إحتلت الأزمة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والأمنية الجزء الأكبر من اهتمامات العالم خلال عام 2022. وفي ظل احتمال استمرارها على مدى العام 2023 أيضا، من المتوقع أن تستبد بالمشهد العالمي خلال هذا العام، وأن تلقي بظلالها على الأعوام التي تليه. وقد فرضت الحرب نفسها على اهتمامات مختلف مراكز الدراسات ومؤسسات التفكير الاستراتيجي حول العالم، فكانت أهم ما انشغلت به هذه المراكز والمؤسسات، رصدا وتحليلا واستشرافا للسيناريوهات العسكرية وقراءة للمستقبل العالمي.

انطلاقا من هذه المعطيات، أعطى "التقرير الاستراتيجي العربي" لعام 2022، الصادر حديثا عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الاهتمام الأكبر لفهم الحرب وارتداداتها على المستويين الدولي والإقليمي. على المستوى الدولى تضمن التقرير تحليلات معمقة حول الحرب ودلالات تطوراتها بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، وتداعياتها الجيوسياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية حول العالم، وارتداداتها في مجالات الطاقة والغذاء والتجارة واللاجئين والحرب السيبرانية والمناخ، وانعكاساتها على النظام الدولي، وعلى التنافس الصيني- الأمريكي، والصراع الأمريكي- الروسي، والاستراتيجيات الأمنية الجديدة في مختلف الهياكل والأحلاف العسكرية الدولية، وبالأخص تحولات التفكير الدفاعي داخل حلف شمال الأطلسي. وطرح التقرير سؤالا رئيسيا: لماذا لم تُحسم الحرب خلال عام 2022؟ وتوقع أن تسفر الحرب عن خريطة جيوسياسية دولية جديدة، تستبطن في طياتها احتمالات نشوب حروب أخرى، تلوح بعض مؤشراتها في الأفق.  

على جانب النظام العربي والإقليمي، رصد التقرير الأبعاد الداخلية التي حكمت المواقف العربية ومواقف القوى الإقليمية من الحرب، التي تأثرت بالرؤى الخاصة بالمصالح الوطنية لكل منها، ولمس التقرير دورا للحرب في تبطئة مفاوضات النووي الإيراني مع دعم إيران روسيا بالصواريخ والمسيرات. ورصد التقرير تقسيم الحرب للدول العربية إلى رابحين وخاسرين؛ رابحين من عائدات النفط والغاز، وخاسرين تأثروا سلبا بصدمات نقص الغذاء والتضخم وتردي الوضع الاقتصادي. كما رصد اتجاه بعض الأزمات العربية نحو التهدئة والتسكين، مع تفاقم عبء الوضع الداخلي من جراء الحرب الروسية- الأوكرانية، ومساعي المبعوثين الأمميين. كذلك، ازدادت مساحات التفاعل الأمني بين دول عربية وإسرائيل في ظل اتفاقات أبراهام، ويتوقع تكثيف العلاقات الأمنية القائمة، مع بقاء احتمالات التباطؤ أو التراجع في أحد هذه المسارات أو بعضها في ظل غياب مبادرة أساسية لتسوية القضية الفلسطينية على الجانب الإسرائيلي، لكنه على الأرجح سيكون انتكاسا أو تراجعا مؤقتا، إلى أن تستقر التفاعلات. وفيما يتعلق بمستجدات الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يرصد التقرير اتجاها تصعيديا في الداخل الفلسطيني بالأخص مع تولي حكومة من أكثر الحكومات يمينية وتشددا في إسرائيل، ومن ثم تزداد احتمالات تفجر العنف بين الطرفين، مع تراجع فرص حل الدولتين واستمرار الانقسام الفلسطيني.

على الصعيد الداخلي المصري، ركز التقرير على انتقالات الخطاب الرئاسي، في ظل الأوضاع الداخلية في مصر، وفي سياق الإطلالة الكلية على ملامح الخطاب السياسي للرئيس عبدالفتاح السيسي منذ 2014 وحتى الآن؛ فرصد التقرير القواسم المشتركة في خطاب الرئيس، والاتجاهات العامة لتوجهات الخطاب خلال عام 2022. وفيما يتعلق بالحوار الوطني، رصد التقرير دور الدعوة للحوار وبدء ترتيباته في تعزيز التوافق بين القوى الوطنية، مع تجاوز محاولات التسييس، واستعرض الإجراءات التي اتخذت لأجل مأسسة الحوار، وتجاوز الحوار لبعض الإشكاليات التي واجهته، في ظل محاولة بناء نموذج مصري في صياغة الأولويات الوطنية الجديدة.

وفي سياق تعامل مصر مع قمة المناخ COP 27 في شرم الشيخ، فقد نظرت إليها الدولة كفرصة ذهبية لتعبئة الجهود المحلية والدولية لأجل التصدي لأخطار التغير المناخي، وتأثيراته السلبية على مصر والعالم. وشهدت مصر خلال عام 2022 ازدياد العنف المجتمعي خاصة ضد المرأة؛ فقدم التقرير مجموعة مقترحات لمواجهة الظاهرة وتفكيكها. واستعرض التقرير كذلك السياسات الاقتصادية وأولويات مصر التنموية في ضوء الحرب، وإدارة التفاوض المصري مع صندوق النقد الدولي، والموازنة العامة والسياسة المالية، ووثيقة ملكية الدولة كخطوة مهمة في اتجاه تعزيز تنافسية الاقتصاد المصري.

وأخير، وفي الجزء المخصص لسياسات الدفاع والدبلوماسية رصد التقرير تنامي القدرات الدفاعية والأدوار التنموية والدبلوماسية للقوات المسلحة المصرية، سواء عبر رصد حالة التسلح، أو كم ونوع الفعاليات والأنشطة العسكرية المتمثلة في المناورات والتدريبات المشتركة، أو دور الجيش المصري التنموي، والدبلوماسية العسكرية. وفيما يتعلق بالدبلوماسية والسياسة الخارجية، رصد التقرير النمط الغالب على اتجاه المسار الدبلوماسي المصري خلال عام 2022، الذي سعى إلى تهدئة وتسكين الأزمات، والبحث عن بدائل غير صدامية في حل المشكلات، ورصد ذلك من خلال تتبع حركة الدبلوماسية المصرية وزيارات الرئيس إلى الخارج والزيارات من الخارج إلى مصر، وتمثلت أهم نتائج ذلك في دعم وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتعزيز التوجه المصري نحو أفريقيا، وتوسيع التوجه الآسيوي في السياسة المصرية والتعاون في شرق المتوسط، مع استمرار تعزيز العلاقات بالولايات المتحدة وأوروبا.