أ. د. حمدي عبد الرحمن حسن

أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة

 

عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى الأول من يناير 2023 الجلسة الأولى من سلسلة "حوارات أفريقية"، حيث عرض خلالها دكتور حمدى عبد الرحمن حسن أستاذ العلوم السياسية بجامعتى القاهرة وزايد، أطروحته حول كيفية فهم أفريقيا فى ظل الأنماط السائدة عنها والتى تحمل الكثير من التشويه، وجهود الباحثين الأفارقة فى تأكيد الأدوار الحضارية والتاريخية للقارة الأفريقية، وتصحيح الانطباعات عن القارة الأفريقية .   

الأطروحة الرئيسية

بالعودة إلى الكتابات التأسيسية في العالم الغربي عن أفريقيا، نجد أن معظم الدارسين والعلماء من مختلف التخصصات العلمية تحدثوا عن القارة باعتبار أنها خارج التاريخ وأن الأفارقة لم يكن لهم مشاركة تُذكر في الحضارة والتراث الإنساني. وقد ظلت الروايات الغربية عن أفريقيا لفترة طويلة يهيمن عليها تفكير الفيلسوف الألماني الأشهر جورج فريدريك هيجل، الذي كان قد أعلن أن أفريقيا "ليست جزءاً تاريخياً من العالم ؛ فهي ليس فيها حركة أو تطور يمكن عرضهما". ومن ثم فهو يرى أن هناك مبرراً لأوروبا للقيام باستعباد واستعمار أفريقيا.

في مواجهة هذا التحيز المعرفي الناجم عن "المركزية الغربية" تم تطوير مدرسة مصرية وطنية للدراسات الأفريقية تضم العديد من العلماء الرواد، وكان لي شرف الانتساب إليها. وعليه فقد حرصت في كتاباتي المبكرة، ومنها مؤلف "قضايا النظم السياسية الأفريقية"، أن تحتوي على سمات ومحددات منهج تناول قضايا القارة بأسلوب موضوعي. وقد عكف كثير من الكتاب الأفارقة على مواجهة هذه الصور النمطية الغربية عن أفريقيا. ويمكن أن نشير إلى الكاتب الكينى الساخر "بنيافننجا وانينا " في مقالته المشهورة "كيف تكتب عن أفريقيا؟"، حيث يتناول فيها الصور النمطية وطرق الفهم المتعلقة بأفريقيا ليس فقط في الغرب ولكن لدى كثير من المستفرقين، أو لدى بعض الأفارقة أنفسهم.

فلو حاول أحدنا كتابة خمس كلمات تأتى إلى ذهنه عندما نقول أفريقيا فقط خلال تمرين بسيط، نجد أن معظم الكلمات الشائعة التي تتبادر إلى الذهن ترتبط بالحروب العنيفة والمجاعة وكأن جميع دول القارة الأفريقية تعاني من سوء التغذية والصراعات المسلحة.. إلخ. وهذه الصور النمطية تم ذكرها ونشرها عن أفريقيا حيث تسود دوماً الروايات النمطية عن المجاعة أو الغابات والحيوانات الوحشية ورحلات السفارى وهلم جرا.

مازلنا حتى هذه اللحظة نعاني من وجود صور نمطية في الأدبيات والكتابات المختلفة والإعلام الغربي عن أفريقيا ومن ذلك  أنها قارة بائسة أو قارة مظلمة، ليس لديها أي تقدم على الإطلاق. فكرة الحديث أن الأفارقة ليس لهم تاريخ أو أن تاريخهم يرتبط بالاحتكاك الأوروبي، لم يكن مستغرباً  أن يتم  وضع أفريقيا في علم الخرائط الأوربية كنقاط سوداء أو ليس لها تاريخ حتى أن كلمة أفريقيا تمثل في نظر البعض اختراعاً أوروبياً، حيث تحمل معنى السواد أو الظلمة أو المناطق الموحشة أو غير المتحضرة أو أنها تعانى من الحروب والعنف بشكل عام. ومع ذلك، فإن هذه الصورة النمطية تختزل تعقيد وتنوع أفريقيا إلى مجرد سرد ضيق ومبسط للغاية. فالواقع الأفريقي يختلف عن هذه الرؤية حيث تتألف القارة من 54 دولة مستقلة وعدد الحروب محدود ويمثل نسبة ضئيلة من مجمل دول القارة، حيث تعانى خمس أو ست دول فقط من هذه الحروب.

