* المقال منشور ضمن العدد رقم 101 من دورية "رؤى مصرية"، يونيو 2023.
على مدار السبعين عاما الماضية من حياة الدولة المصرية، قامت مؤسسة الرئاسة بدور كبير في إعادة بناء ورسم الخطوط العامة للسياسة الخارجية المصرية، وكانت هي المسئولة تقليديا عن التغييرات والنقلات الكبرى في تلك السياسة. وزاد دور الدبلوماسية الرئاسية في مجال السياسة الخارجية منذ عام 2014، مع ازدياد التداخل بين الوضع الداخلي وقضايا السياسة الخارجية، بدرجة لم تعد معه الحدود الفاصلة بين الاثنين واضحة تماما.
لم يكن هذا التغيير يخص الدبلوماسية المصرية وحدها، وإنما تواكب مع تحول عالمي، اكتسب فيه العمل الدبلوماسي على المستوى الرئاسي أهمية متزايدة، وابتكرت مفاهيم جديدة للدبلوماسية الرئاسية وغير الرئاسية، وظهرت مفاهيم «دبلوماسية المؤتمرات»، و«الدبلوماسية الاقتصادية» والتنموية والبيئية، و«دبلوماسية المناخ».. إلخ(1) . وكانت زيادة دور الدبلوماسية الرئاسية في مصر بمقدار التحول في مفهوم السياسة الخارجية، وتداخله مع قضايا العمل الداخلي، بحكم المرحلة الراهنة من تطور الدولة والنظام في مصر. ذلك ما عكسه حجم زيارات الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الخارج، وحجم زيارات الزعماء الأجانب إلى مصر. وبالإضافة إلى استمرارية الأهداف التقليدية للسياسة الخارجية المصرية، يمكن القول إن مرحلة ما بعد 30 يونيو 2013 تبنت عددا من الفضاءات الجديدة، حيث شهدت السياسة الخارجية المصرية تحركًا نشطًا في التوجه شرقا ناحية آسيا، وكذلك دائرة شرق المتوسط. أيضاً استعادت مصر قدرًا من التوازن في علاقتها مع القوى الكبرى من خلال استمرار العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، وفى الوقت نفسه فتح الآفاق للعلاقات مع روسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي(2).
في ضوء ذلك، يطرح المقال تساؤل حول أسباب ازدياد دور الدبلوماسية الرئاسية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، ونوعية التحولات التي حدثت في هذه الدبلوماسية، وحجم العوائد التي تحققت منها.
أولا- أسباب تزايد دور الدبلوماسية الرئاسية
بغض النظر عن التباينات بين طبيعة الأنظمة السياسية، فقد أصبحت جميعها بحاجة إلى تكثيف العمل الدبلوماسي على مستوى القمة. ساعد على ذلك تزايد حالة الاستقطاب على الصعيد الدولي، وكثرة الفعاليات داخل المنظمات، والتكتلات الدولية، والضغوط السياسية والإعلامية، وتعدد المناسبات التي أفسحت المجال للملتقيات الجماعية بين القادة والرؤساء، وتزايد حاجة الدول إلى استعراض ذاتها وقدراتها التنافسية اقتصاديا وتجاريا، وكجزء من صناعة الصورة وحملات العلاقات العامة. وتتمثل أبرز الأسباب التي زادت من دور الدبلوماسية الرئاسية بمصر في مجموعة من الأسباب، بعضها يخص مصر، وبعضها يتعلق بالتطورات العالمية بشكل عام، تتمثل فيما يأتي:
1. التحولات في طبيعة النظام السياسي: أدخلت ثورة 30 يونيو، مستجدات على طبيعة نظام الحكم في مصر، جعلته أقرب إلى النظام القيادي، الذي يعتبر فيه الرئيس زعيما للدولة وقائدا للثورة، وتراجع نمط الرئيس البيروقراطي الذي يدير بنمط أقرب إلى اللامركزية. ومنحت الأوضاع السياسية في مصر بعد 30 يونيو الرئيس قدرات استثنائية، بعضها جرت مأسسته بحكم الدستور، وبعضها اكتسبه الرئيس بحكم دوره القيادي في الثورة. وساعد على تعزيز دور الرئيس في السياسة الخارجية ما واجهته الدولة المصرية من مشكلات في الاعتراف الدولي بعد 30 يونيو، والحاجة لتأكيد الشرعية الدولية للثورة. ولم يكن بالإمكان مواجهة ذلك دون الدبلوماسية الرئاسية، التي عملت على كسر الطوق السياسي وإعادة كسب الاعتراف. لذلك لم يكن غريبا أن يبلغ حجم زيارات الرئيس الخارجية في السنة الأولى له في الحكم 2014 - 2015 رقما قياسيا فاق حجم الزيارات الرئاسية للخارج في السنين التالية(3)، حيث برز اهتمام مؤسسة الرئاسة في هذه السنة بإثبات الوجود وعرض وجهة نظر مصر على الصعيد الدولي، عبر خطاب سياسي وحقوقي جديد، تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي تقديمه في المحافل الدولية.
