د. خالد حنفي علي

باحث مصري

 

ثمة مثل شهير يقول إن الصورة بألف كلمة [1] لأنها تسكن في مخيلة من يراها وتخاطب مشاعره وأفكاره وقد تحفز سلوكه، بما قد يسهم في تشكيل التفاعلات السياسية. وفي منطقتنا العربية يكفي النظر لأشكال بصرية مختلفة تعبر عن الأحداث والأشخاص والأماكن وغيرها كي تكتشف متناقضات الفوضى والاستقرار وتقارنها بالماضي، وتتوقع مآلات المستقبل، فالبيئات البصرية بالمنطقة تفصح عن معاني ودلالات سياسية قد تعجز عن قولها الألسن أو تخطها الكلمات.

تتجلى أحد الأمثلة البصرية المعبرة رمزياً عن تأزم منطقتنا، عندما فازت صورتان في مسابقة منظمة "وورلد برس" العالمية للصور الصحفية في عام 2022[2]. في الصورة الأولى، تظهر فتاة سودانية تعيد إلقاء عبوة مسيلة للدموع، في خضم الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة، لتعبر بذلك عن مأزق التعثر الانتقالي في هذا البلد منذ سقوط نظام البشير، والطلب المتصاعد للجيل الجديد من الشباب والمرأة على الديمقراطية والحكم المدني.

أما الصورة الأخرى، فهي لأطفال فلسطينيين يجتمعون على ضوء الشموع أمام أبنية مدمرة في قطاع غزة، لتبعث بمعنى ثقافة الصمود لدى النشء الفلسطيني ضد المحتل الإسرائيلي، والذي يغريه ضعف المنطقة بمزيد من انتهاك الحقوق الفلسطينية وتوسيع مكاسب التطبيع الإقليمي.


إن وسعت الرؤية البصرية إلى بلدان أخرى في المنطقة العربية، كسوريا واليمن وليبيا، تعاني صراعات مسلحة منذ أكثر من عقد كامل، فتكاد تهيمن صور دمار المدن أو تغول المسلحين على وظيفة الدولة أو مأساة النازحين في الخيام أو المهاجرين الذين يخاطرون بأنفسهم لعبور البحر المتوسط، أو حتى السياسيون المنقسمون الذين يتفاوضون دون نتائج تعزز السلام لإطالة مكاسبهم.

لا تتوقف المعاني في كل هذه المشاهد عند فشل الدولة وانقسام المجتمعات واختراق القوى الخارجية، بل تمتد إلى توقع الكلفة الباهظة للتعافي مستقبلاً. وإذا وضعت مشاهد فوضى الصراعات وأزمات الانتقال السياسي والأزمات الاقتصادية والمعيشية في دول المنطقة، بجوار نقيضها في منطقة الخليج حول الاستقرار والتنمية والتطلع لدور إقليمي قد تقودنا الصورة الكلية إلى استنتاج ما جرى من تغيرات في توازنات القوى في المنطقة خلال العقد الأخير.

قد تستوقف تلك المشاهد البصرية البعض لتلمس معانيها، وقد يمضي آخرون عليها دون أن يعيرونها التفاتاً، في ظل الكم الهائل والضاغط من التدفقات المرئية حول المنطقة العربية. ومع ذلك، فإنها تتراكم لتمثل رمزية بصرية لحقبة سياسية من الأزمات المتتالية في مرحلة ما بعد ثورات العام 2011، والتي أبرزت تنازع الفاعلين السياسيين سواء أكانوا أفراد أم جماعات أم دولاً على ذلك التأثير في الصورة لتوجيهها إلى أغراضهم ومصالحهم السياسية.

لذلك، يتساءل التحليل حول أبعاد الارتباطات بين البعد البصري والمجال السياسي، وتجلياته في أزمات المنطقة، مع طرح لبعض إشكالياته العامة، لاسيما إننا إزاء مجال واسع حظى باهتمام أكبر في دراسات الإعلام مقارنة بعلم السياسة.

ارتباط البعد البصري والمجال السياسي

يعني البعد البصري رؤية ومشاهدة الأشياء والأحداث والأماكن بحاسة العين، وهو يختلف عن البصيرة التي تتعلق بإدراك البشر بعقولهم للحكمة الكامنة لما وراء تلك المشاهدات. لذلك، تشمل البيئة البصرية كل ما تقع عليه أعين الجمهور في محيطه الواقعي أو الافتراضي من صور ثابتة ومتحركة ورسوم ومجسمات وإعلانات ووجوه أشخاص وأماكن وغيرها، وهي أشكال يبدو ظاهرها مادياً لكنها في حقيقتها رموز يمكن استنطاق معانيها وسماتها وتصوراتها.

 تلك الرموز لا تعبر فقط عن حالة المجتمعات، لكنها تعد وسيطاً فعالاً للاتصال، فهي تنقل المعاني بأسرع من الكلمات، وتخاطب الجميع على اختلاف مستوياتهم الثقافية واللغوية، كما تطرح تفسيرات متعددة قد تكون مباشرة وغير مباشرة، أو بسيطة ومعقدة. وقد يرافق للرموز البصرية، كما حال الإعلانات والملصقات والفيديوهات وغيرها، تعليقات مكتوبة أو مسموعة إما بغرض تكريس أو توضيح أو إضافة أو توجيه المعاني. [3]

وبفعل قدرته على إثارة الخيال الإنساني، يثير السياق البصري عمليات وجدانية ومعرفية وسلوكية لدى الجمهور، كما الذاكرة والإدراك والتفكير والمشاعر والعواطف. فإذا مست الصورة المرئية العواطف وتلاقت مع القيم والأفكار، فإنها تصيغ الانطباعات وتكرس الصور الذهنية وتحفز السلوكيات في مختلف التفاعلات بما فيها السياسية.

