قضايا وتحليلات - قضايا الإرهاب والتطرف 2023-3-8
أحمد كامل البحيري

باحث متخصص في شئون الإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

أكدت الأمم المتحدة، عبر التقرير الذي نشر في 15 فبراير الفائت (2023)، أن سيف العدل "محمد صلاح الدين عبد الحليم زيدان" أصبح زعيم تنظيم "القاعدة"، وهو ما أيدته الولايات  المتحدة الأمريكية في اليوم التالي، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "إن تقييمنا يتوافق مع تقييم الأمم المتحدة، بأن الزعيم الفعلي الجديد للقاعدة سيف العدل وهو موجود في إيران".

هذا الإعلان يطرح العديد من التساؤلات حول أثر تولي سيف العدل قيادة تنظيم "القاعدة" على بنية التنظيم المركزية، والعلاقة بين أفرع التنظيم والقيادة المركزية، وطبيعة المستهدف. هذه التساؤلات الثلاثة وغيرها تأتي تحت عنوان: ما هى ملامح استراتيجية تنظيم "القاعدة" بعد تولي سيف العدل قيادته؟.

منطلقات تحديد الاستراتيجية

هناك العديد من المداخل التي يمكن القياس عليها في تحديد ملامح استراتيجية تنظيم "القاعدة" في ظل تولي سيف العدل مسئولية التنظيم، منها ما هو قائم من حيث تركيبة أفرع التنظيم المختلفة وشكل البنية التنظيمية القائمة لـ"القاعدة"، ومكان استقرار غرفة عمليات التنظيم.

وعلى الرغم من التأثير المباشر لشخصية قيادة التنظيم على استراتيجيته، فإنه في حالة سيف العدل لن تختلف كثيراً، حيث مارس دوراً رئيسياً في تنظيم "القاعدة" خلال الأعوام الثلاثة الماضية وخصوصاً منذ منتصف عام 2019، على نحو وصل إلى حد اعتباره القائد الفعلي للتنظيم في ظل التكهنات التي راجت حول مرض أيمن الظوهري وعدم قدرته الصحية على متابعة التفاصيل اليومية للتنظيم وأفرعه المختلفة، في وقت تم القضاء على أغلب قياداته المرشحين لخلافته، ومنهم أبو محسن المصري (أكتوبر 2020)، وأبو عبد الله أحمد عبد الله المعرف بـ"أبي محمد المصري" (أغسطس 2020)، وحمزة بن لادن (يوليو 2019)، وهو ما جعل من سيف العدل الرجل المتبقي القادر على تسيير أعمال التنظيم.

استنتاجات من بيانات "القاعدة"

خلال شهر فبراير الفائت، وخصوصاً في أعقاب زلزال تركيا وسوريا الذي وقع في 6 من هذا الشهر، أصدر تنظيم "القاعدة" بيانين: الأول، من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بعنوان "بيان عزاء ومواساة" صدر في 12 فبراير، والثاني، من القيادة العامة لتنظيم "القاعدة" المركزي بعنوان "عزاء ودعاء ودعم" وصدر في 20 من الشهر نفسه.

فعلى الرغم من خلو البيانين من الإشارة لتولي سيف العدل أو تأكيد خبر مقتل الظواهري، إلا أن هناك بعض الملامح التي يمكن استنتاجها من بيان تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" والذي استخدم لغة مغايرة لما كان يستخدمها في السابق، حيث صدر البيان بدون إعلان مواقف تجاه أطراف سياسية محلية أو قوى إقليمية ودولية، وهو على نفس مسار كتابة البيانات الصادرة عن التنظيم منذ عامين، وهي أقرب لأسلوب سيف العدل الذي نشر العديد من المقالات باسم مستعار هو "عابر سبيل".

وبالنظر في البيان الأخير الذي صدر عن تنظيم "القاعدة" المركزي، فقد حاول الأخير بدوره الابتعاد عن الهجوم على أطراف إقليمية أو قوى محلية مع استخدام أسلوب أقرب إلى بيانات "هيئة تحرير الشام"، على نحو يوحي بأن التنظيم يحاول الابتعاد عن مفهوم "الجهاد العالمي"، والظهور في صورة "جماعة مسلحة إسلامية معارضة محلية"، عبر التركيز على مفهوم "العدو المُؤجَّل" وليس "العدو الآني".

وقد استمر تنظيم "القاعدة" في هذا المسار خلال عامي 2021/2022، أي في الفترة التي كان فيها سيف العدل المسئول الفعلي عن إدارة شئونه، فكانت بداية هذا المسار عندما أصدر تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عام 2021، بياناً بمناسبة مرور عشرة سنوات على الحراك العربي، حيث استخدم البيان مصطلحات لا تدخل ضمن المفردات التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية، بل تعتبر نقيضاً لفكرها المتطرف، ومنها الحديث، مثلاً، عن مفهوم "سيادة الشعب"، إلى جانب اللغة الهادئة التي استخدمها التنظيم في بيانه الرسمي على غير المتوقع بالنسبة لبيانات التنظيم المختلفة، في نفس الوقت الذي طرح التنظيم لأول مرة مفهوم "العدو القريب"، وهو التكتيك المغاير لتكتيك "القاعدة" المعتمد بشكل أساسي على مفهوم "العدو البعيد"، ومن ثم يمكن استنتاج بعض ملامح استراتيجية تنظيم "القاعدة" في ظل تولي سيف العدل بناءً على البيانات الأخيرة الصادرة من قبل تنظيم "القاعدة"، وذلك على النحو التالي:

