قضايا وتحليلات - الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي 2023-5-12
سعيد عكاشة

خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

شنت إسرائيل يوم الثلاثاء 9 مايو الجاري (2023) عملية نوعية في قطاع غزة استهدفت ثلاثة من قادة حركة الجهاد الفلسطينية. في أعقاب العملية، أدلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ببيان مطول حولها تضمن عدة رسائل موجهة للداخل والخارج.

من هنا، تكتسب هذه العملية أبعاداً أكبر من مجرد الرد على ما أسمته إسرائيل بـ"العمليات الإرهابية" التي تشنها حركة الجهاد ضدها منذ العام الماضي، وهو ما أوضحته الرسائل التي حملها بيان نتنياهو في أعقاب تنفيذ العملية المسماة "درع وسهم" والتي راح ضحيتها خمسة عشر فلسطينياً منهم القيادات الثلاثة من حركة الجهاد، واثنى عشر شخصاً من عائلاتهم ومن بعض المدنيين من الأطفال والنساء الذين تواجدوا في موقع الهجوم. وتستهدف كل رسالة تحقيق هدف محدد.

الرسالة الأولى: ردع إيران

تحدث نتنياهو في بيانه عن قناعته بأن 95% من مصادر التهديد لإسرائيل تأتي من إيران وأذرعها الإقليمية، وحسب تعبيره فإن "إيران مصدر التهديد الرئيسي لإسرائيل كونها تسعى لتصنيع أسلحة نووية، وصواريخ باليستية، بالإضافة إلى محاولاتها إحاطة إسرائيل بتنظيمات إرهابية على كافة الجبهات"، وقد تعهد نتنياهو بأنه طالما استمر في منصبه كرئيس للحكومة فإنه قادر على منع إيران من تحقيق أي من أهدافها.

ويمكن اعتبار قيام إسرائيل بشن عمليات مكثفة ضد قادة تنظيم الجهاد نوعاً من التحدي لإيران، التي تعتبر حركة  الجهاد أكبر حليف لها على الساحة الفلسطينية، أو بمعنى آخر فإن اغتيال قيادات الجهاد يشكل ضربة غير مباشرة لطهران، التي أظهرتها إسرائيل كدولة غير قادرة على حماية حلفائها، وغير قادرة على تقديم معلومات استخبارية دقيقة لهم لتحذيرهم من هذه الاعتداءات مسبقاً.

في الاتجاه نفسه، جاء إعلان الجيش اللبناني عن اكتشافه لمنصات صواريخ كانت جاهزة لإطلاق قذائفها نحو إسرائيل من الجنوب اللبناني، وإبطال مفعولها، بمثابة إشارة غير مباشرة إلى الموقف المتناقض لحزب الله، فهو من جانب لا يريد التورط في الحرب الدائرة بين تنظيم الجهاد وإسرائيل، لسعيه إلى تجنب تكرار ما حدث في الحرب التي دارت بينه وبين إسرائيل عام 2006، تلك الحرب التي أدت نتائجها إلى كارثة اقتصادية واجتماعية يعاني الشعب اللبناني من آثارها حتى اليوم، متمثلة في عدم قدرة الدولة اللبنانية على إصلاح الدمار الذي خلّفته هذه الحرب في البنية التحتية وخدمات الماء والكهرباء.

ومن جانب آخر، لا يريد حزب الله أن يبدو بمظهر التنظيم الذي يتخلى عن حلفائه ومن يسميهم بـ"معسكر المقاومة" الذي يضمه هو والتنظيمات الفلسطينية الرافضة لفكرة السلام مع إسرائيل وعلى رأسها جماعة الجهاد الفلسطينية، ومن ثم يبدو السؤال المشروع هنا: كيف اكتشف الجيش اللبناني منصات الصواريخ التي كانت جاهزه للإطلاق ضد إسرائيل؟، فحزب الله شبه مسيطر عسكرياً على كافة الجنوب اللبناني، ويصعب تصور أن اكتشاف الصواريخ بواسطة الجيش اللبناني كان محض مصادفة!، فهل تعمد حزب الله وضع الصواريخ في حالة الجاهزية للإطلاق، ثم قام بتسريب معلومات للجيش اللبناني عنها، لكي يحقق هدفين متناقضين يٌظهر أحدهما الحزب كما لو كان مستعداً للاشتباك مع إسرائيل، وأنه لم يتخلى عن حليفته، فيما يؤدي اكتشاف هذه الصواريخ قبل إطلاقها إلى عدم التورط في الصراع الدائر حالياً بين الجهاد وإسرائيل؟.

في كل الأحوال، لا يمكن استبعاد أن يكون الردع الإسرائيلي لإيران قد نجح، حيث اكتفت طهران بشجب العدوان الإسرائيلي وتوجيه التحية للجهاد على صمودها، وامتنعت كذلك عن حض حزب الله على تشتيت الجهود العسكرية الإسرائيلية على أكثر من جبهة بالاشتباك، أو حتى على الأقل بإجراء مناورات لقواته على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية تدفع إسرائيل لحشد قواتها على حدود لبنان وتخفيف الضغوط على قطاع غزة.

الرسالة الثانية: زرع الفتنة بين الجهاد وحماس

منذ استيلاء حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، وتشكيلها كتلة بقيادتها تضم تنظيم الجهاد وبعض التنظيمات الفلسطينية اليسارية والقومية الصغيرة تحت مسمى "جبهة المقاومة"، حرصت الحركة على الادعاء بوجود "وحدة حقيقية" بين كل التنظيمات الرافضة لفكرة السلام مع إسرائيل، رغم أن الوقائع العديدة كانت قد برهنت أن حركة حماس هي وحدها التي تتخذ قرارات التصعيد أو التهدئة مع إسرائيل، وأن التنظيمات الأخرى ترضخ لأوامرها في نهاية المطاف.

