يصعب التنبؤ بما سيكون عليه واقع الجيوش في دول الأزمات العربية حينما تتم مشروعات توحيدها إن كتب لها ذلك في نهاية المطاف. فلا يوجد نموذج واحد دال على تقدم مسار أي من هذه المشروعات التي يجري الحديث عنها باستمرار في كل ملفات الأزمات العربية تقريباً. فما تشهده العديد من تلك المؤسسات لا يشكل عرَضاً طارئاً، بل كانت تحمل بذوره في مراحل سابقة على اندلاع الصراعات والأزمات التي تعرضت لها الدولة الوطنية العربية، والتي عرَّضت هذه الجيوش لانكشاف في ظل عدم القدرة على الصمود أمام ما جرى في موجات ما يسمى بالربيع العربي.
بناءً على ما سبق، من المتصور أن الهدف من عملية الاندماج أو توحيد الجيوش لا يقتصر على إعادة الاعتبار لها بقدر أن يتم ذلك في إطار منظومة متكاملة لإعادة الاعتبار للدولة الوطنية في المقام الأول، وبالتالى فإن إجراء عملية الإصلاح العسكري بشكل مستقل عن عملية الإصلاح الشاملة السياسية والاقتصادية والمصالحات الاجتماعية والإصلاح القضائي سيشكل قصوراً في معالجة الأزمات بشكل عام.
ومع ذلك، يمكن القول إن الإصلاح العسكري يشكل أولوية على اعتبار أن نقطة البدء في طي صفحة الصراعات وإطلاق عملية الانتقال السياسي هي وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى أن أي عملية تسوية سياسية تعول على إعادة بناء الدولة تتطلب بالتبعية احتكار الدولة للقوة.
وتجسد المعركة المسلحة الجارية في السودان حالياً فشلاً لمشروع الإدماج ما بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع على الرغم من الإجراءات المتوالية في هذا المسار منذ عدة سنوات، وربما لا يختلف الأمر كثيراً في حالة ليبيا، منذ أطلق مسار توحيد المؤسسة العسكرية عام 2016 عقب اتفاق الصخيرات السياسي، ثم تشكيل لجنة (5+5) العسكرية كأحد ثلاث مسارات سياسية واقتصادية وعسكرية، ورغم كل ما يدور من حديث حول تقدم مسار توحيد المؤسسة العسكرية ما بين الشرق والغرب، فإن هذا التطور المرحلي لا يقلل من احتمالات الانتكاس والتراجع في مراحل تالية.
أما في حالتي اليمن وسوريا، فإن الوضع قد يكون أكثر تعقيداً من الحالات السابقة لاعتبارات تتعلق بعمق التدخل الخارجي وفشل إدارة التنوع في المجتمعات، فيما لا يزال العراق يشكل نموذجاً لعملية الازدواج العسكري رغم تقنين وضع فصائل الحشد الشعبي.
أسباب متعددة
بحكم الخبرات المختلفة التي تشكلت في ضوء العديد من الحالات الإقليمية، يمكن الإشارة إلى العديد من الأسباب التي تحبط إنجاز مشروعات توحيد الجيوش وذلك على النحو التالي:
1- التكيف مع الصراعات: تجاوزت العديد من الأزمات التي طغى عليها الصراع المسلح العِقد من الزمن. وفي ضوء ذلك، لا يتوقع أن أي مسار للتسوية في تلك الأزمات قابل للنجاح سريعاً، بل إنه قد يمتد لسنوات أطول من الصراع نفسه، كما أن تكيف الأطراف مع الصراع زاد من تعقيداته، وأصبحت هناك حاجة للتكيف مع التسوية في المستقبل.
وقد يكون ملف توحيد الجيوش هو الأصعب في هذا السياق، إذا ما قورن بغيره من الملفات الأخرى، حيث يحتاج إلى فترة تأهيل لعملية الإدماج خلال المرحلة الانتقالية أكثر من غيره. ففي ليبيا على سبيل المثال، أدرجت كافة ملفات التسوية في خريطة الطريق على قدم المساواة، ومع ذلك كانت هناك إمكانية لتقدم المسارات السياسية والاقتصادية، قبل أن تصطدم مرة أخرى بعملية تعثر إجراء الانتخابات في ديسمبر 2022.