 لهذا السبب، يمثل المجال البصري العام ساحة للتنافس بين الفاعلين السياسيين بغرض امتلاك قوة التأثير على انطباعات الجمهور وهي قد تتشكل سريعاً بفعل الصورة حتى دون أدلة أو تحقق من مدى توافقها مع الواقع، كما تظل جزءاً لا يفارق الذاكرة الإنسانية، وحتى إن تعرض الانطباع للتعديل لاحقاً. بالتالي، ارتبط توظيف أثر الأشكال البصرية في البيئات السياسية بتكريس الأيديولوجيات وبناء الهويات والترويج للسرديات السياسية وإضفاء الهالة على القادة، وإدارة العلاقة مع الخصوم، وهو ما أنتج مفهوم السياسات البصرية Visual Politics، كتعبير عن تلاقي البعد البصري والتفاعلات السياسية. [4]

يمكن الاستدلال على ذلك الفهم بصورتين إحدهما لاستشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي أشعل انتفاضة الأقصى ضد المحتل الإسرائيلي في العام 2000، والأخرى لمقتل جورج فلويد، وهو أمريكي من ذوي البشرة السوداء في العام 2020 على يد الشرطة الأمريكية أثناء اعتقاله، والذي فجر احتجاجات شعبية ضد العنصرية.

ما يجمع الصورتين، برغم اختلاف السياقات المكانية والزمانية، أنهما أججا البعد العاطفي وارتبطا بالقيم الإنسانية الرافضة للظلم، بخلاف فجوة القوة بين ضحية لا يملك من أمره شيئاً وفاعل مدجج بالسلاح (القوات الاسرائيلية والشرطة الأمريكية) انتهك المعايير الإنسانية والقانونية، مما حفز على رد فعل سياسي في الحالتين، فالدرة أصبح حينها شرارة صعدت الانتفاضة الفلسطينية بل وأيضاً أيقونة لا تغادر الذاكرة البصرية الفلسطينية، بينما ألهمت عبارة فلويد قبل قتله: "لا أستطيع التنفس" حركات النضال الجماعي للاحتجاج ضد العنصرية في الولايات المتحدة. [5]

لكن الأثر السياسي للبعد البصري ليس جديداً على المجتمعات، فقد كان هنالك إدراك عميق له منذ قديم الأزل عندما تضافر امتلاك السلطة الرمزية من خلال السيطرة على البيئة البصرية مع السلطة السياسية. فالفرعون، مثلاً، في الحضارة المصرية القديمة، استخدم مختلف الأشكال المرئية من رسوم ولوحات ومنحوتات وتماثيل ومعابد وغيرها لتأكيد قوته السياسية والدينية في المجتمع. كذلك رافقت الفنون البصرية لفناني عصر النهضة من لوحات وتماثيل وغيرها التحولات السياسية والثقافية والمجتمعية في أوروبا آنذاك. بالمثل، وثق القادة التاريخيون في أوروبا، كنابليون بونابرت، معاركهم بالرسوم والمنحوتات لتكريس أسطورتهم العسكرية. [6]

مع انتشار الوسائل المرئية الحديثة من تصوير وتلفاز، عمل القادة الفاشيون أمثال هتلر وموسوليني وغيرهم على التحكم في وسائل الإعلام والفنون وفرضوا صورهم وتماثيلهم والملصقات التي تمجد أيديولوجياتهم على الحياة اليومية للمجتمع. على الدرب ذاته، فقد كان أول ما يفعله قادة الانقلابات في أفريقيا بعد الإطاحة بالسلطة القائمة هو السيطرة على التلفزيون الرسمي لإثبات سلطتهم الجديدة. وما إن تدين الأمور لهم، فإنهم يغرقون الشوارع بصورهم ولافتات وشعارات حزبهم المهيمن على السلطة، وفي الوقت ذاته يزيلون كل أثر لصور الزعماء القدامى لإحداث قطيعة بصرية مع سياسات الماضي.

اختلف الأمر نسبياً في سياقات الأنظمة الديمقراطية في ظل تداول السلطة والمنافسة السلمية بين الفاعلين على التأثير البصري في الجمهور. مع ذلك، فإن القادة الديمقراطيين يستخدمون أيضاً صورهم المرئية لتشكيل صورتهم الذهنية لدى الرأى العام وتأطير الروايات السياسية وتعزيز قدرتهم على ممارسة السلطة، بل بات القادة سواء أكانوا تسلطيين أم ديمقراطيين يتوخون ضبط تعبيرات وجوههم في ظل تأثيرات أشكال بصرية إنسانية، كالابتسامة والعبوس والغضب على مدى استحضار الجمهور لانطباعات سياسية إيجابية أو سلبية.[7]

مع صعود نمط من القادة الشعبوبين في العالم، زاد الشغف باستخدام العامل البصري، إذ يسعون للتأثير السياسي المباشر في الجمهور وتجاوز المؤسسات التقليدية، وساعدهم في ذلك انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تمكنهم من التفاعل مع الجمهور دون حواجز. ولعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بدا مولعاً بالصورة المرئية لإظهار مدى قوته ونجاحه وإضفاء الشرعية على إدارته، فحرص دوماً على نشر صوره وهو يوقع الأوامر الرئاسية في البيت الأبيض.[8] ودفع ذلك بيت سوزا المصور السابق في البيت الأبيض إلى استخدام الصور للتفرقة بين السمات الشخصية والسياسية لأوباما وترامب، فبينما اعتبر الأول زوجاً محباً ومخلصاً ولديه كرامة ويحترم المرأة، نظر للثاني على أنه ذو عقل صغير ويعادي الصحافة ويطرح ادعاءات ومزاعم طيلة الوقت. كذلك وظف الصور للمقارنة بين إدارة واشنطن للتحالفات الخارجية في عهدي الرئيسين، فبينما حرص أوباما على توثيق علاقته مع الأوربيين، أضر بها ترامب بسبب سياسته الانعزالية.[9]