2. الأزمات والتحولات الجيوسياسية: تزايد دور الدبلوماسية الرئاسية في منطقة الشرق الأوسط، بقدر تزايد احتياجات المنطقة إلى تكثيف التفاعلات على الصعيد الرئاسي، مع تزايد التفاعلات ذات الطبيعة الخاصة (الأمنية والعسكرية وتلك الخاصة بالطاقة وترسيم الحدود البحرية)، وذلك في ظل ازدياد سياسات المحاور والاستقطاب داخل المنطقة وبين دولها والعالم. وعظم من ذلك تفجر حدة التوترات والأزمات في النطاق الجيوسياسي الإقليمي وفي الجوار المباشر لمصر: شرق المتوسط، البحر الأحمر، اليمن، ليبيا، والسودان، وهي قضايا أمن قومي وسياسة خارجية. وفي هذه الأزمات ومساحات الاشتباك كان للرئاسة المصرية مبادرات ومواقف شهدت تحركا دبلوماسيا كثيفا حولها، وقام الرئيس بجولات عديدة في الخارج، واستقبل عديدا من قادة ومسؤولي تلك الدول في مصر.
3. التداخل بين القضايا الخارجية والداخلية: شهدت مصر تداخلا كبيرا بين قضايا السياسة الخارجية والقضايا الوطنية في الداخل. وعلى الرغم من أن علاقة التأثير والتأثر بين الوضع الداخلي والسياسة الخارجية هي حقيقة تعرفها كل الدول، فإن الحالة المصرية كان لها خصوصيتها بعد عام 2014، بعدما أصبح الوضع الاقتصادي والتنمية، والتعمير وبناء المشروعات القومية، يشكل محور الرؤية الشاملة التي تتمحور حولها مختلف الجهود الوطنية(4). وعلى الرغم من المقولة التي تشير إلى أن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية، فإن السنوات الأخيرة شهدت زحفا للقضايا الداخلية على قضايا السياسة الخارجية، فأصبح بناء المشروع المصري في الداخل مجال جهد وطني كبير، وبندا رئيسيا من الخطاب الرئاسي في الداخل والخارج، وأصبح الوضع الداخلي أكبر مؤثر في صياغة السياسة الخارجية لمصر، وربما أصبح أهم أهداف زيارات الرئيس الخارجية الذي يصحبه الرئيس معه في جولاته. وإلى حد كبير، جعلت ظروف مصر بعد عام 2014 السياسة الخارجية مخدّمة على المصالح الاقتصادية، وعلى المشروع الوطني الداخلي بشكل عام.
4. القضايا الجديدة في السياسة الخارجية: لم تعد السياسة الخارجية تقتصر على القضايا الكلاسيكية كالمواقف من الأزمات السياسية والمشكلات الدولية، على نحو ما كانت تعكسه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمنظمات الإقليمية في خمسينات وستينات وسبعينات القرن العشرين؛ حيث تقدمت الملفات الاقتصادية، والتنموية، والأهداف الإنمائية والبشرية وطغت على أهداف كثير من المنظمات الدولية، على أثر انتهاء الحرب الباردة ومع أوائل تسعينات القرن العشرين، واحتلت صدارة المشهد الدولي، وأصبحت التكتلات الاقتصادية الدولية والتجمعات الإقليمية ساحة نشطة للقمم الرئاسية. ودفعت موجة العولمة والتشابك الاقتصادي، بالقضايا الاقتصادية، والمجتمعية، والعولمية إلى صدارة قضايا السياسة الخارجية. وإلى حد كبير أصبح القادة والرؤساء يمارسون أيضا - وربما بالأساس- أدوار وزراء الاقتصاد والوزراء الأوائل. وبعدما كانت العقائد، والأيديولوجيات، وسياسات المحاور تجُر خلفها توجهات الدول ومواقفها السياسية، أصبحت قضايا التنمية، والاقتصاد، والمصالح المتبادلة هي الموجه الأساسي للسياسات والمواقف.
