* المقال منشور ضمن العدد رقم 100 من دورية "رؤى مصرية"، مايو 2023.
تتكامل سياسات الدولة جميعها لتحقق كافة أهدافها القومية الموضوعة خلال المراحل المختلفة، وعلى الصعيد الاقتصادي تُمثل السياسة المالية والنقدية الذراعين الرئيسيين لإدارة الحياة الاقتصادية، ويتكامل معهما عدد آخر من السياسات وتربط بينهم علاقات متشابكة تتضمن أوجه متعددة للتأثير والتأثر لتكتمل في النهاية ملامح السياسة الاقتصادية للدولة.
تعد سياسات الاستثمار إحدى السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى جذب وتشجيع الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، من خلال وضع وتطويع الإطار المؤسسي، والتنظيمي، والتشريعي لخلق مناخ تنافسي داعم للاستثمار.
كما أن مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي تُعد أحد العوامل المهمة لتحقيق الأهداف الاقتصادية للدولة من حيث زيادة فرص التشغيل، وتحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة الحصيلة الضريبية، ودفع الصادرات، وزيادة رفاهة المستهلك.
وفي سبيل ضمان استمرارية مساهمة القطاع الخاص في دعم خطط التنمية فإنه يستلزم قيام الدولة بإجراءات داعمة للاستثمار المباشر لاسيما في أوقات الأزمات الدولية وانعكاساتها المحلية.
أولا- المرجعية القانونية لسياسات الاستثمار في مصر
تهدف سياسات الاستثمار إلى جذب الاستثمارات الخاصة المحلية، والإقليمية، والدولية لتحقيق أهداف الاقتصاد القومي، ويتم تنظيم العلاقة بين المستثمر والدولة من خلال قانون الاستثمار القائم ولائحته التنفيذية، والمتمثل في القانون رقم (72) لسنة 2017، والذي يشمل كافة الإجراءات المنظمة للاستثمار من خطوات تنفيذية ورسوم، كما يتضمن حوافز وضمانات الاستثمار التي يتمتع بها المستثمر في مصر، وحال النزاع بين المستثمرين والشخصيات الاعتبارية العامة ينظم القانون آليات فض النزاع من خلال اللجوء إلى اللجنة الوزارية لفض المنازعات، واللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار، بالإضافة إلى لجنة التظلمات وهي اللجنة المسئولة عن نظر التظلمات من القرارات الصادرة من الهيئة العامة للاستثمار أو غيرها من الجهات المختصة بمنح التراخيص والتصاريح، فضلا عن إتاحة اللجوء للوسائل الودية لتسوية المنازعات ومراكز التحكيم والوساطة.
ومع منافسة الاقتصاد المصري مع كافة الاقتصادات العالمية والإقليمية في اجتذاب الحصة الأكبر من الاستثمار الخاص، يتضمن قانون الاستثمار ضمانات وحوافز من شأنها زيادة تنافسية الاقتصاد المصري في جذب الاستثمارات.
وتشمل ضمانات الاستثمار المعاملة العادلة لكافة المستثمرين المحليين والأجانب، وعدم جواز تأميم المشروعات الاستثمارية أو نزع ملكيتها أو فرض الحراسة أو مصادراتها أو تجميدها إلا بأمر قضائي وبتعويض عادل، وعدم جواز إلغاء تراخيص المشروع الاستثماري إلا بعد إنذار المستثمر وإعطائه مهلة 60 يوما لإزالة أسباب المخالفة، وحماية رأس المال المستثمر والمشروعات من أي إجراءات تعسفية إلا بناء على حكم قضائي، مع حرية تحويل الأرباح بالعملات الأجنبية دون أي قيود، وأحقية المستثمر الجاد في الحصول على إقامة لمدة 5 سنوات تجدد لمدد مماثلة طوال فترة المشروع، وحق المشروع في استيراد المواد الخام، ومستلزمات الإنتاج، والآلات، وقطع الغيار دون الحاجة إلى قيدها في سجل المستوردين، وحق المشروع في تصدير منتجاته دون ترخيص ودون الحاجة لقيدها في سجل المصدرين، والحق في استخدام عمالة أجنبية في حدود 10 % من إجمالي عدد العاملين في المشروع ويجوز زيادة النسبة بما لا يتعدى 20 % حال عدم توفر عمالة وطنية تملك المؤهلات اللازمة(1).
