قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات دولية 2023-7-16
عبد المجيد أبو العلا

باحث في العلوم السياسية

 

عقد حلف شمال الأطلسي قمته السنوية بالعاصمة الليتوانية فيلنيوس، يومي 11 و12 يوليو الجاري (2023). ورغم أن اختيار مقر الانعقاد كان قراراً جرى اتخاذه منذ ما قبل بدء العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، إلا أن المضي قُدماً في عقد قمة حلف شمال الأطلسي بالقرب من الحدود الروسية والبيلاروسية رغم توترات الحرب الأوكرانية، وفي أولى الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي، حمل دلالات متعددة أراد الحلف تأكيدها منها التزامه بالدفاع عن جميع دوله، خاصةً المجاورة لروسيا، والدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، والتأكيد على استمراره في دعم أوكرانيا وغيرها من تلك الدول، وعدم التراجع عن مواجهة ما يعتبره الحلف "طموحات توسعية" لروسيا أو رغبة في استعادة الإرث السوفييتي.[1]

مستجدات العضوية

ثمة ثلاث ملاحظات رئيسية حول قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة فيما يتعلق بملف العضوية. الملاحظة الأولى، تتعلق بفنلندا، حيث تعد هذه القمة الأولى التي تحضرها فنلندا كعضو وحليف كامل العضوية، بعدما انضمت رسمياً لحلف شمال الأطلسي، في أبريل 2023، لتصبح العضو الـ31 في حلف الناتو، مع إعلان الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو عن انتهاء حقبة عدم الانحياز العسكري في التاريخ الفنلندي وبداية حقبة جديدة. وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لقمة الناتو، هنأ أمين عام الحلف، ينس ستولتنبرغ، الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو، على مشاركته في القمة بعد انضمام بلاده إلى الحلف.

والملاحظة الثانية، تنصرف إلى ملف السويد، فرغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ربط، في 11 يوليو الجاري، بين الموافقة على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي وبين إعادة إطلاق مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ما فُهم على أنه مقايضة تقود إلى فشل مفاوضات الموافقة على انضمام السويد للناتو، وهو الأمر الذي رفضه مسئولون في الاتحاد الأوروبي معتبرين أن انضمام السويد إلى الناتو وانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قضيتين منفصلتين، إلا أن الموقف التركي الرسمي تغير في اليوم ذاته، حيث أعلن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، بعد محادثات جمعته برئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موافقة الأخير على دعم محاولة السويد للانضمام إلى الحلف العسكري، وعرض الأمر على البرلمان التركي في أسرع وقت ممكن، وأن تركيا والسويد ستعملان بشكل وثيق لتنسيق مكافحة الإرهاب، وتعزيز الروابط التجارية الثنائية.

ويمكن فهم ذلك في ضوء أكثر من إشارة منها ما قامت به السويد في الفترة الأخيرة من تقديم تعهدات بتنفيذ الشروط التركية، فقد أعلن وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، في 27 يونيو الماضي، أن السويد استوفت جميع المتطلبات التي حددتها تركيا من أجل السماح لها بالانضمام لحلف شمال الأطلسي، بعد دخول القانون الجديد لمكافحة الإرهاب حيز التنفيذ، وهو الأمر الذي انعكس على السياسة السويدية تجاه حزب العمال الكردستاني.

فعلى سبيل المثال، قضت محكمة سويدية، في 6 يوليو الجاري، بسجن كردي من أصول تركية لمدة أربع سنوات ونصف السنة على أن يجري ترحيله فور الإفراج عنه، وذلك بعد إدانته بجرائم من بينها محاولة تمويل الإرهاب، وابتزاز رجل أعمال كردي في ستوكهولم تحت تهديد السلاح لدفع أموال لحزب العمال الكردستاني. وتعد تلك القضية هي الأولى التي تشهد تطبيق القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني.

 كما سبق وأعلنت الحكومة السويدية، في 12 يونيو الماضي، موافقتها على تسليم مواطن تركي مناصر لحزب العمال الكردستاني إلى تركيا، بعد مطالبة أنقرة بتسليمه لقضاء عقوبة بالسجن في قضية تهريب مخدرات.

