يشير العديد من المشاهد والتفاعلات الاجتماعية التى يشهدها المجتمع المصرى إلى عمق التحولات والتغييرات المتلاحقة والمتسارعة، الناتجة عن تغير البنية الاجتماعية والثقافية المصرية نتيجة العديد من العوامل الداخلية والعولمية. هذه النتيجة قد تبدو طبيعية ومتوافقة مع المتغيرات العديدة التي أحاطت بهوية المجتمع ورؤيته لذاته ونظرته للآخرين سواء فى المحيط الإقليمى أو الدولى، وإن كانت حيوية المجتمع المصرى وقدرته على امتصاص الثقافات واستيعاب الوافدين هى أبرز عناصر قوة هذا المجتمع، فإن مخاطر تراجع هذه القوة والمقدرة على التصدى للغزو الثقافي والقيمى التى شهدها المجتمع منذ أواخر السبعينيات وما أحدثته من اختلالات مجتمعية، تطرح قضية الوعى بالذات باعتبارها البوصلة التى ساعدت قديمًا وحديثًا فى توجيه السفينة المصرية وإبحارها وتصديها للعديد من العواصف والموجات التى اعترضتها عبر حقب تاريخية ممتدة، بل أسهم هذا الوعى بالذات الحضارية المصرية فى إنقاذ السفينة مراتٍ ومراتٍ ورسم وحدد مسارات التحرك نحو المستقبل، استنادًا إلى هويته المصرية وروافدها الحضارية الصانعة لبوتقة الصهر وسبيكته المجتمعية والحاكمة لرشد العقل الجمعى.
يشير العديد من المشاهد والتفاعلات الاجتماعية التى يشهدها المجتمع المصرى إلى عمق التحولات والتغييرات المتلاحقة والمتسارعة، الناتجة عن تغير البنية الاجتماعية والثقافية المصرية نتيجة العديد من العوامل الداخلية والعولمية. هذه النتيجة قد تبدو طبيعية ومتوافقة مع المتغيرات العديدة التي أحاطت بهوية المجتمع ورؤيته لذاته ونظرته للآخرين سواء فى المحيط الإقليمى أو الدولى، وإن كانت حيوية المجتمع المصرى وقدرته على امتصاص الثقافات واستيعاب الوافدين هى أبرز عناصر قوة هذا المجتمع، فإن مخاطر تراجع هذه القوة والمقدرة على التصدى للغزو الثقافي والقيمى التى شهدها المجتمع منذ أواخر السبعينيات وما أحدثته من اختلالات مجتمعية، تطرح قضية الوعى بالذات باعتبارها البوصلة التى ساعدت قديمًا وحديثًا فى توجيه السفينة المصرية وإبحارها وتصديها للعديد من العواصف والموجات التى اعترضتها عبر حقب تاريخية ممتدة، بل أسهم هذا الوعى بالذات الحضارية المصرية فى إنقاذ السفينة مراتٍ ومراتٍ ورسم وحدد مسارات التحرك نحو المستقبل، استنادًا إلى هويته المصرية وروافدها الحضارية الصانعة لبوتقة الصهر وسبيكته المجتمعية والحاكمة لرشد العقل الجمعى.
وهو ما ينقلنا إلى المنطلقات الفكرية والأيديولوجية التي تختزلها ذاكرة الأمة، ومسار التطور التاريخى وبصمته على بناء وعى المصريين بكونهم أمة ذات طابع حضارى أسهمت في البناء الإنسانى العالمى، وإن الوعى بهويتهم وخصوصيتهم ارتبط ببناء دولتهم ووطنهم، رغم موجات التأثير السلبى، والتحديات التى تجلت بعد انهيار الحضارة المصرية القديمة وتوالى الهجرات وموجات الاحتلال.
الوعى بالأمة ومنظورها الحضارى، واتساع هذا المفهوم ليتجاوز مفهوم الأمة العرقية إلى المفهوم الثقافى الجامع للهوية والوطن والدولة، كان حائط الصد أمام أى محاولات لفرض ثقافات أو هويات أو مذاهب تتجاوز المزاج والعقل المصرى بما يحمله من خبرات وثقافات وقيم وسلوكيات، بل أسهم هذا الوعى فى المحافظة على المجتمع بتجانس اجتماعى وثقافى وقيمى ساعده على تجسير الهوات والفجوات التى سعى الكثيرون لاصطناعها أو فرضها. فمفهوم الأمة المصرية التى تكونت وتراكمت وجدانيًّا وثقافيًّا فى ضمير وعقل هذا الوطن ودولته، كان هو المرآة العاكسة لهويتها وما أحاط بها من تغير وتطور عبر الزمن لتحديد سماتها الوطنية والأيديولوجية والعقائدية الدينية.
