثل العملات الرقمية وتطبيقات تحويل الأموال الالكترونية، تحت مظلة دعم نساء وأطفال التنظيم داخل المخيم ومساعدتهم على الهروب للعودة إلى صفوف التنظيم، حيث تستخدم نساء التنظيم الهواتف المحمولة المخبأة داخل المخيم لنشر رسائل مصورة لها على القنوات الخاصة بالتنظيم على تلك المنصات الرقمية، بلغات مختلفة كالعربية والإنجليزية والألمانية وتحت عناوين عاطفية ومؤثرة مثل: "إلى الموحدين في جميع أنحاء العالم: أخرجونا من مخيم الهول"، و"أخوات في الأسر" و"طيور محبوسة"[24].
ويؤدي ذلك إلى جمع آلاف الدولارات واليوروهات لصالح خزانة التنظيم الذي يحتفظ بجزء كبير من الأموال التي يضخها المتعاطفون مع قضيته، لتمويل أنشطته وعملياته الإرهابية، بينما يتم دفع الجزء الآخر من التبرعات إلى مُهربين غالبًا ما يكونون مرتبطين بخلايا التنظيم في سوريا والعراق لتهريب نساء وأطفال "داعش" من المخيم، أو -في بعض الحالات- يتم دفع جزء من الأموال كرشوة للمسئولين والحراس في المخيم لتسهيل عمليات التهريب. وتعتبر عمليات التهريب واحدة من بين طرق الخروج غير النظامية التي ينتهجها سكان المخيم، لاسيما من عائلات تنظيم "داعش"، وغالبًا ما تتم عبر صهاريج المياه، أو عبر أنفاق وممرات سرية.
4- انتشار جرائم الانتهاكات الجنسية للنساء والأطفال: يقع نساء وأطفال مخيم "الهول" ضحايا لجرائم الاستغلال والانتهاك الجنسي التي تمارسها ضدهم قوات "قسد" و"الأسايش" بأساليب وطرق مختلفة. ففي بعض الحالات يتم اختطاف النساء والأطفال، إناثًا أو ذكورًا، في الليل واقتيادهم إلى أطراف المخيم للاعتداء عليهم. وفي حالات أخرى، تستغل قوات الأمن رغبة بعض النساء الأجنبيات في الخروج من المخيم، فيقومون بعقد اتفاق معهن يُفضي بأن يتم استخراج بطاقات هوية شخصية مزورة لهن تُثبت أنهن سوريات لتسهيل عملية خروجهن من المخيم، وذلك في مقابل ابتزازهن ماليًا أو جنسيًا. ناهيك عن عقود الزواج الوهمية والصورية التي تبرمها عناصر قوات الأمن مع نساء المخيم اللواتي لم يعد لهن صلة بتنظيم "داعش"، ما يضمن لهن الخروج من المخيم بصورة رسمية وقانونية[25].
هذا، فضلاً عن شبكات التهريب الوهمية التي كثيرًا ما تقع النساء ضحايا لها، حيث يتم خداعهن من جانب المهربين للخروج معهم من المخيم ثم بعد ذلك يتعرضن للاختطاف والاغتصاب. وقد شهد المخيم العديد من تلك الحالات، وفي كثير منها يكون مصير الهاربات مجهولاً، وفي أحيان أخرى تستطيع الضحايا الفرار والعودة إلى المخيم.
5- محاكاة تجربة "الجامعة الجهادية" في العراق: تعتبر السجون والمعتقلات واحدة من البيئات المواتية والخصبة لنشأة وانتشار الفكر المتطرف والإرهابي، وهو الأمر الذي أثبتته التجارب التاريخية لعدد من قادة وعناصر التنظيمات الإرهابية. فقد كانت الفترات التي أمضوها في السجون والمعتقلات بمثابة مرحلة مؤثرة وهامة في مسيرة تكوين بذور فكرهم المتطرف وإعادة هيكلة شبكاتهم الاجتماعية من خلال استقطاب وتجنيد أعضاء جدد مُتشابهين معهم في الميول الفكرية، ويعايشون نفس ظروف العزلة والمشاعر المليئة بالغضب والسخط تجاه المجتمع ودولة. وغالبًا ما يكون هناك استراتيجيات محددة يتم اتباعها من قِبل المعتقلين ذوي الفكر المُتطرف أو الإرهابي لاستقطاب وتجنيد الأعضاء الجدد سواء طواعية عن طريق التواصل والتراضي والتأثير عليهم من جوانب نفسية ودينية واقتصادية، أو من خلال استخدام العنف وإثارة الشغب داخل المعتقل، والتعدي على السلطات الأمنية لإثبات قوتهم ونفوذهم، بما يبث الخوف في نفوس الآخرين ويدفعهم للانصياع وإعلان الولاء لهم قسرًا[26].