ومن جانب آخر، وبالإضافة إلى مضي الحكومة السويدية قُدماً في تنفيذ المطالب التركية المتعلقة بحزب العمال الكردستاني، فإنها تعهدت في الاجتماع الثلاثي الذي انعقد على هامش القمة بدعم جهود تنشيط عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وتحرير التأشيرات.

وقد لاقت الموافقة التركية ترحيب الولايات المتحدة، التي أعلنت العمل مع تركيا لتعزيز الدفاع وقوة الردع في المنطقة الأوروبية-الأطلسية. وبذلك فإن أنقرة ستعمل على تحقيق أقصى استفادة ممكنة في تلك الملفات والتقدم أكثر فأكثر نحو تحقيق مصالحها وشروطها لحين عرض قرار انضمام أوكرانيا على البرلمان التركي، خاصة أن القرار لن يجري عرضه على البرلمان التركي قبل أكتوبر المقبل بسبب العطلة البرلمانية، مع التلميح بأن هناك العديد من الاتفاقات الدولية والعديد من المقترحات التشريعية المنتظر طرحها في دور الانعقاد القادم[2]، الأمر الذي يعطي مخرجاً لإطالة أمد المدة، فضلاً عن الضغط على السويد والحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة تحت مبررات العمل على حشد تأييد الأغلبية البرلمانية. وقد ربط أردوغان بالفعل استكمال انضمام السويد للناتو بما أسماه "تنفيذ الوعود" ومن بينها اتخاذ خطوات ملموسة ضد "الإرهاب".[3] كما سيحاول الرئيس التركي الحصول على بعض المكاسب والتقدم في قضايا من قبيل التعاون والدعم الاقتصادي، وسفر الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي بلا تأشيرة، وهو الأمر الذي وعد به من قبل مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.[4] وكذلك رفع العقوبات والقيود المفروضة على قطاع الدفاع التركي، وعقد محادثات مع الولايات المتحدة لشراء طائرات مقاتلة من طراز إف-16.[5]

أما الملاحظة الثالثة، فتتمثل في عضوية أوكرانيا في الحلف، حيث أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في 11 يوليو الجاري، أن قادة الحلف اتفقوا خلال القمة على دعوة أوكرانيا للانضمام إلى التكتل حين يتفق الحلفاء وتتوفر الشروط، ودون تحديد إطار زمني لذلك. ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الشروط التي حددتها الولايات المتحدة لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو وعلى رأسها انتهاء حالة الحرب الأوكرانية مع روسيا، بالنظر إلى أن اتخاذ خطوة العضوية في خضم الحرب مع روسيا من شأنه أن يخلق مواجهة مباشرة بين روسيا والحلف الذي سيكون مضطرًا لتفعيل المادة الخامسة من معاهدة الحلف.

ومع اعتراف الناتو بتحقيق أوكرانيا تقدماً كبيراً في متطلبات العضوية، إلا أنه يرى أن هناك المزيد من العمل الذي يجب عليها القيام به فيما يتعلق بإصلاح القوات المسلحة وتعزيز الديمقراطية، وهي ملفات يبدو أن الحلف يسعى بها إلى كسب المزيد من الوقت.

ولعل القرار الأهم لأوكرانيا في هذا الشأن هو موافقة حلف الناتو على إلغاء شرط خطة عمل العضوية بالنسبة لها، بما يختصر مسار عضوية كييف إلى خطوة واحدة بدلاً من اثنتين، بحيث يصدر الحلف دعوته للانضمام حينما يتفق الحلفاء على تلبية الشروط ومناسبة التوقيت، وهو أمر يساهم في تقليص المدة الزمنية لقبول أوكرانيا في عضوية الحلف، حيث قد يستغرق برنامج الإصلاح السياسي والعسكري والاقتصادي في إطار خطة العمل سنوات لتحقيق ما يتضمنه من شروط ومتطلبات بهدف جعل أعضاء الناتو المحتملين متماشين مع معايير الحلف.[6] في حين يُنظر إلى ما تضمنته خطة الضمانات طويلة المدى، والبرنامج متعدد السنوات لتحديث القوات المسلحة إلى معدات ومعايير الناتو، والحديث عن الإصلاحات السياسية والديمقراطية على أنها تمثل واقعيًا بعض بدائل خطوات خطة العمل.