التنافس البصري في السياسة العالمية

يتمدد الأثر البصري من السياسات المحلية إلى العالمية، حيث تستخدمه الحكومات كأحد أدوات امتلاك القوة للدفاع عن المصالح في الخارج، لاسيما مع تنامي حضور العامل الثقافي والهوياتي ورؤى صدام الحضارات لهتنتجون [10] في العلاقات الدولية، والتي عبرت - في أحد جوانبها- عن صراع بين بيئات بصرية لدول ومجتمعات متقدمة وأخرى متخلفة. فإثر تفكك الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينيات القرن العشرين، سعت الولايات المتحدة إلى تحويل قوتها السياسية والأمنية والاقتصادية في النظام الدولي إلى الهيمنة على المجال الثقافي عبر أدوات القوة الناعمة القائمة على الإقناع وجاذبية الثقافة والفن والإبداع وغيرها، وهو ما جعل البعد البصري مكوناً رئيسياً لهذا النمط من القوة. [11]

ففي هذا الإطار، بدا الارتباط وثيقاً بين الصورتين المرئية والذهنية بالنسبة للقوة الأمريكية، فالسينما الهوليودية صاغت الحلم الأمريكي ونموذجه للحريات والقوة والانفتاح والتعددية في أعين مجتمعات العالم. إلا أن مشهد تفجير مركز التجارة العالمي في أحداث 11 سبتمبر 2001 على يد مجموعة إرهابية من تنظيم القاعدة شكل صدمة لهذا النموذج والذي سعى بدوره إلى بناء مشاهد بصرية لاستعادة الثقة في القوة الأمريكية عبر غزو أفغانستان في عام 2001، ثم العراق عام 2003.

المفارقة أن التدخلات العسكرية الأمريكية أنتجت صوراً مرئية وذهنية معاكسة، مثل الانسحاب من أفغانستان في العام 2021 إثر عودة طالبان للسلطة بعد عشرين عاماً. وكانت الصورة اللافتة لآخر عسكري أمريكي يغادر أفغانستان في جنح الظلام [12] تمثيلاً رمزياً لأفول الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، بل إن صور إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين ورفض إجلاء بعض حلفاء واشنطن من الأفغان، بدت كاشفة لمصير المتعاونين المحليين مع الولايات المتحدة. وسبق ذلك اهتزازاً أعمق للنموذج الأمريكي خلال فترة رئاسة ترامب، عندما حل الاستقطاب المجتمعي وتصاعدت الانعزالية ورفض التعاون مع المؤسسات الدولية في قضايا عالمية كالمناخ والجائحة، ما اعتبره جوزيف ناي قد أثر سلباً على القوة الأمريكية الناعمة. [13]

في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عدة متغيرات رئيسية تداخلت فيما بينها لتعظم أثر البعد البصري في تشكيل السياسات المحلية والعالمية والربط بينهما خلال العقود الثلاثة الماضية، من أبرزها:

1- العولمة والخصوصية: لعب البعد البصري دوراً في عولمة قضايا عابرة للحدود على أجندة التفاعلات بين الدول المتقدمة والنامية، خاصة مع التناقل العالمي لصور ومشاهد مآسي اللاجئين والمهاجرين والكوارث والإرهاب وضحايا الصراعات وغيرها، [14] والتي تظهر عند مشاهدة إعلان حملة إغاثية دولية يصور طفلاً أو أسرة فقيرة في أفريقيا لتحفيز التمويل الإنساني للتخفيف تداعيات الأزمات والصراعات في العالم.

مع ذلك، كرست العولمة البصرية للقضايا العابرة للحدود فجوات القوة بين دول الشمال والجنوب، بل إن الإحسان الغربي للمعوزين والمنكوبين في دول الجنوب لم يكن خالياً من تكريس المصالح السياسية والاقتصادية في إطار التنافس العالمي بين القوى الكبرى. في المقابل، ظلت الخصوصية الثقافية والهوياتية حاضرة في ديناميات الأثر السياسي للبعد البصري، فعلى سبيل المثال، فإن الرسوم الدانمركية المسيئة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم أثارت غضباً واحتجاجات واسعة في العالم الإسلامي لأنها تمس صلب هوية المسلمين وعقيدتهم، بينما في المقابل نظرت لها بعض النخب الثقافية الغربية على أنها تدخل في نطاق حرية التعبير، وهو ما اعتبره البعض أحد تجليات صدام الحضارات حينها. [15]

2- تسليع الثقافة: اعتمد تغلغل النموذج  الرأسمالي في الدول والمجتمعات على تسليع الثقافة، أي جعل أشياءها وأفكارها وسماتها ومعانيها تُباع وتُشترى في السوق [16]، بغرض تحفيز الطلب الاستهلاكي على منتجات متعولمة مثل، كوكاكولا وماكدونالز وستاربكس ونايكي وغيرها، والتي تحولت بدورها إلى رموز بصرية تتناقلها إعلانات الشوارع في دول نامية ومتقدمة بغرض الاستحواذ البصري على مخيلة الجمهور والربط بين استهلاكه لهذه المنتجات وبناء المكانة والهويات الاجتماعية والسياسية. لكن هذا الأمر أثار في المقابل حالة من العجز والإحباط والغضب لدى شرائح من الفقراء غير القادرين على اقتناء السلع المتعولمة. لذا، برزت مقاومات حضرية بصرية عندما اتجهت مثلاً مدن كبرى كساوباولو في عام 2006 لمنع الإعلانات التي بدت تهدد ليس فقط نظافة المدينة ولكن السلم الاجتماعي. كذلك تنامت الاتجاهات الرافضة لتسليع النساء وتصويرهن كسلعة جسدية معولمة في الإعلانات، فضغطت حركات الاحتجاج على مدينة لندن لمنع الإعلانات الخارجة التي تصور أجساد النساء والرجال على المواصلات العامة في عام 2016. [17]

