رابحة سيف علام

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

 

شهد لبنان خلال الأيام القليلة الماضية حركة مستجدة لتداول أسماء جديدة في ملف انتخابات الرئاسة المعطل منذ نحو سبعة أشهر، وكان أبرزها جهاد أزعور وزير المالية الأسبق والمسئول الحالي عن ملف الشرق الأوسط وآسيا الصغرى في صندوق النقد الدولي. ورغم أن اسم جهاد أزعور كان مطروحاً منذ عدة أسابيع كمرشح توافقي من خارج التيارات والاستقطابات، إلا أن ترشحه قد اكتسب أهمية استثنائية عندما تم تداوله باعتباره مرشحاً محتملاً تدعمه الكتل المسيحية ليكون مقابلاً لمرشح حزب الله المفضل سليمان فرنجية الذي يحظى بدعم الثنائي الشيعي وتم الترويج لاسمه خلال الشهرين الماضيين باعتباره المرشح الوحيد الذي يمكنه ملء الفراغ الرئاسي سريعاً.

مرشحون محتملون ولا رئيس

وكان برلمان لبنان قد أتم عامه الأول بعد انتخابه في مايو 2022 وسط تطلعات واسعة بقدرته على تغيير معادلات الحياة السياسية اللبنانية. ولكن العام الأول لم يجلب للبنان هذا التغيير المنتظر، حيث فشلت الكتل البرلمانية في التوافق على رئيس جديد لحكومة تعكس التركيبة الجديدة التي تم انتخابها وبقى رئيس الوزراء نجيب ميقاتي على رأس حكومة تصريف أعمال يقضي في الأمور الضرورية فقط دون أن تكون له صلاحيات واسعة تُمكنّه من تمرير الإصلاحات المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية الطاحنة.

وفي المقابل، انتهت ولاية الرئيس عون منذ نوفمبر 2022 مما أدخل لبنان في فراغ رئاسي عجز البرلمان عن ملئه بانتخاب رئيس جديد على مدار إحدى عشر جلسة من جولة واحدة لم يتمكن فيها أي مرشح من الحصول على النصاب المطلوب لانتخاب الرئيس بأغلبية الثلثين.

تشابك الوضع الدستوري اللبناني بفعل أمرين منعا كلاً من مجلس النواب ومجلس الوزراء من الالتئام. فمن جهة، رفض البعض وعلى رأسهم التيار الوطني الحر التئام الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي أو تسلمها لمهام الرئيس لكونها حكومة تصريف أعمال لم تحصل على ثقة البرلمان الجديد وتمارس مهامها بموجب ثقة البرلمان الماضي.

ومن جهة أخرى، رفض آخرون عقد جلسات برلمانية للتشريع حتى يتم انتخاب رئيس لأنه عند شغور موقع الرئاسة يصبح مجلس النواب حُكماً جهة انتخاب وليس جهة تشريع ولا يصح له التشريع لحين الانتهاء من مهمة انتخاب الموقع السياسي الأول في البلاد. وهكذا، وقع لبنان بين تجميد كل من مجلس نوابه ومجلس وزرائه فضلاً عن شغور موقع الرئيس، مما أوقع البلاد في دوامة التجميد والتعطيل، إلى جانب التدهور الاقتصادي.

تبقى عقدة انتخاب الرئيس قائمة نظراً لانقسام التركيبة البرلمانية حول تفضيلاتها بشأن الرئيس القادم وعدم امتلاك أي كتلة القوة التصويتية اللازمة لانتخاب الرئيس منفردة، فضلاً عن انقسام كل فريق من الحلفاء حول هوية ومواصفات الرئيس. ففريق حلفاء حزب الله يطرح سليمان فرنجية رئيس حزب المردة ليكون مرشحاً للرئاسة ويسانده في ذلك حليفه الأقرب حركة أمل مما يعني توحد الثنائي الشيعي خلف فرنجية. بينما التيار الوطني الحر الذي طالما طمح زعيمه جبران باسيل للرئاسة خلفاً لميشال عون يجد أن فرنجية غير مناسب لعدم امتلاكه كتلة مسيحية كبيرة وكأنه مرشح الشيعة، ويدفع لانتخاب مرشح آخر له مواصفات خاصة أهمها تمثيله لثقل مسيحي قوي في البرلمان.