أولًا: تساؤلات حاكمة
ليبقى التساؤل حول مبررات الخوف أو الإحباط الذى يستشعره البعض تجاه تحولات اجتماعية وثقافية وقيمية وجيلية، والحقيقة أن هذا الخوف مشروع وله ما يبرره، لاسيما مع حالة الفجوة الكبيرة وربما الانقطاع التى تشير إليه حركة أجيال صاعدة (جيل ألفا وجيل زد) تتطلب رؤية وبناء نموذج حضارى ثقافى قيمى مستند إلى منظومة متكاملة من التعليم والثقافة الوطنية المرتكزة على العمق الحضارى والخصوصية المصرية، لنستطيع تجاوز تلك المخاوف، والمحافظة على الأجيال الصاعدة، وتقديم إجابات على الكثير من التساؤلات التى لا يجدون إجابات شافية عليها، خاصة تلك المتعلقة بمعنى التقدم ورؤيتهم للوطن والهوية والانتماء والحقوق والواجبات، فى ظل آليات عولمية وتكنولوجية تسعى لاستقطاب ثقافى جديد بين نموذج غربى مسيطر وطاغٍ، ونموذج آسيوى/ صينى صاعد، كلاهما لا يعبران عن القيم والثقافة المجتمعية، وهو ما يؤشر لتنامى الضعف ومن ثم الخوف من تداعيات عدم القدرة على بناء نموذجنا الثقافى رغم امتلاكنا للمقومات والمرتكزات الداعمة لبناء هذا النموذج، وهو ما يدفع للتساؤل حول متطلبات "إحياء الوعى الحضارى" لدى المجتمع كما حدث مرات ومرات من قبل، لاسيما لدى الأجيال الصاعدة، ولكن بأدوات العصر الحالى.
والسؤال هنا، هل تبقَّى من الوعى الحضارى المصرى ما يمكن البناء عليه، ويمكن تلمُّسه في الوجدان والسلوك والقيم ويعبر عنه العقل الجمعى؟ سؤال قد يبدو استنكاريا أو استفهاميا يرتبط بموقع السائل وهدف السؤال. ولكنه يظل سؤالا حاكما للعديد من التفسيرات والمنطلقات التحليلية لطبيعة التحولات التي يشهدها المجتمع المصرى، ويظل مطلبا لتوسيع المدركات بحجم التحديات والمخاطر التي تحيط ببنية المجتمع المصرى واتجاهات التفكير والنظرة إلى الذات والعالم المحيط.
تساؤل يحمل فى جوهره واقعًا مجتمعيًّا يشير إلى تنوع واستقطاب وتراجع للوعى الجمعى بالهوية المصرية الجامعة، أو على الأقل تغليف هذا الوعى بقدر كثيف من الضبابية الناتجة عن تسارع وتيرة التغيير والتحولات والتأثر بآليات العولمة الثقافية والفكرية، وعوامل ضعف البنية الثقافية، والاستقطاب السياسى والاجتماعى، وتعدد أنماط التعليم فى ظل ضعف مكون التربية الوطنية والتعليم الوطنى، الأمر الذى أدى إلى تراجع إحدى السمات الجوهرية للهوية المصرية وهى القدرة على الامتصاص والانتقاء والصهر فى البوتقة القومية المصرية، المشكِّلة لهويتها ولدرجة حيوية المجتمع وكونه مجتمعًا حيًّا يتأثر بالمتغيرات في لحظات ضعفه، ويتفاعل معها وينتقى ما يختاره ليرسخه في وجدانه في لحظات القوة.
ورغم تلك التحديات والمخاطر تبقى الإجابة بوضوح حاضرة فى ضوء الخبرة والدروس المستفادة فى تاريخنا القديم والحديث، فالوعى قائم والهوية حاضرة، ولكن حجم وطبيعة التحديات والمخاطر تركت بصمتها وتأثيراتها على المجتمع وأصبحت روافدها المغذية مشاركة فى عملية تشكيل الوعى الجمعى، لنكون أمام حقيقة ونتيجة تتطلب التعامل معها بجدية مفادها كيف يمكن مواكبة عصرنا واحتياجاته
للتقدم من خلال ثقافتنا الداعمة لتعزيز الشعور بالذات والتفرد المصرى القائم على المنظور الحضارى التاريخى والمشاركة فى صناعة المستقبل، والحيلولة دون الذوبان أو الانصهار فى بوتقات عولمية بنماذجها المتعددة؟.
