بالرغم من أجواء مكافحة وباء كوفيد- 19 المعقدة، عُقدت الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني، في يوليو 2020. وكان من أهم مخرجاتها اتخاذها لقرار مهم بعقد القمة العربية- الصينية الأولى في الرياض إيذانا بدخول العلاقات مرحلة جديدة أكثر تطوراً تدفع باتجاه بناء مجتمع عربي صيني ذي مصير مشترك في العصر الجديد.
وفي حقيقة الأمر لقد دفع الوضع الدولي المعقد والمتشابك حينذاك والذي زاد اليوم تعقيداً، وظهور بوادر أزمات اقتصاديه وبيئية وانتشار الأوبئة والحروب (الأزمة الأكرانية)، والتغيرات المناخية العنيفة، وندرة الموارد والأزمات المتعلقة بنقص الغذاء والطاقة، والنزاعات حول المياه، ونذر الحرب الباردة، دفع قادة الأمتين العربية والصينية لاستكشاف أنماط تعاون جديدة أكثر جاذبية وجذرية واستدامة، فاتجهوا نحو بناء شراكة استراتيجية شاملة تهدف من ضمن أولوياتها بناء مجتمع عربي صيني ذي مصير مشترك. لقد أتفق القادة على تنظيم هذه القمة في ديسمبر 2022 على أن تكون علامة فارقة في العلاقات بين الأمتين الصديقتين، وميلاد شراكة شاملة جديدة تضع الأسس لبناء مجتمع عربي صيني مزدهر ومتقدم.
الطريق الطويل للقمة الأولى
يتفق المراقبون بأن حدث انعقاد القمة في حد ذاته يعد حدثاً تاريخياً مهماً يعكس المستوى الرفيع الذي وصلت إليه العلاقات العربية الصينية، كما يعكس نوعاً من التضامن حتمته طبيعة الأوضاع الدولية الراهنة، إلا أنهم يرون أيضاً أن المسيرة الطويلة نحو قمة الرياض مرت بمحطات عديدة وطويلة مستندة على إرث وتراث طويل وهائل من التبادلات والتعاون الفعال والصبور على طول هذا الطريق منذ أن وقف خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه أمام الإمبراطور Gaozong في العاصمة شيأن عام 651م، وحتى توافد رؤساء وأمراء وملوك وسفراء العرب والصينيين إلى الرياض، مرت العلاقات بمحطات كثيرة ومهمة كلها أسهمت بطريق أو بآخر في جعل انعقاد هذه القمة حتمياً وممكناً.
ففي العصر الحديث بدأ العرب في استئناف علاقاتهما الدبلوماسية مع الصين، حيث كانت جمهورية مصر العربية أول الدول العربية التي اعترفت بالصين الشعبية وذلك في عام 1956. وقد اكتملت علاقات كافة الدول العربية العرب بالصين في عام 1990 عندما أقامت المملكة العربية السعودية علاقات دبلوماسية كاملة مع الصين الشعبية لتبدأ مرحلة جديدة من التعاون بين الأمتين الصديقتين.
وتشير وثائق العلاقات العربية- الصينية إلى أن الصين، ومنذ عام 1956، أسهمت في تعزيز البنية التحتية للدولة الحديثة في معظم الدول العربية (سكك حديدية، موانئ، طرق، منشآت رياضية وصحية ورياضية وصناعية وغيرها)، فيما دعمت قضايا العرب الجوهرية في المحافل الدولية وفي مقدمتها قضية العرب المركزية؛ القضية الفلسطينية. وسيظل أهم تطور في تاريخ العلاقات هو توقيع وثيقة المنتدى العربي- الصيني في عام 2004. لقد أُعتبر توقيع هذه الوثيقة بأنه أهم تطور في العلاقات العربية الصينية في ذلك الوقت. ونلاحظ أنه قد تم أيضاً في يوليو 2004 توقيع اتفاقية أخرى ضمت الصين ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست، وهي الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني، والتي فتحت الطريق أمام بدء مفاوضات إقامة منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون. وبعد مرور ما يقرب من الست سنوات على توقيع وثيقة المنتدى، وقع العرب والصينيون في مايو 2010 وثيقة مهمة أخرى وهو بيان إقامة علاقات التعاون الاستراتيجي المبنية على التعاون الشامل والتنمية المشتركة، في وقت وقعت أيضاً دول مجلس التعاون الخليجي مع الصين في العام نفسه مذكرة الحوار الاستراتيجي.