أما حوافز الاستثمار فتنقسم إلى حوافز عامة تمنح لكافة المشروعات فيما عدا المشروعات المقامة بنظام المناطق الحرة، وحوافز إضافية يجوز منحها بقرار من مجلس الوزراء لبعض المشروعات، وحوافز خاصة تختلف وفقا للنطاق الجغرافي للمشروعات، وأخيرا حافز الموافقة الواحدة المعروف باسم «الرخصة الذهبية».
تتمثل الحوافز العامة في إعفاء عقود تأسيس الشركات، والمنشآت، وعقود التسهيلات الائتمانية والرهن المرتبطة بأعمالها من ضريبة الدمغة، ومن رسوم التوثيق والشهر لمدة 5 سنوات من تاريخ قيدها في السجل التجاري، وكذلك إعفاء عقود تسجيل الأراضي اللازمة لإقامة الشركات والمنشآت من الضرائب، والرسوم المشار إليهـا، وتحصيل ضريبـة جمركيـة بفئة موحدة مقدارها 2 % على جميع ما تستورده الشركات والمنشآت من آلات، ومعدات، وأجهزة لازمة لإنشائها، وجميع ما تستورده الشركات والمنشآت التي تعمل في مشروعات المرافق العامة من آلات، ومعدات، وأجهزة لازمة لإنشائها أو استكمالها، ويكون للمشروعات الاستثمارية الصناعية استيراد القوالب والإسطمبات، وغيرها من مستلزمات الإنتاج دون رسوم جمركية(2). وبالنسبة للحوافز الخاصة، فتشمل منح المشروعات الاستثمارية التي تقام بعد العمل بهذا القانون حافرا استثماريا خصما من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة بنسبة 50 % من التكاليف الاستثمارية تخصم من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة للمشروعات الاستثمارية التي تزاول نشاطها في المناطق الأكثر احتياجا للتنمية طبقا للخريطة الاستثمارية، والمعروفة باسم النطاق الجغرافي للقطاع (أ)، أو بنسبة 30 % من التكاليف الاستثمارية تخصم من صافي الأرباح الخاضعة للضريبة للمشروعات التي تزاول نشاطها الجغرافي في بقية أنحاء الجمهورية في المناطق التي تتمتع بتوافر مقومات التنمية، والمعروفة باسم قطاع (ب)، ومن أمثلة تلك المشروعات التي يتم منحها هذا الحافر المشروعات كثيفة العمالة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمشروعات التي تعتمد على الطاقة الجديدة والمتجددة أو تنتجها مثل: مشروعات إنتاج الكهرباء، وبعض المشروعات مثل: صناعة السيارات، والصناعات الغذائية، والصناعات الخشبية، والطباعة، والصناعات الكيماوية، وصناعة المضادات الحيوية وأدوية الأورام، ومستحضرات التجميل، والصناعات الهندسية، والمعدنية، والنسيجية، والجلود، والصناعات المرتبطة بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، هذا بالإضافة إلى المشروعات القومية والاستراتيجية والسياحية، والمشروعات التي يُصَدر إنتاجها إلى خارج البلاد.
وفي جميع الحالات يجب ألا يتجاوز الحافز الاستثماري 80 % من رأس المال المدفوع حتى تاريخ بدء مزاولة النشاط ولا تزيد مدة الخصم على سبع سنوات من تاريخ بدء مزاولة النشاط، وهناك شروط لتمتع المشروعات الاستثمارية بالحوافر الخاصة، وهي: أن يتم تأسيس شركة أو منشأة جديدة لإقامة المشروع الاستثماري، وأن تؤسس الشركة أو المنشأة خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية القانون الاستثمار رقم (72) لسنة 2017 ويجوز بقرار من مجلس الوزراء وبناء على عرض الوزير المختص مد هذه المدة لمرة واحدة. وأن تمسك الشركة أو المنشأة حسابات منتظمة، وإذا كانت الشركة أو المنشأة تعمل في أكثر من منطقة فلها أن تستفيد بالنسبة المقررة لكل منطقة بشرط أن يكون لكل منطقة حسابات مستقلة، وألا يكون أي من المساهمين أو الشركاء أو أصحاب المنشآت قد قدم أو أسهم أو استخدم في إنشاء أو تأسيس أو إقامة المشروع الاستثماري المتمتع بالحافز أيا من الأصول المادية لشركة أو منشاة قائمة وقت العمل بأحكام هذا القانون، أو قام بتصفية تلك الشركة أو المنشأة بغرض إنشاء مشروع استثماري جديد يتمنع بالحوافز الخاصة، ويترتب على مخالفة ذلك سقوط التمتع بالحافز المشار إليه والتزام الشـركة أو المنشاة ستداد جميع المستحقات الضريبية(3).