آليات متنوعة طويلة المدى لدعم كييف

حرصت قمة الناتو الأخيرة على تأكيد استمرار الدعم لأوكرانيا، وطمأنة الرئيس الأوكراني بهذا الشأن، وهو ما حرص الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ على إبلاغه لزيلينسكي بشكل مباشر، مشددًا على الحاجة إلى وجود ترتيبات موثوقة لضمان أمن أوكرانيا عند انتهاء الحرب، وهو ما يتقاطع مع خطة عدد من دول الحلف في إطار "مجموعة السبع" للالتزام بتوفير ضمانات أمنية طويلة المدى لأوكرانيا بالشكل الذي يساعدها في ردع أي عدوان روسي مستقبلي بعد انتهاء الحرب، كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لدعم كييف.

إذ تعهدت دول مجموعة السبع على هامش قمة الناتو بمساعدة أوكرانيا على بناء جيش قوي يمتلك قدرات دفاعية برية وبحرية وجوية تمكنه من الدفاع عن البلاد، وتزويده بمعدات حديثة،[7] وهو ما سيتم تحقيقه عبر توفير مساعدات أمنية ومعدات عسكرية وتدريبات وتعاون استخباراتي. كما تهدف الضمانات طويلة المدى إلى تعزيز استقرار ومرونة الاقتصاد الأوكراني وضمان أمن الطاقة والتعاون في مجالات التعافي وإعادة الإعمار. فضلاً عن توفير الدعم الفني والمالي للاحتياجات والإصلاحات الأوكرانية في الشقين السياسي والاقتصادي.[8]

ومع تأجيل حلف شمال الأطلسي ضم أوكرانيا لصفوفه، وكبديل مؤقت لخطوة العضوية الكاملة، استحدث الحلف "مجلس الناتو وأوكرانيا" كآلية للتشاور واتخاذ القرارات بشكل مشترك بين الطرفين. فضلاً عن إقرار برنامج متعدد السنوات لمساعدة القوات المسلحة الأوكرانية على الانتقال من الحقبة السوفيتية إلى معدات ومعايير الناتو لتصبح قابلة للتشغيل البيني بشكل كامل مع قوات الحلفاء.[9]

وبالإضافة إلى عمل الحلف على تغطية الاحتياجات الحرجة مثل الوقود ومعدات إزالة الألغام والإمدادات الطبية،[10] وافقت ألمانيا كذلك على تزويد كييف بمزيد من منصات الإطلاق والصواريخ لأنظمة باتريوت للدفاع الجوي. فيما ستزود بريطانيا أوكرانيا بأكثر من 70 مركبة قتالية ولوجستية وآلاف القذائف لدبابات "تشالنجر 2" وحزمة دعم قدرها 50 مليون جنيه إسترلينى لإصلاح المعدات العسكرية، مع تأسيس مركز إعادة تأهيل طبى للجنود الأوكرانيين يتم تمويله من خلال حزمة المساعدة الشاملة التى خصصها الحلف لأوكرانيا.[11]

ورغم ذلك، شهدت القمة تعبير وزير الدفاع البريطاني عن استيائه من الطلبات التسليحية الأوكرانية المتكررة دون تعبير عن "امتنان" والتعامل مع المخزون التسليحي لبريطانيا وغيرها من الدول الحليفة كما لو أنها "متجر أمازون"، في إشارة استياء من الضغوط الأوكرانية على الحلفاء الأوربيين في ملف التسليح مع مخاوف من تأثيراتها على المخزون التسليحي لتلك الدول.[12]

اهتمام متزايد بالتحدي الصيني

رغم أن الحرب الأوكرانية طغت على اهتمامات القمة، إلا أن هناك العديد من المؤشرات التي تضمنتها فعاليات القمة، تشير إلى الاهتمام المتزايد لحلف الناتو بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبالتنافس المتصاعد مع الصين والتحديات التي تمثلها بكين للنظام الدولي من وجهة النظر الغربية. ومن بين تلك المؤشرات ما تضمنه البيان الختامي الصادر عن القمة من حديث عن ضرورة تضافر جهود الدول الأعضاء لمواجهة التحديات المنهجية التي تشكلها الصين.