لقد استمر الزخم في العلاقات العربية- الصينية، حيث وقعت معظم الدول العربية منفردة أيضاً على اتفاقيات تعاون استراتيجي ثنائية، كما كانت كافة الدول العربية قد وقعت بحلول 2005 اتفاقيات تعاون ثقافي وتربوي، فيما وقعت الجامعة العربية اتفاقيات تعاون وحوار استراتيجي في عدة مجالات.
هذا الزخم الجديد في العلاقات بين الأمتين، ومستوى الثقة السياسية المتبادلة بينهما، سهل انضمام وتأييد الدول العربية لمعظم مبادرات الصين الإقليمية والدولية. على سبيل المثال، انضمت الدول العربية إلى مبادرة الحزام والطريق، كما دعمت مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمية التي تدعوا إلى استبدال المواجهة بالحوار، والإكراه بالتشاور، والتحالفات بالشراكات، كما انضم عدد من الدول العربية إلى مبادرة الوساطة العالمية، بل إن عدداً من الدول العربية انضم إلى مؤسسات إقليمية ودولية مثل "مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا" CICA، ومنظمة شنغهاي للتعاون. كما قد تنضم دول عربية، في مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية، إلى مجموعة BRICS التي تحظى بثقل صيني مهم.
هذا العدد المهم من الاتفاقيات والآليات والأطر العربية- الصينية، عمق هذه الشراكة الجديدة والمتنامية والمستقرة بين الجانبين، كما عكست حجم الثقة السياسية الاستراتيجية التي بات من الصعب التأثير عليها.
على الصعيد الاقتصادي والتجاري نلاحظ التزامن بين تنامي الثقة الاستراتيجية السياسية والتعاون في المجال الاقتصادي والتجاري. فقد قفز الميزان التجاري بين الجانبين من 36.7 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2004 إلى 330 مليار دولار أمريكي بنهاية عام 2021 بزيادة قدرها 37%. علماً بأن العرب ظلوا شركاء رئيسيين للصين في مجال الطاقة (نفط وغاز)، حيث يمدون الصين بـأكثر من 50% من حاجتها من النفط والغاز المستورد من الخارج. وفي حقيقة الأمر ظلت الدول العربية ملتزمة بالشراكة في هذا القطاع الحيوي بالرغم من الضغوط الغربية التي تظهر من وقت لآخر. إن الأزمة في أوكرانيا التي أظهرت حيوية الشراكات في هذا المجال تؤكد من جديد القيمة الاستراتيجية الحالية والمستقبلية للشراكة العربية الصينية في قطاع الطاقة.
الصين من جهتها واصلت عبر شركاتها وآلياتها الاقتصادية الاسهام في تعزيز بناء الدولة العربية الحديثة؛ إذ تشهد مشاريع البنية التحتية العديدة التي تقوم بها الشركات الصينية في الدول العربية، والتي تحظى بالأولوية في إطار مبادرة الحزام والطريق، تشهد تقدما ملحوظاً، ومن بينها على سبيل المثال التحضيرات الخاصة بمشروع "ميناء الوسط بالجزائر، المزمع انجازه بشراكة جزائرية- صينية؛ ومشروع السكك الحديدية بمدينة العاشر من رمضان في مصر، بجانب خطوط شبكات الكهرباء الوطنية وخطوط إنتاج الألياف الزجاجية، ومشروع مركز تجميع وتكامل واختبار الأقمار الصناعية، والعاصمة الإدارية الجديدة. مذلك، المرحلة الثانية لمحطة الحاويات في ميناء خليفة بالإمارات؛ ومشروع توسيع ميناء الصداقة بموريتانيا؛ و"جسر محمد السادس"، وإنجازات تعاونية أخرى بين الصين والمغرب في إطار بناء الحزام والطريق عبر مشاريع استراتيجية من جيل جديد بما في ذلك بشمال المملكة بالمغرب؛ واستاد لوسيل بدولة قطر، ومحطة العطارات لتوليد الكهرباء بالصخر الزيتي بالأردن؛ ومشروع محطة الكهرباء المستقلة بولاية صحار بسلطنة عمان، ومشروع محطة توليد الكهرباء بأعالي نهر عطبرة بالسودان.