ولذلك، فقد عارض باسيل بقوة انتخاب فرنجية، كما عارض أيضاً قائد الجيش الحالي جوزيف عون الذي تم طرحه من البعض كمرشح قريب من الجميع. إذ خاض باسيل حملة لتشويه قائد الجيش طمعاً في نفي صفة قربه من الجميع واتهامه بالتآمر على عهد عون على خلفية رفضه لقمع المتظاهرين خلال الانتفاضة الشعبية التي قامت خلال عهد عون منذ أكتوبر 2019.

وإزاء اختلاف الحليفين -حزب الله والتيار الوطني الحر- على اسم الرئيس القادم، واصل هذا التحالف التصويت بورقة بيضاء خلال جلسات متعاقبة فشلت في انتخاب الرئيس لمنع إخراج خلافاتهما للعلن. أما كتل المعارضة التي تعتبر نفسها معبرة عن التيار السيادي، فقد طرحت ميشال معوض مرشحاً بديلاً، حيث حظى خلال عدة جلسات بكتلة تصويتية تخطت ثلث الأصوات ولكنه لم يُوفق مطلقاً في الحصول على نتيجة تقترب من النسبة المطلوبة – الثلثين- لانتخاب الرئيس خلال الجولة الأولى من التصويت، بينما كانت جلسات الانتخاب تفقد نصابها مباشرة بعد الجولة الأولى بما يمنع انعقاد جولة ثانية لكل جلسة.

توحد معارضي فرنجية حول أزعور

أما التطور الملحوظ الذي طرأ على خريطة التفاعلات الخاصة بانتخابات الرئاسة فهو قرار القوى المسيحية المعارضة لانتخاب فرنجية للتوحد رغم خلافاتها الجذرية لمواجهة دعم حزب الله له. فمن جهة، ابتعد التيار الوطني الحر عن حليفه حزب الله وقرر المضي قدماً في التحالف مع قوى المعارضة المسيحية وأبرزها القوات اللبنانية وحزب الكتائب من أجل إبقاء قرار اختيار الرئيس ضمن المعسكر المسيحي.

وفي ذلك يتخلى باسيل عن طموحه الشخصي في التقدم للرئاسة، بينما يتخلى كل من القوات والكتائب عن قرارهم السابق بترشيح رئيس من خارج فلك تحالفات حزب الله وله مشروع واضح لمواجهة السلاح خارج إطار الدولة. فجهاد أزعور كان قد طُرح اسمه سابقاً من وليد جنبلاط وآخرين باعتباره مرشحاً وفاقياً لا يتصادم مع أي تيار ولا يخضع لخريطة الاستقطابات خاصة أنه مقبول من التيار الوطني الحر ومقبول من القوى الدولية والإقليمية نظراً لعمله في المنظومة المالية الدولية. ولكن مجرد طرحه كمرشح مقابل لفرنجية جعل حزب الله يستقبل هذا الترشيح كخطوة تحدي واستقطاب لإفشال انتخاب فرنجية، بل إن الحزب قد ذهب بعيداً واعتبر أن طرح اسم أزعور ما هو إلا مناورة لخفض فرص فرنجية وليس مرشحاً حقيقياً[1].

