صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تعد مصر من الدول التى شهدت فى الآونة الأخيرة نموا متزايدا فى مجال التجارة الإلكترونية؛ حيث احتلت خلال عام 2021، المرتبة الثانية على مستوى دول شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط فى مجال التبادلات التجارية من حيث حجم التجارة وقيمة العائد المالى؛ فوفقًا لتصريحات مسئولى جهاز تنمية التجارة الداخلية، بلغ حجم التجارة الإلكترونية خلال عام 2021، نحو 4.9 مليار دولار؛ فضلا عن تزايد نمو المنصات الإلكترونية، بنسبة 25% خلال عام 2022.

يرجع البعض اتساع حجم ودوائر ومنصات التداول الإلكترونى للسلع والخدمات، خلال عام 2021، إلى تأثيرات الإغلاق العام الذى اتبعته مصر فى سياق الإجراءات الاحترازية العالمية وقت تفشى فيروس كورونا خلال الفترة (2019-2020)، مما وفر مجالًا واسعًا ورحبًا لتفاعلات حركة البيع والشراء عبر المنصات والمواقع الإلكترونية المختلفة. بينما يعود ارتفاع معدل النمو، خلال عام 2022، إلى الإجراءات المتزايدة التى اتخذتها الحكومة بشأن التحول إلى التعاملات التكنولوجية الرقمية من ناحية، وتطوير البنية التحتية التكنولوجية من ناحية أخرى، بما زاد من سهولة التداول السلعى والخدمى، وما يرتبط بهما من دفع إلكترونى عبر المواقع الإلكترونية المختلفة، أو ما يمكن تسميته بـ "التسوق الإلكترونى".  

ورغم تزايد نمو التجارة الإلكترونية فى مصر، إلا أن مساهمتها فى إجمالى حجم التجارة الكلية لا يتعدى 3%، وكان من المفترض أن يرتفع هذا المعدل خلال العامين القادمين، ليصل إلى 5%، لكن من المتوقع أن يؤدى التباطؤ فى حركة التجارة، الناتج عن ارتفاع معدلات التضخم مع مطلع عام 2023 الجارى، إلى قدر من التأثير السلبى على معدلات التجارة الإلكترونية خلال النصف الأول من هذا العام.  

وقد باتت التجارة الإلكترونية وتفضيلات الأفراد والدول بشأن التعامل الرقمى التكنولوجى واقعا عالميا، حفز من سهولة التداول عبر الإنترنت، الأمر الذى يتطلب ضرورة تأطير هذا النوع من التعاملات التجارية الإلكترونية تأطيرا تشريعيا يهدف فى النهاية إلى وضع منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين تساعد الدولة على التحول المدروس إلى منظومة الاقتصاد الرقمى. ويفترض هذا التأطير التشريعى للتجارة الإلكترونية وضعها تحت الانضباط الضريبى بما يزيد من موارد الدولة، وهو ضرورة نابعة من توجيهات عدد من المنظمات الدولية كمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، ومنظمة التجارة العالمية اللتين وضعتا عددا من القواعد الحاكمة والمحددة -وفقا لدراسة صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء- لنشاط التجارة الإلكترونية، بما يساعد حكومات الدول على تأطير مجالات هذا النوع من التجارة بها تأطيرًا تشريعيًا.

تبدو أهمية التجارة الإلكترونية حاضرة بقوة على مستوى اقتصاد الدولة؛ نظرا للعديد من الإيجابيات التى يعكسها النمو المطرد فى مجالات التداول الإلكترونى للسلع والخدمات؛ فهى توفر العديد من فرص العمل النوعية الجديدة لشرائح عمرية مختلفة، كما تفتح مجالات جديدة وواسعة للاستثمار فى المشروعات الصغيرة ومتوسطة الحجم، وتربط المنتجات المصرية بسوق إلكترونية عالمية بما يتيح فرصة نفاذ المنتج المصرى بصورة مباشرة لأسواق التداول الإلكترونى، هذا بخلاف مزايا منع الاحتكار، ومزايا السوق التنافسية عالميا بما يفتح آفاق رحبة للصادرات المصرية، تتجاوز الأبعاد المكانية والزمنية، وتتجاوز كذلك نوعية الصادرات التقليدية.

رغم أهمية التجارة الإلكترونية إلا أن الواقع يشير إلى وجود العديد من التحديات التى تواجهها، وهى تحديات بعضها يتعلق بطبيعة التداول الإلكترونى وإشكاليات الأمن السيبرانى، والبعض الآخر يتعلق بعدم وجود قواعد قانونية حاكمة، والبعض الثالث يتعلق بعدم خضوع بعض من أنواع هذه التجارة للنظام الضريبى، وما يترتب عليه من صعوبة الدمج كقطاع فى الاقتصاد الرسمى للدولة، وعدم إحداث تطور سريع فى البنية التحتية التكنولوجية، أو تلك المتعلقة بالأحداث والتطورات العالمية فى مجال السياسة والأمن والاقتصاد؛ حيث تؤدى الأزمات الكبرى والأوبئة على مستوى العالم إلى التأثير سلبا فى سلاسل الإمداد العالمية، وبالتالى فى عملية البيع والشراء الإلكترونى.  

فى هذا السياق، طرح كل من الدكتور/ أحمد هيبة -أستاذ الاقتصاد بجامعة دراية المصرية- والأستاذة/ شيماء العربى، -الباحث الاقتصادى بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء- رؤيتهما بشأن واقع التجارة الإلكترونية فى مصر من خلال دراسة بعنوان «التجارة الإلكترونية فى مصر.. السياسات والآفاق» تناولت تقييما لهذا الواقع، وتحليلا للتحديات التى تواجه مجال التجارة الإلكترونية، وذلك من خلال عدة محاور: تناول الأول، ماهية التجارة الإلكترونية. وحدد الثانى أشكال التجارة الإلكترونية وفنَّد أهميتها. أما المحور الثالث، فتناول بالتحليل وضع التجارة الإلكترونية فى مصر فى ضوء الفرص المتاحة. بينما استعرض المحور الرابع التحديات التى تواجه قطاع التجارة الإلكترونية وسياسات المواجهة الحكومية، ويرصد الباحثان فى المحدد الخامس عددا من خبرات الدول وتجاربها فى النهوض بمجالات التجارة الإلكترونية. وفى المحور السادس فندت الدراسة نتائج استبيان أجرته على الجمهور وأصحاب الأعمال أطراف عملية التداول والتسويق الإلكترونى. وتطرق المحور السابع إلى الفرص المستقبلية لنمو التجارة الإلكترونية فى مصر، بالإضافة إلى وضع مجموعة من التوصيات والمقترحات الكفيلة بتطوير التجارة الإلكترونية مستقبلا.