أما الحوافز الإضافية التي يجوز منحها بقرار من مجلس الوزراء للمشروعات المنصوص عليها في المادة (11) من قانون الاستثمار رقم (72) لسنة 2017، فتتمثل في السماح بإنشاء منافذ جمركية خاصة لصادرات المشروع الاستثماري أو وارداته بالاتفاق مع وزير المالية، وتتحمل الدولة قيمة ما يتكفله المستثمر لتوصيل المرافق إلى العقار المخصص للمشروع الاستثماري أو جزء منها، وذلك بعد تشغيل المشروع، كما تتحمل الدولة جزءا من تكلفة التدريب الفني للعاملين، ويتم رد نصف قيمة الأرض المخصصة للمشروعات الصناعية في حالة بدء الإنتاج خلال عامين من تاريخ تسليم الأرض، ويتم تخصيص أراض بالمجان لبعض الأنشطة الإستراتيجية وفقا للضوابط المقررة قانونا في هذا الشأن. ويجوز استحداث حوافز أخرى غير ضريبية بقرار من مجلس الوزراء كلما دعت الحاجة(4).
كما تضمن قانون الاستثمار حافز الموافقة الواحدة المعروف باسم «الرخصة الذهبية» والتي يتم منحها للشركات التي تؤسس لإقامة مشروعات إستراتيجية أو قومية فتمنح موافقة واحدة نافذة لإقامة وتشغيل وإدارة المشروع بما في ذلك تراخيص البناء وتخصيص العقارات(5)، وتجدر الإشارة إلى قيام السيد رئيس الجمهورية بإعلان منحها لكافة المشروعات التي يتم تأسيسها خلال مدة ثلاثة أشهر بدء من نهاية أكتوبر العام الماضي 2022 تحفيزا للقطاع الخاص.
ثانيا- أنظمة الاستثمار في مصر
تتعدد أنظمة الاستثمار في مصر؛ إذ تشمل الاستثمار الداخلي، والمناطق الحرة، والمناطق الاستثمارية. ويضم الاستثمار الداخلي كافة المشروعات التي تقام في غير المناطق الحرة ويسمح للمستثمرين الأجانب امتلاك المشروعات الاستثمارية التي يقيمونها على الأراضي المصرية بالكامل (باستثناء المشروعات المقامة بشبة جزيرة سيناء والتي يحكمها لوائح خاصة)، وتتولى مراكز خدمات المستثمرين تقديم خدمات تأسيس الشركات وإنشاء فروعها، وتغيير النشاط وأعمال التصفية، وغيرها من المسائل المتصلة بالشركات، وتتمتع مشروعات الاستثمار الداخلي بالحوافز العامة والخاصة والإضافية المنصوص عليها في قانون الاستثمار.
وقد اشتملت إجراءات تحسين مناخ الاستثمار تطوير العمل بمراكز خدمات المستثمرين، وميكنة خدماتها، والتوسع في إنشاء مراكز خدمة المستثمرين بالمحافظات ليصل عددها 15 مركزا في القاهرة (المركز الرئيسي)، والعاشر من رمضان، والسادس من أكتوبر، والإسكندرية، وجمصة، وبورسعيد، وشرم الشيخ، وقنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا، والإسماعيلية، والفيوم، والوادي الجديد، وجنوب سيناء.