1- إعادة النظر في مفهوم "الجهاد العالمي": يسعى تنظيم "القاعدة" إلى التركيز على مفهوم "العدو القريب" بدلاً من استخدام مفهوم "العدو البعيد"، وهو منطلق رئيسي للتنظيم على مدار ثلاثة عقود بهدف تحييد الغرب بعد الضربات الأمنية الغربية العنيفة تجاه التنظيم والتي أسفرت عن سقوط العديد من القتلى في صفوفه، لا سيما في القيادات، على نحو يجعل من تغيير الاستراتيجية عبر إعادة النظر فيما يسمى "الجهاد العالمي" يمثل تكتيكاً ومتغيراً مهماً يمكن أن يؤثر على طبيعة المستهدف خلال المرحلة القادمة.

2- إعادة التسويق السياسي: مع حالة التراجع الشديدة في بنية تنظيم "القاعدة" سواء على المستوى المركزي أو بالنسبة للأفرع المختلفة، بدأ التنظيم عبر أفرعه المختلفة في الاقتراب من تكتيك "هيئة تحرير الشام"، في محاولة لإعادة التسويق السياسي سواء على المستوى المحلي أو على الصعيد الدولي، وهو ما يمكن فهمه في ضوء الأسلوب المستخدم في البيانات الأخيرة عبر استخدام مصطلحات أقرب للخطاب "السياسي" من الخطاب "الجهادي" لدى التنظيمات الإرهابية وأسلوب تنظيم "القاعدة" الإعلامي والفكري، وهو ما لا ينفصل عن محاولات "هيئة تحرير الشام" الترويج لخطابها السياسي في سوريا، عبر محاولة الظهور في صورة جماعة مسلحة دينية محلية.

3- "قاعدية" الفكر و"داعشية" التنفيذ: نتيجة احتكاك الكثير من العناصر التي تشكل أفرع "القاعدة" في دول الإقليم بمسار الأحداث في سوريا واليمن وأفريقيا وتبعية البعض منهم، في فترات سابقة، لتنظيم "داعش"، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إعادة تأسيس بناء تنظيمي سيكون متأثراً، إلى حد كبير، بالمنطلقات الفكرية لـ"القاعدة"، وفي الوقت نفسه سيغلب عليه الأسلوب "الداعشي"، لا سيما في نمط القتال القائم على العنف المفرط في المواجهات.

4- ضبط العلاقة مع أفرع التنظيم وإعادة التوسع: برزت خلال الأشهر الماضية محاولات من قبل بعض أفرع التنظيم لإعادة الظهور مرة أخرى بعد فترة طويلة من التوقف أو التراجع في العمليات الإرهابية، كما يحدث الآن من خلال فرعي تنظيم "القاعدة" في اليمن ومنطقة الساحل الأفريقي، حيث نشط تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" خلال الأشهر الستة الماضية بعد توقف استمر ما يقرب من عام ونصف عبر قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية وإعادة بث مواد التنظيم مرة أخرى عبر قنواته المختلفة، وهو الأمر نفسه في اليمن، حيث نشط التنظيم بشكل كبير خلال الفترة الماضية، على نحو بدا جلياً في زيادة معدل العمليات الإرهابية في اليمن خلال عام 2022 والذي وصل إلى ضعف معدل العمليات الإرهابية خلال عام 2021، ومحاولات التنظيم المركزي إعادة تأسيس فرع التنظيم في جنوب ليبيا.

5- التوريث فيما بعد سيف العدل: حاول تنظيم "القاعدة" العمل باستراتيجية توريث القيادة خلال عام 2018/2019، عبر إعداد حمزة بن لادن لتولي مسئولية القيادة، حيث كلّف سيف العدل بالإشراف على تأهيل وإعداد حمزة بن لادن لهذه المهمة، ولكن جاء مقتل الأخير في عام 2019، ليوقف المشروع، ومع تولي سيف العدل أصبح هذا المشروع قائماً منذ الساعات الأولى، حيث تشير تقارير عديدة إلى أنه يقوم بإعداد ابنه لتولي مسئولية التنظيم بعده، لمواجهة تكرار طرح فكرة "تدوير وتدويل" منصب القيادة بين أفرع التنظيم المختلفة، في ظل اختفاء كامل لمجمل قيادات الرعيل المؤسس، حيث يسعى سيف العدل عبر صهره مصطفى حامد مُنظِّر التنظيم الحالي والمتواجد في إيران، وباستغلال تشابك علاقات المصاهرة مع أسرة بن لادن والعديد من قيادات الرعيل الأول، إلى تحقيق هذا الهدف، على نحو يفتح الباب أمام مشروع التوريث بالتنظيمات الإرهابية الأخرى بل وداخل أفرع تنظيم "القاعدة" المختلفة.

في المجمل، على الرغم من حالة الغموض المقصود من قبل تنظيم "القاعدة" للاعتراف بمقتل الظواهري وتعيين سيف العدل كزعيم جديد له، والتي تفرض عقبات أمام تحديد ملامح استراتيجية التنظيم المحتملة، إلا أن هناك العديد من الاستنتاجات التي تزيد من احتمال ظهور نسخة جديدة من تنظيم "القاعدة" سوف تتضح ملامحها تدريجياً خلال المرحلة المقبلة.