ويعتبر سجن "بوكا" من أشهر نماذج المعتقلات التي كانت بمثابة مفرخ للإرهابيين، فقد أسسته القوات الأمريكية في العراق وخضع لإدارتها خلال الفترة (2003 – 2009) وأطلق عليه العديد من المسميات من أبرزها وأشهرها "مدرسة تنظيم القاعدة" و"الجامعة الجهادية"، وذلك لأنه ضم الآلاف من قادة حزب البعث والجهاديين السنة، وتم تجنيد العديد من معتقليه وتدريبهم على مهارات القتال، وبعد إغلاق المعتقل أصبح العديد منهم قادة وعناصر في تنظيم "داعش" وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي. وفي عام 2015، كتب الخبير في المجموعات الإسلامية المتطرفة، ويل ماكنتس، واصفًا سجن "بوكا": "إذا لم يكونوا جهاديين عند وصولهم، فقد أصبح الكثير منهم كذلك قبل رحيلهم"[27].
رغم اختلاف السياقات التاريخية والجيوسياسية بين مخيم "الهول" وسجن "بوكا"، إلا أن هناك العديد من مواضع التشابه بين المعتقلين، التي قد تجعل ما يحدث في مخيم "الهول" محاكاة لما حدث في سجن "بوكا" الذي اعتبر منصة انطلاق لتنظيم "داعش" آنذاك. وتكمن تلك التشابهات في:
أولاً، الاعتداء المُتكرر على الحراس وتصاعد أعمال العنف والشغب بين المحتجزين بهدف إثبات الهيمنة على السلطة، وإثارة الرعب والخوف في نفوس المعتدلين ودفعهم للخضوع إلى أعضاء التنظيم وطاعتهم.
ثانيًا، إقامة المحاكم الشرعية والتطبيق الصارم لقانون الشريعة من قِبل المعتقلين الأكثر تطرفًا وراديكالية لمعاقبة كل من يخالف تعاليم وقواعد التنظيم داخل المعتقل.
ثالثًا، الاكتظاظ السكاني وصعوبة عزل المُتطرفين عن باقي الفئات المعتدلة بصورة تامة، الأمر الذي يزيد من فرص المتطرفين في تجنيد قاعدة أكبر من الأعضاء الجدد.
إشكاليات الخروج بين المحاكمة وإعادة التوطين
في ضوء مساعي حل أزمة مخيم "الهول" تجد الدول والحكومات العربية والأجنبية نفسها أمام اختيار أحد المسارين للتعامل مع ملف عائلات تنظيم "داعش" الإرهابي المُحتجزين في المخيم، وهما: إما محاكمة هؤلاء الأفراد باعتبارهم عناصر إرهابية شاركت في دعم أنشطة وعمليات التنظيم، وإما إعادة توطينهم ودمجهم في مجتمعاتهم الأصلية مرة أخرى.
وبما أن سلطات "قسد" المسئولة عن إدارة المخيم تسمح للسوريين غير المُتورطين في أي جرائم بالخروج من المخيم والعودة إلى مجتمعاتهم الأصلية عن طريق نظام الكفالة على سبيل المثال[28]، كما أنها تدعم مساعي العراق في نقل رعاياها -الذين يصل عددهم إلى حوالي 25 ألف فردًا من عوائل "داعش" أغلبهم من الأطفال دون سن الـ 18- إلى مخيم "الجدعة-1" بمدينة نينوي العراقية لقضاء بضعة أشهر فيه قبل إخلاء سبيلهم، فضلا عن خطة إعادة 150 عائلة عراقية شهريًا من مخيم الهول إلى الداخل العراقي بالتنسيق مع قوات "قسد"[29]، بالتالي تكمن المعضلة والأزمة الحقيقية الآن في رعايا الدول الأجنبية من النساء والأطفال المُحتجزين في المخيم.