 كما أعرب الأمين العام لحلف الناتو عن قلقه إزاء الحشد والتحديث العسكري للصين، بما في ذلك تحديث وتوسيع قوتها النووية. ومقابل التكذيب الصيني لتلك التصريحات وتأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانج ون بين، على تبني بلاده موقفًا متعقلًا ومسئولًا بشأن قضية الأسلحة النووية، والمحافظة على قوتها النووية عند أدنى مستوى مطلوب للحفاظ على الأمن القومي، مع إعلان رفض بكين توسع الناتو شرقًا تجاه الإندو-باسيفيك، أعاد الأمين العام للناتو في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام أعمال القمة حديثه عن زيادة القدرات العسكرية الصينية في المنطقة بما تمثله من تحديات للأمن العالمي، مع ربط ذلك بأمن دول الحلف، بالشكل الذي يضع من خلاله تحركات الحلف تجاه بكين في إطار "الردع" و"المواجهة" وليس "التوسع"، حيث توقّع على سبيل المثال أن تمتلك بكين بحلول عام 2035 نحو 1500 صاروخًا نوويًا قادرين على الوصول إلى أراضي الناتو في أمريكا الشمالية والقارة الأوروبية، مع اتهام بكين بأنها هي من تقترب كثيرًا في تحركاتها الدولية من الدول الأعضاء في الحلف، فضلًا عن اقترابها من القارة الأفريقية والقطب الشمالي، وكذلك الإشارة إلى مساعي بكين للسيطرة على البنى التحتية والمجالات المهمة.

ولا يمكن فهم حديث الأمين العام لحلف الناتو في هذا الإطار كرسائل موجهة للصين أو كتطمينات لدول الإندو-باسيفيك فقط، إنما أيضًا يعكس ذلك الحديث النقاشات الداخلية بالحلف في ظل وجود تباينات بين الدول الأعضاء حول حدود الاهتمام بالصين ومسألة التوسع شرقًا مقابل دعوات التركيز على النطاق الشمال أطلسي، ومعارضة بعض الدول وضع الصين في مصاف التهديدات الأمنية الكبرى التي تواجه الحلف، وهو ما برز على سبيل المثال في معارضة باريس فتح مكتب اتصال للحلف في طوكيو بحجة أهمية استمرار التركيز على منطقة شمال الأطلسي، في حين يرى ستولتنبرغ أن المقترح لا يزال مطروحاً.[13]

وحرص الأمين العام لحلف الناتو على إجراء لقاءات مع قادة الدول الحليفة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ مثل اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا، ليس فقط للدور الذي يمكن أن تلعبه تلك الدول مع الناتو في الإندو-باسيفيك، بل أيضًا بالنظر إلى الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تقدمه لأوكرانيا. وأكد الأمين العام للحلف في تلك اللقاءات على رسالة الناتو لدول المنطقة المتمثلة في وجود ارتباط بين الأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية وبين الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأن التهديد الروسي في أوكرانيا ونظيره الصيني في آسيا لا يمثلان تهديدين إقليميين بقدر ما يمثلان تحديات عالمية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى خطوات تعميق الشراكة بين الحلف وتلك الدول، ومن بينها برنامج الشراكة الجديد بين الحلف وكوريا الجنوبية الذي سيعمل على تعزيز التعاون في مجالات الدفاع السيبراني ومكافحة الإرهاب ومراقبة الأسلحة والتقنيات الجديدة، بعد أن افتتحت كوريا الجنوبية بعثة دبلوماسية لدى حلف الناتو في نوفمبر الماضي،[14] والعمل على تعميق التعاون في مجالات تغير المناخ والدفاع السيبراني والتقنيات الجديدة مع نيوزيلندا التي وصفها بأنها "شريك ذو قيمة عالية"[15] وكذلك العمل على تعميق الشراكة مع أستراليا في مجالات الإنترنت والتقنيات الجديدة ومواجهة التهديدات المختلطة.[16] بالإضافة إلى برنامج الشراكة الجديد بين الناتو واليابان التي وصفها ستولتنبرغ بأنها "أقرب شريك للناتو"، وهو البرنامج الذي سيعزز التعاون في مجالات الحد من التسلح والتقنيات الجديدة والفضاء وسلاسل التوريد والمرونة والابتكار.[17]