وفي سياق ذلك تكاثر توظيف مصطلحات «عسكرة» و«أقصدة» و«أمننة» السياسة الخارجية، وتشكلت خريطة من المصالح والقضايا التى تتطلب لقاءات مستمرة بين مراكز القرار الأعلى(الرؤساء والقادة).
ولقد عزز ذلك من أدوار الدبلوماسية الرئاسية في مصر تحديدا، بالنظر إلى الحاجة الملحة لتوفير الدعم الاقتصادي والمالي لمشروع البناء والتعمير الوطني والمشروعات الكبرى في الداخل.
5. تزايد دبلوماسية القمم والمؤتمرات: يصعب حصر عدد المؤتمرات التي يدعى إليها رؤساء الدول في المنظمات الدولية والإقليمية، وفي التجمعات والمنظومات الثنائية والمتعددة. وبالنسبة لمصر برز دور الدبلوماسية الرئاسية خلال اجتماعات وقمم جماعية كثيرة، من ذلك البريكس، التي حضر الرئيس السيسي قمتها التاسعة في سبتمبر 2017 بالصين، وقمتها الـ 14 بالصين أيضا في يونيو 2022، وقمة «محيط واحد» في فبراير 2022 المخصصة للحفاظ على البيئة، والقمة الأفريقية - الأوروبية في فبراير 2022 بفرنسا، والقمة العربية الأمريكية في جدة التي جمعت قادة مصر، والعراق، والأردن، ودول مجلس التعاون الخليجي، والولايات المتحدة الأمريكية في يوليو 2022، ثم حوار «بطرسبورج» للمناخ، والقمة العربية الصينية الأولى بالمملكة العربية السعودية في ديسمبر، والقمة الأمريكية الأفريقية، ثم قمة الحكومات في دولة الإمارات في فبراير 2023.
وكان أبرز تجليات دبلوماسية القمم والمؤتمرات الدولية القمة العالمية للمناخ COP27، التي عقدت بمدينة شرم الشيخ المصرية في نوفمبر 2022، والتي التقى خلالها الرئيس السيسي بعشرات من قادة الدول، وحضرها عشرات الآلاف من المسؤولين والمشاركين على مستوى العالم، وخلالها أطلق الرئيس السيسي الدعوة المصرية إلى وقف النار بين روسيا وأوكرانيا.
ثانيا- عوائد ومردودات الدبلوماسية الرئاسية
أدى تكثيف الدبلوماسية الرئاسية في السياسة الخارجية المصرية إلى مجموعة من النتائج، منها ما يأتي:
1. استحداث دوائر جيو- سياسية أصغر: شهدت السنوات الماضية تشكل دوائر جيوسياسية جديدة، كانت بمثابة ساحات مهمة لنشاط الدبلوماسية الرئاسية، وذلك دون إهمال الحركة الأشمل في الدوائر التقليدية المعروفة للسياسة الخارجية المصرية، وهذه الدوائر الأصغر والأحدث مثلت ساحات للتداخل بين الفضاءات الجيوسياسية الإقليمية، وتطورات الداخل المصري واحتياجاته، من ذلك دوائر: شرق المتوسط (الطاقة)، البحر الأحمر(الأمن والأمن البحري)، الخليج (بالأخص السعودية والإمارات)، حوض النيل والقرن الأفريقي والامتدادات الأفريقية بشكل عام(السودان، إثيوبيا، جيبوتي، إريتريا، الصومال، أوغندا، الكونغو، كينيا، النيجر، غينيا.. إلخ)، تجمع الشام الجديد(مصر، الأردن، العراق)، وهي الدوائر الأصغر التي مثلت فضاءات نشطة للدبلوماسية الرئاسية. واستلزمت تفاعلات خاصة على المستوى الرئاسي، تتجاوز التفاعلات التقليدية لوزارة الخارجية، وتتضمن أهدافا أكثر إلحاحية، ترتبط بالأولويات العاجلة للدولة المصرية. على سبيل المثال دائرة شرق المتوسط التي تجسدت حول مصالح الطاقة بالإقليم، وفي سياق اتفاقات التفاهم بين مصر واليونان وقبرص، وفي ظل الاشتباك مع تركيا. ودائرة البحر الأحمر، التي تشكلت مع تشكل مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن في يناير 2020.
