رابحة سيف علام

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

 

اعتبر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في زيارة رسمية إلى بيروت الجمعة الماضية (13 يناير 2023) أن الساسة اللبنانيين قادرون على تجاوز أزمة الفراغ الرئاسي واختيار رئيس جديد للبلاد بالحوار دون أية تدخلات خارجية[1]. ونفى عبداللهيان تدخل إيران في الشئون اللبنانية، معتبراً أن طهران ستظل صديقة وفية لبيروت خاصة خلال الأزمة الاقتصادية الراهنة، مجدداً استعداد بلاده للتعاون مع لبنان في مجال دعم الطاقة وتطوير معامل الكهرباء اللبنانية.

وقد جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت ضمن جولة شملت كلاً من سوريا ولبنان، اجتمع فيها مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب فضلاً عن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.    

إشارات للتهدئة والانفتاح

جاءت الرسائل التي وجهها عبد اللهيان إلى بيروت لتحمل صفة التهدئة والانفتاح على أي تقارب إقليمي محتمل مع السعودية خاصة مع نفيه أية تدخلات إيرانية في مجريات انتخاب الرئيس اللبناني. وتعتبر هذه التصريحات لافتة بالنظر إلى تصريحات سابقة وعدائية قبل عدة أعوام عن سيطرة طهران على أربعة عواصم عربية، وهي تصريحات لافتة أيضاً لأن عادةً ما تطال السياسة الإيرانية في لبنان انتقادات كثيرة ويُعزى إليها دوماً أي تعطيل في شأن تشكيل حكومة جديدة أو تعطيل التحقيق في تفجير مرفأ بيروت أو تعطيل انتخاب رئيس للبلاد خلال الأزمة الراهنة منذ انتهاء ولاية ميشال عون في آخر شهر أكتوبر الماضي. فتعطيل انتخاب الرئيس يعود بصفة أساسية إلى قيام فريق حزب الله وحلفائه بالاقتراع بورقة بيضاء لمنع انتخاب أي رئيس إلا بعد التوافق عليه مسبقاً وتأكد الحزب أنه غير مناويء لمحور المقاومة.

ولذا فشل مجلس النواب اللبناني على مدار عشر جلسات منذ سبتمبر الماضي في انتخاب الرئيس في أول جولة، ثم قام نواب حزب الله وحلفاؤه بالانسحاب في الجولة الثانية لمنع انعقادها، ومن ثم يتم التأجيل لجلسة مقبلة، وهكذا. ومن هنا، تدعو القوى المناهضة لنفوذ إيران في لبنان إلى القيام بعقد جلسة انتخاب مفتوحة يتم فيها الانتخاب جولة بعد أخرى دون انسحاب النواب لحين الاتفاق على مرشح يحظى برضاء مختلف الكتل البرلمانية أو يتم انتخاب الرئيس بأغلبية 65 صوتاً في الجولات اللاحقة في حال تعذر  تأمين رضاء 86 صوتاً لانتخاب الرئيس من الجولة الأولى كما يقتضي الدستور.

كما أعرب عبداللهيان عن استعداد بلاده للتعاون مع لبنان في استحداث معملين لتوليد الكهرباء في بيروت والجنوب لتوفير صفة الاستمرارية والاستقرار لمرفق الكهرباء في البلاد والذي يشهد انقطاعات متكررة خلال الأعوام الأخيرة نتيجة لاعتماده بالأساس على توليد الكهرباء من خلال الوقود[2]. وعادةً ما تثير عروض إيران للتعاون مع لبنان في ملف الطاقة جدلاً كبيراً في البلاد بسبب الخوف من أن تطال لبنان أية عقوبات أمريكية مفروضة على طهران في ملف الطاقة.

إذ سبق أن زار وفد تقني لبناني إيران لهذا الغرض، ولكن نظراً لغياب أي ضوء أخضر أمريكي بشأن الأمر، تراجع لبنان عن اتخاذ الإجراءات اللازمة للمضى قدماً في هذا المسار. وفي ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة بالبلاد وترقب لبنان لتمويل دولي سواء من صندوق النقد الدولي أو المانحين الغربيين، فمن غير المتوقع أن يتم فتح المجال للتعاقد مع إيران في مجال الطاقة، إذ سيكون ذلك حينها باباً خلفياً لتمرير التمويل الغربي إلى إيران بالتحايل على العقوبات المفروضة عليها على خلفية برنامجها النووي.

ملفات إقليمية تحت الضوء الإيراني

 إلى جانب التصريحات الخاصة بلبنان، أثنى عبداللهيان على الاتصالات الأمنية مع المسئولين السعوديين، خاصة منذ قمة بغداد 2، متمنياً الارتقاء بالاتصالات من الأمني إلى السياسي وصولاً إلى إعادة العلاقات مع السعودية بشكلها الصحيح بإعادة افتتاح القنصليتين السعودية والإيرانية بكل من مشهد وجدة لخدمة المواطنين المهتمين بالسياحة الدينية[3].

ولعل هذه التصريحات الإيجابية تجاه السعودية تعد لافتة للغاية بالنظر للاتهامات التي توجهها السلطات الإيرانية إلى نظيرتها السعودية بالتشجيع على الاحتجاجات التي اشتعلت في إيران منذ منتصف سبتمبر الماضي.

