آمنة فايد

باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يوم الثلاثاء الموافق 25 يوليو 2023، ورشة عمل لمناقشة العدد رقم (54) من سلسلة إصدار "بدائل" المُحكم، بعنوان: "جيل Z: المراهقون.. منظور جيلي للتطرف وممارسة العنف"، للأستاذة أمل مختار، الخبيرة بالمركز ورئيس تحرير مجلة المشهد العالمي لدراسات التطرف والإرهاب. والورشة هي نتاج تعاون مشترك بين الدورية وبرنامج دراسات الإرهاب والتطرف، وهو أحد البرامج البحثية داخل المركز.

وبينما ركزت الدراسة على تحليل العلاقة بين ثلاثية: التطرف الديني، وممارسة العنف، ومرحلة المراهقة، بالتطبيق على المستوى المصري والعربي، فقد سعت الورشة إلى توسيع المناقشات بين المتخصصين والخبراء للخروج بتوصيات مقترحة، يمكن من خلالها تلافي النزوع إلى التطرف والعنف بين المراهقين والشباب من أبناء جيل Z.

ولا تفترض الدراسة أن سن المراهقة شرط أساسي أو وحيد للتطرف وممارسة العنف، كما أنها لا تفترض حتمية مرور الفرد بسن المراهقة لحظة انضمامه للفكر، أو الجماعة، أو التنظيم المتطرف العنيف، لكنها تركز بالأساس على أهمية دراسة العلاقة بين "المراهقة" (سنًا أو حالةً)، والتطرف وممارسة العنف كاتجاه في التفكير والسلوك.

وقد تكوّن السؤال البحثي الرئيسي للدراسة بناء على متابعة الباحثة لدراسة ظاهرة التطرف والعنف، على مدار الأعوام العشرة الماضية، على المستويات المصرية والعربية والعالمية، وملاحظة وجود ارتباط بين لحظة انضمام عدد كبير من الأعضاء بالتنظيم أو التيار أو الجماعة المتطرفة وفترة المراهقة، ومن ثم اعتمدت الدراسة على اقتراب "الملاحظة" لمعرفة مدى حجم كتلة فئة المراهقين فى الانضمام الأول لتنظيمات وأفكار التطرف العنيف، وأيضا لفهم الظروف والأسباب المحيطة بهم والتى تمثل البيئة المساعدة لقبول أفكار التطرف وممارسة العنف.

انطلاقًا من ذلك، انقسمت الدراسة إلى أربعة محاور رئيسية، على النحو التالي:

المحور الأول، حدّد مجموعة التعريفات الأساسية التي اعتمدت عليها الدراسة فى التعامل مع المفاهيم الرئيسية الواردة بها، وهي: "الإرهاب Terrorism"، "التطرف "Extremism، "التطرف العنيف"، والمراهقة. فضلاً عن اعتماد مفهوم "Waithood"، كأحد المفاهيم الفرعية في الدراسة، وهو مصطلح ظهر عام 2007، ويعنى حرفيًا "مرحلة الانتظار"، لكن المقصود به هو تلك الحالة التي تجعل الأفراد عالقين في سمات مرحلة المراهقة دون الوصول إلى مرحلة النضج "Adulthood". وللتعبير عن هذا المفهوم، اعتمدت الدراسة مصطلح "الركود في المراهقة".

والمحور الثاني، يناقش مسألة التفاعل الجيلي مع ظاهرة العنف والتطرف (جيل Z العربي/ المصري)، مستعرضًا خريطة الأجيال المعروفة عالميًا. وهى فى الواقع خريطة ترتبط بالتاريخ الأمريكى إلى حد بعيد، ومن ثم ترتبط الأجيال ومسمياتها وسماتها بالأحداث التاريخية الأمريكية والغربية. وحسب الخريطة فإن ترتيب الأجيال من الأكبر سنًا إلى الأصغر هو على النحو التالي: الجيل الضائع، جيل العظماء، الجيل الصامت، طفرة المواليد، جيل (X)، جيل الألفية أو (Gen Y)، جيل ( Z )، جيل ألفا (A).

وقد ركز المحور الثاني بشكل أساسي على جيل ( Z )، وهم الذين ولدوا بين عامى 1995 و2010، وتتراوح أعمارهم الآن بين 28 و13 سنة، مُستعرضًا أبرز سمات هذا الجيل وخصائصه، التي من بينها، وصفه بأنه جيل الإنترنت والجيل الرقمي، وهو جيل لديه القدرة والتكوين الذى يجعله يتقلب بين عالم الواقع والعالم الافتراضي، كما أن لديه القدرة على البحث عن مصادر المعلومات وإعادة توظيفها، بعيدًا عن المصادر التقليدية (الأسرة، والمدرسة، والمؤسسة الدينية، والإعلام الرسمي). هذا، فضلاً عن أنه جيل المواطن العالمي، حيث يهتم بشئون عابرة لحدود بلاده ربما أكبر من اهتمامه بالشأن العام الداخلي في وطنه.