الحديث عن أفريقيا كما لو كانت دولة واحدة بدون هذه التمايزات يشكل نمطاً واضحاً من أنماط التصور الخاطئ عن أفريقيا، والذي نعاني من بعض أشكاله للأسف حتى في مصر والعالم العربي.

ويمكن في هذا السياق أن نشير إلى فيلم الرسوم المتحركة الأسد الملك (The Lion King) الذي أنتجته شركة ديزني في عام 1994. تدور أحداث الفيلم في منطقة سافانا أفريقية خيالية ويضم مجموعة من الشخصيات الحيوانية، بما في ذلك الأسود والضباع والحيوانات الأخرى. أحد الانتقادات الرئيسية للفيلم أنه يكرس الصور النمطية السلبية عن أفريقيا وحيواناتها ويعزز فكرة أن أفريقيا مكان للوحشية والصراع. بالإضافة إلى ذلك، تم انتقاد الفيلم لتصويره أفريقيا كمكان متجانس ومبسط، مع عدم الاعتراف بالثقافات واللغات والحضارات المتنوعة الموجودة في القارة. هذا التبسيط المفرط لأفريقيا يعزز فكرة "القارة المظلمة"، التي تصور أفريقيا على أنها مكان غامض وغير متحضر.

من الأخطاء الكبرى كذلك تقسيم أفريقيا إلى شمال وجنوب ودائماً نتحدث بدون تمحيص عن أفريقيا جنوب الصحراء أو أفريقيا الاستوائية، وكلها تقسيمات استعمارية تهدف إلى فصل الدول العربية ومنها مصر وباقي شمال أفريقيا عن محيطها الاستراتيجي الأفريقي. ويكثر في الأدبيات الحديث عن أفريقيا جنوب الصحراء ولا أُفضِّل أبداً هذه التسمية، وعلينا أن نتذكر التقسيم الذى تتبناه المنظمة القارية (الاتحاد الأفريقي) وهى المناطق الخمسة (شمال وجنوب وشرق وغرب ووسط) بالإضافة إلى المناطق الثقافية والحضارية والتي تضم أفريقيا الناطقة بالعربية ثم أفريقيا الأنجلوفونية (الناطقة بالإنجليزية)، وأفريقيا الفرنكفونية (الناطقة بالفرنسية) وأفريقيا اللوزفونية (الناطقة بالبرتغالية).

كلنا نهتم بما طرح عن المجاعة فى أفريقيا. بعض الناس تستخدم نفس الصور للتعبير عن حالة المجاعة فى أي دولة أفريقية . وعلى الرغم من أن الوضع الثقافي يمثل مصدراً للإثراء الثقافي إلا أنه غالباً ما تُقدم الثقافات الأفريقية في الإعلام الغربي ومن يشابه على أنها عجائب أو طرائف ويتم التنمر على هذه الثقافات الأفريقية التي تعد مصدراً للثراء والإبداع الحضاري، حتى أغلفة المجلات الغربية الكبرى مثل الايكونوميست عام 2000 صورت أفريقيا على أنها قارة ميئوس منها.

ما هو مصدر الصور النمطية عن أفريقيا؟

هناك العديد من مصادر الصور النمطية والصور السلبية عن أفريقيا، بما في ذلك الإعلام والثقافة الشعبية والروايات التاريخية. وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

1- وسائل الإعلام: غالبًا ما صورت وسائل الإعلام (بما في ذلك الأخبار والتلفزيون والسينما) أفريقيا بشكل سلبي ، مع التركيز على قصص الصراع والفقر والمرض. وقد ساهم ذلك في خلق وإدامة الصور النمطية السلبية عن أفريقيا وشعوبها.

2- الثقافة الشعبية: ساهمت العديد من المنتجات الثقافية الشعبية (مثل الكتب والموسيقى وألعاب الفيديو) أيضاً في الصور النمطية السلبية عن أفريقيا. على سبيل المثال ، غالباً ما يتم تصوير أفريقيا على أنها مكان للوحشية والبدائية والخطر في هذه المنتجات، مما يعزز الصور النمطية الضارة عن القارة.