وكان ترشيح فرنجية قد مر بعدة مراحل، ففي البداية كان مرشحاً خافتاً للثنائي الشيعي، بحكم أنه الحليف المسيحي الأقرب الذي كان موعوداً بالرئاسة منذ عام 2014، ولكن اختياره تراجع لصالح تنصيب ميشال عون فيما بعد في 2016، وبالتالي فهو يرى نفسه المرشح الطبيعي لهذا الاستحقاق الراهن. ولكن ترشيح فرنجية كان معطلاً بفعل عاملين: الأول داخلي، والثاني إقليمي ودولي.

 فيما يتعلق بالعامل الداخلي، كان طموح باسيل لخلافة عون بحكم أنه الرجل المسيحي الأقوى في عهد عون نفسه وتصبح فرصته مثالية لاستكمال هذا الإرث وتنميته لعدة سنوات أخرى. وبالتالي لم يدخر باسيل جهداً لتشويه المرشحين المنافسين له وخاصة فرنجية وقائد الجيش جوزيف عون، ثم تخلف عن ترشيح أي مرشح آخر من تياره كي لا يبقى هناك اختيار ملائم سواه هو شخصياً. ومن ثم برز باسيل كعنصر مُعطِّل لانتخاب الرئيس لعدة أسابيع لرفضه تمرير مرشح حزب الله الموعود بالرئاسة سليمان فرنجية.

وفيما يتصل بالعامل الدولي، كان فرنجية نفسه وقربه من حزب الله وصداقته الشخصية للرئيس السوري بشار الأسد وموقفه من الصراع في البلد الجار المؤثر بشدة في التفاعلات السياسية في لبنان. إذ بدا سابقاً أن انتخاب رئيس لبناني صديق للرئيس السوري في وقت كان فيه الرئيس السوري نفسه معزولاً عن محيطه العربي، وكأنه إدخال لبنان في فخ العزلة العربية هو الآخر.

ولكن يبدو أن التقارب السعودي-الإيراني منذ اجتماع بكين في 10 مارس الماضي ثم الانفتاح السعودي على سوريا وحضور الأسد القمة العربية بجدة وكأنه أزال العقبة العربية لانتخاب فرنجية. فيما زالت العقبة الدولية فيما بعد عندما زار فرنجية باريس في إبريل الماضي وبدأت فرنسا بالاقتناع بأنه المرشح الوحيد الذي يمكنه أن يُنهي الفراغ الرئاسي سريعاً.

وكانت فرنسا قد استضافت منذ فبراير الماضي[2] عدة لقاءات تشاورية في صيغة خماسية ضمت ممثلين عن كل من الولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر فضلاً عن فرنسا للتشاور في بدائل حل الأزمة السياسية اللبنانية، حيث تكررت توصيات اللقاء الخماسي بشأن ضرورة الإسراع بانتخاب رئيس كشرط مسبق للبحث عن حلول لسلسلة الأزمات الاقتصادية المتعاقبة، في صيغة أقرب للمشروطية السياسية قبل السماح بتقديم المساعدات الاقتصادية[3].

وفي هذا الإطار، كانت فرنسا هي راعي المساعي الدولية للإسراع بإتمام الانتخابات، فمن جهة، عملت على تنسيق الجهود مع السعودية وقطر ومصر من أجل ضمان عودة الاحتضان العربي للبنان فور إتمام الانتخابات الرئاسية. ومن جهة أخرى، عملت على خفض الشروط الأمريكية فيما يتعلق بالرئيس اللبناني القادم، فما يعني واشنطن هو أن يكون الرئيس غير تصادمي ولا يغير من ثوابت الجيش اللبناني الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع الأمريكيين ولا يعزز من نفوذ حزب الله الواسع بالفعل، بمعنى الإبقاء على الوضع الحالي دون زيادة أو نقصان[4]. وكلها تعهدات نجحت فرنسا في الحصول عليها من فرنجية خلال زيارته لباريس للترويج لترشيحه في الأوساط الدولية.

