مثلت المرأة هدفًا استراتيجيًا مهمًا، ومكونًا أساسيًا للهيكل التنظيمي في الكثير من الحركات والتنظيمات الإرهابية حول العالم؛ فالمرأة لم تعد فقط ضحية تلك التنظيمات، إنما أصبحت عضوًا فعالًا فيها، وأداة من أدواتها، واضطلعت فيها بأدوارٍ عِدة، مما جعل من الصعب تجاهلها، أو التقليل منها مُقارنة بأدوار الرجال، لأنها أدوار مُكمِلة ومُترابطة معها، الأمر الذي جعل «الإرهاب النسائي» يبدو -فى الآونة الأخيرة- أحد أبرز التكتيكات والاستراتيجيات التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية المركزية، وأفرعها الإقليمية في مواجهة سياسات مكافحة الإرهاب العالمية المفروضة على الرجال كإرهابيين مُحتملين، وكذلك لتنشيط حضورها، سواء في مناطق نفوذها التقليدية، أو في مساحات أخرى جديدة.
انطلاقًا من هذا الأساس، تركز الدراسة على تقديم نموذج جماعة «بوكو حرام»، التي نشأت ونشطت بشكل أساسي في شمال نيجيريا، لعدة عوامل: أولها يرتبط بشكل خاص بأن الجماعة قد تفوقت على أي جماعة أو تنظيم إرهابي آخر من جهة استخدام النساء كتكتيك حرب، سواء كمفعول بهن أو كفاعلات. ثانيها أن رفض بعض الفتيات اللاتي تم اختطافهن من قِبل الجماعة في حادث مدرسة «تشيبوك» عام 2014، للعودة إلى منازلهن، رغم الاتفاق الذي أبرمته الجماعة مع السلطات في مايو 2017، قد أثار العديد من التساؤلات حول الظاهرة بشكل عام، وحول الأسباب التي دفعت تلك الفتيات للرفض واختيار البقاء طواعية داخل هيكل الجماعة بشكل خاص، فضلًا عن العديد من التساؤلات حول أسباب توسع توظيف جماعة «بوكو حرام» للنساء، وطبيعة الأدوار التي يقمن بها داخل هيكلها التنظيمي وخارجه لخدمة أهدافها.
أما ثالث تلك العوامل فهو يرتبط بنيجيريا -الحاضنة الأولى والأساسية لجماعة «بوكو حرام»- كأرض خصبة للاستقطاب والتعبئة من قبل التنظيمات المسلحة والإرهابية بسبب ما تُعانيه منذ عقود من ارتفاع معدلات الأمية والفقر والبطالة، وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، لاسيما ضد النساء في القسم الشمالي من البلاد ذي الأغلبية المسلمة، فضلًا عن التركيبة الثقافية والاجتماعية لنيجيريا التي خلقت وضعًا فريدًا لجماعة «بوكو حرام»، وجعلتها تتفوق عن غيرها من التنظيمات الإرهابية في توظيف النساء، وتختلف كذلك عن غيرها في أسباب وطبيعة هذا التوظيف.
ومن الأهمية بمكان في المستقبل التركيز بصورة عامة وشاملة على مكافحة جذور استراتيجية توظيف النساء في التنظيمات الإرهابية، من خلال تبني سياسات وقائية أكثر فاعلية وكفاءة، لاسيما مع تطور أدوات وتكتيكات التنظيمات الإرهابية في عالمنا المعاصر، خاصة في ظل العولمة، والتوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف الأدوات الإعلامية، المرئية والمسموعة والمقروءة، في تصدير ونشر الأفكار المتطرفة والإرهابية. من ثم، فإن المرحلة الجوهرية في استراتيجيات مكافحة الإرهاب النسائي المستقبلية تتطلب تجفيف منابع تلك التنظيمات من النساء بالعمل على تحسين البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأمنية والسياسية التي تنشأ فيها النساء. وذلك لتعزيز مناعتهن النفسية والعقيدية، وإشباع احتياجاتهن المعيشية، بما يحول دون سهولة استقطابهن أو تجنيدهن قسرًا من قِبل التنظيمات الإرهابية.