في حالة أخرى مثل اليمن، خلال فترة الهدنة التي امتدت لستة أشهر (أبريل – أكتوبر 2022) لم تتوقف عملية إطلاق النار في الساحة الداخلية ما بين قوات الحكومة الشرعية والحوثيين.
يضاف إلى ما سبق موروث الصراع المسلح، بالنظر إلى ما تشكل من عدائيات ما بين الأطراف المسلحة، خاصة وأن معظمها خاض حروباً شرسة، سقط خلالها الآلاف من الضحايا والمصابين والأسرى، وتظهر بحكم طبيعة المكونات الاجتماعية، لاسيما القبلية، الطابع الثأري، مهما جرى من تسويات سياسية.
2- تنازع المشروعيات: شكلت أجندات الأطراف المتصارعة على السلطة مراكز قوى بعضها يعتبر نفسه صاحب المشروعية الثورية ومن ثم يعترض على مشاركة القوى المنتمية للأنظمة السابقة، والأخيرة تتباهى بكونها تمثل الدولة العميقة وأن من جاء بعدها فشل وأفشل الدولة ولم يتمكن من بناء نموذجه الخاص، وطرف آخر يعتبر نفسه المخول بالسلطة بحكم مشروعية موقعه فى عملية الانتقال السياسي، وهكذا يتحول المشهد العام إلى حالة تنازع شرعيات سياسية تحتكم أحياناً إلى السلاح وهو ما يجري في الصراعات المسلحة التي تنفجر من آن لآخر، ثم تتجه لإعادة بناء موازين القوة المسلحة في فترات الهدوء أو تراجع الصراعات.
وبناءً عليه، لا يصمد أي اتفاق سياسي قابل لأن يغير من طبيعة موازين القوى إن لم يكن في صالح أي منها، بالإضافة إلى أن كل طرف يعتبر المكون العسكري له هو أداة القوة الضامنة لدوره المستقبلي، كما سيشكل حجم مشاركته في السلطة لاحقاً. ويمتد نزاع المشروعية إلى منظور المكونات العسكرية لبعضها البعض، فكل طرف ينظر لنفسه على أنه القوة العسكرية الشرعية والقوة المضادة له مليشيا.
فعلى سبيل المثال في حالة اليمن، لا يمكن القول إن المكون العسكري الموالي للشرعية هو القوة العسكرية النظامية التي كانت قائمة قبل سقوط نظام الرئيس على عبد الله صالح، فالأخير نفسه تسبب في تفكك هذه القوة خلال فترة تحالفه مع الحوثيين، ثم أجريت تحولات هيكلية عديدة بعد تفكك هذا التحالف، كما تعيد قوة الشرعية المعترف بها تنظيم وإصلاح نفسها من خلال لجنة الإصلاح العسكري في ضوء التطورات التي توالت عليها، وفي المقابل تسعى المليشيا الحوثية مرحلياً إلى شرعنة قوتها العسكرية في أي اتفاق سياسي.
كذلك في حالة ليبيا، تعتبر القيادة العامة أنها وريث القوات المسلحة الليبية، في حين أنها تشكلت رسمياً في نهاية عام 2014، وفي مقابلها في الغرب تعتبر رئاسة الأركان أنها القوة النظامية التي تشكلت بحكم الاستحقاق الثوري والسياسي بعد 2011. وفي حالة السودان، تؤكد القوات المسلحة السوادنية أنها القوة النظامية الأصلية التي تكونت قبل نحو قرن من الزمان، وأن قوة الدعم السريع تشكلت في العقد الأخير، وهكذا هناك تنازع مشروعيات مؤسسية على هذا المستوى.