2. تعدد القضايا الاستراتيجية: مع ازدياد الامتدادات الخارجية للقضايا الوطنية، تعددت القضايا الإستراتيجية في السياسة الخارجية المصرية؛ فبعد عقود كانت فيها جولات الرئيس الخارجية تتعلق أساسا بتنسيق المواقف بشأن قضايا السياسة الخارجية وبالأخص الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية أو الغزو العراقي للكويت، أو أزمات الدول العربية، أو التنسيق بشأن القمم العربية، وبعد أن تراكمت الأزمات بالإقليم، زاد ثقل ووزن الدبلوماسية الرئاسية في السياسة الخارجية. ومع ازدياد مساحات التفاعل والاعتمادية بين المشروع الوطني الداخلي والخارج (مؤسسات التمويل وجهات الدعم المالي)، اندفعت القضايا الاقتصادية والتنموية إلى صدارة شواغل الدبلوماسية الرئاسية، وأصبح دولاب العمل الوطني وتحسين الوضع الاقتصادي للدولة الهدف الأساسي لتحركاتها الخارجية، وتصدرت خدمة القضايا الوطنية، والمشروع التنموي نشاط الدبلوماسية الرئاسية، بعدما كان قد سبقها إلى ذلك قضايا الأمن القومي. هكذا، تمركزت السياسة الخارجية حول الاقتصاد والأمن القومي، وجعلت الرؤية الوطنية للرئيس عبدالفتاح السيسي، الأهداف التنموية الداخلية - وليس السياسة الإقليمية - على رأس أولوياته في جولاته الخارجية، وهو أمر برز بشكل واضح، في حديث الرئيس في مؤتمر قمة الحكومات في أبوظبي في فبراير 2023.
3. تحرك القضايا الداخلية نحو الخارج: أدى ازدياد دور الدبلوماسية الرئاسية، إلى تحرك بعض قضايا الوضع الداخلي في مصر نحو السياسة الخارجية، وبالعكس أيضا فإن ازدياد دور الدبلوماسية الرئاسية جاء بسبب تحرك بعض القضايا الداخلية نحو السياسة الخارجية، مع تزايد مساحات التشابك بين الاثنين. وفي الحقيقة، فإن هذا التحرك لقضايا الوضع الداخلي نشأ كنتيجة لأوضاع مصر بعد 2011، و30 يونيو، وهي الأوضاع التي لم تكن مستقرة إلى حد كبير. لذلك انعكس التأكيد على مركزية الدولة الوطنية والسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية في الخطاب والدبلوماسية الرئاسية. وكان أول ما تحرك إلى ساحة العمل الخارجي من الشؤون الداخلية هو ملف الإرهاب الذي استتبع أيضا الملف الحقوقي، الذي سيطر على المشهد المصري بعد 30 يونيو، واضطرت معه الدولة إلى أن تحركه معها في الخارج، كملف دولي يمثل قلب تحركها الخارجي، ساعد على ذلك احتلال هذا الملف الأهمية ذاتها في الإقليم، بعد أن شكل القضية المركزية للنظام العربي منذ 2014، حيث برز خطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا، وبرز الدور التركي القطري في دعم الإخوان والجماعات الإسلامية. وبسبب ذلك دخلت مؤسسة الرئاسة المصرية في معارك جدلية برزت خلال زيارات الرئيس الخارجية، وبخاصة في الدول الغربية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا)، وخلال زيارات قادة هذه الدول إلى مصر، كما سيطر ملف مكافحة الإرهاب على قمم جامعة الدول العربية، وبرزت قوائم الإرهاب لدى كل من مصر والسعودية والإمارات.