إلى جانب ما سبق، يعتبر جيل Z الجيل الأكثر تعرضًا لضغط وباء الكمال "Epidemic of perfectionism"، والمقصود هنا أن هذا الجيل بسبب انفتاح حياته الخاصة وعرضها على السوشيال ميديا، أصبح واقعًا فجأة تحت ضغط تحسين صورته أمام الميديا المفتوحة. وهو أيضًا الجيل الأكثر قراءة ومشاهدة لروايات وأفلام "الديستوبيا" الغربية، التى ترجمت وعرضت فى جميع أنحاء العالم. تلك الأفلام والروايات تبدأ عادة بنهاية مأساوية للعالم من خلال حرب كبرى أو تفجير نووى أو كارثة طبيعية بسبب البشر.

في هذا السياق، أكدت الدراسة على أن الانجذاب إلى التطرف أو العنف سلوك يرتبط -إلى حد كبير- بفترة المراهقة والشباب المبكر فى جميع الأجيال. لكن ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا فى جيل Z، هو مجموعة السمات المختلفة لهذا الجيل.

ومن هنا، انطلقت الدراسة في تحليل العلاقة بين المراهقة والتطرف وممارسة العنف، اعتمادًا على عوامل عدة، تتمثل فيما يلي:

العامل الأول، يرتبط بالعلاقة بين "التضخم الشبابى Youth Bulge" والعنف، بالتركيز على مخرجات الدراسة التجريبية التي قدمها هنريك أوردال Urdal لتحديد العلاقة بين زيادة عدد كتلة الشباب داخل المجتمع، وفرص الانضمام إلى جماعات العنف السياسى، والتي خلصت إلى ثلاث نتائج رئيسية: أولها، أن مجرد وجود مجموعة كبيرة من الشباب فى سن العمل داخل دولة ليس لديها القدر المناسب من الاستثمارات المولدة لفرص العمل، يجعل تكلفة "الفرصة البديلة" منخفضة، ومن ثم تتزايد "فرص" الانضمام إلى تنظيم عنيف. وثانيها، أن "التضخم الشبابي" إذا كان مصحوبًا بتزايد حالة "الركود في المراهقة" "Waithood، وما يرافقها من الشعور بالإحباط؛ يكون محفزًا إضافيًا للتطرف وممارسة العنف. وثالثها، أنه فى حالة "التضخم الشبابي" فى الدول شبه الديمقراطية تكون فرصة لجوء الشباب إلى العنف أكبر من فرصتهم فى الدول الاستبدادية بصورة كاملة.

والعامل الثاني، يناقش العلاقة بين الحرمان النسبي والتطرف وممارسة العنف، حيث تؤكد الدراسة على أن الشعور بالحرمان النسبي الشخصي والحرمان النسبي الجماعي من الممكن أن يكون من الأسباب المعززة لجاذبية تنظيمات التطرف الديني العنيف بين الأفراد الذين مروا بإحباط شخصي غير متوقع. لكن تظل المفارقة، أنه فى حالة زيادة أعداد الخريجين من التعليم العالي في الدول ذات "التضخم الشبابي"، سواء من خلال الجامعات الحكومية أو التعليم الجامعي الخاص ذي النفقات المرتفعة، يمكن أن يكون هذا الأمر دافعًا أيضًا للتطرف وممارسات العنف.

والعامل الثالث، يذهب إلى أهمية دراسة العلاقات الاجتماعية بالنسبة للمراهقين، لاسيما في ضوء وجود فرضية تميل إلى أن التعاون بين التنظيمات يكون أرجح حدوثًا عند وجود علاقات شخصية بين قياداتها. فتاريخيًا، مثلت الصداقة بين الشباب والمراهقين، سواء في المدرسة، أو الجامعة، أو الجيرة، أو العائلة، القناة الرئيسية فى نقل أفكار التطرف وتجنيد أفراد جدد داخل التنظيمات المتطرفة العنيفة. ويكون ذلك على أساس سهولة التواصل ومقدار الثقة الكبيرة بين الأصدقاء فى مرحلة المراهقة، فضلاً عن عمق تأثير الأصدقاء فى هذه المرحلة لدرجة قد تفوق تأثير الآباء وبقية مؤسسات التنشئة. ومع تطور التواصل الافتراضي عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تغير مفهوم الصداقة من الشكل التقليدي إلى صداقة افتراضية تتسم بأنها متعددة وسطحية ولا تتمتع بتأثير الصداقة الحقيقية نفسه.

