عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في 20 أكتوبر 2022، مؤتمر "نحو عدالة وشمول اجتماعي أوسع في منطقة المتوسط" بالتعاون مع شبكة اليوروميسكو والمعهد الأوروبي لدراسات المتوسط، وبمشاركة نخبة من التنفيذيين، والباحثين والخبراء للحديث عن برامج الحماية الاجتماعية، والتنمية المستدامة في مصر، ودول المتوسط.
انطلقت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بكلمة مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، د. محمد فايز فرحات، الذي أشار خلالها إلي أن المؤتمر يُعتبر حلقة مهمة في حلقات المؤتمر السنوي لشبكة أبحاث اليوروموسكو، خاصة أنه المؤتمر السنوي الأول الذي ينعقد في القاهرة وفي مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. مؤكدًا أن موضوع المؤتمر حول المزيد من الشمول والعدالة الاجتماعية في منطقة المتوسط، له أهميه خاصة بالنسبة لمصر التي بدأت التجربة التنموية منذ عام 2014.
ومن جانبه أوضح الدكتور محمد فايز فرحات أهمية البعد الاجتماعي في التجربة التنموية منذ بدايتها، والتي تزايدت بعد تدشين برنامج "الإصلاح المالي والاقتصادي" في عام 2016، وبعد جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية – الأوكرانية. حيث يُقدم البرنامج تجربة مهمة يمكن الاستفادة منها، وتعميمها في منطقة المتوسط، بحيث تصبح مسألة العدالة الاجتماعية موضوع للمزيد من النقاشات، والدراسات، داخل أعمال شبكة اليوروموسكو. وفي ختام كلمته أشار مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلي أهمية البعد الاجتماعي داخل "الحوار الوطني" الجاري الآن في مصر، حيث خُصصت له "لجنة العدالة الاجتماعية في مصر" بهدف توسيع عملية الشمول، والعدالة الاجتماعية.
وجاءت الكلمة الثانية في الجلسة الافتتاحية للسفير/ كريستين برجر، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إْلي مصر، والذي أكد أن الشمول الاجتماعي لا يتأتى سوى بالتعليم، ووصول الأشخاص إلى التعليم الرئيسي لاسيما التعليم الجامعي. وأكد كذلك على أهمية التدريب والتعليم المهني لما لهما من أهمية خاصة في تحقيق النمو. كما أشار السفير/ برجر في كلمته إلى أهمية برامج التدريب الفني التي تساعد الأشخاص الحاصلين على الدبلومات الفنية، والمهنية خاصة الشباب، على أن يجدوا فرص عمل ملائمة ولائقة. وفي ختام كلمته أكد أن الشبكة تتعاون وتتماشى مع الحكومة المصرية في إطار خطة 2030، في إعداد برنامج تعزيز الشمول الاجتماعي تحت عنوان "حياة كريمة"، للارتقاء بالبيئة العامة، والريف، والقرى المصرية، لاسيما في مجالات الصحة والتعليم.
وفي ختام الجلسة الافتتاحية أكد السفير/ سينان فلورنسا، الرئيس التنفيذي للمعهد الأوروبي لدراسات المتوسط، أن مفهوم العدالة الاجتماعية، في السابق كان يعني عدم التوزيع العادل، لكنه الآن أصبح أكثر تعقيدًا، وبات من الصعب أن يكون هناك مدخل للشمول في كل السياسات. على سبيل المثال، تشمل العدالة الاجتماعية مشاركة المرأة في المنظمات والمؤسسات والسياسات العامة، وهذا في حد ذاته منحى جديد في مفهوم العدالة الاجتماعية. كذلك فإن برامج الحماية الاجتماعية، والسياسات البيئية، والاقتصاد الأخضر تعتبر جزءًا مهمًا من المنظومة الأساسية التي نريد أن تنتشر في مجتمعات منطقة المتوسط لتحقق من خلاله درجة أعلى من الرخاء والشمول الاجتماعي لجميع الفئات.