وتتمحور الإشكالية الرئيسية في تنصل غالبية الدول الأجنبية من مسئولياتها بشأن استرداد رعاياها القاطنين في مخيم "الهول"، وتجاهل كافة الحلول المطروحة لتفكيك المخيم وترحيل قاطنيه إلى مواطنهم الأصلية. ويأتي على رأس تلك الحلول مسألة محاكمة عناصر عائلات "داعش" سواء في سوريا أو في بلدانهم الأصلية. فمن ناحية تصر هذه الدول على رفض فكرة المحاكم السورية، ومن ناحية أخرى ترفض استقبال هؤلاء المُحتجزين في سجونها، مُتحججة في ذلك بعدة أسباب:
أولها، عدم وجود أدلة واضحة وثابتة تدين هؤلاء المُحتجزين في المخيم ومطالبة السلطات السورية والعراقية بتقديم تلك الأدلة، وهو أمر يصعب تحقيقه في واقع الأمر.
وثانيها، أن بقاء هؤلاء المُحتجزين في السجون قد يؤثر على باقي النزلاء ويساهم في نشر الفكر المتطرف وربما تجنيد عناصر جديدة لصالح التنظيم.
وثالثها، مخاوف الدول الأجنبية من أن الفترة التي سيقضيها المحتجزون في السجون والتي تقدر ببعض السنوات، لا تعتبر كافية لضمان تحررهم فكريًا وعمليًا من أيديولوجيا التنظيم وممارساته، بالتالي سيمثل إطلاق سراح هؤلاء الإرهابين -بعد قضاء مدتهم في الحجز- للانخراط في المجتمع بصورة طبيعية، تهديدًا للأمن القومي.
وانطلاقًا من هذا الأساس تتزايد دعوات فصل الأبناء عن أمهاتهم المُشتبه في صلتهم بتنظيم "داعش"، وتعلن بعض الدول الأجنبية عن استعدادها لاسترداد -فقط- الأطفال دون الـ 10 سنوات، لاسيما بعد أن صرحت قوات "قسد" بأن هناك أطفال تجاوزت أعمارهم الـ 10 سنوات، كانوا بالفعل مُجندين وخضعوا لدورات عسكرية وعقائدية أثناء فترة تواجدهم داخل تنظيم "داعش"[30].
وبالنظر إلى موقف القانون من تلك الدعوات، فإن المادة التاسعة من اتفاقية "حقوق الطفل" الصادرة عن الأمم المتحدة تنص على أنه "لا يجوز فصل الطفل عن والديه على كره منهما، إلا عندما تقرر السلطات المُختصة رهنًا بإجراء إعادة نظر قضائية، وفقًا للقوانين والإجراءات المعمول بها، أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى"،[31] ما يُنذر بإمكانية اتباع العديد من الدول ذلك الإجراء، لاسيما مع ثبوت فساد وتطرف بيئة المخيم وخطرها على تنشئة الأطفال، واستمرار رفض إعادة توطين النساء المُشتبه في صلاتهم بـ "داعش"، في ظل موافقة بعض النساء بالفعل على مسألة الفصل بهدف ضمان مستقبل أفضل لأبنائها بعيدًا عن بذور التطرف والإرهاب.
ورغم افتقار مواقف تلك الدول للمسئولية القانونية والأخلاقية تجاه رعاياها، إلا أنه في ذات الوقت يجب أن نضع في الاعتبار حجم التحديات والمعوقات التي تواجه مسألة إعداد توطين نساء وأطفال عائلات "داعش" في مجتماعتهم الأصلية سواء كانت في سوريا أو في العراق أو في دول أجنبية أخرى عربية وأوروبية، والتي تعتبر بمثابة تهديد رئيسي لأمن واستقرار كل من المجتمع المُستقبِل، والعائدين من المخيم. وذلك ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
1- غياب المسكن اللائق: يواجه العائدون إشكالية بسبب عدم توفير مسكن لائق لهم سواء في المناطق الأصلية التي ينحدرون منها، بسبب تدمير منازلهم أو الاستحواذ عليها من قِبل آخرين، أو حتى في مناطق أخرى. فكثيرًا ما تلجأ النساء والأطفال للإقامة مع عائلات أخرى على درجة من الصلة أو القرابة أو المعرفة في نفس المنزل، أو مع عائلات أخرى تتشارك معها نفس الوضع. وفي أحيان أخرى يضطر العائدون إلى بناء خيام من الخيش أو بيوت من الطين على أطراف القرى والمدن، غير مُعدة للسكن من حيث توفير خدمات واحتياجات المعيشة الأساسية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي وما إلى ذلك، أو يضطرون إلى البحث عن ملاجئ وخيام أخرى للنازحين، الأمر الذي يعرض حياة النساء والأطفال للخطر، ويجعلهم عرضة للعديد من الانتهاكات النفسية والجسدية، فضلاً عن تحديات المرض والموت.