3- الروايات التاريخية: ساهمت الروايات التاريخية عن أفريقيا أيضاً في الصور النمطية السلبية عن القارة. على سبيل المثال، غالباً ما صورت رواية الغزو الاستعماري الأوروبي أفريقيا على أنها مكان يحتاج إلى "حضارة وتمدن" من قبل الغرب ، مما ساهم في فكرة أن أفريقيا "قارة مظلمة" متخلفة وفي حاجة إلى من يأخذ بيدها (عبء الرجل الأبيض).

4- كثير من الكتب الغربية حول أفريقيا والدراسات الأفريقية فى العلوم الانسانية بشكل عام منحازة وتطرح رؤى منحازة وحاولت اليونسكو أن تقاوم هذا الانحياز من خلال إعداد موسوعة "تاريخ أفريقيا العام" الذي أطلقته عام 1964 رداً على هذه الانحيازات التى تقول أن أفريقيا ليس لها أى تاريخ.

5- كتابات للرحالة والمغامرين الأوروبيين وفى بعض الحالات الضباط في الإدارات الاستعمارية حتى ونستون تشرشل له كتاب عن رحلته إلى أفريقيا، وكثيرمن رجال الإدارة الاستعمارية الفرنسيين كتبوا عن أفريقيا.

6- وكذلك وسائل الإعلام الجديدة، فالكثير من الأمريكيين يستقون مصدر معلوماتهم عن أفريقيا من وسائل الإعلام وشركات الترفيه والسفارى.

بشكل عام، ساهمت مصادر الصور النمطية والصور السلبية عن أفريقيا في رؤية مشوهة ومبسطة للغاية للقارة وشعوبها، مما كان له عواقب وخيمة على كيفية فهم أفريقيا في المجتمع العالمي.

ولاشك أن الرؤية المنحازة وتصوير أفريقيا بصورة دونية ينعكس علينا فى الإعلام وفى صناعة السينما كمثال على ذلك الفيلم المصري الكوميدي"مراتى وزوجتى" الذي يعبر عن فهم قاصر للقارة الأفريقية، وقد يتكرر ذلك في بعض الأفلام والكتابات الأخرى التي تعكس بعض الأنماط السلبية عن أفريقيا المكرسة منذ الاستعمار .

فى مواجهة هذا النموذج الغربى المنحاز الذى ينزع عن أفريقيا تاريخها وتراثها الحضاري ويرى أن الاحتكاك الغربي هو نقطة الانطلاقة الأساسية لأفريقيا نجد اقترابات أخرى تؤمن بأهمية المنظور الحضاري الأفريقي.

المنظور الحضاري ورد الفعل الأفريقي

- كان الاتجاه الأول، هو رفض لكل ما هو غير أفريقي سواء كان قادماً من شبه الجزيرة العربية أو أوروبا، ويطلق عليه الاستشراق الأسود، ونسميه المركزية الزنجية المتطرفة التي يمثلها موليفى أسانتى وريتشارد تيرنر ومفكري حركة الزنوجة الأفريقية .

- الاتجاه الثانى طرحه المفكر الكيني الأشهر على مزروعى من خلال محاضرة له في الشارقة أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وتناول خلاله رؤيته عن "أفرابيا" أو الأفرو عربية، والفكرة تتلخص في وجود تلاحم ثقافي وجغرافي بين الجزيرة العربية وأفريقيا وتطور هذا لاحقاً في كتابه الميراث الثلاثي لأفريقيا، وما يطرحه على مزروعى يرتبط بالمكونات الثقافية الثلاثة: المكون الأول هو التراث الثقافى التقليدي قبل الاستعمار، والمكون الثاني هو الثقافة العربية والإسلامية، أما المكون الثالث فيتمثل في الالتقاء مع الحضارة الغربية نتيجة الاستعمار. هذه المكونات الثلاثة شكلت الطابع الأفريقي. ويعكس المفكر على مزروعى نفسه هذا المزيج الثقافي فهو من أصول عمانية وعاش فى كينيا وتعلم في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

