قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات دولية 2023-2-22
د. محمد عباس ناجي

رئيس تحرير الموقع الإلكتروني - خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

الافتتاحية

لا تنتهي أي حرب مثلما تبدأ. إذ أن مياهاً كثيرة تجري بين الزمنين، تُحرِّكها متغيرات عديدة ترتبط بمصالح وحسابات أطراف مختلفة. وتبدو تلك الحقيقة جلية في حالة الحرب الروسية-الأوكرانية التي تفتتح عامها الثاني في 24 فبراير الجاري (2023)، ولا يُعرَف بعد ما إذا كان هذا العام الجديد هو عامها الأخير أم أنها ستمتد لأعوام أخرى. 

فالمسألة لم تعد تخص روسيا وأوكرانيا فقط، بعد أن انخرطت فيها أطراف عديدة إقليمية ودولية- دول وفاعلون من غير الدول- لها مصالح وتوجهات مختلفة إزاء الحرب ومساراتها المحتملة. كما أن تداعيات الحرب لم تقتصر على طرفيها الرئيسيين، بعد أن امتدت لتؤثر على العالم بأسره، وفي مجالات مختلفة، بداية من الطاقة وانتهاءً بالأمن الغذائي. 

وبدا العالم، بأقاليمه المختلفة، منهمكاً في متابعة تطورات الحرب وتداعياتها على مصالحه واستقراره، والأهم على أنماط التفاعلات التي تجري بين قواه الرئيسية، التي تباينت سياساتها إزاء الحرب وطرفيها المباشرين.

فقد رتبت الحرب معطيات جديدة سوف يكون لها تأثير على أنماط التفاعلات التي سوف تجري على الساحتين الإقليمية والدولية خلال المرحلة القادمة. إذ أعادت الاهتمام الدولي بمنطقة الشرق الأوسط من جديد، في ظل تطلع العديد من القوى الدولية إلى توسيع هامش خياراتها المتاحة للتعامل مع ارتدادات الحرب، خاصة على صعيد أزمة الطاقة.

انعكس ذلك في القمم التي عقدت بمشاركة الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي چينبينج في السعودية وضمت دولاً عربية عديدة، إلى جانب الجولات التي يقوم بها وزيرا الخارجية الروسي والأمريكي سيرجي لافروف وانتونيو بلينكن باستمرار في المنطقة. كما بدا جلياً أيضاً في الصفقات الضخمة التي أبرمتها دول أوروبية عديدة في مجال الطاقة مع العديد من دول المنطقة.

كذلك، عززت الحرب موقع كثير من القوى الإقليمية، لا سيما العربية، إزاء التفاعلات التي تجري على الساحة الدولية، بعد أن بدأت هذه القوى في توجيه رسائل مباشرة بأنها سوف تسعى للتعامل مع معطيات الحرب بما يتوافق مع مصالحها الوطنية في المقام الأول.

وكان لافتاً في السياق ذاته، أن دولاً عديدة بالمنطقة بدت منخرطة بمستويات مختلفة سواء في إدارة العمليات العسكرية، على غرار إيران، أو في أداء أدوار الوساطة مثل تركيا والإمارات.

في الأخير، يمكن القول إن المسارات التي يمكن أن تنتهي إليها الحرب لم تتضح بعد. فهل ستستطيع روسيا تحقيق أهدافها من الحرب وبالتالي تعلن وقف العمليات العسكرية في لحظة ما؟ أم تتمكن أوكرانيا من تحمل تبعات استمرار تلك الحرب بدعم من جانب الدول الغربية بالتوازي مع رفع كُلفة تلك العمليات على روسيا على نحو يدفع الأخيرة إلى القبول بحل وسط ينهي الحرب؟ أم تقع تطورات لا يمكن وضعها في الحسبان ويمكن أن يكون لها التأثير الأهم في حسم تلك المسارات؟

أسئلة سوف تجيب عنها التطورات اللاحقة التي ستشهدها ساحة الحرب خلال عامها الثاني الذي سيبدأ بعد ساعات.