خطط دفاعية

أقرت القمة خططًا إقليمية تحدد آليات الردع والدفاع في إطار ما وصفه الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ بـ "أكبر عملية لإعادة تشكيل الخطط الدفاعية الأطلسية منذ الحرب الباردة"، بهدف مواجهة التهديدات الجوية والبرية والبحرية والسيبرانية والفضائية. كما طور الحلف تعهدات دوله ببلوغ نسبة إنفاقها العسكري 2% من الناتج المحلي الإجمالي إلى التزام بأن تكون هذه النسبة حداً أدنى، مع تخصيص خُمس الإنفاق للمعدات الرئيسية والبحث والتطوير، وهو ما يتماشى مع اتجاه عام بزيادة الإنفاق العام داخل الدول الأوروبية على إثر صدمة الحرب الأوكرانية، مع توقعات بارتفاع الإنفاق العسكري للدول الأوروبية وكندا هذا العام 8% مقارنة بالعام الماضي.

 كما أولى البيان الختامي للحلف اهتمامًا بمعالجة هشاشة وضعف بعض البنى التحتية الأساسية لأمن الدول الأعضاء التي تتعرض لتهديدات وتحديات أمنية متزايدة، مثل أنابيب نقل الغاز والنفط والكابلات البحرية. ولذلك قرر الحلف إنشاء مركز بحري لدعم أمن البنى التحتية البحرية الحساسة، وإقامة شبكة تربط الحلف الأطلسي بحلفائه والقطاع الخاص وجهات أخرى لتحسين عملية تبادل وتدفق المعلومات.[18]

بالإضافة إلى ذلك، اتخذ الحلف خطوات جديدة في ملف "صندوق الابتكار" التابع للناتو الذي جرى إطلاقه في قمة مدريد 2022، حيث شهدت قمة فيلنيوس 2023 تشكيل فريق الإدارة العليا للصندوق الذي يعد أول صندوق لرأس المال الاستثماري متعدد السيادة في العالم، ومن المخطط له أن يستثمر مليار يورو في الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير تقنيات للدفاع والأمن. وسيلعب فريق الإدارة العليا دورًا إشرافيًا من خلال توجيه استراتيجية الاستثمار الخاصة بالصندوق لدفع تبني الحلفاء للتقنيات الناشئة وبناء القدرات المبتكرة. ويمهد اختيار تعيين الفريق لخطوة رئيسية نحو اختيار الاستثمارات الأولية في وقت لاحق من هذا العام.[19]

ختامًا، ناقشت قمة حلف شمال الأطلسي السنوية بالعاصمة الليتوانية فيلنيوس الملفات ذات الأولوية التي كانت على أجندة النقاش. ورغم استياء كييف الأولي من تعامل القمة مع ملف عضويتها، إلا أنه في واقع الحال كانت مجريات القمة ونتائجها في إطار ما هو متوقع، وفي إطار ما هو مُخطط له. فلم يكن من المتوقع أن تشهد هذه القمة تصعيدًا تجاه روسيا بإعلان ضم أوكرانيا للحلف، ويعتبر الحلف أن الضمانات الأمنية والمساعدات العسكرية خيارات أقل تصعيدًا تجنبه الصدام المباشر مع روسيا، وفي نفس الوقت لا يتخلى بها عن دعم أوكرانيا. إلا أن أحد المستجدات الهامة هي حلحلة الموقف التركي تجاه انضمام السويد.

وفيما تُعد هذه أول قمة للحلف بعد إقرار المفهوم الاستراتيجي الجديد العام الماضي، فإن تفاعلات القمة تجاه التحديات الأمنية الروسية والصينية جاءت انعكاسًا لما نصت عليه الوثيقة، وكذلك لمستجدات الوضع على الساحة الأوكرانية. وبدا واضحًا كذلك أن الحلف يحرص على ربط التحديات الروسية في المنطقة الأوروبية الأطلسية والتحديات الصينية في منطقة المحيطين الهندئ والهادئ باعتبارهما تجسيدًا لتحديات عالمية ونزع الطابع الإقليمي عنهما، في ظل توجه الحلف نحو تعميق علاقاته مع الشركاء الآسيويين، وقناعته بأن هناك حاجة إلى شراكات عالمية للحفاظ على النظام الدولي الراهن ومواجهة تلك التحديات.