أما السعودية، فقد أبدت تجاوباً مع اسم فرنجية ولم تعارض ترشيحه أو تهدد بعدم إعادة المساعدات والدعم إذا ما تم انتخابه، بل عبرت عن دعمها لما يتفق عليه اللبنانيون أنفسهم، وهو ما تزامن مع خطوات التقارب السعودي-الإيراني وعودة سوريا لجامعة الدول العربية، ففرنجية ليس مرفوضاً من السعوديين ولكن في نفس الوقت فإن الرياض لن تؤيده أو تسعى لانتخابه.

وهكذا، أصبح فرنجية بمثابة المرشح الأقوى المطروح على الساحة والذي لا يقابل أي معارضة دولية ولا عربية، ولكن في المقابل بقيت خطوة انتخابه مُكبّلة بسبب عدم توفر نصاب كافٍ للانتخاب داخل البرلمان، فالثنائي الشيعي لن يكون قادراً على توفير نصاب الانتخاب دون الحليف المسيحي وهو التيار الوطني الحر. بينما نحى الأخير إلى تغيير موقفه جذرياً بالتقارب مع الكتل المسيحية الأخرى كالكتائب والقوات اللبنانية كي يتم طرح مرشح التيار جهاد أزعور كمرشح تقدمه عدة كتل دفعة واحدة بدلاً من مرشح المعارضة الذي انحسر في اسم ميشال معوض لعدة جلسات انتخابية سابقة.

فرص عقد جلسة انتخاب جديدة

كان ترشيح جهاد أزعور متوقفاً على أكثر من عامل: الأول، أن يكون الترشيح وفق ما أعلن أزعور نفسه توافقياً وغير تصادمي وغير موجه لأي فريق، وهو في ذلك يقصد حزب الله بالأساس، حيث يرى أزعور نفسه مرشحاً للإنقاذ والتوافق وليس للتصادم أو الاستقطاب. والثاني، كان التيار الوطني الحر يلوح بترشيح أزعور دون أن يعلن هذا الترشيح بشكل حاسم باعتباره مرشحه الوحيد الذي يحاول أن يجمع أصوات الكتل المختلفة لصالحه. وكان ترشيح التيار لأزعور يصطدم بعدم التوافق داخل التيار نفسه على اسمه، فالتيار الوطني الحر يشهد بعض الانقسامات إزاء أداء باسيل في قيادة التيار لملف الانتخابات الرئاسية واتهامه بالتعطيل لصالح طموحه الشخصي للرئاسة.

كما يأخذ عدد من نواب التيار على رئيسه باسيل الخطوات التي اتخذها ابتعاداً عن حزب الله وتخليه تدريجياً عن تحالفه مع الأخير دون أن ينجح في استقطاب حلفاء جدد وكأنه قد قرر أن يبقى وحيداً على الساحة دون حلفاء. ولذا، فقد تأخر الإعلان عن الدعم الصريح من جانب التيار الوطني الحر لجهاد أزعور بسبب الخلافات الداخلية التي لا ترى في أزعور المرشح الأمثل الذي يجوز الابتعاد عن حزب الله من أجل ترشيحه[5].

والثالث، أن أزعور واجه عقبة دعم الكتل المعارضة له، فالكتل الذي ساندت ميشال معوض ودعمته للرئاسة كانت تعلن دوماً استعدادها للتخلي عن هذا الترشيح لصالح مرشح آخر قد يبدو أقرب لحصد أصوات كتل أخرى كي تتسع قاعدة التصويت ويتم الانتخاب. وقد أبدى ميشال معوض الاستعداد ذاته للتخلي لصالح مرشح آخر أوفر حظاً، ولكن فقدان الثقة بين التيار الوطني الحر والكتل المعارضة وفي مقدمتها القوات والكتائب وبعض نواب التغيير والتجدد قد أدى إلى تأخير هذه الخطوة لعدة أيام.