- الاتجاه الثالث طرحه د. حمدى عبدالرحمن فى أول كتاب له صدر عن التعددية فى أفريقيا الإسلامية عام 1991، ويستند إلى الافكار التي طرحها المفكر على مزروعى وضرورة التوقف عند قضية التاريخ والتأريخ في أفريقيا وضرورة قراءة هذا التاريخ بمنظور موضوعى والتخلص من حملات التشويه التى ما زالت موجودة حتى يومنا هذا. مثلاً عند الحديث عن الاسلام يقولون الاسلام الأفريقى والاسلام فى الشرق الأوسط أى التمييز بين الإسلام فى شمال أفريقيا والإسلام فى الأقاليم الأفريقية الأخرى والكتابات الفرنسية تحديداً مهمة فى هذا السياق. وبالتالي ينبغي إعادة اكتشاف أفريقيا وفقاً لمفهوم الأفرابيا، ونحن نعتقد  أنه فى هذه الحالة لابد من التركيز على ثلاث مراحل تاريخية :

- خبرة ما قبل الاستعمار، عندما كانت أوروبا غارقة فى ظلمات العصور الوسطى. كانت جامعة تمبكتو في أوج عزها خلال القرن السادس عشر الميلادي وتضم مائة وخمسين مدرسة ومكتبة ضخمة تضم العديد من المقتنيات العامة والخاصة. لقد كان من أبرز علماء تمبكتو الشيخ أحمد بابا الذي ألف ما يربو على أربعين كتاباً باللغة العربية لا يزال بعضها مقروءاً حتى اليوم.. هذه مرحلة فى غاية الأهمية للحفاظ على هذا الميراث الحضاري .

- مرحلة الاحتكاك الأوروبى بأفريقيا.

- وخبرة ما بعد الاستقلال.

هذه ثلاث مراحل مهمة ينبغى النظر فيها، ويستحيل فهم السياق الحالى دون العودة إلى هذه المراحل، مثال على ذلك التساؤل: لماذا ظهرت بوكوحرام فى شمال نيجيريا ؟، وفى دول أخرى مثل السنغال لم تشهد حركات إسلامية متطرفة بهذا الحجم، هل الخبرة الاستعمارية لها دور؟ هل مسألة تطور مشروع الدولة الوطنية له دور؟ .

- أيضاً إعادة الاعتبار للثقافات التقليدية ودورها فى بناء الدولة الوطنية، لذلك نجد الدستور الغانى، وغانا دولة مهمة فى مسألة التحول الديمقراطى، الذي يعترف بدور ووظائف الزعامات التقليدية فى المجتمع الغانى وكذلك نموذج جنوب أفريقيا مثل ثقافة الزولو مثلا .

هذا هو المكون الأول الذى يرتبط بكيف نكتب عن أفريقيا ونفهم ديناميات القارة الأفريقية.

- المكون الثانى هو دور العوامل الخارجية حتى لو أننا نكتب عن الانقلابات العسكرية أو أى قضية من القضايا الداخلية  يكون فى ذهني دور العوامل الخارجية، سواء على المستوى الرسمى، أو المستوى غير الرسمي، وقد طرح الدكتور حمدى عبد الرحمن نموذجاً فى كيفية تشكيل الوعى العام من خلال السينما والأفلام السينمائية التى تنشر صورة معينة عن القارة الأفريقية وشعوبها، كما أن هناك دور للجمعيات ووسائل الإعلام، وهيئات مثل مجلس الكنائس العالمى وجمعيات التنصير أو غيره حيث تقوم هذه الهياكل بتشكيل الوعى الأفريقى فى اتجاه معين.

ويمكن أن نشير إلى فيلم الدراما الإيطالي الحياة المقبلةlife Ahead ، حيث تقوم فيه صوفيا لورين بدور سيدة يهودية تدير ملجأ لرعاية الأطفال، إذ يطرح الفيلم الفكر الذى تسعى الجمعيات الغربية لطرحها، والمرتبط بالجماعات المهمشة والمثليين، مع بروز اتجاهات للرفض والسخط بين الشباب الأفريقي تجاه تراثهم الثقافى والحضارى، وتبنى أنماط ثقافية أخرى بحجة الانفتاح، هذا المستوى الثانى من التحليل مهم جداً لفهم كثير من ديناميات الواقع فى القارة الأفريقية .

- النظام الدولى وعولمته وتأثير هذا على القارة الأفريقية، يمثل المكون الثالث ونطرح هنا قضايا المشروطية، والتحول الديمقراطى، وقضايا الهوية الثقافية، والعلاقة بين العوامل الداخلية والخارجية .