أما بالنسبة للمناطق الحرة فهي مناطق محددة جغرافيا داخل حدود الدولة، يتم إنشاء المشروعات بها بهدف التصدير ولا تخضع للنواحي الجمركية والاستيرادية والضريبية المعمول بها داخل البلاد، ويتم إقامتها بالقرب من المواني البحرية والجوية للاستفادة من موقع مصر الجغرافي، وتعد المناطق الحرة أحد مصادر النقد الأجنبي وتتمتع المشروعات بها بعدد من المزايا التنافسية تتمثل أهمها؛ في حرية تحويل رأس المال المستثمر، وأرباح المشروع للخارج، وحرية اختيار مجال الاستثمار، والشكل القانوني للمشروعات، مع عدم وجود حدود على جنسية رأس المال (بخلاف منطقة شبة جزيرة سيناء)، ومنح المستثمرين الأجانب تسهيلات في الإقامة ومنح العاملين الأجانب تصاريح إقامة بناء على طلب المشروع، وإعفاء كامل المعدات والآلات المستوردة من الرسوم الجمركية، واكتفاء المشروع بالترخيص الصادر له عند التعامل مع أجهزة الدولة المختلفة، وإعفاء صادرات وواردات المشروع من وإلى خارج البلاد من أي ضرائب أو رسوم جمركية، وكذلك عدم الخضوع لأي إجراءات جمركية أو قواعد استيرادية عادية معمول بها داخل البلاد، وإعفاء واردات المشروع من السوق المحلي من ضريبية القيمة المضافة، وإعفاء كامل المكونات المحلية للسلع المنتجة من الرسوم الجمركية في حالة البيع للسوق المحلي(6).
ووفقا لإحصاءات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المحدثة في ديسمبر 2022، فإن عدد المشروعات العاملة بنظام المناطق الحرة يصل إلى 1116 مشروعا بإجمالي رؤوس أموال 13.8 مليار دولار، وتكاليف استثمارية تقدر بنحو 29 مليار دولار، وما يتجاوز 190 ألف فرصة عمل في 9 مناطق حرة(7).
أما بالنسبة للمناطق الاستثمارية فهي تتمثل في منطقة جغرافية محُددة المساحة والحدود تخُصص لإقامة نشاط معين أو أكثر من الأنشطة الاستثمارية المتخصصة، وغيرها من الأنشطة المكُملة لها، ويتم إنشاء هذه المناطق بقرار من رئيس مجلس الوزراء. يكون لكل منطقة استثمارية مطور يرخص له بإنشاء المنطقة أو إدارتها أو تطويرها أو تنميتها والترويج لها وفق البرنامج الزمني المحُدد بقرار الإنشاء.
وهناك أيضا المناطق التكنولوجية التي تعد إحدى صور المناطق الاستثمارية ولكنها تتخصص في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتقوم المناطق الاستثمارية على نظام التنمية المتكاملة في مختلف المجالات والأنشطة الصناعية، والزراعية، والتجارية، والخدمية، واللوجستية، وتوفر للمستثمر أراضي ووحدات صناعية كاملة المرافق، ويتم إصدار كافة الموافقات، والتراخيص اللازمة لها بإجراءات ميسرة، ويكتفي في التعامل مع أجهزة الدولة المختلفة بقرار الترخيص بمزاولة النشاط الصادر من الهيئة العامة للاستثمار، ويتولى مجلس إدارة المنطقة الاستثمارية إدارة شئونها وتذليل كافة العقبات التي تواجه مشروعاتها، ويتولى مكتب تنفيذي تابع لهيئة الاستثمار النيابة عن المشروعات في التعامل مع كافة الجهات المعنية، وتتمتع المناطق الاستثمارية بالحوافز العامة والخاصة والإضافية المنصوص عليها في قانون الاستثمار، وتسرى على مشروعات تلك المناطق القواعد الخاصة بالسماح الجمركي المؤقت والدروباك(8).
ويقُدر عدد المشروعات المقامة بالمناطق الاستثمارية نحو 1269 مشروعا بحجم استثمار يتجاوز 32 مليار جنيه بما يوفر نحو 86 ألف فرصة عمل في عدد 10 مناطق استثمارية في مواقع جغرافية مختلفة(9).
