أمل مختار

خبيرة في شئون التطرف والعنف - رئيس تحرير مجلة المشهد العالمي للتطرف والإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

* العدد متاح الكترونيا على الرابط التالي: https://acpss.ahram.org.eg/Esdarat/Mashhad/7/files/downloads/Mashad-7.pdf

 

تنظيمات الإرهاب باسم الدين تحت مظلة "الجهاد"، طريق بدأ في الشرق الأوسط في منتصف الستينيات، وتجمعت خيوطه في أفغانستان، أو ما عُرفت في ثمانينيات القرن الماضي بـ "أرض الجهاد"، وهي ساحة ساخنة وبيئة خصبة لتجميع كثير من الخيوط الفكرية والحركية العربية الغاضبة والراغبة في التغيير بالعنف.

في أفغانستان، تشكل ما عرف بالإرهاب المعولم، وفيها أيضًا وجدت بذور الانشقاق الأولية بين المتطرف والأكثر تطرفًا، بين العنيف والأكثر توحشًا. ومنها انطلقت شرارة التنظيمات الكبرى للتطرف العنيف التي لقيت استجابات لها في دول عربية وأفريقية وآسيوية عديدة. أي يمكن أن نقول إنه حجر أُلقي وتبعه دوائر أخذت في الاتساع والانتشار حتى باتت تردداته تشمل كل أنحاء العالم. في المقابل، ساعدت عوامل كثيرة على هذا التكاثر، واتساع الظاهرة.

فقد أدت السيولة الأمنية التي شهدتها الدول العربية، عقب موجات احتجاجات عام 2011، إلى أن تصبح تلك الدول هي البؤرة الأنسب لتشكيل أفرع تنظيمات القاعدة، ووليدتها (المتوحشة) "داعش"، وبالتالي مُلتقى تجمع المتطرفين والإرهابيين من دول العالم كافة.

على صعيد آخر، أسهمت التحديات الكبرى التي واجهتها الدول الأفريقية من جراء فشل حكومات ما بعد الاستقلال، وتفشي الفساد، والتدخل الغربي الطامع في مقدرات القارة، وأخيرًا التغيرات المناخية ومشكلات البيئة وما خلفته من أمراضٍ ومجاعات، في جعل تلك الدول، لا سيما دول الساحل، أرضًا خصبة للعنف بشكل عام، ولنشأة وانتشار أفرع تنظيمات الإرهاب المُعولم بشكل خاص.

كذلك الأمر في آسيا والدول الغربية، فبالنسبة لدول مثل أفغانستان، وباكستان، والفلبين، والهند وغيرها في آسيا، فقد أدت التحديات والمظلوميات العالقة في تلك الدول إلى ظهور أفرع التنظيمات الإرهابية المعولمة، وانتشار نطاق عملياتها في القارة. أما الدول الغربية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فنتيجة سياساتها تجاه الشرق الأوسط وفشلها في ملفات الاندماج، أصبحت عرضة لظهور خلايا التنظيمات الإسلامية المتطرفة العنيفة، وكذلك جماعات اليمين واليسار المتطرف العنيف في الوقت نفسه.

رحلة حركية طويلة بدأت من الستينيات حتى الآن، ورحلة فكرية أطول، كثيرًا ما يرجعها بعض الباحثين إلى المدرسة الوهابية في نجد، ويرجعها البعض الآخر إلى ابن تيمية وأحداث ماردين في الشام، ويرجعها البعض الثالث إلى أبعد من ذلك. لكن يتفق الكثيرون على أن بلورتها –الحديثة– كانت مع كتابات سيد قطب، خاصة في كتاب "معالم في الطريق"، الذي يعد الكتاب المرجعي لكثير من مفكري تنظيمات الإرهاب المعولم.

في العدد السابع من مجلة "المشهد العالمي لدراسة الإرهاب والتطرف"، نستهل بدراسة مُحكمة عن معايير تصنيف التنظيمات الإرهابية كمحاولة لمزيد من الضبط العلمي لدراسة الظاهرة التي تتعقد يومًا بعد يوم. ثم نُفرد مجالًا أوسع في ملف العدد لدراسة تنظيم الإرهاب المُعولم الأول، وهو تنظيم القاعدة، ذلك التنظيم المسئول عن تحول التطرف الديني، فكريًا وحركيًا، إلى ظاهرة التنظيمات العابرة للقارات واللغات والجنسيات. وينتقل العدد لمتابعة المُستجد من قضايا دولية أخرى، مثل الإرهاب المحلي (اليميني واليساري) في الولايات المتحدة، وكذلك طرح تجربة الحكومة الصومالية الحالية في مواجهة حركة الشباب التي تُمثل شرخًا كبيرًا في شرق أفريقيا. ثم يقدم العدد قراءة نقدية لأبرز ما جاء في أجندة الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب 2020. وأخيرًا يُسلط مرصد المجلة الضوء على الاتجاهات الرئيسية، وأهم الأرقام، والإحصاءات حول ظاهرة الإرهاب والتطرف الواردة في عدد من أهم التقارير والمؤشرات العالمية.

يظل هذا العدد حلقة من حلقات عملنا في دراسة ظاهرة الإرهاب والتطرف باعتبارها ظاهرة حية تتطور وتنمو وتمرض وتعلو وتخفت، وربما تعيد ترتيب أوراقها وتغير جلدها لتظهر بمظهر مختلف. وربما نحن بصدد أشكال لتنظيمات قاعدية (الأصل والهوى) محلية (المظهر)، تقدم نفسها اليوم باعتبارها فاعلًا سياسيًا محليًا جديدًا.