2- رفض المجتمعات المحلية للعائدين: من بين أبرز وأكثر التحديات التي تواجه عمليات إعادة توطين ودمج العائدين من مخيم "الهول" هي مسألة رفض وتهميش المجتمعات المحلية لهم باعتبارهم إرهابيين مُحتملين وتربطهم علاقات سابقة بتنظيم "داعش"، الأمر الذي يضطرهم للعيش في عزلة على أطراف القرى والمدن التي عادوا إليها، خوفًا من الممارسات العدائية والانتقامية التي قد يمارسها الأهل ضدهم لكونهم من عائلات تنظيم "داعش". إضافة إلى ذلك، تساهم الحملات العسكرية والمداهمات الأمنية المُتكررة التي تشنها قوات الأمن في المناطق التي تستقبل العائدين من المخيم كإجراءات مُكملة لتأمين عملية إعادة التوطين والدمج، في تنامي المضايقات والتوترات الأمنية بين سكان تلك المناطق.
3- تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي: يبرز العامل الاقتصادي والمادي كتحدٍ رئيسي أمام عمليات إعادة دمج وتوطين العائدين من مخيم "الهول"، لاسيما بالنسبة للنساء المُعيلات، ما يجعلهن يعتمدن في إيجاد مصدر للإعالة والعيش على مساعدات أفراد العائلة أو الأصدقاء القدامى. فغالبًا ما تجد النساء صعوبة في تأمين فرص عمل مستدامة وكافية لإعالة أسرهن، لاسيما في ظل حالة الرفض والتهميش المجتمعي لهن كمشتبه في صلاتهن السابقة بتنظيم "داعش"، وهو ما يجعل الكثير من النساء يرفضن الخروج بأطفالهن من المخيم، ويفضلن البقاء اعتمادًا على الخدمات والمعونات الإنسانية التي تُقدم لهن من جهات الإغاثة والمنظمات الدولية والمحلية.
4- مخاطر انتشار الفكر المُتطرف والإرهاب: تأتي مخاوف العديد من الدول من استقبال مواطنيها من مخيم "الهول"، سواء من النساء أو من فئة المراهقين والشباب، انطلاقًا من كونهم قد عاشوا فترات طويلة من حياتهم وسط عناصر التنظيم وخلاياه النائمة في المخيم، مما أسهم في تشبعهم وتشربهم بفكر وأيديولوجيا "داعش" المتطرفة، التي تمثل خطرًا على الأمن القومي للدول المُستقبلة. فتأتي المخاوف من أن يشارك العائدون في شن العمليات والهجمات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار تلك الدول، أو أن يتم توظيفهم من قِبل التنظيم في عمليات التهريب والتجسس لجمع المعلومات الخاصة بتسهيل أنشطة وأهداف التنظيم، أو أن يعملون على نشر الفكر المتطرف والإرهابي في المجتمع لتعبئة وتجنيد عناصر جديدة في صفوف التنظيم.
5- إشكاليات قانونية: تعتبر مسألة التوثيقات المدنية واحدة من الإشكاليات القانونية التي تواجه العائدين إلى بلدانهم الأصلية، لأن هناك صعوبة في استخراج أوراق ثبوتية رسمية لأنفسهم ولأطفالهم، لاسيما تلك المرتبطة بواقعات الزواج أو الميلاد. فبالنسبة للنساء غالبًا ما يكون الزوج إما مسجونًا أو تم قتله في أحد الاشتباكات أو أنه لايزال في صفوف تنظيم "داعش"، بالتالي لا يمكن إثبات أو توثيق الزواج منه في السجلات المدنية للدولة محل توطين الزوجة.