3- ثورة الاتصالات والتكنولوجيا: أدى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية التي بات يمتلكها نصف سكان العالم إلى هيمنة الثقافة البصرية، فأصبح إنتاج وتداول واستقبال الصور والفيديوهات يتسم بالفورية والانتشار، وبالتالي صار لدى الأفراد والجماعات القدرة على نقل صور فورية عن الأحداث (هجوم ارهابي، احتجاجات، كارثة مناخية،... إلخ) بعد ثوان من وقوعها[18]، مما أضفى طابعاً ديمقراطياً على المجال البصري.[19] في المقابل، تراجعت هيمنة الحكومات وشبكات الإعلام التقليدية، إذ كانت الصور والمواد المتلفزة وغيرها تخضع في الماضي للرقابة قبل نشرها للجمهور للسيطرة أو توجيه معانيها السياسية. كذلك، تداخل المجالان الخاص والعام في الفضاء البصري الإلكتروني، فباتت الحياة اليومية الخاصة للأفراد، بما فيهم المشاهير والسياسيون، حاضرة في الجدل العام على وسائل التواصل الاجتماعي.[20] مع ذلك، دخلت الحكومات منافساً على الصورة البصرية في الفضاء الالكتروني لمواجهة الروايات السياسية التي يطرحها الأفراد والجماعات إن كانت متعارضة مع أهدافها أو إدارة الدبلوماسية العامة في الخارج لتحسين الصورة الذهنية في أعين المجتمعات في الخارج.[21]

البعد البصري وديناميات الأزمات العربية

يشكل العامل البصري جزءاً أصيلاً من الثقافة العربية بما يجعل له دوراً أساسياً في صياغة الوجدان والأفكار والثقافة والسلوكيات السياسية في المنطقة. يرجع البعض ذلك إلى تجذر "ثقافة الفرجة" [22] على الآخر والمحيط العام، والتي نشأت من وجهة نظر البعض نتاجاً لتراكم تاريخي من عدم سماح السلطة سواء أكانت استعماراً أجنبياً أو وطنية أو أبوية ذكورية بمشاركة المجتمع بفعالية في صنع السياسة. لكن الفرجة (كما يجري على الاستعراضات الجماعية الفنية والشعبية وغيرها) لم تكن فقط بغرض المتعة، فحسب، في الثقافة العربية، وإنما لبناء التضامن والتماسك الاجتماعي، لاسيما أننا إزاء مجتمعات تتسم بنمط القيم الجماعية التقليدية حتى مع تعرضها لحداثة ظاهرية في بعض جوانبها.

مع ذلك، أحياناً تغادر المجتمعات العربية الفرجة إلى الفعل الجمعي، كما في الهبات والانتفاضات ضد المستعمر الأجنبي (ثورة 1919 في مصر، الثورة الفلسطينية في عام 1936) أو حتى بعد استقلال الدولة الوطنية، أو حديثاً، مثل الثورات العربية في 2011. يتضافر مع ثقافة الفرجة بعد ديني آخر يهيمن على العقل العربي ويجعله يميل للارتباط النفسي والعقلي بالبيئة البصرية، إذ تحفز الأديان المؤمنين بها على إعمال النظر للذات والمحيط لإدراك قدرة الله في خلقه. كذلك، تمثل الأشكال البصرية منفذاً معرفياً لفهم ما يجري في المجال العام، خاصة للأميين في المنطقة، إذا علمنا أن ربع سكان المنطقة من البالغين لا يزالون يعانون الأمية، وفقاً للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عام 2021، برغم مرور كل تلك العقود على استقلال الدولة العربية.

على أساس أهمية البعد البصري في الثقافة العربية، اتجهت حكومات المنطقة منذ الاستقلال عن الاستعمار الأجنبي إلى السيطرة على الوسائل المرئية من تلفاز وسينما وفنون بغرض التحكم في المعاني والدلالات التي تصل للجمهور، وفي الوقت ذاته، توظيفها في دعم شرعية الأنظمة وتعزيز الهويات الوطنية وتأطير الأجندات السياسية وتكريس صور القادة لدى المجتمعات. ولعل صور وتماثيل بعض القادة لا تملأ الشوارع والمؤسسات وخلف مكاتب الدواوين الحكومية فحسب، بل تجدها على العملات المالية التي يتداولها المواطنون يومياً.

إلا أن الأزمات الكبرى التي عايشتها المنطقة جلبت مشاهد بصرية للدمار والعنف والضحايا أثرت على بناء صورة ذهنية متراكمة مفادها أنها تعاني عدم استقرار مزمن. إذ مرت المنطقة، على مدار العقود الماضية بأزمات متتالية، كحرب العراق وإيران في الثمانينيات، وغزو العراق للكويت في التسعينيات، والغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 وحرب إسرائيل وحزب الله في عام 2006، وحروب إسرائيل على قطاع غزة في الفترة ما بين 2008 و2022. وبسبب هذه الأزمات، امتلأت الذاكرة البصرية العربية بمشاهد عمقت حالة الألم والانقسام والغضب والإحساس بالضعف أمام الخارج، مثل تعذيب العراقيين في سجن أبو غريب على يد القوات الأمريكية، وإسقاط تمثال الرئيس العراقي صدام حسين،[23] فضلاً عن فيديو إعدامه، ناهيك عن فيديوهات أخرى لزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي صورت المنطقة على أنها مصدر للإرهاب العالمي.   

