أحمد كامل البحيري

باحث متخصص في شئون الإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

منذ أن أعلن المتحدث باسم "داعش" أبو عمر المهاجر، في كلمة صوتية مدتها 9 دقائق و45 ثانية، في 30 نوفمبر الماضي (2022)، عن مقتل زعيمه أبو الحسن الهاشمي القرشي، وتولي أبو الحسين الحسيني الهاشمي قيادة التنظيم، تثار العديد من التساؤلات حول الزعيم الجديد: من هو؟، وما هو اسمه الحقيقي؟ وأي جنسية يحملها؟ وهل ينتمي للرعيل المؤسس للتنظيم أم الجيل الثاني؟

أهمية القيادة

البحث عن شخصية زعيم أي تنظيم إرهابي ليس مهمة سهلة، إذ أن الغموض يمثل جزءاً أساسياً لما يفرضه زعيم التنظيم من أثر مباشر في استراتيجيته وتكتيكاته القتالية وطبيعة المستهدف والانتشار الجغرافي. ففي مجمل التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة، يمارس القائد دوراً رئيسياً في تحديد مستوى نفوذها، ويمكن قياس ذلك على وضع تنظيم "القاعدة" أثناء قيادة أسامة بن لادن مقارنة بقيادة أيمن الظواهري، وهو الأمر نفسه بالنسبة لشكل تنظيم "داعش" أثناء تولي أبو بكر البغدادي وما تلاه من قيادات.

إذ أن طبيعة الشخصية وتكوينها وخلفيتها يكون لها دور في رسم ملامح التنظيم الحالي والمستقبلي، فكون مسئول التنظيم من خلفية أمنية أو عسكرية يؤثر في قدرات التنظيم القتالية، على عكس ما إذا كانت القيادة من خلفية دينية، بالإضافة للأدوار التي لعبتها الشخصية في التنظيم قبل تولي مهام قيادته.

على سبيل المثال، عندما يتم اختيار قيادة التنظيم من عنصر كان مسئولاً عن أفرعه، أو مسئول التدريب والتسليح فيه، فإن ذلك يختلف عن اختيار عنصر كان يتولى مسئولية الفتوى بالتنظيم، ومن ثم تأتي أهمية تحديد شخصية قائد التنظيم، وخصوصاً في حالة تنظيم "داعش"، لما يمثله ذلك من تحديد دقيق للمسارات المحتملة للتنظيم في المستقبل سواء في المنطقة العربية أو العالم، لا سيما أن ذلك يمكن أن يساعد في الإجابة على التساؤل الأهم: ماذا بعد "داعش"؟

كيف يتم اختيار قيادة التنظيم؟

أعلن المتحدث باسم تنظيم "داعش" أبو عمر المهاجر أن اختيار زعيم التنظيم الجديد أبو الحسين الحسيني القرشي جاء بناءً على ترشيح من زعيم التنظيم السابق أبو الحسن الهاشمي القرشي، وهو التوجه المتبع في إعلان "داعش" عن اختيار زعيمه، حيث بدأ الأمر بإعلان التنظيم اختيار أبو إبراهيم الهاشمي القرشي بناءً على ترشيح أبو بكر البغدادي، والأمر نفسه تكرر مع اختيار أبو الحسن الهاشمي القرشي الذي أعلن التنظيم اختياره بناءً على ترشيح أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وإن كان هذا التصريح يأتي بمثابة إعلان سياسي من قبل التنظيم كنوع من المراوغة السياسية المقصودة للدلالة على تماسكه وإعطاء انطباع بسهولة عملية نقل قيادة التنظيم من شخص إلى آخر. ولكن الواقع يؤكد أن اختيار التنظيمات الإرهابية لقياداتها يمثل عملية معقدة، حيث يرتبط اختيار اسم قائد التنظيم باعتبارات عديدة منها: التوازنات داخل بنية التنظيم، من حيث كيفية نشأة التنظيم، والجنسية المسيطرة والمتحكمة في البناء التنظيمي، وحسم الصراعات الداخلية، والأهم من ذلك المتبقي من الرعيل المؤسس بالتنظيم، وخصوصاً ما يطلق عليهم "تلاميذ الزرقاوي"، وهم النسبة الأغلب التي تشكل ما يسمى "مجلس الشورى"، أو "اللجنة المفوضة"، وهى أعلى جهة تنظيمية داخل الهيكل التنظيمي لـ"داعش".