لذلك وفقًا لسينان فلورنسا فإن العدالة الاجتماعية لديها أبعاد أخرى يمكن تطبيقها في العديد من السياسات، والشمول هو في صميم السياسات العامة في المجالات الزراعية والصناعية، والبيئية، وغيرها، كما يُعتبر ضمان الأمن الاجتماعي من المداخل الجديدة في مجال العدالة الاجتماعية. وفي ختام الكلمة، أشار السفير سينان إلي الموقف الحالي من الحرب الروسية – الأوكرانية، وما لها من تداعيات على مجتمعات المتوسط، آملًا أن تجد طريقها للوصول إلى السلام، وتطبيق العدالة الاجتماعية، لاسيما أنه من حق الشعوب أن تعيش بسلام.
الجلسة الأولى: نحو برامج حماية اجتماعية أقوى وأكثر شمولًا
تحت رئاسة الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، د. هناء عبيد، انطلقت الجلسة الأولى من الندوة والتي تضمنت ستة عروض تقديمية، كان أولها، للدكتورة ميرفت صابرين، مساعدة وزيرة التضامن الاجتماعي للحماية وشبكات الأمان الاجتماعي، حيث تناولت في عرضها أبرز ملامح منظومة الحماية الاجتماعية التي بدأتها الحكومة المصرية بتعزيز شبكات الحماية منذ عام 2014، حيث أكدت دكتورة ميرفت في كلمتها على أن وزارة التضامن قد بدأت منذ ذلك التاريخ في الحديث عن الفقر مُتعدد الأبعاد، وليس الفقر المادي فقط، والذي بناء عليه انطلق مشروع "حياة كريمة". هذا، إضافة إلي الحديث عن أهمية الاستثمار في رأس المال البشري ودوره في تحقيق التنمية المُستدامة، مُشيرة إلى أن الحماية الاجتماعية ليست مسؤولية الحكومة فقط، إنما هي جزء من مسؤولية مثلثة الأضلاع من الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، وذلك إلى جانب شركاء التنمية سواء في المجتمع المحلي، أو من الجهات الدولية.
وقسمت الدكتورة ميرفت في عرضها، برامج الحماية الاجتماعية إلى ثلاثة أنواع: الأول، برامح الضمان والتأمينات الاجتماعية، مثل الرعاية الصحية، وقانون التأمين الصحي الشامل لعام 2018. والنوع الثاني، منظومة المساعدات الاجتماعية مثل برنامج "تكافل وكرامة" والذي بدأ في عام 2015. أما النوع الثالث، فهو برامج تنشيط فرص العمل، مثل مبادرة "حياة كريمة"، والتي تستهدف الريف المصري. وفيما يخص تدخلات وزارة التضامن للتمكين والشمول المالي للفئات الفقيرة في مصر، تم تقسيمهم إلي أربعة فئات: الفئة الأولى، هي شديدة الفقر. والفئة الثانية، هم الفقراء العاديين. والفئة الثالثة، هم العاملين في مجال الحرف اليدوية، وهم ليسوا فقراء ولكنهم قريبين من خط الفقر. أما الفئة الرابعة فتشمل القوى العاملة المُنظمة في القطاع العام أو الحكومي.
وفي النهاية أكدت الدكتورة ميرفت على أولوية العمل على التوسع الأفقي في مد التغطية، والحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، والتعليم، والسكن، وتطوير منظومة الحماية الخاصة بالعمالة المُتنقلة، والمهاجرة، والغير مُنظمة. إضافة إلى تطوير قواعد البيانات والربط الشبكي، وقاعدة البيانات الخاصة بالعمالة غير المنتظمة والعاملة بالخارج، وتعزيز الشمول المالي بالتعاون والتنسيق مع البنك المركزي، والرقابة المالية.