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أعلن في كلمته أمام الجامعة العربية في يناير 2016 بأن الصين ستقدم 10 مليار دولار أمريكي قروض خاصة بدفع عملية التصنيع في الشرق الأوسط، كما ستقدم 15 مليار دولار أمريكي لتعزيز الإنتاج الصناعي في المنطقة، بالإضافة إلى قروض ميسرة بقيمة 10 مليارات دولار. معلناً أيضاً عن إنشا صندوقين للاستثمار المشترك بقيمة 20 مليار دولار أمريكي مع كل من دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة للاستثمار في الطاقة التقليدية. كما أقامت الصين مركزين لمقاصة العملة الصينية في قطر والإمارات. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أعلن في وقت لاحق بأن الصين ستقدم 20 مليار دولار لإعادة الإعمار في الدول العربية التي تأثرت بالحروب والنزاعات. كما يتقدم باستمرار مشروع منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر؛ والمنطقة الصناعية الصينية- العمانية في منطقة الدقم بسلطنة عمان، ومنطقة جازان-الصين للتجمعات الصناعية بالسعودية؛ والحديقة النموذجية للتعاون الصيني الإماراتي في الطاقة الإنتاجية. وكان السودان قد اقترح في عام 2021 عددا من المشروعات التنموية المهمة التي وافقت عليها الصين مبدئياً مثل الاسهام في إنشاء حدائق صناعية للمنتجات الزراعية والحيوانية، وإنشا أكبر مسلخ في افريقيا والعالم العربي في غرب أم درمان، ومد خط سكك حديدية من سنار وحتى الحدود السودانية التشادية، وخط يربط السودان وجنوب السودان عبر مدينة بابنوسة وغيرها من المشروعات.
وهكذا، خلال 66 عاماً من العمل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الجاد والمسئول، تكاملت خطط واستراتيجيات التنمية إلى حد كبير بين الطرفين العربي والصيني. لاشك إن انعقاد القمة العربية الصينية هو نتيجة حتمية لكل هذا الزخم. وكما أشرنا أعلاه فإن هذه القمة ينظر إليها كلحظة تاريخية وفرصة إستراتيجية للدفع نحو نمط جديد للعلاقات العربية- الصينية، خاصة أنها تنعقد في ظروف دولية شديدة التعقيد.
أجندة القمة
في ضوء التحليل السابق، ما هي القضايا التي من المتوقع أن تتناولها هذه القمة المهمة؟
على الصعيد السياسي، من المتوقع أن يعمل الجانب العربي على تجديد الموقف الصيني تجاه قضية العرب المركزية؛ القضية الفلسطينية، حيث سيعيد العرب طرح موقفهم المتفق عليه في قمة الجزائر الأخيرة (نوفمبر 2022) المبني على قيام دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على خطوط 4 حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض للاجئين، والتمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002. ستجدد الصين في هذا الشأن دعمها للموقف العربي الصادر عن قمة الجزائر. ستؤكد القمة أيضاً على رفض كافة التدخلات في الشئون الداخلية للدول العربية، وسيؤكد الطرفان على ضرورة زيادة التنسيق في المحافل والمنظمات الدولية. سيجدد العرب في بيان القمة الختامي مواقفهم الثابتة حول القضايا والمشاغل الجوهرية للصين وفي مقدمتها تايوان، حيث سيؤكد العرب مرة أخرى أن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأسرها، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية، ومعارضة "استقلال تايوان" بكافة أشكاله، وعدم إقامة علاقات رسمية مع تايوان أو القيام بأي تواصل رسمي معها، واعتبار المسائل المتعلقة بمنطقة التبت وهونغ كونغ وشينجيانغ شأناً صينياً داخلياً، ورفض قيام قوى التطرف الديني والقوى الانفصالية القومية والقوى الإرهابية بالنشاطات الانفصالية والمعادية للصين. كما سيعلن العرب دعمهم لعدد من المبادرات الصينية مثل مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمية، وسيكون هناك توافق عربي صيني تجاه هذه المشاغل والقضايا والمبادرات.