وبالنظر في أسماء اللجنة المفوضة، يتضح أن 98% من الرعيل المؤسس تم القضاء عليهم سواء بمقتلهم مثل أبو محمد العدناني، وأبو بكر البغدادي، وأبو الحسن المهاجر، وأبو حمزة القرشي، ومعتز الجبوري، وأبو ياسر العيساوي، وفايز العقال، وماهر العقال، وأمير المولى، أو بالقبض عليهم مثل إسماعيل علوان العيثاوي، وسامي جسام محمد الجبوري، وبشار خطاب غزال الصميدعي المكنى "أبو زيد" أو "الأستاذ زيد".

وانطلاقاً من ذلك، فإن الأسماء المتبقية باللجنة المفوضة لتنظيم "داعش" المحسوبين على الجيل الأول المؤسس هم: جمعة عوض البدري شقيق زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، وزياد جوهر عبد الله، وأبو سليمان المراوي، وأبو عبد الله القاضي الغلامي، وعبد الله مكي الرفاعي، وحسن علي حسن، وعلي جاسم سلمان الجبوري.

ومن هنا، يأتي التساؤل الرئيسي حول الشخصية الحقيقية لزعيم "داعش" الحالي أبو الحسين الحسيني القرشي.

"كفوش"


 

بالنظر في معظم هذه الأسماء المتبقية من الرعيل المؤسس لتنظيم "داعش" والمؤثرة في اللجنة المفوضة، يتضح أنها تتولى حالياً مهام بارزة في التنظيم، وهو ما يُضعِف من احتمالات أن يكون أحدها هو الزعيم الحقيقي لـ"داعش".

إذ يتولى عبدالله مكي الرفاعي المكني "أبو خديجة" مسئولية التنظيم في ديالي حتى الآن. في حين يتولى حسن علي حسن المكني "أبو أثراء" مسئولية التنظيم في كركوك حتى الآن. أما أبو سليمان المراوي، فيتولى مسئولية التنظيم في الأنبار حتى الآن، وهو مسئول في الوقت نفسه عن التنسيق بين الباديتين السورية والعراقية. بينما يعد جمعة عواد البدري شقيق زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي، عضواً باللجنة المفوضة داخل التنظيم. وغاب زياد عبدالله المكني "أبو الحارث العراقي" عن المشهد التنظيمي منذ أن تولى أبو إبراهيم الهاشمي القرشي قيادة التنظيم. وانضم أبو عبد الله القاضي الغلامي لعضوية اللجنة المفوضة للتنظيم، حيث يقتصر دوره على الجانب الفقهي والديني بالتنظيم.

ويتبقى هنا اسم علي جاسم سلمان الجبوري، وهو الرجل الأول والأقوى بالتنظيم، والذي مارس دوراً قيادياً فيه منذ مقتل البغدادي، حيث تولى مسئولية مكتب الولايات البعيدة بالتنظيم، والمسئول عن مجمل أفرع التنظيم بدول العالم والمنسق بينها وبين القيادة المركزية، وذلك في أعقاب مقتل أبو عبد الرحمن مسئول مكتب الولايات البعيدة في يونيو 2020، وتولى بعد مقتل فايز علي العكال مسئولية مكتب الإدارة العامة للولايات ورئيس اللجنة المفوضة، وقد مارس دوراً حاسماً في اختيار زعماء "داعش" بعد مقتل البغدادي.

ويحمل علي جاسم سلمان الجبوري الجنسية العراقية، ويتحدر من قرية السلمان من أقضية محافظة صلاح الدين، وقد انضم لتنظيم "أنصار السنة" الإرهابي في العراق عام 2004، وكان مقرباً من أبو مصعب الزرقاوي مؤسس التنظيم وتولى مسئولية تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" بمحافظة صلاح الدين، وكان أحد المقربين من أبو عمر البغدادي ثالث زعيم للتنظيم، ومع تولي أبو بكر البغدادي مسئولية التنظيم وإعلان ما تسمى "الخلافة الداعشية" في يونيو 2014، كُلِّف بالعديد من المهام، ولديه العديد من الكُنَى ومنها "كفوش" و"علي سوادي"، لكن أشهرها عبد الرؤوف المهاجر.

ويعتبر "كفوش" مهندس تحركات أفرع التنظيم والمشرف على تشكيل القيادات المحلية خلال السنوات الثلاثة الماضية، ما جعله المتحكم الفعلي بالتنظيم منذ مقتل أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019، على نحو يوحي بأنه ربما يكون هو القائد الحقيقي لـ"داعش" المكنى أبو الحسين الحسيني القرشي.