جاء العرض الثاني في الجلسة لأستاذة العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، د. هويدا عدلي، حول إشكالية الحماية الاجتماعية في المنطقة وعدم ربطها بالسياسة الاجتماعية، حيث أشارت إلي أن للسياسة الاجتماعية ثلاثة دوائر، الأولى والأساسية هي نظم الحماية الاجتماعية، والدائرة الثانية هي الإنفاق الاجتماعي الموجه إلي الأسر الفقيرة، والاستثمار في رأس المال البشري. أما الدائرة الثالثة، فهي النموذج التنموي المُتبع، والسياسات الاقتصادية المُتبعة، وسياسات الضرائب. وقد أكدت الدكتورة هويدا في كلمتها على أهمية النظر إلى الحماية الاجتماعية في ضوء السياسات العامة والسياسات الاجتماعية، وذلك بما يساعد على تحقيق الغاية النهائية من الحماية الاجتماعية، وهي الاحتواء والعدالة والمساواة. أما القضية الثانية التي استعرضتها دكتورة هويدا فكانت مرتبطة بالمكونات الثلاثة للحماية الاجتماعية، وهي: أولًا، شبكات الأمان الاجتماعي الموجه للمواطنين دون مطالبتهم بدفع أي اشتراكات مثل "تكافل وكرامة" وغيرها. ثانيًا، شبكات الحماية الاجتماعية المُستندة على اشتراكات المُستفيدين مثل التأمين الصحي الشامل. ثالثًا، برامج سوق العمل النشط، كبرامج التمكين الاقتصادي مثل برنامج "فرصة" وغيرها، مؤكدة على أن التحدي الحقيقي هو كيفية الربط بين المكونات الثلاثة للحماية الاجتماعية.وفي النهاية أشارت إلى أهمية التركيز على ثلاث فئات بشكل خاص وهم: العمالة غير المنتظمة والقطاع غير الرسمي، وكذلك فئة الأطفال، وفئة غير المُتعلمين وغير المُدربين وغير الموظفين، والذين وصلت نسبتهم إلى معدلات كبيرة في منطقة المتوسط.
بينما قدم العرض الثالث للدكتورة نهلة زيتون، أخصائي أول الحماية الاجتماعية في مكتب البنك الدولي بالقاهرة، رؤية تقييميه لإنفاق البنك الدولي في مجال الحماية الاجتماعية في مصر بوجه عام، وبرنامج "تكافل وكرامة"، وبرنامج "الدعم النقدي" بشكل خاص، وأيضًا مراجعة حجم الإنفاق على التعليم والصحة والغذاء بهدف تحقيق الحماية الاجتماعية. حيث أكدت أن هدف الحماية الاجتماعية في الأساس لا يقتصر على الفقراء وحمايتهم من المخاطر، ولكن كذلك على تحقيق المساواة والتنمية الشاملة. حيث أشادت بدور الاستراتيجية المصرية للحماية الاجتماعية خاصة فيما يتعلق ببرامج تحويل النقد، وبرنامج "فرصة"، أو مسألة الوصول إلي سوق العمل. كما أكدت في ختام كلمتها على أن الحكومة المصرية قد التزمت بالحد من الفقر، ودعم برامج المساواة، واتخذت خطوات جريئة للغاية في عام 2014 عندما قررت رفع الدعم عن الطاقة، وتطبيق القيمة المضافة، ثم تعويم الجنية فيما بعد.
جاء العرض الرابع، للأستاذة سلمى حسين، الخبيرة الاقتصادية في جريدة الأهرام، حول المنظور الإقليمي للحماية الاجتماعية، والتي افتتحت عرضها بالتساؤل حول أهمية الحديث عن الحماية الاجتماعية، مُشيرة إلي أن منطقة المتوسط تتميز بكونها أكثر المناطق لامساواة في العالم، وهي أيضا صاحبة أوسع الفجوات بين الأكثر فقرًا والأكثر غنى. كما أن نصيب الدخل الخاص لـ10% الأفقر أقل من أي مكان آخر في العالم. ناهيك عن أن الطبقة الوسطى تزداد فقرًا، وتعتبر أقل حجمًا في منطقة المتوسط مقارنة بكل مناطق العالم، ونصيب الدخل من الـ10% الأغنى هو الأعلى من أى مكان آخر. بالتالي نحن نتحدث عن مركب لامساواة في الدخل عالي جدًا، وكذلك مركب لامساواة في الثروة عالي جدًا. وأشارت الأستاذة سلمى في حديثها أيضًا إلي واحد من أهم الملامح الأخرى لاحتياجنا إلى الحماية الاجتماعية في المنطقة، وهو النسبة الكبيرة من العاملين غير الرسميين في كل من القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والقطاع غير الرسمي. ناهيك عن العمالة غير الرسمية للمرأة في منطقة المتوسط، حيث أن نصيب المرأة من الأجور يعتبر ضعيف جدًا نتيجة أنها تحظى بأكبر نسبة من العمل غير الرسمي، أو غير المأجور أصلًا. أما بالنسبة لتقييم تدخلات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، فقد أوضحت المُتحدثة أن البنك الدولي يرى أن الإنفاق الحكومي على الحماية الاجتماعية في منطقة المتوسط من أقل الإنفاقات على مستوى العالم، وهو أقل من متوسط الدول النامية. كذلك يُقيم صندوق النقد الدولي، أن الإنفاق على التعليم والصحة في منطقتنا أقل من الإنفاق المتوسط في أي مكان آخر في العالم. في النهاية استعرضت الأستاذة سلمى حسين إشكالية تقييم الآثار الاجتماعية بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كحساب رفع الدعم عن الطاقة مثلًا، وكيف يؤثر على الفقراء أو الأغنياء.