ثالثا- سياسات الاستثمار في ظل برنامج الإصلاح الاقتصادي (2016-2022)
مع تكامل سياسات الاستثمار مع السياسات الاقتصادية الأخرى، جاء برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم تطبيقه خلال الفترة (2016 - 2022) ويتضمن محور خاص بالإصــلاحات الهيكليــة بهدف خلق بيئـة استثمارية أكثر تنافسية، وقد تضمن إصدار المجلس الأعلى للاستثمار 17 قـرارا بهدف تحفيـز الاستثمـار، ومراجعة السياسات الاستثمـارية للدولة، وتحديد المشـروعات ذات الأولوية على المستــوى القطـاعي والجغـرافي، بالإضافة إلى مراجعـة سياسـات الإصــلاح التشريعــي والإداري للبيئة الاستثمارية فنتج عنه قانون الاستثمار رقم (72) لسنة 2017، فضلا عن متابعة قضايا تسوية منازعات الاستثمار. وهدفت الدولة خلال تلك المرحلة إلى تعزيز الاستثمارات الخاصة، وتشجيع القطاع الخاص بعد أن تولت الدولة الدور الأكبر في الحياة الاقتصادية خلال الفترة السابقة والتي تطلبت ضخ استثمارات عامة لإعادة بناء الدولة بعد أن شهدت الدولة العديد من الاضطرابات السياسية والأمنية (2011-2013) وترتب عليها عدد من الاختلالات الاقتصادية.
شكل (1): مراحل تطور العلاقة بين استثمارات القطاع العام والخاص خلال 20 عام
المصدر: مركز معلومات مجلس الوزراء، https://bit.ly/3Ytka7L.
ويوضـح الشكــل رقم (1) ارتفــاع الاستثمــارات الخاصـة خــلال الفتـرة (2005/ 2006-2015/ 2016)، ومـع بـدء برنامج الإصـلاح الاقتصـادي تضمنت خطـة الدولة تنفيــذ عــدد من المشـروعات القوميــة الكبــرى لتعـزيز التنميـة المستـدامـة، وإعــادة تأهيــل البنيـة التحتيـة، وإنشـاء شبكـة من الطـرق والكبــاري لربط المـدن الجـديدة بكـافة أنحـاء الدولة من خــلال عـــدد من المحـاور الرئيســة الكبـرى، لتيسـير الطـريق أمـام القطـــاع الخـاص لضـخ استثماراته، فارتفعـت الاستثمـــارات العـامـة مقــابل الخاصة خلال عامي 2016/ 2017 و2017/ 2018، ثـم ارتفعـت الاستثمــارات الخاصـــة مـرة أخرى بشكل ملحوظ خلال عام 2018/ 2019(10).
وبالرصد التاريخى لتطور نسبة مساهمة القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالى تشير بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية إلى ارتفاع تلك النسبة منذ عام 2016/ 2017 وحتى عام 2020/ 2021، حيث وصلت نسبــة مسـاهمته إلـــى 73.3 % عام 2020/ 2021 (أنظر شكل رقم 2)(11).
شكل (2): تطور مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي
المصدر: وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية https://bit.ly/3kOq5p7
ويمكن إرجاع ذلك الارتفاع إلى نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي في تشجيع القطاع الخاص على زيادة مساهمته في دفع الناتج المحلي للبلاد، فبجانب محور الإصلاح الهيكلى فقد تضمن البرنامج إجراء الإصلاحات النقدية الهادفة إلى احتواء معدلات التضخم، ورفع كفاءة أداء سوق النقد الأجنبي بما يؤثر على تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، ويدفع بمزيد من تدفقات النقد الأجنبي من الصادرات والسياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر.
رابعا- سياسات الاستثمار خلال أزمتي جائحة كورونا والصراع الروسي الأوكراني
زادت أهمية سياسات الاستثمار في ظل توالي الأزمات العالمية، وانعكاساتها الاقتصادية التي طالت الاقتصاد المصري؛ فبعد توقف النشاط الاقتصادي العالمي خلال أزمة جائحة كورونا، وما تبعه من اضطراب سلاسل الإمداد مع بوادر التعافي من الجائحة، جاء الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا ليهدد مواطن إنتاج السلع الإستراتيجية من النفط والغذاء فتراجع الإنتاج العالمي، وارتفعت موجات التضخم العالمية وانتقلت إلى الاقتصادات المحلية من خلال عملية الاستيراد فيما يعرف بالتضخم المستورد. وقد زاد من حدة تلك الأزمة عدد من العوامل أهمها: رفع أسعار الفائدة العالمية والذي أدى إلى اجتذاب رؤوس الأموال خارج البلاد، وتراجع قيمة العملة الوطنية لترتفع تكلفة الاستيراد. ولمواجهة تلك الأزمات المدفوعة بصدمات العرض كان لزاما على الدولة البحث عن بدائل محلية لتعويض نقص الإمدادات المستوردة مرتفعة السعر، ولم يتحقق ذلك إلا من خلال زيادة الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية المختلفة.