أما بالنسبة للأبناء حديثي الولادة في المخيم، الذين لم يتم إصدار شهادات ميلاد لهم مسبقًا باسم الأب، يكون من الصعب أو المستحيل تحديد هوية الأب وجنسيته التي تكون -في العديد من الدول- ضرورية لتجنيس الأبناء وإصدار شهادات ميلادهم. وحتى الإناث من أطفال التنظيم مجهولات النسب سيتزوجن بعد عدة سنوات وينجبن أطفالاً مجهولي النسب أيضًا. هذا فضلاً عن إشكالية قانونية أخرى تجسدت في دولة مثل المملكة المتحدة التي ألغت بالفعل جنسية العديد من مواطنيها الذين سافروا للانضمام إلى تنظيم "داعش"، بالتالي أصبح على هؤلاء البحث عن دولة أخرى تسمح لهم بحمل جنسيتها، وهو بالتأكيد أمر يصعب تحقيقه.
مستقبل المخيم وعوامل التهديد الخارجية
رغم التحديات الراهنة التي يشهدها مخيم "الهول"، وتعثر مساعي تفكيك المخيم وترحيل عوائل تنظيم "داعش" إلى بلدانهم الأصلية لإعادة توطينهم ودمجهم في مجتمعاتهم، إلا أن هناك عوامل أخرى خارجية قد تكون أكثر حسمًا وسرعة في وضع سيناريو النهاية لهذا الملف. ففي سياق الرفض التركي لوجود منطقة حكم ذاتي كردية على الحدود التركية - السورية، ومع استمرار وتيرة التصعيد بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تُصنفها تركيا جماعة إرهابية، لا يمكن استبعاد أن تُكتب نهاية مخيم "الهول" بأيادٍ تركية، لاسيما في ضوء تكرار تهديدات أردوغان بالقيام بعمليات عسكرية في شمال شرق سوريا، لإنشاء مناطق آمنة واستكمال مراحل خطة إعادة توطين مليون لاجئ سوري.
فبالقياس على تداعيات العمليات العسكرية السابقة التي شنتها تركيا في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات "قسد" في شمال شرق سوريا، من المُتوقع أن يؤثر أي تصعيد أو عملية عسكرية جديدة من جانب تركيا في المستقبل على عنصرين أساسين داخل مخيم "الهول"، وهما: الوضع الإنساني والتماسك الأمني.
بالنسبة للوضع الإنساني، فإلى جانب التدهور الفعلي للأوضاع المعيشية داخل المخيم من حيث كفاءة توفير الاحتياجات الأساسية للسكان من مواد غذائية ومياه نقية صالحة للشرب وخدمات صحية وطبية وما غير ذلك، سيؤدي أي تصعيد عسكري تركي إلى تناقص قدرة الإدارة الكردية على توفير تلك الخدمات وغيرها، سواء لأن جزءًا كبيرًا من الموارد المالية والصحية والغذائية المتاحة سيتم تحويله لأغراض المواجهة العسكرية مع القوات التركية، أو لأن قطاع البنى التحتية من شبكات كهرباء ومياه وصرف صحي ستتعطل عن أداء وظائفها بكفاءة بسبب الضربات التي ستتعرض لها في أثناء الهجوم العسكري. هذا، بالإضافة إلى لجوء الهيئات الدولية والمنظمات الإغاثية المسئولة عن تقديم جزء كبير من الخدمات لسكان المخيم إلى إلغاء وسحب بعثاتها الإغاثية بسبب تعرضها لمخاطر المواجهات العسكرية والانفلات الأمني في المنطقة.
أما بالنسبة للوضع الأمني، فهناك العديد من التحديات التي ستواجه مخيم "الهول" في حال قررت تركيا تصعيد عملياتها ضد قوات "قسد" و"الأسايش" المسئولين عن حماية وتأمين المخيم، وذلك بسبب الحاجة إلى توجيه جزء كبير من القوات الكردية المسئولة عن حراسة المخيم للدخول في مواجهات عسكرية مع القوات التركية، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى حالة من الانفلات الأمني، وبالتالي تنامي أعمال العنف والانتهاكات وعمليات تهريب الأفراد والأسلحة والأموال من وإلى المخيم، وذلك استشهادًا بما حدث خلال عامي 2018 و2019 أثناء عمليتي "غصن الزيتون"، و"نبع السلام"، حيث اضطرت قوات "قسد" أن تسحب قواتها المسئولة عن تأمين المخيمات السورية الثلاث (الهول، عين عيسى، روج) لدعم قواتها في مواجهة الهجوم العسكري التركي، ما أفسح المجال أمام العديد من عناصر "داعش" للهروب من تلك المخيمات، وهو الأمر الذي تكرر يوم 23 نوفمبر عام 2022 في أثناء الهجوم التركي الأخير الذي استهدفت الغارات التركية خلاله مواقع تابعة لعناصر حماية مخيم "الهول"، ما نتج عنه هروب عدد كبير من عوائل "داعش" التي كانت مُحتجزة داخل المخيم، مُستغلة في ذلك حالة الفوضى والاضطراب التي أصابت قوات الأمن آنذاك.