3- تنامي بنية وقدرات المكونات شبه العسكرية: ثمة قاسم مشترك آخر شائع في أغلب حالات الأزمات وهي أن عملية الاندماج أو التوحيد يفترض أن تتم ما بين مكون عسكري (نظامي)، وآخر شبه عسكري، أو فصيل مسلح أو مليشيا، وبالتالي لا توجد وحدة معيارية في بنية تلك المكونات. لكن ثمة نقطة أخرى يتعين أخذها في الاعتبار وهي أن بنية المليشيات والفصائل المسلحة وقدراتها تطورت وتنامت وأحياناً فاقت قدرات المكونات العسكرية النظامية.
وللتدليل على ما سبق يمكن النظر إلى كافة الحالات التي أصبحت فيها المليشيات والفصائل ربما تتفوق في الميزان العسكري عن المكونات العسكرية (النظامية)، ففي اليمن تمتلك المليشيا الحوثية صواريخ وطائرات مسيرة لا يمتلكها الجيش، وفي ليبيا هناك فصائل مسلحة في غرب ليبيا تمتلك قدرات أيضاً أكبر من نظيرتها في القيادة العامة، بحكم أن تلك الفصائل حصلت على دعم خارجي هائل خلال فترة الصراع، وكذلك في السودان على الرغم من أن الوزن العسكري للقوات المسلحة وهيكلها يتجاوز بكثير قدرات الدعم السريع، لكن لا يمكن التقليل من تأثير قدرات الدعم السريع العسكرية التي يعتمد عليها في المعركة.
ومن ثم يمكن القول إنه في ظل اختلاف هيكل ميزان القوة العسكرية، فإن المكونات النظامية لم تحسم المعارك عسكرياً بشكل كامل والعكس بالنسبة للفصائل والمليشيات، ويمكن الاستنتاج من إحدى زوايا هذه النقطة تحدي توحيد هيكل القوة في مرحلة الاندماج، وهو ما يتطلب توفير برامج معينة لتجاوز هذا التحدي، تندرج تحت عملية إعادة الهيكلة.
4- فوضى الترتيبات الأمنية والإجرائية: يتعلق أحد التحديات أو ربما المعضلات في هذا السياق بعدم اعتماد الإجراءات المطلوبة لعملية التوحيد بشكل مرتب، والقفز على المراحل الأوّلية إلى المراحل المتقدمة لاستعجال إظهار مؤشر التقدم في مسار عملية التوحيد، منها على سبيل المثال لا الحصر، أن معظم عمليات التوحيد لم تشهد إجراء التسريح للعناصر غير المؤهلة للانضمام للجيش، قبل عملية إعادة الاندماج، وهي العملية التي يم خلالها فرز العناصر الصالحة عن غيرها للانضمام للمؤسسة العسكرية.
وهناك قيود حاكمة قدمت في بعض نماذج الإصلاح الهيكلي للجيوش، تتعلق بمعايير الصلاحية، كالمؤهل التعليمي والمؤهل العسكري، والانتماء السابق للمؤسسة من عدمه، حيث تقدم الكشوف الخاصة بالجيوش قبل الأزمة، ومن ينتمي للمؤسسة ولديه القدرة والرغبة يمكنه العودة إلى صفوفها. كذلك الأجيال اللاحقة على مدار سنوات الأزمة، يفترض أن يكون الفرد المؤهل للانضمام للجيش قد حصل على الحد الأدنى المطلوب من التأهيل العسكري، حتى لا يتم ضم قطاعات انضمت إلى الفصائل المسلحة لاعتبارات ولائية أو سياسية أو طائفية.
والهدف من مسألة التسريح هو عامل الاصطفاف الهيكلي المتناسب في عملية الإدماج، حتي يمكن تحديد الهيكل العسكري والدرجة والرتبة العسكرية عند عملية التوحيد، وتسمح برامج التسريح بإعادة تأهيل المسرحين إلى مهن ووظائف أخرى لتلافي تداعيات استبعادهم من دون احتوائهم في مؤسسات أخرى.
ما هو أخطر من ذلك يتعلق بمصير سلاح الفصائل والمليشيات، الذي لا يعرف مصيره في موقع الترتيبات الجارية في ليبيا واليمن والسودان، ومن المفترض أن يتقرر مصير هذا السلاح قبل عملية التوحيد، لكن يتم تجاوز هذا الأمر في معظم الأحوال، بل وأحياناً يكون هناك رفض مسبق لإدراج هذا الملف على طاولة التفاوض بالأساس.