مع الانتشار الواسع لأدوات تكنولوجيا المعلومات في المنطقة العربية، تراجعت سيطرة الحكومات نسبياً على الأشكال البصرية في المجال العام، كما برز في مرحلة انطلاق الثورات العربية في عام 2011، عندما كانت صور وفيديوهات المتظاهرين يتم تداولها على نطاق واسع في المنطقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فضلاً عن انتشار فن الجداريات أو الجرافيتي في الشوارع، وظهور أنماط من المؤثرين على اليوتيوب، بل إن نمط الحشود الاحتجاجية مثل حينها شكلاً بصرياً له معانٍ تتعلق بفرض الحضور السياسي للمجتمع ومطالبه السياسية والاجتماعية.[24]

في مواجهة ذلك، سعت الحكومات إلى خوض الصراع على ما تجلبه الصورة من انطباعات سياسية لمستخدمي الفضاء الإلكتروني، فباتت وسائل الاعلام التقليدية الموالية للسلطة تعرض موادها الإعلامية وتروج لها في هذا الفضاء للحد من تأثير الروايات البصرية المضادة، وازدادت حدة الصراع مع تعثر الثورات ونشوب الصراعات المسلحة وتصاعد الإرهاب والأزمات الاقتصادية والاستقطابات الداخلية والإقليمية وتنامي التدخلات الخارجية في دول المنطقة. في هذا السياق، برزت أنماط مختلفة لدور البعد البصري في الديناميات السياسية لتلك الأزمات، يمكن طرح بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

1- السرديات المتضادة: بدا هنالك صراع بصري محتدم بين سرديات الفاعلين الرسميين وغير الرسميين في المنطقة العربية، كما يظهر جلياً في قضية الإرهاب التي أخذت تتصاعد منذ بروز تنظيم "داعش" في سوريا والعراق في عام 2014. فبينما وظَّف هذا التنظيم صور وفيديوهات العمليات الانتحارية وغيرها بغرض اجتذاب وتجنيد متطرفين وتكفير الحكومات والترويج لمزاعمه حول الخلافة الإسلامية، [25] واجهت الحكومات ذلك بسردية بصرية تظهر قدرتها الأمنية على إحباط العمليات الارهابية، وإبراز مشاهد عائلات ضحايا الإرهاب لبناء صورة ذهنية لدى الجمهور حول ما يخلفه الإرهاب من تكلفة مادية ومعنوية في المجتمعات.

2- العلاقة مع المعارضة: تعد الرمزية البصرية أداة اتصالية لإدارة الرسائل السياسية بين السلطة والمعارضة في المنطقة العربية، كما يحدث مثلاً عندما تٌظهِر مؤسسات السلطة قدرتها على فرض الأمن والاستقرار في الشوارع، إذا ما اعتزمت المعارضة إطلاق احتجاجات ضدها كنوع من الردع السياسي الاستباقي. كذلك تم استخدام البعد البصري في إظهار التأييد للسلطة، وإخفاء أي مظاهر للمعارضة، فعلى سبيل المثال، عمدت وسائل الإعلام الحكومية في دول الثورات كسوريا وليبيا إلى عدم تغطية تظاهرات المعارضة، وإظهار المظاهرات المؤيدة للنظام حينها. وحتى بعد نشوب الصراع المسلح في سوريا دأبت القنوات الحكومية وحليفتها الروسية على طرح سرديات بصرية تبرر تدخل موسكو لدعم نظام الأٍسد ووصف المعارضة المدعومة من الخارج بالإرهاب. [26]

3- الاستقطاب السياسي: لعبت المشاهد البصرية العنيفة دوراً في تكريس أزمات الكراهية والانقسام السياسي والاجتماعي، فلم تغادر الحالة الليبية حتى اللحظة المشهد الدموي لقتل معمر القذافي بعد الثورة على نظامه والتي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. بل إن مكان قبره، كرمزية بصرية لأنصاره وحقبة حكمه التي امتدت لـ42 عاماً، لا يزال مجهولاً لدى العديد من الليبيين، برغم مرور أكثر من عقد على مقتله، وهو ما يعكس في أحد جوانبه عدم تجاوز الليبيين لأزمات الماضي أو إمكانية الدخول في حالة تصالحية يمكن أن توفر بيئة محفزة لبناء السلام المستدام في هذا البلد المنقسم على نفسه، وسط اختراقات وتدخلات أجنبية تهمين على البيئة البصرية الليبية. [27]

4- تأجيج التفاوت الاجتماعي: قد يلجأ الفاعلون السياسيون إلى توظيف الأشكال البصرية لتأجيج التفاوت الاقتصادي - الاجتماعي في المجتمعات ومن ثم إثارة الغضب ضد السلطة، كما الحال عند استدعاء البعض في فيديوهات وسائل التواصل الاجتماعي مقارنات بالصور والفيديوهات بين مناطق الغنى والفقر داخل الدول العربية لإظهار انحياز السلطة إلى شريحة معينة وغياب التنمية المكانية العادلة. ويفرض هذا النوع من التوظيف السياسي البصري أثراً كبيراً في تغذية الغضب لدى الجمهور، في ظل سياقات من عدم المساواة في المنطقة العربية، خاصة أن أغنى 10% من البالغين العرب يملكون 80% من مجموع ثروات المنطقة، وفقاً لدراسة أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعي لغربي آسيا ( الأسكوا). [28]