المداخلة الخامسة قدمتها الأستاذة/ أميرة الشال، الباحثة الاقتصادية بمؤسسة عبد اللطيف جميل لمواجهة الفقر، حيث أكدت على أهمية تقييم مدى فاعلية برامج المساعدات والحماية الاجتماعية، من حيث كيفية تحديد المُستفيدين، وكيفية تقديم الخدمة وضمان وصولها للفئات المُستحقة، ومدى الاستجابة الفعالة للصدمات، خاصة في ظل زيادة الكوارث الطبيعية. كما أكدت على أهمية تكامل وسائل الحماية الاجتماعية التي تستهدف الأسرة الواحدة كي تضمن حتمية وصولها للحماية الاجتماعية وخروجها التدريجي من الفقر. وضربت مثلًا على ذلك من خلال أهمية إعطاء أصل إنتاجي مدر للدخل، ثم الدعم المتمثل بقسائم الغذاء الذي يستهدف توفير الأمن الغذاء وأيضا الزيارات المنزلية الهادفة إلى تقديم الدعم الفني والتقني في مسألة الادخار وتحسين الوصول لخدمات التعليم والصحة بين أفراد الأسر المستهدفة. ومن خلال الدراسة التي تم بموجبها تقييم برامج الحماية الاجتماعية في عدد من دول المنطقة يتضح أن أثر الحماية الاجتماعية متعددة الأوجه والأساليب تحقق على المدى الطويل دفعة حقيقية للأسر المستهدفة بهذه البرامج. أما فيما يخص مصر، فتقييم برامج الحماية الاجتماعية لا يزال جاريًا حاليًا بالتعاون مع مؤسسة ساويرس. ولكن النتائج الأولية لهذا التقييم والتي يتم الإفصاح عنها لأول مرة، تؤكد كما أوضحت أستاذة أميرة، أن برامج الحماية الاجتماعية في مصر أدت إلى زيادة ملكية الثروة الحيوانية بين الأسر المستهدفة مما انعكس إيجابيًا بتحسين مستوى الأمن الغذائي لديها وتحسين مستوى الدخل ومستوى التشغيل أيضا. وهذه النتائج المذكورة سيتم مشاركتها مع الحكومة المصرية خلال أيام ضمن مشاورات دورية مع مختلف الشركاء الضالعين في تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية من أجل البناء عليها والتخطيط لاستمرارية البرامج الجارية وتوسيع قاعدتها بين عدد أكبر من الأسر المستفيدة. ولكن الخلاصة الأهم في هذا الإطار سواء بالنسبة لمصر أو دول المنطقة ككل، أنه نتيجة وباء كورونا فقد تم التوسع في رقمنة تسجيل الأسر المستفيدة من الحماية الاجتماعية، وأن هذه الرقمنة قد حسنت من مستوى الاستهداف وخفضت هامش الخطأ، وأيضا ضيقت مستوى التسرب في الدعم إلى أضيق الحدود، فأصبحت برامج الحماية تتميز بدرجة أعلى من الاستهداف الناجح.