ويسلط العامل الرابع، الضوء على جاذبية التنظيم بالنسبة للمراهقين، من حيث مدى تأثير "الأخوية" و"الأختية" بدلاً من الروابط التقليدية، حيث تطرح التنظيمات الدينية المتطرفة مفهومًا شديد الجاذبية بالنسبة للمراهقين والشباب الذين يعانون من أزمات في انتماءاتهم التقليدية للأسرة أو العائلة أو القبيلة، وهو مفهوم "الأخوية Brotherhood" و"الأختية Sisterhood". ومن خلال استعمال ذلك المفهوم، تكون التنظيمات المتطرفة قادرة على تصنيف العلاقات الاجتماعية وخلق بنية اجتماعية تتشابه مع تلك التى تكوِّن الأسرة.

أما العامل الخامس والأخير، فقد تطرق إلى قضية التساؤلات الكبرى فى زمن عدم اليقين، ومدى جاذبية الإجابات العاطفية البسيطة بالنسبة للمراهقين، حيث يواجه كثير من المراهقين بصورة عامة حالة من عدم اليقين، ونقص في الهوية الذاتية، وانفعالات مرتبطة بتحولات هرمونية وبيولوجية. وهم عادةً ما يسعون إلى الاستقلال عن ذويهم ظاهريًا، لكن يعتقد المتخصصون أنهم فى الواقع يحملون مخاوف عدة من هذا الاستقلال. وعلى هذا الأساس، يكون المراهقون بطبيعة الحال الشريحة العمرية الأكثر بحثا عن "الإجابات البسيطة".

وانتقالاً إلى المحور الثالث، قدمت الدراسة، مقتطفات من مسيرة وتاريخ التنظيمات والأفراد المتطرفين وممارسي العنف على المستويين المصري والعربي على مدار نصف قرن، بداية من تنظيم الجهاد المصري الذي تشكلت الخلية الأولى منه عام 1964 من ثلاثة "مراهقين"، ثم الخلايا التالية التي اعتمدت في تشكيلها على العلاقات الشخصية المباشرة بين هؤلاء الشباب، فى تجلي واضح ومهم لدور العلاقات الاجتماعية لدى المراهقين كأدوات للتواصل البيني. وضمن هذا السياق، تضمنت الدراسة ملحقًا عن السيرة الذاتية لـ 26 عضوًا من أهم أعضاء تنظيم الجهاد المصري فى الستينات والسبعينات من القرن العشرين.

ثم تطرقت الدراسة إلى تنظيم القاعدة، واستعرضت أبرز تفاصيل الملفات الشخصية للمُنفذين التسعة عشر لتفجيرات 11 سبتمبر 2001، والدوافع المشتركة لدى كتلة الشباب فى هذا التنظيم. حيث يتضح أن المنفذين الفعليين للتفجيرات ينتمون لفئة الشباب والمراهقين الباحثين بالأساس عن دور "قتالي" لتغيير واقع يرفضونه. ويكشف خط سير هؤلاء الشباب في السنوات القليلة السابقة لتنفيذهم هذه التفجيرات أنهم كانوا مشاركين أو باحثين عن هذا الدور القتالي، وأنهم جميعًا حضروا تدريبات معسكر "خلدن"، الذي كان يديره أفراد من تنظيم القاعدة خلال حكم طالبان في أفغانستان بين (1996-2001)، وكانوا مؤمنين إيمانًا كاملاً بالعمل الانتحاري، وفقًا لتعليمات وإرشادات مُنظّري تنظيم القاعدة.

وأخيرا، قدم المحور الرابع للدراسة مجموعة من التوصيات لمواجهة التطرف والفكر العنيف لدى فئة الشباب، والتي كان أبرزها: التأكيد على أهمية عمل دراسات "اجتماعية/ ميدانية" مكثفة فى مجال الدراسات الجيلية، وضرورة الاهتمام بالدراسات البينية فى مجال دراسات التطرف والإرهاب والعنف، وأهمية تعزيز العمل على الربط بين سياسات التعليم وخطط مواجهة البطالة، وتسليط الضوء بصورة أكبر على قضايا الهوية والانتماء فى فترات الارتباك وعدم اليقين، وضبط مفاهيم "العيش" و"الموت" فى سبيل الله في أوساط المراهقين، وتشجيع الانفتاح السياسي، وتوسيع دوائر المشاركة والتعبير.

وفي ضوء ما سبق، فقد انصبت المناقشات بين الحضور من المتخصصين والخبراء، حول ضرورة وجود دراسات ميدانية للشرائح العمرية المختلفة في المجتمع المصري، وتحديدًا الشباب والمراهقين، فضلا عن أهمية تحويل الدراسة إلى مشروع بحثي أوسع يسمح بدراسة أكثر تفصيلاً بشأن جيل Z وسماته وخصائصه واتجاهات سلوكه الاجتماعي والسياسي، والتحليل العميق للأسباب التي تدفع مجموعات من الأجيال الشابة والمراهقة لتبني الأفكار المتطرفة والجنوح للانضمام لتنظيمات إرهابية سواء في مصر أو الدول العربية.