5- هيمنة طابع الصفقات على التسوية: تنتهي معظم المسارات الحالية لتسوية ملفات الأزمة إلى صفقات مؤقتة، ترتهن إلى طبيعة المشروعات السياسية التي تسعى إليها الأطراف لتعزيز مكاسبها المتعددة، وبالتالي لا تؤسس لعملية تسوية مستدامة. فعلى سبيل المثال، في المرحلة الحالية تتمسك المليشيا الحوثية بإدراج عناصرها العسكرية في قوائم رواتب الموظفين التي سيتعين تسديدها كجزء من صفقة التهدئة، دون مراجعة هذه القوائم، وبالتالى إذا ما طرحت عملية إدماج لها في المستقبل ستراهن المليشيا على ضمها دون اعتماد الإجراءات المطلوبة.
في هذا الطرح، من الأهمية بمكان التفرقة ما بين عمليات التسوية وبين عمليات بناء السلام التي تتطلب إجراءات حاسمة يصعب تجاوزها، وبالتالي لا يمكن التأسيس لها على أساس الصفقات التي تبرم ما بين الأطراف، ومن ثم لا يزال من المبكر نضوج تسويات متماسكة وشاملة وقابلة للاستدامة.
وبالتبعية، لا يعتقد أن أي مشروع للتوحيد العسكري يمكن أن يصمد في المستقبل بالنظر لهشاشة التسويات التي يتم التوصل إليها على هذا النوع.
على سبيل المثال، ترتهن عملية توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا في المرحلة الحالية بصفقة سياسية للوصول إلى الانتخابات، ويؤخذ في الاعتبار أيضاً ضمن هذا السياق متغير تطورات العلاقات التي تنخرط فيها الولايات المتحدة مع كافة الأطراف في هذا الصدد ويغلب عليها طابع الصفقة مع العديد من الأطراف، حيث سيتم توجيه فائض القوة العسكرية للأطراف إلى تشكيل قوة أمنية لضبط الأوضاع في الجنوب والحدود مع دول الجوار، في ظل اهتمام واشنطن بالتضييق على وجود مجموعة فاجنر الروسية. لكن في حال الوصول إلى الانتخابات وفي ضوء ما ستفرزه من نتائج من المتوقع إعادة هيكلة هذا الوضع مرة أخرى.
6- صعوبات تشكيل هيكل القيادة الموحد: من المتصور أن تشكيل هيكل القيادة العسكرية في مرحلة الإدماج يختلف من حالة إلى أخرى، ففي الملف اليمني لا يزال من المبكر بالأساس الحديث عن إمكانية تشكيل الهيكل العسكري في إطار الإدماج العسكري، وبالنظر إلى حالة اللاتماثل في المكونين سيكون من الصعوبة بمكان تشكيل هيكل قيادة موحد وفق ترتيبات هيكل القيادة الحالي في كل منهما. فعلى سبيل المثال، منح رئيس المجلس السياسي للحوثيين نفسه رتبة المشير باعتباره يمثل موقع رئيس الدولة في هيكل الحركة الحوثية على الرغم من أنه ليس عسكرياً في الأصل.
كذلك في الحالة الليبية، تظهر هذه الإشكالية بالنظر إلى أن هناك عسكريين بالأساس في المكون الهيكلي لأركان غرب ليبيا حصلوا على أعلى الرتب العسكرية في حين أنهم لم ينتموا بالأساس إلى الجيش، لكن بحكم قيادتهم لفصائل مسلحة في حالة الصراع حصلوا على تلك الرتب، ومن ثم لا توجد معايير واضحة في هذا السياق.
أما في حالة السودان، فالتشابك من هذه الناحية أكثر تعقيداً بالنظر إلى التشابك السياسي والعسكري بين كياني الصراع الحالي، فرئيس الدعم السريع هو نائب لرئيس المجلس السيادي والقائد الأعلى للجيش، كما سمح الجيش بانتداب عناصره في الدعم السريع، إضافة إلى معطيات التمدد الخارجي المختلفة لكل الأطراف في هذه المعادلة.