ومن الجانب الآخر، ستعمل موسكو على استغلال ما بدر خلال القمة من تباينات أو خلافات، سواء باستغلال السجال اللفظي بين أوكرانيا وبريطانيا فيما يخص "الامتنان"، وكذلك الاستياء الأوكراني من عدم دعوتها لعضوية الحلف، وربط ذلك بموقف الولايات المتحدة الرافض، ومحاولة تأليب الطرفين ضد بعضهما البعض.


[1] عماد الدين حسين، مغزى عقد قمة الناتو في ليتوانيا، الشروق، 11 يوليو 2023، متاح عبر: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=11072023&id=010877b7-723c-4972-bf39-1de7a94efbf5

[2] أردوغان: لن نصادق على عضوية السويد بالناتو قبل أكتوبر، العربية، 12 يوليو 2023، متاح عبر: https://cutt.us/a29v1

[4] مرشح المعارضة يعد الأتراك بالسفر بدون تأشيرة إلى الاتحاد الأوروبي إذا تم انتخابه رئيسا لتركيا، يورو نيوز، 11 أبريل 2023، متاح عبر: https://arabic.euronews.com/2023/04/11/turkish-opposition-leader-kemal-kilicdaroglu-promised-visa-free-travel-eu-won-election-14

[5] عائداً من قمة الناتو.. أردوغان يتوقع رفع القيود عن مبيعات الأسلحة لتركيا، العربية، 13 يوليو 2023، متاح عبر: https://cutt.us/F5ZJM

[6] إزالة العقبة الوحيدة.. ماذا حصلت أوكرانيا من الناتو؟، سكاي نيوز عربية، 12 يوليو 2023، متاح عبر: https://cutt.us/3fdZ5

[7] شوقي الريس، قمة فيلنيوس: مساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا وضمانات أمنية، الشرق الأوسط، 12 يوليو 2023، متاح عبر: https://cutt.us/9WUEi

[8] Betsy Klein. Assurances that Ukraine’s future is in NATO and new security guarantees calm worries at final day of summit. CNN. July 12, 2023. Available at: https://edition.cnn.com/2023/07/12/politics/joe-biden-nato-summit-day-2/index.html

[9] Secretary General welcomes President Zelenskyy to the NATO Summit ahead of inaugural NATO-Ukraine Council. NATO. July 12, 2023. Available at: https://www.nato.int/cps/en/natohq/news_217099.htm?selectedLocale=en

[10] إزالة العقبة الوحيدة.. ماذا حصلت أوكرانيا من الناتو؟، مصدر سبق ذكره.

[11] عماد الدين حسين، خطة ضمانات أمنية طويلة المدى لأوكرانيا فى ختام قمة «الناتو»، الشروق، 12 يوليو 2023، متاح عبر: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=12072023&id=3c6892fe-9488-4b6d-928f-3ba4c67ec1ed

[12] وزير الدفاع البريطاني: لسنا "متجر أمازون" أسلحة لأوكرانيا، العربية، 13 يوليو 2023، متاح عبر: https://cutt.us/LQ4Ht

[13] الناتو يتهم الصين بالسعي للسيطرة على بنى تحتية "مهمة" في إفريقيا، الشرق للأخبار، 12 يوليو 2023، متاح عبر: https://cutt.us/Q8sZO

[14]  Secretary General welcomes NATO’s deepening partnership with South Korea. NATO. July 11, 2023. Available at: https://www.nato.int/cps/en/natohq/news_217034.htm?selectedLocale=en

[15] Secretary General: New Zealand is a highly valued partner of NATO. NATO. July 11, 2023. Available at: https://www.nato.int/cps/en/natohq/news_217031.htm?selectedLocale=en

[16] Secretary General welcomes Australia’s cooperation with NATO, support to Ukraine. NATO. July 11, 2023. Available at: https://www.nato.int/cps/en/natohq/news_217053.htm?selectedLocale=en

[17] NATO Secretary General: no partner is closer than Japan. NATO. July 12, 2023. Available at: https://www.nato.int/cps/en/natohq/news_217062.htm?selectedLocale=en

[18] قمة فيلنيوس: مساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا وضمانات أمنية، الشرق الأوسط، 12 يوليو 2023، متاح عبر: https://cutt.us/0R7i6

[19] NATO Allies appoint investment team to manage billion euro deep tech fund. NATO. July 10, 2023. Available at: https://www.nato.int/cps/en/natohq/news_217106.htm?selectedLocale=en