5- مأزق الأقليات والدولة: اعتمد بناء الدولة العربية بعد الاستقلال على استخدام أشكال بصرية رمزية لها معاني "سيادية" لبناء مخيلة المجتمع عن طبيعة أدوارها ووظائفها، كإظهار احتكار الجيوش لوظيفة الأمن عبر العروض العسكرية والاحتفال بالانتصارات التاريخية، كذلك إجلال العلم الوطني لكونه يمثل "رمزاً بصرياً" يعكس بألوانه المختلفة تاريخ الدولة وتضحيات المجتمع والتطلع لمستقبل سلمي، فضلاً عن احترام الدولة لخرائطها الجغرافية وحدوها المعترف بها دولياً. إلا أن تلك الرموز البصرية واجهت أزمة في المنطقة العربية مع سعي بعض الأقليات إلى بناء أشكال بصرية مضادة للهوية الوطنية ومعززة للهويات الأولية بسبب تراجع قدرة الدولة على إدارة التنوع، وهو ما يبرز في استخدام الأكراد في سوريا لمختلف الأشكال البصرية للتعبير عن سعيهم للحكم الذاتي، بدءاً من تشكيل مليشيات مسلحة وعلم خاص بهم وغيرها.

6- توظيف الذاكرة البصرية: تمثل الذاكرة التاريخية البصرية مخزوناً ممتداً يمكن استدعائه لمواجهة الأزمات الحاضرة في المنطقة العربية، فصور وتماثيل الأبطال التاريخيين تزين ميادين مختلف الدول العربية. على سبيل المثال، يظهر تمثال القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي في وسط العاصمة دمشق، وقد ارتبط اسمه بعدد من تجمعات المقاومة في المنطقة العربية ضد القوى الأجنبية، كما جرى في إطلاق اسمه على الذراع العسكري للجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية التي برزت بعد الغزو الأمريكي لهذا البلد، وكذلك بعض الكتائب المسلحة في سوريا وفلسطين. [29]

إشكاليات وتحديات أساسية

برغم تنامي الارتباط الوثيق بين البعد البصري والمجال السياسي في السياستين المحلية والعالمية وبروز تجليات لذلك في بعض الديناميات السياسية لأزمات المنطقة العربية، إلا أن أثر الأشكال البصرية ليس أمراً مسلم به أو نتيجة حتمية لمجرد وجوده في الواقع أو الفضاء الإلكتروني. فليست كل صورة أو فيديو أو مجسم أو تمثال أو غيره يمكنها إثارة وجدان وأفكار وسلوكيات الجمهور، ومن ثم الإسهام في تشكيل الظواهر السياسية، هنا تبرز عدة إشكاليات وتحديات، من أبرزها ما يلي:

1- السياق المحفز: أي أن الملابسات السياقية المحيطة بالمشهد البصري قد تحدد مدى الأثر السياسي له في تحفيز الجمهور، ومن ثم تحويل الأخير من حالة الفرجة إلى المشاركة، فانتشار صور محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على مصادرة السلطات لعربته لبيع الخضروات في نهاية 2010 أججت مشاعر التعاطف الجماعي في تونس ومن ثم حفزت الحشد الاحتجاجي الذي قاد إلى إسقاط نظام بن علي وانتشار موجة الثورات العربية. ولقى مشهد بوعزيزي صدى واسعاً في المجتمع حينها بسبب طبيعة السياق المفعم بالمظالم الجماعية من تهميش ولا مساواة وتسلط. مع ذلك، فإن بروز صور مؤلمة على الشاكلة ذاتها قد لا تقود إلى النتيجة ذاتها، كما في المغرب مثلاً، إذ فجر حادث دهس بائع سمك (محسن فكري)، وهو يحاول إنقاذ رزقه من الضياع في عربة نفايات في الحسيمة شمالي البلاد، احتجاجات واسعة في عام 2016 استمرت لعدة أشهر في الريف المغربي، لكنها لم تصل إلى إسقاط النظام. ويرجع الاختلاف إلى طبيعة قدرة الأنشطة السياسية على الاستباق الإصلاحي لمواجهة الأثر السياسي للرسائل البصرية خاصة التي تتعرض للانتشار في المجتمعات. [30]

2- البخل المعرفي: أي أن البشر يميلون إلى حل المشكلات باستخدام الحد الأدنى من الجهد المعرفي، لذا تصبح الأشكال المرئية ملاذاً لهم. يظهر ذلك في سعى الناخبين إلى التفرقة ببساطة بين سمات وبرامج المرشحين في الانتخابات دون التعمق فيها لتحديد مواقفهم السياسية. لذا، تصبح أساليب المرشح في الدعاية البصرية أحد محددات تفوق مرشح على آخر. يشير البعض مثلاً إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الذي أظهر صورة بصرية أكثر حيوية مقارنة بمنافسه الجمهوري جون ماكين في انتخابات 2008. لكن المعضلة تكمن في أن البخل المعرفي قد يؤدي إلى خداع الناخبين بسبب نمط الأحكام المبسطة، إذ قد يكتشف الناخبون أن من اختاروهم لقيادتهم غير قادرين على تنفيذ وعودهم. [31]

3- البعد الإنساني: أي أن طبيعة القيم الإنسانية ذات الطابع العالمي تحدد مدى قدرة الشكل البصري على التأثير السياسي، فصور تعذيب العراقيين في سجن أبو غريب بدت مفعمة بالإهانة للضمير الإنساني العالمي ككل، وهو ما أثار انتقادات حقوقية عالمية ضد الولايات المتحدة. كذلك فإن الصور لبعض القادة قد تظل رمزاً لمعاني إنسانية ممتدة عبر الزمن وعابرة للخصوصيات الثقافية المحلية، كصورة المناضل تشي جيفارا التي ظلت رائجة بعد موته، كرمز ثوري عالمي، وبالمثل أيضاً تحولت صورة الزعيم الجنوب الأفريقي نيلسون مانديلا إلى أيقونة بصرية عالمية للحركات الرافضة للعنصرية في مختلف أنحاء العالم بعد تجربته في إنهاء نظام الأبارتهيد في جنوب أفريقيا.