العرض السادس والأخير في الجلسة، قدمته الباحثة فرح الشامي، من مبادرة الإصلاح العربي/ بيروت، وتصدى لمسألة شمول الشباب في برامج الحماية الاجتماعية، حيث أوضحت أن الشباب عادة ما يتم تجاهلهم في برامج الحماية الاجتماعية وعملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي عمومًا باعتبار أنهم فئة عمرية لابد أن تكون مغطاة بالضرورة ضمن البرامج الأخرى. لكن في الحقيقة أن برامج الحماية يجب أن يتم تخصص بعضها لاستهداف الشباب حصرًا دون غيرهم كي يتم ضمان وصول الحماية إليهم؛ فأغلب البرامج يتم توجيهها للنساء ولكبار السن، ولكن في النهاية أعداد فئة الشباب هي الأعداد الأكبر في الهرم السكاني في دول المنطقة، كما أن نسبة البطالة بين الشباب هي الأعلى في المنطقة بالمقارنة مع المعدلات العالمية، مما يؤكد حتمية تخصيص برامج خاصة لهم. وقد أوضحت أستاذة فرح أن السبب في ذلك يعود جزئيًا إلى أن أغلب برامج الحماية الاجتماعية التي تنفذها دول المنطقة تتم مع منظمات دولية وإقليمية وفق أجندتها الواسعة، وليس للشباب منظمة إقليمية أو دولية تعبر عنهم وتعنى بالحماية الاجتماعية. ولذا فمن المهم أن يتم توجيه برامج اجتماعية مخصصة للشباب فيما يتعلق بالمساعدة الاجتماعية والدعم الفني وفرص التشغيل تناسب كل فئة عمرية فرعية من الشباب على حدة. إذ عادة ما يتم النظر للشباب كأنهم فئة واحدة ولكن في الحقيقة هم فئات كثيرة تمتد عمريًا من 15 إلى 30 عامًا، وتتنوع من حيث المستوى التعليمي ومستوى المهارات.
الجلسة الثانية: وضع الأفراد في قلب السياسات البيئية المستدامة
تحت رئاسة الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، د. دينا شحاتة، انطلقت الجلسة الثانية من الندوة والتي تضمنت خمسة عروض، كان أولها، لرئيس وحدة حقوق الإنسان بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، الدكتور محمد علاء، والذي ناقش في عرضه أهم ما تقوم به وزارة التخطيط، وأهم محددات عمل الوزارة لكي تحصل على مكانتها، وأهميتها في العمل والشأن العام المصري، لاسيما فيما يخص برامج الإصلاح الحكومي، والإداري، والتنظيمي، والاقتصادي. وذلك من خلال مسؤولية الوزارة عن إعداد خطة العمل والاستراتيجية المصرية، التي على رأسها استراتيجية التنمية المُستدامة 2030، وهي كذلك مسؤولة عن الإنفاق الاستثماري في مجالات تؤثر بشكل مباشر وقوي على جميع الفئات الاجتماعية.
وبناء على هذا الأساس، تنطلق محددات عمل وزارة التخطيط من ثلاث وثائق: الوثيقة الأولى تُحدد العمل في الوزارة، وهي استراتيجية "التنمية المُستدامة رؤية مصر 2030"، ومن أهم القيم المحورية فيها هي فكرة العدالة والاندماج، وهي تتميز بكونها وثيقة حية يتم تحديثها باستمرار بالتشاور بين جميع الجهات، وأنها أيضًا تتضمن مؤشرات يتم تقييمها بشكل مستمر. أما الوثيقة الثانية فهي "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، لعام 2021، والتي تعتبر من أهم الجهود التي تؤكد اهتمام الحكومة المصرية بحقوق الإنسان، في إطار أربعة محاور رئيسة: الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق الفئات الأولى بالرعاية كالنساء، وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، والحق في التعليم والتثقيف. وكجزء من الإصلاح المؤسسي داخل أجهزة الدولة، لابد من الحرص على التدريب والتثقيف المستمر للعاملين بمختلف الأجهزة بشأن حقوق الإنسان، إلى جانب الاهتمام بالتشريعات الجديدة في هذا المجال، فالتشريع لا يغني عن أهمية التدريب والتثقيف. أما الوثيقة الثالثة فهي وثيقة "تقرير التنمية البشرية لجمهورية مصر العربية 2021"، والذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الانمائي. ومن أجل جعل هذا التقرير حي باستمرار أيضا تم إطلاق مبادرة "شباب من أجل التنمية" في أربعة جامعات مصرية من أجل تقديم أوراق سياسات تتصدى للتنمية ولعل من أبرز المجالات التي برزت فيها أوراق متميزة كانت مجالات البيئة والخدمات الصحية والمرأة، وهو ما يدل على اهتمام الشباب بهذه القضايا الهامة للغاية وقدرتهم على الإبداع لتقديم حلول لها.