نتوقع أيضا أن تدعم الصين خلال هذه القمة التوجهات العربية الأخرى، ومنها على سبيل المثال دعم الصين مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقتها المملكة العربية السعودية، كما ستدعم استضافة السعودية لمعرض اكسبو 2030، كما ستثمن الصين السياسة المتوازنة التي انتهجها تحالف "أوبك+" من أجل ضمان استقرار الأسواق العالمية للطاقة ضمن مقاربة اقتصادية تحمي مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. الصين سوف تدعم الدول العربية في سعيها لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. كما ستدعم دولة الإمارات العربية المتحدة في التحضير لاحتضان الدورة (28) لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ. ومن المتوقع أن يتفق الطرفان العربي والصيني على موقف موحد من الحرب في أوكرانيا يقوم على دعم جميع الجهود التي تفضي إلى التسوية السلمية للأزمة ونبذ استخدام القوة والسعي لتغليب الحلول السلمية لإنهاء الحرب هناك. ومن الممكن أن يلعب العرب والصينيون دوراً في جهود الوساطة ومفاوضات السلا. ومن المتوقع أيضاً ترفيع شراكة التعاون العربية الصينية الإستراتيجية إلى شراكة إستراتيجية شاملة، والدفع باتجاه بناء مجتمع عربي صيني ذي مصير مشترك في العصر الجديد. وبهذا تكون القمة قد رفعت مستوى التعاون السياسي وعززت الثقة الاستراتيجية ونقلت العلاقات إلى مستوى جديد.
على الصعيد الاقتصادي، من المتوقع أن تدعو الصين إلى ضرورة تنفيذ المشروعات المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، وزيادة التعاون في مجالات ومشروعات البنية التحتية، وربط الدول العربية بشبكات طرق سريعة، وسكك حديدية، كما ستدفع بأهمية تطوير موانئ جديدة، وزيادة التعاون في مجال التكنولوجيا الفائقة، وشبكات الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والفضاء، والتكنولوجيا النووية للاستخدام السلمي مثل تحلية مياه البحر وغيرها، والتعاون في مجال الطاقة المتجددة، والتجارة الالكترونية.
ستلقي القمة الضوء على مبادرة التنمية العالمية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال مشاركته في المناقشة العامة للدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 سبتمبر 2021 وأهميتها للدول النامية وللتعاون العربي الصيني، وكيفية الاستفادة منها، وإمكانية تقديم الصين الدعم الاقتصادي والفني للدول العربية من خلال هذه المبادرة. سيأخذ التعاون في مجال الطاقة جانباً مهماً وأساسياً في هذه القمة، ونتوقع أن تبحث القمة في كيفية تعزيز التعاون في هذا المجال والدفع بشراكة جديدة شاملة في هذا القطاع. من المتوقع أيضاً أن تدفع الصين بشراكات جديدة في مجال الاستثمار، وربما تتقدم برؤية اقتصادية جديدة تتضمن تقديم مساعدات اقتصادية وزيادة الاستثمارات الصينية في الدول العربية. بالطبع ستتناول القمة مسائل التعاون في مجالات مهمة أخرى، وستدفع بقضايا التعاون في مجالات مثل الثقافة والتعليم والبحث العلمي وحوار الحضارات، وتقوية التواصل الإنساني بين الشعبين العربي والصيني.
ملاحظات ختامية
لا شك ستكون القمة العربية الصينية الأولى حدثاً سياساً واقتصادياً كبيراً، وإعلاناً مهما للتضامن بين أمتين في مرحلة تغيرات كبرى. كما ستكون إيذاناً بميلاد نمط علاقات جديد قائم على شراكة مجتمع المصير المشترك الاستراتيجية. ومن المتوقع أن تفتح القمة مسارات وآليات جديدة ومبتكرة للتعاون الاقتصادي ومفاهيم وتعابير مفعمة بروح الأخوة والصداقة والعمل. إن عالم العلاقات العربية الصينية بعد هذه القمة التاريخية يفترض أن يكون أكثر زخماً، وسيتم تفعيل الدور والتنسيق العربي الصيني على المسرح الدولي. وبالطبع ستلفت القمة أنظار العالم وستتابع أحداثها ونتائجها قوى كبرى وإقليمية، علماً أن القمة ستؤكد مجدداً بأنها لا تستهدف أطرافا أخرى، ولا تعمل لبناء تحالفات، وأن أطرافها ليسوا جزءاً من تحالفات جديدة على المسرح الدولي إذ أن الطرفين العربي والصيني كما هو معروف يؤمنان بالشراكات المبنية على الندية والكسب المشترك والتشاور ومصادر القوة الأخلاقية، وليست التحالفات القائمة على القوة العسكرية والصدامات، حيث للطرفين صداقات وشراكات مع معظم القوى الرئيسية في العالم.