4- التراكم البصري: أي أن تكرار معاني الشكل البصري على مدار فترة زمنية معينة قد يؤثر في السلوكيات السياسية، حيث يحولها إلى صورة ذهنية مكرسة، بالتالي قد يترتب عليها سلوك سياسي. على سبيل المثال، فإن الأشكال البصرية المشار لها سلفاً لتراجع القوة الأمريكية وانسحابها من أفغانستان وتقلص دورها في الشرق الأوسط تخلق بمضى الوقت صورة ذهنية لدى حلفاء واشنطن بأهمية تعديل حساباتهم السلوكية، إما بمراجعة حدود الاعتماد عليها، أو تنويع الخيارات إزاء قوى كبرى أخرى كروسيا والصين، وبرز نتاج ذلك الأمر جلياً في سياسات عدم الانحياز التي فضلتها عدد من الدول العربية تجاه الحرب الروسية – الأوكرانية.

5- التضليل والانحياز: أي أن الصور أو الفيديوهات ذاتها قد تكذب أو تختزل أو تحرف الواقع وتزييفه من أجل إرسال معاني موجهة للجمهور، وساعد على ذلك تطور أدوات تكنولوجية متطورة للتزييف العميق وهو ما دفع بعض المنصات الإعلامية لملاحقة الصور والفيديوهات المضللة. وقد تكون الصورة حقيقية لكنها بطبيعتها منحازة [32] لكونها لا تعبر سوى عن جزء أو زاوية رؤية معينة للواقع، بالتالي يظل تمثيلها ناقصاً حتى لو لم تكن مزيفة. لذا، تبرز إشكالية الفجوة بين المشاهد البصرية والواقع. فإذا تبنى نظام سياسي ما أشكالاً بصرية تجسد مساعيه للعدالة الاجتماعية ولم يتبعها بتشريعات وسياسات عملية تعيد تخصيص الموارد في المجتمع على أرض الواقع، فقد نصبح عندها إزاء "صورة بلا مصداقية".

 6- الاعتياد واللامبالاة: قد يخلق البعد البصري إشكالية تتعلق بالاعتياد لدى الجمهور على الرؤية المتكررة للصور والمشاهد، وبالتالي تحدث حالة من اللامبالاة [33] تحد من الأثر السياسي للصور، فمشاهد مآسي الحروب والكوارث تثير في بدايتها مشاعر ووجدان الجمهور، لكن مع استمرارها لفترة زمنية طويلة فقد يعتادها ولا ينفعل بها. بل على العكس قد ينشأ نوع من التكيف مع البيئات البصرية المضطربة، فتصبح أعداد القتلى مجرد أرقام في نظر البعض قد لا تسبب له الألم ولا تحفز مواقفه وسلوكياته، وهو أمر قد ينطبق على الظواهر السياسية بشكل عام التي تتعرض للتكثيف الإعلامي المبالغ في عرضها بصرياً للجمهور، فتصيبه بالسأم إلى حد الإعراض عنها.

يظل في الأخير أن ما نبصره بأعيننا في محيطنا العام قد يلعب دوراً مؤثراً في تشكيل إدراكنا وتوجهاتنا ومواقفنا إزاء الأزمات والقضايا السياسية المختلفة، لكن حدود هذا الدور وأثره ومدى قدرته على تشكيل انطباعات الجمهور وصورته الذهنية قد يختلف وفقاً للرسالة التي يحملها الشكل البصري والسياقات السياسية والثقافية والمجتمعية، ناهيك عن طبيعة الجمهور ذاته.


[1] يرى د. شاكر عبد الحميد أن التفكير بالصور والتفكير بالكلمة أمران متكاملان وأنهما يتطلبان ذات العمليات المعرفية وأن الصور تثري ولا تحل محل النصوص والكلمات، أنظر في ذلك فصل مقدمة في علم الصورة، في د.شاكر عبد الحميد، عصر الصورة السلبيات والإيجابيات، سلسلة عالم المعرفة، العدد 311 يناير 2005.

[2] صحافيان عربيان يفوزان بجوائز "وورلد برس" لعام 2022، موقع اندبندنت عربية، 26 مارس 2022،

https://bit.ly/3guzkbX

[3]  د. عمار علي حسن، المجاز السياسي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 486، سبتمبر 2021، ص 214.

[4] Erik P. Bucy ,Jungseock Joo, Visual Politics, Grand Collaborative Programs, and the Opportunity to Think Big,The International Journal of Press/Politics ,Volume 26, Issue 1 December, 2020 https://journals.sagepub.com/doi/full/10.1177/1940161220970361

[5] Mary Louisa Cappelli  ,Black Lives Matter: The Emotional and Racial Dynamics of the George Floyd Protest Graffiti ,Department of Liberal Arts and Sciences, Henderson, USA. Advances in Applied Sociology,Vol.10 No.9, September 2020 https://www.scirp.org/journal/paperinformation.aspx?paperid=102809

[6] د. عمار علي حسن، مرجع سبق ذكره، ص 216

[7]Michael Sülflow , Marcus Maurer, The Power of Smiling. How Politicians’ Displays of Happiness Affect Viewers’ Gaze Behavior and Political Judgments in Darren Lilleker, Anastasia Veneti, and Daniel Jackson (eds.) Visual Political Communication,This Palgrave Macmillan ,2019 https://link.springer.com/content/pdf/10.1007/978-3-030-18729-3.pdf

[8]Ryan T. Strand and Dan Schill, The Visual Presidency of Donald Trump’s First Hundred Days: Political Image-Making and Digital Media, in Darren Lilleker, Anastasia Veneti, and Daniel Jackson (eds.) Visual Political Communication , op.cit,p.172-173, the same link.