فمنذ أن اجتاح العالم جائحة كورونا خلال النصف الثاني من عام 2019/ 2020، استكملت الدولة جهودها في الإصلاح الاقتصادي، وتهيئة بيئة الأعمال من خلال تبني البنك المركزي المصري سياسة نقدية توسعية بتخفيض أسعار الفائدة لتخفيض تكلفة الاستثمار، فضلا عن تأجيل المستحقات الائتمانية للعملاء من المؤسسات والأفراد بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة لمدة 6 أشهر مع عدم تطبيق غرامات تأخير السداد لتوفير السيولة للمشروعات، وضمان استمرارية التشغيل، وتقليل فرص تعثر الاستثمارات، بالإضافة لمبادرات البنك المركزي الخاصة بدعم القطاعات الأكثر تضررا كقطاع السياحة والصناعة، والزراعة، والمقاولات، إضافة إلى المميزات والحوافز الضريبية التي يتضمنها قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهة الصغر، ومع تعافي الاقتصاد تم تخفيض الحد الأدنى لرؤوس أموال شركات الشخص الواحد، وتم إعادة تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية في نوفمبر من العام الماضي، وذلك بعد انقطاع اجتماع المجلس الأعلى للاستثمار بتشكيله القديم منذ يناير 2017. وكذلك تم إطلاق مبادرة إصلاح مناخ الأعمال «إرادة» والتي تستهدف إصلاح الإطار التشريعي، والتنظيمي لضمان تحفيز الأعمال التجارية.
ويلاحظ في تلك الفترة تراجع الاستثمارات الخاصة وسط أجواء من الحذر والترقب، ومن ثم تدخلت الدولة لزيادة الاستثمارات العامة مرة أخرى لمواجهة الأزمة، والحفاظ على معدلات التشغيل والنمو. وقد تركزت الاستثمارات الخاصة خلال تلك الفترة في القطاعات الواعدة سريعة النمو، والقادرة على التكيف مع الأزمات الخارجية؛ فخلال عام 2020/ 2021 ساهم القطـاع الخاص بالنصيب الأكبر في الاستثمارات الموجهة لقطـاع تجـارة الجملة والتجزئة بنسبـة 95 % مقابل 5 % استثمـارات عامة، يليه قطــــاع الفنادق والمطاعم بنسبة 93 % من إجمالي الاستثمــارات، ثم قطاع الغاز الطبيعي، والقطاع العقاري (أنظر شكل رقم 3).
شكل(3): نسبة مساهمة الاستثمارات العامة والخاصة من اجمالي الاستثمارات عام 2020/2021
المصدر: وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية
https://mped.gov.eg/AdminPanel/sharedfiles/9d877da5-eb86-4858-a51a-37f8f6f7a008_nmi_cib.pdf
وفي هذا السياق، يلاحظ ارتباط تلك القطاعات بخطط التنمية التي تنفذها الدولة فمع اتجاه الدولة لمشروعات البنية التحية، والطرق والكباري، والمواني، وإنشاء المدن الجديدة، والتوسع في استكشافات الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وسعى مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، جاءت استثمارات القطاع الخاصة متركزة في قطاع تجارة الجملة والتجزئة، والفنادق والمطاعم، والغاز الطبيعي والقطاع العقاري.
وفي ظل انعكاس أزمة الصراع الروسي - الأوكراني على الاقتصاد المصري، عملت الدولة على تحفيز الاستثمارات الخاصة لزيادة العرض المحلي من السلع والخدمات في ظل اضطراب الإنتاج العالمي ونقص الإمدادات المستوردة فضلا عن ارتفاع أسعارها.