العرض الثاني خلال الجلسة قدمته معاونة وزيرة التخطيط لشؤون التنمية المستدامة، الأستاذة أميرة حسام، حول تمكين الشباب والمرأة في قضايا التنمية المستدامة وكيف يصب ذلك في مبادرات الحماية المجتمعية، حيث استعرضت الأستاذة أميرة مبادرة "كن سفيرًا" للتنمية المستدامة التي تدعمها وزارة التخطيط منذ أواخر 2020، لتعريف الشباب المصري بماهية التنمية المستدامة، ونشر ثقافة التنمية بين الشباب في جميع المحافظات، وليس فقط في القاهرة، فالهدف هو توطين أهداف التنمية المستدامة في كل المحافظات. وإيمانًا بأن الإعلام هو الأداة الأساسية في نشر الوعي، تم تأسيس مبادرة "كن سفيرًا للصحفيين"، لتدريب 50 صحفيًا في أبرز القنوات والبرامج الإعلامية والصحف المصرية. بالإضافة إلى "مبادرة رواد 2030" التي بموجبها تم افتتاح أكثر من حاضنة أعمال للشباب خاصة بالصناعة، والزراعة، والسياحة، والعديد من المنح الدراسية لنيل درجة ماجستير ريادة الأعمال. كل هذه المبادرات متاحة للشباب من الفئة العمرية من 18 إلى 40 عامًا، واستفاد منها بالفعل أكثر من 40 ألفًا من الشباب والفتيات المصريين.
أما فيما يخص المرأة ومسألة الحماية الاجتماعية والتمكين الاجتماعي، فإن مبادرة "حياة كريمة" يستفيد منها حوالي 34 مليون سيدة مصرية من مختلف المحافظات المصرية. وهي تعمل على الوصول للنساء لضمان صحة أفضل. أما بالنسبة لمبادرة تنمية الأسرة المصرية فهي تخلق للسيدات فرص عمل مقابل تنظيم النسل بطرق علمية من خلال المبادرات الصحية المطروحة. وقد أكدت الأستاذة أميرة في نهاية كلمتها أن كل هذه المجهودات، سواء بالنسبة للشباب أو النساء، هدفها أيضًا تحسين المؤشرات المصرية في بعض التقارير الدولية، مثل مؤشر "فجوة النوع الاجتماعي" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي ارتفع ترتيب مصر فيه من المركز 134 في العام 2021، إلى المركز 79 للعام 2020، وكذلك في تقرير "التنمية البشرية"، الذي تقدمت فيه مصر 19 مركزًا من 116 الـمركز 94.
وجاء العرض الثالث، للدكتورة إنجي عبد الحميد، الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، والمتخصصة في مجال العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، والتي افتتحت حديثها بالتأكيد على ضرورة التعامل مع التحديات التي تواجه الدولة المصرية بمنظور مختلف، والالتزام بمؤشرات التنمية المستدامة وأهدافها، خاصة أنه من غير المُتوقع أن تنتهي التحديات الراهنة في المدى القريب. لكن، هذا لا يمنع أن هذه التحديات قد خلقت ظواهر جديدة، على سبيل المثال ظاهرة الفقر، ومفهوم الفقر المجتمعي تغير، والآن أصبح الحديث عن ظاهرة الفقراء الجدد. كما ناقشت الدكتورة إنجي في كلمتها تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وكيف أثبتت وجود علاقة وطيدة بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة، وهى: الغذاء والطاقة والمناخ. وفي نهاية كلمتها، أشارت دكتورة إنجي إلي أن الأمن الغذائي هو محور التنمية، وأن العجز في توفير الغذاء المناسب يؤثر على الأجيال القادمة، وعلى مؤشر التنمية البشرية، وعلى رأس المال البشري، الذي يُمثل أصل الأزمة كلها. بالتالي هناك حاجة على المستوى الوطني إلى أن نضع في الاعتبار تشابك القضايا، كالتنمية والغذاء، والفقر، والتغيرات في هيكل الفقر.