[9] Pete Souza ,Shade: A Tale of Two Presidents, Little, Brown 2018

Stephanie Merry,Yes, Pete Souza is throwing shade at Trump. Now there’s a whole book of it.Image without a caption,washingtonpost.16 oct 2018

https://www.washingtonpost.com/entertainment/books/yes-pete-souza-is-throwing-shade-at-trump-now-theres-a-whole-book-of-it/2018/10/16/9c0a797e-d0ab-11e8-8c22-fa2ef74bd6d6_story.html

[10] أنظر طرح معمق في ذلك: د. محمد السعدي، مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة وثقافة السلام، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2006.

[11] أحمد كاتب، تجسد القوة الذكية في السياسات الأوربية .. إشكالية المعيار والقوة، ملحق تحولات استراتيجية، مجلة السياسة الدولية ، العدد 212، إبريل 2018، ص 18.

[12]Greg Jaffe and Greg Miller, Last images from the Afghan war capture a 20-year failure to acknowledge how badly the conflict was going, washingtonpost, 16 August, 2021  https://www.washingtonpost.com/national-security/afghan-withdrawal-humiliating-images/2021/08/16/9aa4b0e0-fec0-11eb-85f2-b871803f65e4_story.html

[13] جوزيف ناي، الديمقراطية الأمريكية والقوة الناعمة، موقع بروجيكت سينديكت، 2 نوفمبر 2021

https://www.project-syndicate.org/commentary/american-democracy-and-soft-power-by-joseph-s-nye-2021-11/arabic

[14]Roland Bleiker,The Power of Images in Global Politics, E.international relations,8Mar 2018 https://www.e-ir.info/2018/03/08/the-power-of-images-in-global-politics/

[15]  حرية صحافة أم صراع حضارات ؟، موقع سويس انفو 14 فبراير 2006

https://bit.ly/3goIx5P

[16] ورويك موراي، جغرافيات العولمة، قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية، ترجمة د.سعيد منتاق، سلسلة عالم المعرفة، العدد 397، فبراير 2013، ص 294 

[17] صادق خان يمنع الإعلانات بالبكيني في مواصلات لندن، موقع بي بي سي، 1 يوليو 2016

https://www.bbc.com/arabic/worldnews/2016/07/160701_london_transportation_ad_ban_gch

[18]Roland Bleiker  Mapping visual global politics, in Roland Bleiker (ed) Visual Global Politics, london, Routledge 2018

http://www2.kobe-u.ac.jp/~alexroni/pdf/zemi%20books/Visual%20global%20politics%20by%20Roland%20Bleiker.pdf

[19]Roland Bleiker,The Power of Images in Global Politics,op.cit,the same link

[20] Darren Lilleker, Anastasia Veneti, Daniel Jackson, Images matter: the power of the visual in political communication, September 20, 2019 https://theconversation.com/images-matter-the-power-of-the-visual-in-political-communication-122281

[21] Rhys Crilley,Ilan Manor ,Corneliu Bjola,Visual narratives of global politics in the digital age: an introduction,Cambridge Review of International Affairs .Volume 33, 2020 - Issue 5 2020

https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/09557571.2020.1813465

[22] تفاصيل هذه الفكرة في تاريخ المجتمع المصري، أنظر أحمد عبد العال، ولع الفرجة فقر التاريخ، القاهرة الهيئة لقصور الثقافة، 2012.

[24] ibid

[25] Charlie Winter, Framing war : visual propaganda, the Islamic State, and the battle for east Mosul,Cambridge Review of International Affairs 33, 5 January 2020

https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/09557571.2019.1706074

[26]Rhys Crilley ,Precious N. Chatterje-Doody, Emotions and war on YouTube: affective investments in RT’s visual narratives of the conflict in Syria, Cambridge Review of International Affairs Volume 33, 2020

https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/09557571.2019.1706074

 [27] قبر القذافي " المجهول" يجدد الجدل في ذكرى مقتله، الشرق الأوسط، 20 أكتوبر 2022

https://bit.ly/3U1JWgh

[28] الأمم المتحدة، الاسكوا ، المنطقة العربية في ظل كوفيد -19، زيادة عدم المساوة في الثروة، مارس 2020

https://www.unescwa.org/sites/default/files/news/docs/22-00182_rising_wealth_inequality_in_the_arab_region_amid_covid-19_-policy-brief-ar.pdf

[29]Stefan Heidemann, Memory and Ideology: Images of Saladin in Syria and Iraq, Christiane Gruber, Sune Haugbolle (eds.) Visual Culture in the Modern Middle East: Rhetoric of the Image, Indiana University Press 2013.

https://www.aai.uni-hamburg.de/voror/personen/heidemann/medien/2013-heidemann-visualculture2013-saladin-copy.pdf

[30]دويتش فيله،"طحن" بائع السمك يضع المغرب على صفيح ساخن!!، 31 اكتوبر 2016

https://bit.ly/3U0HtCK

[31]Darren G. Lilleker, The Power of Visual Political Communication: Pictorial Politics Through the Lens of Communication Psychology,in in Darren Lilleker, Anastasia Veneti, and Daniel Jackson (eds.) Visual PoliticalCommunication, op.cit.

[32]Roland Bleiker,The Power of Images in Global Politics,op.cit,the same link.

[33] Birgitta HöijerThe Discourse of Global Compassion: The Audience and Media Reporting of Human SufferingVolume 26, Issue 4July 2004

https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/0163443704044215