من جهة أخرى، على غرار حملة "تحطيم الجدران" التي أطلقها أبو بكر البغدادي في العراق بين عامي 2012 و2013 -بعد انسحاب القوات الأمريكية من السيطرة على السجون العراقية- لشن سلسلة من الهجمات المفاجئة وإطلاق سراح أعداد كبيرة من عناصر التنظيم والمُتطوعين والعناصر الجديدة التي جُندت من قِبل أتباعه داخل السجون؛ دعا البغدادي في سياق آخر خلال إحدى خطبه مسلحي "داعش" لاتخاذ كافة الوسائل المُمكنة لتحرير النساء والأطفال من مخيم "الهول"[32].
بالتالي، على خلفية قيام التنظيم بحوالي 106 عملية إرهابية في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية الكردية منذ مطلع العام 2023 حتى الآن، حسب تقديرات المرصد السوري[33]، يمكن النظر إلى أي تهديد أمني بسبب تصعيد أو ضربة عسكرية تركية لمخيم "الهول" أو المناطق المحيطة به في المستقبل، أنه سيكون بمثابة فرصة لـ "داعش" لإعادة تعزيز قواته وإمكاناته، وشن العمليات بصورة أكثر كثافة وعلى نطاق أوسع لتسريع وتيرة تهريب عناصره من النساء والمراهقين والأطفال من المخيم، باعتبارهم جيلاً جديدًا ومحطة انطلاق جديدة لقوة ونفوذ التنظيم في المنطقة.
في الختام، يمكن القول إن استمرار تقاعس وبطء استجابة أغلب الدول العربية والأجنبية -ذات الصلة المباشرة بعوائل تنظيم "داعش" داخل مخيم "الهول"- لكافة الحلول والإجراءات المطروحة بشأن تفكيك المخيم وشرذمة عناصره في دول مختلفة حول العالم لمحاكمتهم وإعادة تأهيلهم ودمجهم في مجتماعتهم الأصلية بما يضمن عزوفهم عن التطرف والإرهاب في المستقبل، وبالتزامن مع تنامي التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية التي يشهدها المخيم منذ سنوات عديدة، والتي من المُتوقع أن تُضعف مستوى إدارة وتأمين المُخيم كلما طال أمد الأزمة؛ كل ذلك من شأنه أن يدفع المجتمع الدولي إلى ضرورة بدء التعامل مع ملف مخيم "الهول" وغيره من معتقلات عوائل "داعش" وعناصره، ليس باعتبارها -مجرد- رمز تاريخي لهزيمة معاقل التنظيم الرئيسية في العراق وسوريا، وإنما باعتبارها "ذخيرة مُتجددة" لتنظيم "داعش"، تُعيد إنتاج نفسها بالتزاوج والتكاثر وإعداد النشء الجديد على تكتيكات ومنطلقات التنظيم الفكرية والأيديولوجية، الأمر الذي يُمثل كما وصفه الكثيرون حول العالم بـ "قنبلة موقوتة" قابلة للانفجار في أي وقت.
[1] “فكو العاني” حملة لأنصار التنظيم.. رسائل متعددة اللغات من قاطنات مخيم الهول، المرصد السوري لحقوق الإنسان (SOHR)، 15 أغسطس، 2023، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7beqr
[2] More like a prison Camp: Al Hol Camp continuous to hold tens of thousands of IDPs in inhuman conditions, the Syrian networks of human rights (SNHR), 29, October 2020, p.3.
[3] Devorah Margolin, The Problem with al-Hol: The Future for ISIS-Affiliated Families, The Washington Institute, 18 July, 2023, available at: https://shorturl.ac/7bdlo
[5] More like a prison Camp: Al Hol Camp continuous to hold tens of thousands of IDPs in inhuman conditions, Op.Cit, p.9.
[6] When Am I going to start to live? Paper published by: Save the children, 27 September, 2021, p. 12.