ثانيًا: متطلبات إحياء الوعى وآلياته
عملية إحياء الوعى المصرى بعمقه الحضارى وما توفره مقومات وروافد التغذية الداعمة لثلاثية الأمة والوطن والدولة، ومحوريتها في بناء الإنسان المصرى، تتطلب:
1- استحضار العمق الحضارى والارتقاء بالوعى الجمعى بالذاتية، يمثل السبيل الحتمى لتنشيط ذاكرة الأمة المصرية وإحياء وعيها. حيث لم يعد ذلك ترفا، ولا درءًا للمخاطر التي تحيط بها، ولكنه السبيل للنهوض واستعادة مقومات المكانة والدور وحضورها الثقافي والفكرى. فمدخل الوعى بالتراث الحضارى ومقومات تميز الشخصية المصرية، يجب أن يواجه عملية تشويه وإضعاف الذاكرة الوطنية، وأن يتم ذلك من خلال الاستناد إلى فاعلية المكون الثقافى وتنوعه وتقوية بنيانه كسبيل إلى إحياء الوعى الجمعى للأمة المصرية الواحدة، حتى يمكن مواجهة قصور الوعى الوطنى والتاريخى لدى العديد من الأجيال. فالوعى الجمعى الداعم للهوية المصرية الجامعة، أسهم فى كثير من الحقب التاريخية فى تفعيل بوتقة الصهر المصرية ومعالجة الكثير من الجوانب الفكرية والأيديولوجية التى تحمل مضامين متضادة، وأكد على قوة الهوية المصرية وارتباطها بدولة مركزية ونيل معزِّز للتواصل والارتباط بين شعبها وأطرافها، أمة تفتخر بمصريتها وينجذب إليها الكثير من الأمم والشعوب.
2- صياغة الهوية الوطنية والبناء على المشترك وتفعيل مكونات التغذية الداعمة لعملية بناء الوعى الجمعى للمصريين، يجب أن تستند إلى الهوية الجمعية المصرية والخصوصية والقيم العاكسة للواقع الاجتماعى وتاريخنا الحضارى (مصرية قديمة، قبطية، عربية إسلامية) وبصماتنا الإنسانية وإشعاعنا الثقافي الفكرى الذى امتد في محيطنا الإقليمى وصنع مكانتنا من خلال روافد القوة الناعمة التي مارستها مصر عبر التاريخ في فترات قوتها واضطلاعها بدورها الحضارى.
3- تفعيل المكونات الثقافية وبنيتها وفى مقدمتها النخبة الثقافية والفكرية، استنادًا لمشروع نهضوى حضارى يرتكز لمفهوم الأمة المصرية ويتفاعل مع القضايا والتحولات الفكرية الكبرى التي تشكلت وترسخت في وجداننا ووعينا الوطنى من جانب، ويناظر التحولات الثقافية العولمية وما يتجاوز تأثيراتها على أجيالنا الآخذة في التشكل وتلك التي تشعر بالاغتراب والانبهار بالنموذج الغربى.
4- التفاعل مع قضايا التنمية بمفهومها الشامل المستندة إلى بناء الإنسان المصرى بمقومات العصر الحالى، والداعمة للانتقال من مجتمع تقليدى إلى مجتمع عصرى مستند لمنظومة من القيم والأفكار والثقافات الحاكمة الداعمة لتماسكه المجتمعى والمحافظة على هويته والمعزِّزة لتنوعه الثقافى.
5- ربط الوعى الجمعى بعناصر القوة الدافعة نحو المستقبل من شأنه أن يساعد على الارتقاء بمستويات الوعى، ويواجه عمليات تشويهه، والوقوف على جملة التحديات والمخاطر التى تحيط به كمواطن وكأمة وكدولة، ومن شأنها أيضا أن توفِّر الحافز الإيجابى والأمل لمواجهة الإحباط والخوف، ومن شأنها كذلك تنمية الوجدان والروح المصرية وعقلها الجمعى بالقدر الذى يساعد على استعادة قوتها وحيويتها.
6- تنمية المدركات الشعبية وتفعيل مؤسسات المجتمع والقوى الاجتماعية، من خلال مشروع تنموى ثقافى حضارى يدعم المدركات الحسية الداعمة لبناء الوعى المصرى بمتطلبات التقدم وعمقه الحضارى وتميزه.
بمعنى أدق، إن إعادة إحياء الوعى الجمعى بالذاتية الحضارية المصرية، هى بمثابة مدخل لا مفر منه لتحديد موقعنا فى محيطنا الإقليمى والعالمى.