ولكن ربما كانت همزة الوصل التي عالجت هذه المعضلة هي زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي لباريس في نهاية مايو الفائت لعرض قائمة من المرشحين وعلى رأسهم جهاد أزعور. إذ بدا أن مبادرة الراعي قد حملت رسائل الرغبة المسيحية الملحة في اختيار مرشح من داخل المعسكر المسيحي وليس فقط انتخاب مرشح مسيحي مدعوم من الثنائي الشيعي.

ورغم ذلك، فإن المبادرة التي رعاها البطريرك الماروني لم تكن لتحمل عنوان التصادم أو التحدي بل استعراض فرص مرشحين آخرين قادرين على حصد الدعم من الكتل المسيحية بشكل واسع. ولحرص البطريرك الماروني على نفي صفة التحدي والمواجهة عن زيارته لباريس فقد أرسل مبعوثاً منه للأمين العام لحزب الله لإطلاعه على نتائج زيارته الخارجية لكل من الفاتيكان وفرنسا وما تحمله من محاولة للإسراع في إتمام الانتخابات الرئاسية.

على التوازي مع ذلك، تحقق عنصر الثقة بين الكتل المسيحية التي التقت على اسم أزعور، وقام التيار الوطني الحر بإعلان ترشيح أزعور بشكل رسمي، بينما قرر ميشال معوض التنازل عن ترشحه لصالح أزعور وبدعم من عدة كتل برلمانية أخرى تمثل الكتائب والقوات وبعض نواب التغيير ونواب كتلة التجدد. وأكد النائب مارك ضو في بيان ألقاه لدعم عدة كتل نيابية ترشيح اسم جهاد أزعور أن هذا الترشيح ليس استفزازياً وليس موجهاً ضد أي فريق، كما أنه ليس تحالفاً طويل الأمد بل هو "تقاطع" على اسم مرشح محتمل للرئاسة بهدف إبرام الاستحقاق الرئاسي فوراً وإنهاء عصر الصفقات والصفقات المقابلة.

 ودعا مارك ضو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الدعوة لجلسة انتخاب جديدة لتكون من عدة جولات حتى انتخاب الرئيس وليست من جولة واحدة ينفض بعدها النصاب كما كان الحال في محاولات الانتخاب الفاشلة السابقة[6]. وهو في ذلك يقصد أن يكون الانتخاب في الجولة الأولى بتصويت 86 نائباً ومن ثم يكون في الجولات التالية بتصويت 65 نائباً فقط كما ينص الدستور في شأن نصاب جلسات انتخاب الرئيس.

ورغم هذا الالتفاف المستجد حول جهاد أزعور، تبقى فرص عقد جلسة لانتخابه معلقة بين ثلاثة سيناريوهات: السيناريو الأول، موافقة الرئيس نبيه بري نفسه وإقباله على عقد جلسة للانتخاب، وهذا الأمر مرهون بالأساس بالتوافق مع حزب الله وهذا الأخير لا يزال يرى في أزعور مرشح مواجهة وليس مرشح توافق. إذ خاب أمل حزب الله بعد فقدان زمام المبادرة وفشل خطته بالترويج لفرنجية كمرشح وحيد قريب من الفوز بعد طرح اسم أزعور، فقرر أن يهاجم هذا الأخير باعتباره يفتقد للتوافق ويأتي بثوب المواجهة معبراً عن تيار السيادة. وقد هدد بعض نواب حزب الله بعدم حضور جلسة الانتخاب حال تم الدعوة إليها ومنع انعقاد نصابها، وربما قد يكون هذا السيناريو الآمن بالنسبة لحزب الله وحلفائه بعدم السماح بعقد الجلسة من الأساس سواء بامتناع بري عن الدعوة إليها أو بغياب نواب حزب الله وحركة أمل عن حضورها وإفقادها النصاب وإفقادها أيضاً عنصر الميثاقية بغياب طائفة كاملة عنها وهي الطائفة الشيعية.