هذه القضايا تطرح أهمية الوعى العام بالقارة الأفريقية باعتبارنا جزء منها وذلك من منظور المصلحة الوطنية المصرية ، فلابد من إعادة تشكيل الوعى المصري العام، وهذا لا يرتبط فقط بجهد الدولة أى المؤسسات الرسمية ولكن يرتبط كذلك برؤية المثقفين المصريين والمؤسسات العلمية والثقافية، وصناعة السينما، المغرب لديها حراك ثقافي لعرض السينما الافريقية بشكل دوري، ومصر تقيم مهرجان الاقصر للسينما الأفريقية، كما أعدت وزارة الثقافة مشروع الثقافات الأفريقية، ولكن للأسف أقيم دورتين ثم توقف بعد أن تم الاتفاق أن يعقد بشكل دوري في أسوان.

مصر فى حاجة إلى جهد مجتمعى لإعادة الوعى، حتى لا تصدر الأفلام أو الكتابات الصحفية التي لا تنم عن وعى بالقارة الأفريقية. إن ارتباط مصر بعمقها الأفريقي هو ضرورة حتمية تمليها اعتبارات الجغرافيا والتاريخ والثقافة وأواصر الارتباطات المجتمعية المشتركة.

مناقشات حول الأطروحة

- طرحت الدكتوره أميره عبدالحليم  تساؤلاً عن أهمية المدخل الثقافى فى إطار التعاون المصرى – الأفريقى.

وأكد دكتور حمدى عبد الرحمن على أنه يمكن تدعيم التبادل الثقافي بين مصر والدول الأفريقية ودون الحاجة إلى موارد كبيرة مثل معرض الكتاب، وجهود السفارات المصرية فى أفريقيا.  لكن حركة التبادل الثقافى أعمق من هذا حيث يمكن دعوة العديد من الكتاب المرموقين والمفكرين الأفارقة إلى مكتبة الاسكندرية، وعقد محاضرات لهؤلاء المفكرين والتعريف بهم، وتبادل الدارسين والأساتذة بين الجامعات المصرية والأفريقية. ويعتقد أن هذا سيغير من صورة المصري عند الأفارقة ومن صورة الأفريقي عند المصريين.

 - وطرح دكتور خالد حنفى فكرتين، الأولى تتعلق بالتعايش بين الصور الذهنية، حيث بدأت الصورة الذهنية حول أفريقيا تتغير وبالتالي برزت فكرة الخطوط الفاصلة بين صورة مشوهة عن القارة الأفريقية وصورة أخرى تحاول تصحيح هذه الصورة، إلا أن هناك تعايشاً بينهما، حيث تتواجد الصورتان فى نفس الوقت .

الفكرة الثانية، هي أن إحدى مشكلات الدولة المصرية هو ضعف التفاعل مع أفريقيا، ولكى نفكك الصور الذهنية السلبية للمصريين، فإن ذلك يرتبط بخط التفاعل على المستوى الاقتصادي وغيره من المستويات. ومع التفاعلات الضعيفة فإن الصورة الذهنية تبقى سلبية. وهنا ينبغي أن ندرس النماذج الثقافية الأخرى، مثل تركيا وكوريا الجنوبية، فالقضية هي وجود نموذج يتم تسويقه ويقدم للقارة الأفريقية.

ورد دكتور  حمدى عبدالرحمن، بأنه فيما يتعلق بالصور الذهنية فهى متغيرة، فبعد الحرب الباردة كان هناك تهميش لأفريقيا، ومع بروز الموارد الطبيعية الأفريقية بدأوا يتحدثون عن الصعود الأفريقى. والتغير هنا مرتبط بالمصالح الغربية، وتحقيق الأفارقة فى الشتات لإنجازات كبرى، مثل فريق الكرة الفرنسى- الذي يتألف في معظمه من فرنسيين من أصول أفريقية- في مونديال قطر.

بالنسبة للنماذج الثقافية، مصر لديها تجربة سابقة بما في ذلك دور كل من الأزهر والكنيسة المصرية، لكن مصر لم تحاول البناء على هذا النموذج وكان لديها شركات ومنتجات مصرية وبعثات طلابية، الآن هناك دول تدخلت، مثل تركيا وإيران وأصبحت مؤثرة. ويمكن ملاحظة حملات التشيع فى غرب أفريقيا كما هو الحال فى السنغال وتجربة الشيخ إبراهيم الزكزاكى فى نيجيريا، إذ أننا أمام حالات اختراق ثقافى.