هذا، وانقسم العرض الرابع خلال الجلسة للدكتور أحمد قنديل، رئيس برنامج الطاقة ورئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلي ثلاثة عناصر أساسية: أولًا المُرتكزات التي قامت عليها البرامج المصرية للطاقة النظيفة من أجل دفع الاقتصاد الأخضر، حيث اتخذت مصر العديد من الخطوات في مجال الطاقة في الآونة الأخيرة، جاء المُرتكز الأول فيها عام 2014 عندما أكد الدستور المصري على أن الدولة ستدعم مشروعات الطاقة المتجددة، أما المُرتكز الثاني فقد كان عام 2014 عندما تم تعديل أسعار الكهرباء، ورفع الدعم عن الطاقة.
أحد المرتكزات المهمة أيضًا هي الشراكة المصرية- الأوروبية في مجال الطاقة، حيث توصلت مصر إلي عقد عدة اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، كان آخرها في 10 أبريل 2022 للتعاون في مجالات الهيدروجين الأخضر والطاقة المُتجددة. وفي إطار حديثه حول رؤية 2030، أكد دكتور أحمد على أن الطاقة المُتجددة ستكون ركيزة للتنمية الاقتصادية خلال الفترة القادمة، وأن هناك استراتيجيتين مهمتين جدًا في مجال الطاقة، هما: استراتيجية خاصة بالطاقة المستدامة حتى عام 2035، والاسترايتجية الوطنية لتغير المناخ. أما فيما يخص المحور الثاني فقد تم تسليط الضوء على أهم التحديات التي تواجه مصر في مجال الطاقة المتجددة، والتي منها عدم وجود دراسات مُعمقة، حول تأثير مشروعات الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر على حياة الناس، والآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذه المشروعات.
ثاني تلك التحديات يكمن فيضعف ديناميكيات القطاع الخاص. أما ثالث التحديات هو صعوبة الوصول إلي التمويل بالنسبة لرجال الأعمال والمُستثمرين. ورابع التحديات هو ضعف التصنيع المحلي الذي يدخل في هذه المشروعات.وفي النهاية قدم الدكتور بعض التوصيات، كان أبرزها، أهمية أن يكون هناك تحليلات مُعمقة، وكمية حول تأثير الطاقة في مصر، لمعرفة أثر مشروعات الطاقة النظيفة على الفقراء، وهل تضيف إلى استخدام الطاقة أم تخفضها، وإلا سيكون هناك أثر سلبي عكسي على حياة الفقراء، فيتضررون على المستوى العملي.
وكان العرض الأخير في الجلسة الثانية لرئيس القسم العلمي بجريدة الأهرام، أستاذ أشرف أمين، حول ضرورة، وكيفية إشراك المجتمع في قضايا البيئة، والتنمية المستدامة، من حيث التواصل والتفاعل مع الجمهور بشكل عام. حيث أكد في بداية حديثه أن قضايا مثل أزمة الغذاء، والتغيرات المناخية، والطاقة، والحرب الروسية - الأوكرانية، بالنسبة للإعلام يكون تناولها أكثر تعقيدًا، لاسيما من حيث القدرة على إنتاج محتوى مختلف عن النمط السائد، وذلك نظرًا لصعوبة ظروف بيئة صناعة الإعلام، وغياب الكوادر المُتخصصة في هذه المجالات التقنية. لهذا فإن الوضع في العالم العربي فيما يتعلق بالصحافة العلمية، أو المُتخصصة صعب لأسباب عديدة، منها أن المنصات التي تُتيح المحتوى الإعلامي المُتخصص في تضاؤل وخفوت.
أشار الأستاذ/ أشرف إلى أنه هناك بعض المبادرات الإعلامية خارج النطاق الرسمي إقليميًا ودوليًا، مثل: مبادرة المعهد البريطاني لتدريب عدد كبير من الإعلاميين في مصر والوطن العربي. كما أكد أنه من المميزات التي حدثت في مصر في السنوات الأخيرة، أنه أصبح هناك جيل من الfreelancers على مواقع التواصل الاجتماعي، مُتخصصين في الصحافة البيئية، والعلمية، ويقومون بإنتاج صحافة جيدة جدًا، ويقدمون محتوى يستقطب الجمهور، ويُشجع تفاعل الجمهور معها. مؤكدًا في نهاية حديثه على الحاجة إلي وجود شراكة مع الأكاديميين في المجالات العلمية لصناعة محتوى أفضل، وأكثر تخصصًا.