وتستهدف الدولة خلال المرحلة الحالية تعزيز دور القطاع الخاص الوطني في النشاط الاقتصادي، بحيث تصل نسبة مشاركته إلى 65 % من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال ثلاث سنوات، ويصبح قادرا على خلق المزيد من فرص العمل، ورفع معدلات النمو الاقتصادي، والمشاركة في إقامة البنية التحتية والمنافسة الدولية. وفي سبيل تحقيق ذلك عملت الدولة على عدة محاور؛ فتم الإعلان عن منح «الرخصة الذهبية» لبعض المشروعات في بعض المجالات الرائدة كالهيدروجين الأخضر، وصنـاعة المركبات الكهــربائية والبنية التحتية، ثم تم الإعــلان عن منحها لكافة المشروعات لمدة 3 أشهر، وتم تنظيم العمل بين القطاع الخاص والدولة في نطاق وثيقة ملكية الدولة لمنع أثر المزاحمة، وإتاحة فرصة أكبر للقطاع الخاص، كما تم الإعلان عن إتاحة مشاركة القطاع الخاص في عدد من أصول الدولة بما يقدر بنحو 10 مليارات دولار سنويا لمدة 4 سنوات في عدد من القطاعات الواعدة كمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، والأصول العقارية بالمدن الجديدة، وقطاع الاتصالات، وتحلية المياه، والتعليم. وتضمنت جهود تحسين بيئة الأعمال تطوير منظومة الحصول على الأراضي للمشروعات الصناعة من خلال التحول إلى نظام حق الانتفاع في الأراضي الصناعية، وتسعير الأراضي وفقا لقيمة المرافق، بالإضافة إلى صياغة إستراتيجية قومية متكاملة للملكية الفكرية، وتحسين مناخ التنافسية، وتيسير إجراءات إصدار التراخيص والموافقات، وميكنة الإجراءات الضريبية والتراخيص، وتطوير الخريطة الاستثمارية لمصر، فضلا عن الإعلان عن مبادرة دعم القطاعات الإنتاجية من خلال إتاحة قروض بأسعار فائدة ميسرة، وكذلك تم إعلان استكمال طـرح عـدد من الشركات المملوكة للدولة في البورصة وفقـا لبرنامج الطـروحات الحكوميــة والذي تم العمل به منذ عام 2018، ثم توقف مع عدم ملاءمة الظروف الاقتصـادية، ويعـد برنامج الطـروحات الحكوميـة إحـــدى آليـات تمكين القطــاع الخاص وتعـزيز دوره في العمليـة الإنتاجيــة والحيــاة الاقتصــادية، وجذب استثمـارات محلية وأجنبية في الاقتصـاد المصـــري، وتوسيـــع قاعـدة الملكية في الشـركات المطروحة وإتاحة سيــولة بالأسـواق. وكذلك إطـلاق مبـادرة «ابــدأ» والتي تهـدف إلى تشجيع القطاع الخاص للنهوض بالصناعة الوطنية من خلال ضخ استثمارات جديدة ومساعدة أصحاب المصانع المتعثرة.
يمكن الاستدلال على فعالية جهود الدولة في جذب وتعزيز الاستثمارات الخاصة من خلال عدد من المؤشرات، فمن جهة يلاحظ زيادة عدد الشركات الجديدة المؤسسة، والتي اتخذت اتجاها تصاعديا منذ عام 2013/ 2014 باستثناء عام 2019/ 2020 تأثرا بتوقف النشاط الاقتصادي جزئيا نتيجة أزمة جائحة كورونا (أنظر شكل رقم 4).
شكل (4):الشركات الجديدة المؤسسة
المصدر: الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
ومن جهة أخرى، يلاحظ ارتفاع معدلات التوظف والتشغيل وتراجع معدلات البطالة (أنظر شكل رقم 5).
شكل (5) معدل البطالة (%)
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
ووفقا لبيانات أحدث تعداد اقتصادي لعام 2017/ 2018 فإن نسبـة المشتغليـن بالقطــاع الخـاص تقـدر بنحـو 93.4 % مقابل 6.6 % بالقطاع العام وقطاع الأعمال العـام. ويستحـوذ قطاع تجارة الجملة والتجزئة على 39.6 % من العالمين بالقطاع الخاص، يليه قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 24.1 %.
ومن جهة ثالثة، يلاحظ ارتفاع قيمة الإيرادات الضريبية، باستثناء عام 2019/ 2020 تأثرا بجائحة كورونا.