والسيناريو الثاني، الدعوة إلى جلسة الانتخاب بعد توقع دقيق جداً لاتجاهات التصويت من الكتل المختلفة بحيث يذهب حزب الله وحلفائه للجلسة وهم على ثقة بحصول فرنجية على أصوات تفوق أزعور في أول جولة ثم ينفض نصاب الجلسة ولا تنعقد جولة أخرى. وهنا يبقى موقف اللقاء الديمقراطي مبهماً في ظل حالة من الغموض والتأرجح بين المضي في دعم أزعور أو التريث لحين تحقق صفة التوافق في شأنه، فجنبلاط لن يخوض معركة خاسرة لن تفضي لانتخاب المرشح الذي سيصوت له[7].

أما السيناريو الثالث والأبعد عن التحقق وفق المعطيات الراهنة، فهو أن يوافق حزب الله بالفعل على اسم أزعور بنهاية المطاف بعد الحصول على ضمانات أساسية فيما يتعلق بدور المقاومة والاستراتيجية الدفاعية وصيغة البيان الوزاري للحكومة الأولى في عهده وأيضاً فيما يتعلق بالعلاقة مع سوريا وخطته بشأن ترسيم الحدود معها وغيرها من القضايا الخلافية.

وفي هذا الشأن، من المتوقع أن ترتفع هذا الأسبوع وتيرة الضغوط الدولية على الفرقاء اللبنانيين لإجراء الاستحقاق الرئاسي، حيث تستضيف الدوحة خلال أيام مؤتمراً للقاء الخماسي لبحث سبل الإسراع بحل الأزمة السياسية والخطوات التالية من حيث انتخاب رئيس واختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة وتحضير برنامجها الإصلاحي.

وفيما يبدو أن حزب الله قد أصبح محاصراً بهذا التحالف المستجد أو "التقاطع الرئاسي" كما أسماه مارك ضو، فإنه قد يقبل به وفق شروط معينة إذا ما تمت صياغته في إطار إقليمي أوسع تكون إيران ضالعة فيه ومحققة لمكاسب منه. فالاهتمام الدولي المتوقع أن يحيط بلبنان على وقع اللقاء الخماسي القادم لابد أن يلحق به أو يمهد له تواصل إقليمي دولي مع إيران خاصة من جانب الفرنسيين والقطريين والسعوديين. فإذا ما أسفر هذا الاتصال عن وقوع اتفاق يحقق لإيران بعض المكاسب، فقد يكون أزعور هو المرشح الأقرب للفوز بالرئاسة، أما إذا كانت إيران غير مستعدة لإبرام هكذا صفقة في ظل السياق الإقليمي والدولي الراهن فيبدو أن فرنجية سيبقى مرشحاً راسخاً لحزب الله الذي سيسعى حينها للمضي في تعطيل الاستحقاق الرئاسي. 


[1]  "حزب الله يفتح ناره المبكرة على أزعور"، النهار، 29-5-2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/yyscIu

[2] "لقاء باريس الخماسي الأزمة الرئاسية أولاً"، موقع ليبانون24، 3-2-2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/SeGrh1

[3] "ما هي رسالة سفراء اللقاء الخماسي؟"، صوت بيروت انترناشيونال، 14-2-2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/VSvtTp

[4] إبراهيم الأمين، "اسبوع خصوم فرنجية الهدف تغيير موقف فرنسا"، الأخبار، 29-5-2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/pdNzwc

[5] Mounir Rabih, “Azour candidat official des anti-Frangié: des heures cruciales avant le verdict”, in L’Orient le Jour, 29-5-2023.

[6] "المعارضة تعلن ترشيح أزعور على نبيه بري فتح أبواب المجلس فوراً"، في موقع ليبانون24، 4-6-2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/9EsMIF

[7] هيام القصيفي، "المعارضة وباسيل خيارات محدودة وسباق مع الوقت"، في الاخبار، 29-5-2023، متاح على الرابط التالي: https://2u.pw/7wk7t2