[7] حريق يلتهم أكثر من 16 خيمة داخل قسم “المهاجرات” بمخيم الهول شرق الحسكة، المرصد السوري لحقوق الإنسان (SOHR)، 9 أغسطس، 2023، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7bero
[9] John Saleh, The Women of ISIS and the Al-Hol Camp, The Washington Institute, 2 August, 2021, available at: https://shorturl.ac/7besd
[10] More like a prison Camp: Al Hol Camp continuous to hold tens of thousands of IDPs in inhuman conditions, Op.Cit, p.9.
[12] Protection Sector Update: Al-Hol Camp June 2022, Syria HCT-Coordinated Response, Protection and Community Service Sector, available at: https://shorturl.ac/7bevd
[13] More like a prison Camp: Al Hol Camp continuous to hold tens of thousands of IDPs in inhuman conditions, Op.Cit, p.11.
[14] Neil J. Saad, The Al Hol camp in Northeast Syria: health and humanitarian challenges, BMJ Global Health, 21 July, 2020, p.2.
[15] Daniel Gorevan, Kathryn Achilles and Others, When Am I Going to Start to Live? Op.Cit., p.14.
[16] اكرام زيادة، داعش يُعيد تنظيمه من جديد داخل مخيمات شمال سوريا، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 16 فبراير، 2022، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7beva
[18] Violence in NW Syria’s Al Hol Camp reducing humanitarian coverage, Op.Cit.
[19] John Saleh, The Women of ISIS and the Al-Hol Camp, Op.Cit.
[20] فاطمة حسين، أماكن التطرف والإرهاب في المخيمات السورية (مخيم الهول نموذجًا)، مجلة العلوم السياسية (بغداد: جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، العدد: 64)، يونيو 2023، ص: 206.
[21] Devorah Margolin, The Problem with al-Hol: The Future for ISIS-Affiliated Families, The Washington Institute, 18 July, 2023, available at: https://shorturl.ac/7bdlo
[22] إجبار أطفال مخيم الهول على الزواج بسن لا يتجاوز 14 عاماً.. الخطة الجديدة لتنظيم “الدولة الإسلامية” لزيادة أعداد أنصاره وإعادة بناء دولته، المرصد السوري لحقوق الإنسان (SOHR)، 18 يوليو، 2023، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7beut
[23] John Saleh, The Women of ISIS and the Al-Hol Camp, Op.Cit.
[24] The Women of ISIS and the Al-Hol Camp, Op.Cit.
[25] زين العابدين العكيدي، جهتان تقفان وراء الابتزاز الجنسي في مخيم الهول والطرق مختلفة، مؤسسة أورينت نت السورية، 15 أكتوبر، 2021، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7bewp
[26] ISIS Resurgence in Al Hawl Camp and Human Smuggling Enterprises in Syria, Op.Cit., p.45 – 47.
[27] مخيم الهول في شمال شرق سوريا "مخزون بشري موقوت" وحاضنة" لجيل جديد من الجهاديين، euronews، نوفمبر، 2021، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7beud
[28] Al-Hol Camp: Release, Return and Reintegration of Syrian residents, Situational analysis Paper, IMPACT - Civil Society Research and Development, April 2021, p. 5.
[29] لوضع آلية إخراج 150 عائلة شهريًا.. وفد عراقي يلتقي مع إدارة مخيم الهول بريف الحسكة، المرصد السوري لحقوق الإنسان (SOHR)، 7 أغسطس، 2023، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7beup
[30] أمل مختار، الصراعات العربية وتداعياتها على أوضاع الأطفال والنساء (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مجلة "الملف المصري"، العدد: 97) سبتمبر 2022، ص: 17.
[31] مخيم الهول: ألم يحن الوقت لإخراج الأطفال حتى دون أمهاتهم؟، دويتش فيله، 23 ديسمبر، 2022، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7beuj
[32] ISIS Resurgence in Al Hawl Camp and Human Smuggling Enterprises in Syria, Perspectives on terrorism, published by: Terrorism Research Initiative, Vol. 14, No. 4, August, 2020, p.45.
[33] مع تصاعد نشاطها.. خلايا التنظيم تنفذ عملية جديدة ضد القوات العسكرية ضمن مناطق الإدارة الذاتية، المرصد السوري لحقوق الإنسان (SOHR)، 13 أغسطس، 2023، متاح على الرابط التالي: https://shorturl.ac/7beue