وبشكل عام، فعلى الرغم من أهمية الإجراءات التحفيزية التي اتخذتها الدولة لتشجيع القطاع الخاص وتنشيط جانب العرض لإتاحة السلع بالأسواق، والحد من ارتفاع المستوى العام للأسعار، فإن فعالية تلك الإجراءات تتسم بعدم اليقين في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، والتي تتسم بتعدد التحديات الاقتصادية والاضطرابات الجيوسياسية، وارتفاع نسبة المخاطر الأمر الذى يتطلب جذب القطاع الخاص من خلال تقديم فرص استثمارية ذات عائد صاف يتضمن علاوة مخاطر محفزة، الأمر الذي يتطلب بدوره ضرورة تحديث الخريطة الاستثمارية والخريطة الصناعية بإضافة فرص استثمارية حقيقية متنوعة وجاذبة للمستثمرة ومعد لها دراسات جدوى مسبقا من قبل الخبراء بالهيئة العامة للاستثمار، وتقدم بالمجان للمستثمر بما يخفض من تكاليف ما قبل التأسيس.
كما يقترح أيضا تخفيض، بل ربما إلغاء، عدد كبير من الرسوم التي يتحملها المستثمر قبل البدء في مشروعه الخاص، مع أهمية التوجه نحو تنشيط المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ فبجانب الأدوات التمويلية الميسرة يقترح تولى إحدى الجهات الحكومية ذات الصلة شراء منتجات الشركات الصغيرة والمتوسطة والتسويق لها، بما يحفز صغار المستثمرين على الدخول في النشاط الاقتصادي بعد ضمان فرصة تصريف المنتجات، فضلا عن أهمية ضم وحدات القطاع غير الرسمي للاقتصاد الرسمي. وبجانب جهود تحفيز الاستثمارات، فهناك أهمية كبرى لتفعيل إجراءات الرقابة على الأسواق، ومنع الممارسات الاحتكارية والتي تعد أحد معوقات دخول الاستثمارات الخاصة لبعض القطاعات الإنتاجية.
ولا شك في أن تحفيز الاستثمارات الخاصة من شأنه زيادة قدرة الدولة على مواجه الأزمة الاقتصادية الراهنة من خلال زيادة الحصيلة الضريبية، وكذلك تخفيف العبء عن المواطنين، بجانب أهمية الاستثمارات في تخفيض الأسعار المحلية عن طريق زيادة العرض الكلي، وتدعيم قيمة العملة المحلية من خلال تخفيض فاتورة الواردات ورفع قيمة الصادرات، وقد تدفع كافة تلك العوامل من معدلات النمو الاقتصادي بما يحقق الأهداف النهائية للاقتصاد المحلي.
المراجع
1. قانون (72) لسنة 2017، الباب الثاني ضمانات الاستثمار وحوافزه، الفصل الأول ضمانات الاستثمار، المواد من 3-8.
2. قانون (72) لسنة 2017، الباب الثاني ضمانات الاستثمار وحوافزه، الفصل الثاني حوافز الاستثمار، المواد 9،10.
3. قانون (72) لسنة 2017، الباب الثاني ضمانات الاستثمار وحوافزه، الفصل الثاني حوافز الاستثمار، المادة 11-12.
4. قانون (72) لسنة 2017، الباب الثاني ضمانات الاستثمار وحوافزه، الفصل الثاني حوافز الاستثمار، المادة 13.
5 . قانون (72) لسنة 2017، الباب الثالث نظم الاستثمار، الفصل الأول نظام الاستثمار الداخلي، المادة 20.
6. قانون (72) لسنة 2017، الباب الثالث نظم الاستثمار، الفصل الثالث، المواد 32-47.
7. موقع الهيئة العامة للاستثمار،
https://www.investinegypt.gov.eg/Arabic/Pages/whyegypt.aspx#30
8 . قانون (72) لسنة 2017، الباب الثالث نظم الاستثمار، الفصل الثاني، المواد 28 - 31.
9. موقع الهيئة العامة للاستثمار،
https://www.investinegypt.gov.eg/Arabic/Pages/whyegypt.aspx#30
10. مركز معلومات مجلس الوزراء،
https://bit.ly/3Ytka7L
11. وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية،
https://bit.ly/3kOq5p7