تأتي هذه القمة في وقت أصبحت فيه مواقف الطرفين العربي والصيني من المشاغل الجوهرية الرئيسية لكل منهما واضحة، فعلى صعيد مواقف الصين من قضية العرب المركزية القضية الفلسطينية يتطابق الموقف الصيني من هذه القضية بشكل كبير مع الموقف العربي الذي عبرت عنه بوضوح القمم العربية، والنقاط الأربعة حول القضية الفلسطينية التي أعلنتها الصين وفي تقديري، إن الصين كانت قد أضافت إلى موقفها هذا موقفاً أكثر صرامة، وذلك خلال "منتدى أمن الشرق الأوسط" الذي عقد في مدينة بكين في 27 ديسمبر 2019، حيث أكدت الصين أنها "لن تسمح ببيع الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني في أية صفقة مزعومة
الموقف العربي تجاه المشاغل الجوهرية للصين بات أكثر وضوحاً عندما أكد العرب في وثائق وإعلانات الدورتين السابعة والثامنة للاجتماعين الوزاريين لمنتدى التعاون العربي الصيني (2016 – 2018) على ما يلي: "إن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأسرها، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصين الشعبية، وأن الدول العربية تعارض استقلال تايوان بكافة أشكاله، وعدم إقامة علاقات رسمية مع تايوان، واعتبار المسائل المتعلقة بمناطق التبت، وشينجيانغ، وهونغ كونغ مسألة داخلية ". وهكذا نرى أن الطرفين يدركان أهمية احترام المشاغل الجوهرية لكل منهما.
هذه القمة المهمة تأتي بعد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في أكتوبر هذا العام، والذي حدد بشكل واضح المساحات التي تعمل بها السياسة الخارجية للصين، حيث قال التقرير الذي قدمه الأمين العام للحزب ورئيس البلاد شي جين بينغ "تظل الصين ملتزمة بهدف سياستها الخارجية المتمثل في صون السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة والسعي الى دفع بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية”. وأضاف التقرير: “تحترم الصين سيادة جميع البلدان وسلامة أراضيها وتلتزم بأن كل الدول تكون على قدم المساواة سواء كانت كبيرة أو صغيرة قوية أو ضعيفة فقيرة أو غنية، ولن تسعى الصين وراء الهيمنة أبداً، ولن تنخرط في التوسع الخارجي”. يقول التقرير كذلك: "تعمل الصين أيضاً على تعزيز التضامن والتعاون مع سائر الدول النامية وحماية مصالحها المشتركة وتثابر الصين على تطوير الصداقة والتعاون مع جميع البلدان على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، ودفع بناء علاقات دولية جديدة الطراز وتعميق وتطوير الشراكة العالمية المتسمة بالمساواة والانفتاح والتعاون". ونرى أن أهداف السياسة الخارجية الصينية المعلنة خلال مؤتمر الحزب تتفق وروح العصر والأهداف العامة لمجمل السياسات الخارجية للدول العربية، وتلك التي تحكم عمل جامعة الدول العربية الخارجي.
في حقيقة الأمر ستمنح الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي نأمل إعلانها خلال هذه القمة، ستمنح العرب مساحة أوسع للتحرك وقدرة أكبر على تشكيل سياسة خارجية أكثر توازناً وأسواق أكبر وأكثر حيوية للمنتجات والسلع العربية. وفي تقديرنا إن العرب أمام فرصة تاريخية للاستفادة من الصين في تطوير بنيتها التحتية ونقل التكنولوجيا الحديثة في كافة المجالات، وجذب المزيد من لاستثمارات الصينية في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعات الجديدة الأكثر تطوراً وفي قطاعات الطاقة. وأخيراً، إن تبني العرب والصينيين خلال هذه القمة مفهوم “مجتمع عربي صيني ذي مصير مشترك” وسع بشكل كبير مفهوم الشراكة العربية الصينية، حيث لن تبقى الشراكة الجديدة محصورة كما كانت إلى حد كبير في الأوساط الرسمية والتكنوقراط والأكاديميين وإنما توسعت لتشمل المجتمع بأكمله وبكل فئاته. لقد أصبحت المجتمعات العربية والصينية جزءا أصيلا من فعاليات وآليات ونجاح هذه الشراكة، مما يعني إننا أيضاً في حاجة لابتكار خطط وآليات جديدة ونشطة للسماح لهذه المجتمعات للمشاركة الواسعة.