 فعلى سبيل المثال، لم تشارك حركة حماس في المواجهات التي جرت بين الجهاد وإسرائيل في أغسطس من العام الماضي، وقد تسبب هذا الموقف من حركة  حماس في انتقادات عنيفة من جانب حركة الجهاد لها، خاصة أن وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت بيني جانتس كان قد صرح بوضوح أن إسرائيل تستهدف الجهاد وحدها في هذه المواجهات، وهو ما كرره وزير الدفاع الإسرائيلي الحالى يؤاف جالنت بتأكيده أن الهجمات الإسرائيلية الحالية تقتصر على مواقع حركة الجهاد وحدها في قطاع غزة.

تحاول إسرائيل إذن تنشيط ما يمكن تسميته بـ"سياسة زرع الفتن" بين حماس والتنظيمات الفلسطينية الأخرى التي تشاركها "جبهة المقاومة" وعلى رأسها حركة الجهاد، فهل سيؤدي تكرار امتناع حماس عن المشاركة في معارك الجهاد ضد إسرائيل إلى تحقيق هدف الدولة العبرية في شق صفوف الحلفاء الفلسطينيين في غزة؟، وهل يمكن القول إن رسالة نتنياهو الثانية لحماس تحديداً قد حققت الغرض منها على الأقل حتى الآن؟

الرسالة الثالثة: المعارضة في الداخل

في الوقت الذي ما يزال الائتلاف الحاكم الذي شكله نتنياهو في نهاية العام الماضي يتعرض لضغوط داخلية هائلة، سواء من جانب المعارضة التي ترفض خطة التعديلات القضائية التي أطلقها نتنياهو في يناير الماضي، أو من جانب بعض أحزاب الائتلاف الأشد تطرفاً مثل الصهيونية الدينية وحزب عوتسما يهوديت، والتي تهدد بالانسحاب من الائتلاف حال تخاذل نتنياهو أمام المعارضة، أو حال الرد على هجمات حركة الجهاد بدون استخدام أقصى درجات القوة، في ذلك الوقت يجئ رد نتنياهو بالموافقة على خطة الاغتيالات لقادة الجهاد والتي أعادت للائتلاف الحاكم تماسكه، حيث عاد ايتمار بن غفير زعيم حزب عوتسما يهوديت ووزير الأمن القومي في الائتلاف الحاكم للعمل مع الحكومة داخل الكنيست، بعد أن سبق له إعلان مقاطعة التصويت في جلسات الكنيست احتجاجاً على تلكؤ نتنياهو في الموافقة على استئناف سياسات اغتيال قادة حماس والجهاد.

الرسالة الرابعة: الحلفاء في الولايات المتحدة وأوروبا

لم تنجح إسرائيل منذ بدء المفاوضات بين الدول الخمس الكبار في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا من جهة وبين إيران من جهة أخرى، في إقناع حلفائها وخاصة الولايات المتحدة بتوقيع أشد العقوبات ضد إيران واستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر لمنعها من الحصول على الخيار النووي، وحتى بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (خطة العمل المشتركة) عام 2015، ظل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي اتخذ قرار الانسحاب من الاتفاق عام 2018، رافضاً لاستخدام الخيار العسكري ضد إيران، وهو الأمر الذي أصاب إسرائيل بالإحباط.

ورغم أن كل الحسابات تؤكد على استحالة تمكن إسرائيل من شن ضربة مدمرة للمشروع النووي الإيراني بمفردها وبدون دعم الولايات المتحدة، إلا أن نتنياهو في بيانه ورسائله حرص على تكرار تصريحاته السابقة بأن إسرائيل لها وحدها الحق في تحديد مصادر التهديد لأمنها، وحقها أيضاً وبمفردها في أن تعالج مثل هذه التهديدات بنفسها. وعندما تحدث نتنياهو في بيانه عن أن إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً طالما كان هو رئيساً للحكومة، فإن التساؤل الجوهري عما تخبئه إسرائيل من خيارات يبدو منطقياً، فالتقارير الاستخبارية الإسرائيلية تزعم أن إيران باتت على بعد بضع أسابيع من إنتاج السلاح النووي، وبالتالى إذا صدقت مثل هذه التقارير فلابد أن يتحرك نتنياهو الآن للوفاء بتعهده!، فهل يمكن اعتبار حرب الاغتيالات التي تشنها إسرائيل ضد قادة الجهاد مجرد وسيلة لإشعال الجبهة مع إيران واستغلال الوضع الناشئ عن ذلك لتوجيه ضربة ساحقة لمفاعلاتها النووية؟، أم أن نتنياهو يستهدف فقط شن حرب نفسية يستكمل بها عناصر الردع ضد إيران، أم أنه ربما يسعى ثالثاً لإخافة واشنطن من إمكانية شن إسرائيل ضربة ضد إيران بدون التشاور معها، مما يعقد الأوضاع وينذر بمخاطر كبيرة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟   

غموض رسالة أن إيران لن تكون نووية، وأن إسرائيل هي من تحدد كيفية معالجة قضاياها الأمنية بمفردها يمكن أن يرجح أحد الاحتمالات الثلاثة المذكورة. وفي كل الأحوال، وحتى تنتهي المواجهات الجارية حالياً بين الجهاد وإسرائيل سيكون من الصعب معرفة إلى أين ستفضي هذه التطورات؟