الجلسة الثالثة: ضمان الوصول إلى موارد ميسورة التكلفة وموثوقة وآمنة ومستدامة في مصر
جاءت الجلسة الثالثة تحت رئاسة الباحثة/ جاستين بيلايد، مسؤول أبحاث شبكة يوروميسكو، بالمعهد الأوروبي لدراسات المتوسط، وضمت عرضين، كان أولهم للباحثة آية بدر، الحاصلة على ماجستير في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والتي جاءت ورقتها تحت عنوان "التعافي الأخضر والموازنة بين التناقضات: نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتغلب على التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في مصر"، حيث ناقشت كيف يتعرض الأمن الغذائي في مصر للخطر بسبب العديد من التحديات الداخلية والخارجية مثل تغير المناخ وندرة المياه وتعطل سلاسل الإمداد. بناء على ذلك، بات من الضروري الاتجاه نحو تعزيز السيادة الغذائية من أجل ضمان استقرار الأمن الغذائي، وهو ما تسعى الحكومة المصرية لتحقيقه عبر تعزيز الزراعة الذكية، وتوطين سلاسل الإمداد الغذائي، فضلًا عن إطلاق عدد من المبادرات القومية كمبادرة حياة كريمة، وإبرام شراكات مع المنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
ومن ثم، هناك حاجة ماسة لتعزيز السيادة الغذائية، واعتماد نهج شامل وتنموي لتعزيز الأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية، كما يمكن أن يساهم التعافي الأخضر في تحقيق جميع هذه الأهداف، وبالتالي لعب دور في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتعزيز حقوق الإنسان، وحماية البيئة ومعالجة تغير المناخ أيضًا، مع ضرورة إعطاء المناطق الريفية الأولوية في الخطط المستقبلية.
وتحت عنوان "الاقتصاد الأخضر كمحرك لتحقيق النمو الاقتصادي والشمول الاجتماعي والتنمية المناخية المستدامة في مصر والاتحاد الأوروبي"، أوضحت يانا بوبكوستوفا، محلل مشارك في الأمن البيئي بمعهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، أن الحرب الروسية الأوكرانية والأمن الغذائي، وحالة عدم المساواة جذبت اهتمام وانتباه الاتحاد الأوروبي، وحثته على العمل على تحقيق عدة أهداف لعام 2022. في هذا السياق، وضع الاتحاد الأوروبي بمجمل أعضائه استراتيجية للهيدروجين، في ظل ما يواجهه من تحديات خاصة بإنتاج الهيدروجين في قطاعات محددة، هذا بالإضافة إلى القطاعات ذات الصلة بإنتاج الكهرباء وتصديرها من دول الجوار. فيما يتعلق بالقدرات المصرية، فالفرصة سانحة أمام مصر للتميز في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهيدروجين الطاقة. فالهيدروجين يتم إنتاجه من إحدى ذرات الكربون وبالتالي تعد مصر سوق واعد للطاقة الهيدروجينية وكذلك سوق طاقة كبير سوف يستخدم في عمليات تخصيب الأراضي وما غير ذلك. أما بالنسبة للتحديات الرئيسية التي تواجهها مصر فتتعلق بمسألة ندرة المياه وتوفيرها بشكل متوازن، كما أن عملية تحليه المياه تنطوي على استهلاك نسبة عالية من الكربون ومكلفة للغاية، فضلًا عن تحدي بناء القدرات لتحقيق هذه الأهداف في المستقبل. وفي ضوء التوصيات البحثية المقترحة، فلابد من إعطاء أولوية لمواجهة هذه التحديات من أجل تعزيز فرص مصر الواعدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق وهو ما ينطوي على عدة عقبات لابد من معالجتها في حال كان هناك رغبة في تنفيذ اتفاقات التصدير إلى الاتحاد الأوروبي؛ فالاقتصاد الهيدروجيني يصب في مصلحة الطرفين بكل تأكيد، من جهة الاتحاد الأوروبي كمستورد وأيضا من جهة مصر كمنتج له فرصة حقيقية في الاستثمار في هذه القطاعات.