4. تنشيط الحركية في السياسة الخارجية: فضلا عن المبادرات الرئاسية في الشأن الداخلي (التعمير والمشروع التنموي)، والتي عززت مكانة الدبلوماسية المصرية على الساحة العربية، فقد نشّطت الدبلوماسية الرئاسية المبادرات المصرية في الشأن العربي والإقليمي والدولي، ذلك ما اتضح من المبادرة الإنسانية في مايو عام 2021، بتقديم مصر دعما بمقدار 500 مليون دولار للفلسطينيين، والمبادرة الإنسانية للإغاثة في سوريا وتركيا على أثر الزلازل في البلدين في 2023. ويؤكد رصد زيارات الرئيس مدى كثافة تحركاته الخارجية على الصعيد الثنائي، فمنذ تولي الرئيس السيسي الحكم عام 2014 وحتى ظهور جائحة كورونا، قام الرئيس بـ 115زيارة خارجية، زار فيها 46 دولة، شملت دولا عربية بإجمالى 38 زيارة، وأفريقيا بإجمالى 29، وأوروبا وأمريكا بإجمالى 29، وآسيا بإجمالى 18. كما عقد الرئيس على أرض مصر 911 اجتماعاً مع قادة ومسؤولين قاموا بزيارتها من مختلف دول العالم(5). وتضمنت لقاءات الرئيس: قمما مع القادة، واجتماعات مع رؤساء شركات دولية، ووفود رجال أعمال، ولقاءات مع وزراء خارجية، ودفاع، ووفود برلمانية، وقيادات روحية عالمية، ولقاءات إعلامية وصحفية(6).
وكان أهم عوائد الدبلوماسية الرئاسية أنها عملت على إعادة توزيع وانتشار مجالات تحرك الدبلوماسية المصرية لتتجه نحو قدر أعلى من التوازن في التوجهات، على نحو ما أبرزته الزيارات واللقاءات الرئاسية؛ فبينما احتلت الدائرة العربية مركز الصدارة في زيارات الرئيس الخارجية خلال الفترة (2014 - 2022)، ببلوغها 41 زيارة، فقد احتلت القارة الأوروبية المركز الثاني بواقع 40 زيارة، فيما احتلت الدائرة الإفريقية المركز الثالث بواقع 30 زيارة، وبلغت زيارات الرئيس لدول آسيا 19 زيارة، وللولايات المتحدة 8 زيارات، 6 منها لمدينة نيويورك للمشاركة في الاجتماعات الدورية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وزيارتان للعاصمة واشنطن(7). وبشكل عام، جاءت الدائرة الخليجية في وضع متميز بين دوائر حركة الدبلوماسية الرئاسية؛ فأتت المملكة العربية السعودية في صدارة الدول التي زارها الرئيس بعــدد (13) مــرة، بينمـا زار الرئيس دولة الإمـارات 9 مـرات، وجمـــع الرئيس والشيــخ محمـد بـن زايد 28 لقاء منذ عام 2015 وحتى أبريل 2023(8).
وفي الدائرة الأفريقية، حرص رئيس الجمهورية منذ عام 2014 على المشاركة في كافة القمم والاجتماعات الإفريقية، كما ترأس لجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية حول تغير المناخ لمدة عامين، وشارك فى عام 2019 فى القمة الألمانية الإفريقية ببرلين، وفي القمة الأفريقية الأوروبية في فبراير 2022 ببروكسل، واستضافت مصر القمة التنسيقية الأولى بين الاتحاد الأفريقي والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، وفعاليات منتدى إفريقيا فى عام 2019 بالعاصمة الإدارية الجديدة، ونظمت ملتقى الشباب الأفريقي في عام 2019، وقام الرئيس بزيارة عدد من الدول الأفريقية(9).
وشهدت العلاقات المصرية بالدول الآسيوية تقدما ملحوظا منذ عام 2014، عكسه إدراج المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بقائمة مشاريع الممر البحري لمبادرة الحزام والطريق الصينية، واتفاق مصر والصين على شراكة إستراتيجية متكاملة عام 2014، وزيارة الرئيس إلى اليابان في مارس 2016 كأول زيارة لرئيس مصري منذ أكثر من 15 عاما، كما شاركت مصر فى قمة منتدى الهند إفريقيا عام 2015.
وقام الرئيس بزيارات لكل من إندونيسيا وسنغافورة وكازاخستان، بالإضافة إلى زيارته إلى فيتنام فى عام 2017 كأول رئيس مصري منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فى عام 1983.