المعضلة الرئيسية في هذا السياق هي مدى قناعة الأطراف في هرم قيادة المكونات العسكرية المختلفة بشمولها بعملية التسريح، من القاعدة إلى قمة الهرم القيادي، بما يسمح بتشكيل هيكل قيادة طبيعية تعتمد على معايير بعيدة عن التسييس والمصالح الفئوية والمذهبية.
7- غياب مسارات الإصلاح الشامل: لا تنعزل عملية دمج وتوحيد الجيش عن عملية الإصلاح الشاملة لباقي مؤسسات الدولة التي يفترض أن تسير على التوازي، فإصلاح مؤسسات القضاء والعدالة ودورها في عملية المحاسبة سيكون له دور في عملية الإصلاح العسكري، بالإضافة إلى الدور التشريعي للبرلمان في سن القوانين الخاصة بالمؤسسة العسكرية، إلى جانب إصلاح المؤسسات الاقتصادية التي يتعين أن توفر التمويل بشكل مؤسسي للجيش ووفق ميزانية موحدة ومنضبطة.
ومن المتصور أن هناك غياباً واضحاً لمنظومة إصلاح شاملة، حيث تتقدم بعض المسارات على الأخرى، وأحياناً تسقط من الحسابات تماماً النظرة لعملية إصلاح بعض المؤسسات رغم أهمية دورها الحيوي في إسناد عملية الإصلاح في الملف العسكري، وهو ما يشكل ثغرات في مستقبل هذه العملية برمتها.
8- التدخلات الخارجية: تلعب التدخلات الخارجية دوراً في عملية توحيد المؤسسات العسكرية، بحسب الأجندة الخاصة بتلك الأطراف، وبطبيعة الحال تتعدد الأجندات بتعدد تلك الأطراف الخارجية، وهو ما يتضح في معظم حالات الأزمات التي تحصل فيها القوى المسلحة الفصائلية وحتي النظامية على دعم خارجي، مادي أو عسكري، وأحياناً يصل هذا الدور إلى حد تشكيل تلك الفصائل أو المليشيات وتمويلها بالكامل.
وبالتبعية، ترهن هذه القوى موقفها ودورها لصالح الأطراف الداعمة لها، بحكم أنها وكيل محلي لها وتلعب دوراً في الصراع لصالحها، بل ويمتد دورها من الساحة الداخلية إلى الساحة الخارجية، وتنعكس هذه العملية على مشروع التوحيد في ظل تعدد أجندات القوى المفترض توحيدها، لاسيما وأنه من الصعوبة بمكان فك الارتباط فيما بينها، أو تخليها عن دور الوكيل.
على الجانب الآخر، هناك منظور آخر للتدخل الدولي في مسار الإصلاح العسكري، بزعم أن المؤسسة العسكرية هى التي سيطرت على السلطة في الماضي، ومن ثم يتعين استبعادها من العملية السياسية، وهي المزاعم ذاتها التي كانت رائجة فيما يعرف بمسار التحول الديمقراطي التي تفرضها القوى الغربية.
في الأخير، يمكن القول إن مسار توحيد الجيوش في دول الأزمات العربية حافل بالكثير من التحديات والمعضلات التي تؤكد على أن هذا المسار لم ينضج فعلياً في أي من الحالات الماثلة في دول الأزمات، وربما تحتاج هذه العملية لفترة زمنية أطول من فترة الصراع، كما يؤخذ في الاعتبار أن لحظة تشكل الجيوش في مرحلة الاستقلال الوطني في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ومسار تطورها التالى هي لحظة مختلفة عن المرحلة الحالية التي تعرضت فيها الدول لأزمات داخلية، ومن ثم فإن عملية إعادة تشكيل الجيوش تحتاج إلى خبرات مختلفة عن عملية التأسيس والكفاح الوطني من أجل الاستقلال، بعد أن أصبح الدافع الرئيسي هو الصراع على السلطة والنفوذ والمصالح.