- وأشار دكتور أيمن عبدالوهاب إلى عدة نقاط، النقطة الأولى تتعلق بتفكيك الصورة الذهنية ارتباطاً بفكرة الإدراك والوعى، وكيف يمكن الاعتماد على الروافد، فالنخبة الأفريقية تغيرت وأصبحت مصالحها مرتبطة بالغرب، وكذلك النخبة المصرية لم يعد لديها نفس الحماس للتعاون مع دول القارة الأفريقية. فقد أصبح لدينا إشكاليتان فى الاتجاهين. أصبح لدينا مشكلة فى أدوات القوة الناعمة فى مصر، حيث أن هناك عملية تجريف ثقافى، وليس لدينا توظيف جيد للأزهر والكنيسة فى أفريقيا. كما أن فكرة الهوية والأجيال القادمة تنظر لقضية الهوية بمنظور مختلف بسبب العولمة. ويفرض التنافس الإقليمى على  مصر أن تحدد الميزة النسبية التى تقدمها لأفريقيا. فلابد من استعادة الروافد المختلفة للقوة الناعمة المصرية. ولايزال أمام مصر فرصة لطرح فكرة الدولة الوطنية فى مواجهة العولمة والتنافسات على القارة الأفريقية. فلو لدينا رؤية نستطيع بناء نموذج، ونحن نهدر مواردنا في مشروعات عائدها محدود، وهناك أنشطة نحتاج زيادة فاعلياتها وهذا أهم عنصر نفتقده. وعلى سبيل المثال المنظمات الإغاثية الدولية تتحرك بعناصر بشرية مصرية.

وأكد دكتور حمدى عبدالرحمن أنه كان لدينا رؤية، كما أن التعليم الغربي للنخب الأفريقية لا يعنى أنها موالية للغرب، فقد كان رؤساء الدول الأفريقية بعد الاستقلال يدافعون عن حركة الوحدة الأفريقية رغم خلفيتهم التعليمية في المعاهد والمؤسسات التعليمية الغربية. والإشكالية هي محاولة إعادة الارتباط بين الحركة الثقافية المصرية والحركة الثقافية فى أفريقيا، فالمثقفون الأثيوبيون مشتبكون بشكل أكبر، والمجتمع المدنى يمكن أن يكون مسانداً لدورالدولة. لكن فى تصورى غياب الرؤية يجعل هذا التبادل الثقافى مجرد نشاط فردي أو عملاً موسمياً. فليس هناك استدامة فى الحركة تجاه أفريقيا.

نحتاج حركة أو مدارس ثقافية مصرية أفريقية، هذه الحركات الثقافية مؤثرة وتدعمها مؤسسات رسمية أوغير رسمية مثل نماذج القوى الإقليمية الأخرى، فغياب هذا المكون يجعل تكلفة التحرك نحو أفريقيا عالية . فلدينا ما نقدمه أفضل من دول أخرى، لدينا نموذج قوة ناعمة، فإسرائيل ليست أغنى من مصر، والنموذج المصري يحتاج إلى رؤية، وقد كان لدينا رؤية وأدوات ولا تزال هذه الأدوات مستمرة وتحتاج إلى تفعيل .

- وطرحت دكتورة إيمان رجب مجموعة من النقاط، النقطة الأولى، تتعلق بالقضايا الدولية الخاصة بأفريقيا، وحجم المنتج العربى والمصري عنها قليل وذلك ينعكس على التشابك مع أفريقيا .

النقطة الثانية، تتعلق بالصورة الذهنية النمطية، وأريد أن أتحدث عن الصورة النمطية الجديدة والتى شارك في نشرها الأفارقة فى الشتات، مثال متحف أفريقيا فى واشنطن، وتحديث مصر لبرنامج تليفزيونى عن أفريقيا.

وأشار دكتور حمدى عبدالرحمن إلى أنه لم يطرح الرؤية الدولية بالتفصيل، وهى جزء من كل وتناوله يحتاج وقت أكبر. والإشكالية ليست فى الصور الإيجابية، لكن المقصود أن الإعلام ومصادر الثقافة الشعبية تؤثر بشكل كبير. فمثلاً الكتابات أو مواقع التواصل الاجتماعى حتى الآن هناك صورة نمطية عن أفريقيا سلبية عند الساسة وصانعى القرار فى الدول الغربية وأحياناً يتعاملون مع قارة كبرى بهذا الحجم والتعدد كدولة واحدة.