وكانت إحدى الساحات الأساسية لنشاط الدبلوماسية الرئيسية منطقة شرق أوروبا. وبينما شهدت العلاقات المصرية الأوروبية دفعة قوية، سواء على المستوى الثنائي من خلال زيارات الرئيس لعدد كبير من دول أوروبا، وعلى المستوى الجماعي عبر تطوير الشراكة مع دول فيشجراد، فقد شهدت السنوات منذ 2013 تسع زيارات متبادلة بين الرئيسين المصرى والروسى. وعلاوة على ذلك وظف الرئيس السيسي الدبلوماسية الرئاسية في فتح آفاق جديدة غير مطروقة، فكان هو أول رئيس مصرى يقوم بزيارات رسمية لدول أفريقيا بأكثر من 20 زيارة، وهو ما يفوق الزيارات الرئاسية خلال 70 عاما الماضية، وهو أول رئيس مصري يزور أوزبكستان منذ جمال عبد الناصر الذى زارها في 1958 وصربيا منذ عام 1955، وأول رئيس مصري يزور جنوب السودان، وجيبوتي، ورواندا، والجابون، وأفريقيا الوسطى، وهو أول رئيس مصري يزور سنغافورة وبيلاروسيا وقبرص وفيتنام، وهو أول رئيس مصري يسافر لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك 6 مرات متتالية، وأول رئيس مصري يسافر لحضور اجتماعات قمة مجموعة الدول الصناعية السبع(10).
ختاماً، ساعدت الدبلوماسية الرئاسية منذ 2014 في عودة مصر كلاعبٍ إقليمي(11)، وأسهمت في تحقيق المصالح الوطنية للدولة، وفى تحقيق متطلبات الأمن القومي، وفي تعزيز القدرات المصرية وتوفير الدعم الخارجي، وعززت التعاون الدولي مع جهود التنمية الشاملة التى تشهدها مصر حاليا. كما أسهمت الدبلوماسية الرئاسية في إزالة القيود على حركة مصر الخارجية، خاصة ملفات الحقوق والحريات، والأمن القومي. بيد أن أغلب زيارات الرئيس للخارج سوف تكون مدفوعة بالأساس بالأهداف والتحديات الاقتصادية.
ويجدر الإشارة إلى الخطاب الرئاسي الذي يعمل دائما على شحذ القدرات ورفع الهمم الوطنية في الداخل، ويكرر دائما بأن «التحدي يولد فرصة».
المراجع
1. الدبلوماسية المصرية .. 8 سنوات من حرية واستقلالية القرار وسياسة خارجية تحكمها المصالح الوطنية، وكالة أنباء الشرق الأوسط، 7/6/2022.https://mena.org.eg/news/dbcall/table/webnews/id/9609984#
2. د. محمد كمال، السياسة الخارجية المصرية ما بعد 30 يونيو: أهداف ودوائر جديدة، مركز المعلومات ودعم اتحاذ القرار- مجلس الوزراء المصري، 27 يوليه 2021.
3. الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان: 115 قمة و1000 لقاء دولي للرئيس أعادت التوازن لعلاقات مصر الخارجية، 10 يناير 2021.
4. عادل السنهوري، الدبلوماسية الرئاسية الناجحة.. الاقتصاد في مقدمة الأولويات.. زيارات الرئيس الخارجية نجحت فى دعم الاقتصاد المصرى وتعزيز مكانة مصر إقليميا ودوليا.. أكثر من 100 رحلة لحوالى 66 دولة × 8 سنوات، اليوم السابع، 25 يوليو 2022.
5. ضياء رشوان، الدبلوماسية الرئاسية تعيد مصر إلى العالم بمشهد غير مسبوق، صحيفة البيان الإماراتية، 30/1/2023.
6. لقاءات السيد الرئيس بالمسؤولين الأجانب الزائرين لمصر 9/6/2017 – 8/6/2018، https://www.sis.gov.eg/UP/BOOks/2-1.pdf
7. وسام عبد العليم، ضياء رشوان: دبلوماسية القمة للرئيس السيسي حققت نجاحات كبرى لسياسة مصر الخارجية، بوابة الأهرام، 20-9-2022.
8. السيسي ومحمد بن زايد تاريخ حافل من الزيارات المتبادلة تقرير، بوابة أخبار اليوم، 12 إبريل 2023.
9. إسراء أحمد فؤاد، دور مصر الإقليمي يسطع في سماء أفريقيا، اليوم السابع، 15 نوفمبر 2020.
10. عادل السنهوري، الدبلوماسية الرئاسية الناجحة.. الاقتصاد فى مقدمة الأولويات.. زيارات الرئيس الخارجية نجحت فى دعم الاقتصاد المصرى وتعزيز مكانة مصر إقليميا ودوليا، مرجع سابق.
11. عادل عبد الغفار، هل عادت مصر إلى مكانتها؟، تقييم السياسة الخارجية المصرية في عهد السيسي، موجز قضية، مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، نوفمبر 2022.
https://mecouncil.org/publication/%D9%87%D9%84-%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%AA-