من جهة ثانية، بحث عبداللهيان مع الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله تداعيات استلام الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل زمام الأمور. ورغم أن تفاصيل الاجتماع مع نصرالله كانت شحيحة للغاية، يبدو أن الأمر تطرق أيضاً إلي مستقبل الوجود الإيراني في سوريا وخاصةً جنوباً في المثلث المحاذي لإسرائيل والذي عادةً ما يشهد أنشطة لحزب الله بالتعاون مع طهران وتترصدها دوماً إسرائيل بالقصف. إذ أعرب عبداللهيان فيما يخص الملف السوري عن رضاء طهران عن التقارب السوري-التركي الذي يجري برعاية روسية، والذي من المفترض أنه سيُغير معادلات المشهد السوري بالكامل[4].

إذ اعتبر أن الحل الأمثل للقضية السورية يكمن في ضم دمشق إلى مسار الآستانة الذي سبق وشمل كلاً من موسكو وطهران وأنقرة ليكون للنظام السوري مقعد على طاولة الآستانة. لكن في الحقيقة فإن المعادلة الجديدة التي أرستها موسكو تستبعد إيران من المشهد وإن كانت في خلفيته من خلال تواجد النظام السوري نفسه. في حين أن اللقاء الأمني الذي عُقد ديسمبر الماضي بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات روسيا وسوريا وتركيا والذي من المفترض أن يعقبه لقاء سياسي مرتقب لوزراء خارجية الدول الثلاثة، يستبعد إيران من المعادلة على عكس ما كان الأمر في مسار الآستانة.

متنفس دبلوماسي للالتفاف على التضييق

لا يمكن القول إن زيارة وزير الخارجية الإيراني لبيروت تأتي في إطار مبادرة أو محاولة حلحلة للأزمة اللبنانية، إذ تعاني إيران أصلاً من أزمة الاحتجاجات الشعبية بها منذ عدة شهور، فضلاً عن أزمة اقتصادية فرضت عليها زيادة أسعار الطاقة في الداخل[5]. وعلى عكس التوقعات التي وعدت بحراك دولي وإقليمي بشأن لبنان مع بداية العام، يبدو أن التنديد الأوروبي بقمع إيران للاحتجاجات الشعبية بها قد عطل هذه الاتصالات.

وبالنظر لاستبعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن نهاية العام الماضي استئناف المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي والباليستي، واستدعاء عدة عواصم أوروبية للسفراء الإيرانيين بها للاحتجاج على الإعدامات بحق عدد من الشباب الإيراني المحتج، تبدو فرضية استئناف المفاوضات مع الغرب بعيدة المنال في المدى المنظور.

ومن ثم وجدت طهران في ذلك فرصة مناسبة للتشاور مع أقرب الحلفاء لها في بيروت ودمشق وإطلاق رسائل الانفتاح على المستوى الإقليمي، عسى أن تكون بيروت بوابة لإيران لإيجاد متنفس دبلوماسي لأزمتها الداخلية. فالإشارات الإيرانية الإيجابية باتجاه الرياض ربما تستكشف بها طهران فرص الوصول إلى تهدئة إقليمية تتنفس منها في ظل التضييق الأمريكي والأوروبي سواء بشأن الاحتجاجات الشعبية الإيرانية أو بشأن التعاون الإيراني مع روسيا في حربها في أوكرانيا.

فعلى عكس ما كان تبتغي طهران من رفع للعقوبات الغربية إذا ما تم التوصل لاتفاق نووي، فالأمر حالياً يتجه ربما لفرض عقوبات جديدة سواء بسبب دعم روسيا أو بسبب التشدد مع شباب الاحتجاجات الشعبية.

فإذا ما التقطت الرياض هذه الإشارات وقررت الانفتاح على طهران بمعزل عن التضييق الأوروبي والأمريكي، ربما تنتج هذه التهدئة انفراجاً ما في الأزمة اللبنانية وصولاً إلى انتخاب رئيس لبناني وتشكيل حكومة جديدة وحزمة من المساعدات السعودية مقابل تحجيم وضبط نفوذ إيران في لبنان.

ولكن الإرادة الإقليمية للانفتاح أو التشدد عادةً ما تتأثر بالمجريات الدولية، خاصة أن ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان غالباً ما يشهد اهتماماً استثنائياً من العواصم الغربية ولا سيما واشنطن وباريس ولا يمكن بالكلية إدارته داخلياً أو حتى إقليمياً، بل إن الرعاية الدولية لعملية الانتخابات تكون عادةً حاسمة في إبرامها أو تعطيلها.

ومن هنا، نفهم أن زيارة عبداللهيان لبيروت خطوة تمهيدية ربما تشهد انفراجة إقليمية تنعكس على الداخل اللبناني، أو ربما لا يتم البناء عليها فتصبح زيارة معزولة لا تغير شيئاً في مشهد الأزمة في  لبنان ولكنها على الأقل أمدت وكالات الأنباء العالمية بأخبار عن إيران لا تتعلق بالاحتجاجات الشعبية فيها وإنما بحركة دبلوماسية لوزير خارجيتها.


[1] L’Orient Le Jour, "Abdollahian: L’Iran n’interfère pas dans les affaires intérieures du Liban", 14/1/2023, https://www.lorientlejour.com/article/1324472/abdollahian-liran-ninterfere-pas-dans-les-affaires-interieures-du-liban.html

[3] Iran Top Diplomat hopes for restoration of Saudi ties, 13/1/2023, https://www.voanews.com/a/iran-top-diplomat-hopes-for-restoration-of-saudi-ties-/6917816.html  

[5]   إيران انترناشيونال، 13/1/2023، https://www.iranintl.com/ar/202301135093