بالنسبة لمصادر المعلومات الأصلية والتعرف على كيف تفكر أفريقيا يمكن الاطلاع على ما تنشره مراكز الفكر فى دول مهمة مثل جنوب أفريقيا، وأثيوبيا، وهناك العديد من الصحف والمنصات الإعلامية الوطنية والقارية وكلها أون لاين. وعلى سبيل المثال، النشرة الخاصة بكوديسريا كانت تتناول الحوارات بين المفكرين الأفارقة، وهذه الحوارات مهمة جداً لأى متخصص فى الشئون الأفريقية .

هناك مكونات تأسيسية يمكن البناء عليها لفهم أكبر وأعمق للواقع الأفريقي:

1- الحوارات الأفريقية بين كبار الكتاب الافارقة بالإضافة إلى الكتابات العلمية والأكاديمية للأفارقة في الداخل وفي بلاد المهجر.

2- المصادر اليومية للمعلومات من الصحف والمجلات والمنصات الرقمية الأفريقية

3- مراكز الفكر الرئيسية في كثير من الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وأثيوبيا وكينيا والسنغال.

4- ما يقدمه مجلس تنمية أبحاث العلوم الاجتماعية في أفريقيا (كوديسريا) مهم جداً في هذا السياق.

- وتساءل أستاذ مهاب عادل حسن عن معوقات التبادل الثقافى بين مصر وأفريقيا، وهل فكرة الصوفية تصلح كمدخل للتقارب المصرى الأفريقى.

وأكد دكتور حمدى عبدالرحمن على التميز المصرى الذي يبدو واضحاً فى الروافد، والدبلوماسية الدينية يمكن توظيفها مثل النموذج المغربي فى غرب أفريقيا، كما يمكن الإشارة إلى وجود ترابط دينى بين مصر والسودان، وشرق أفريقيا، وهذا رافد ثقافي مهم يمكن توظيفه لإعادة تفعيل التقارب بين مصر ودول القارة.

وفي رؤيته، فإن مشكلة المؤسسية والاستدامه، هى المشكلة الرئيسية لمصر، فهناك غياب للاستمرارية، ولابد أن تكون أفريقيا أولوية، حيث لا يزال الشرق الأوسط والخليج له أولوية كبيرة.

والمسألة مرتبطة بإرادة سياسية، وبناء رؤية عامة للتحرك نحو أفريقيا بشكل متعدد التخصصات والاتجاهات، ويمكن تطوير مكاتبنا فى السفارات المصرية باستخدام آليات الدبلوماسية العامة، والهند ناجحة جداً في هذا المجال، وهناك أشياء وآليات كثيرة يمكن أن نعتمد عليها فى تطوير قوتنا الناعمة .

- كما طرح دكتور أحمد بهى، سؤالاً حول عمومية المعرفة حول أفريقيا. ففكرة السفر والترحال مرتبطة بتعميق المعرفة حول القارة الأفريقية، وفى الغرب واليابان فإن التخصص يعنى المعايشة فى الواقع، وكذلك معرفة اللغة المحلية.

وأشار دكتور حمدى عبدالرحمن إلى أن مصر تحتاج إلى تطوير مجموعة من الأدوات والسياسات على النحو التالي:

- تغيير سياسات الابتعاث إلى الخارج بدلاً من إرسال الدارسين إلى الغرب لدراسة أفريقيا يمكن إرسالهم لدول القارة من أجل تكوين باحثين متخصصين في مناطق ودول محددة وهو ما يعني إحياء تقاليد دراسات المناطق في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية.

- تكوين جماعة بحثية متخصصة فى الشئون الأفريقية، وهو أمر مرتبط بضرورة تحديد خطة علمية بالنسبة للتخصصات المختلفة، وبالتالي يمكن سد الثغرات المتعلقة بالدراسات الأفريقية من خلال تطوير سياسات التعيين والتوظيف والترقية.

- مساعدة الباحثين على عمل دراسات ميدانية وتعلم اللغات المحلية في أفريقيا، لكى يكون لديك جماعة بحثية تقدم إضافة نوعية .

- وفوق ذلك كله نحن بحاجة إلى رؤية واضحة لإعادة توجيه الجهود وهذا يحتاج أفراداً ومؤسسات لديها حس وطنى.