على العكس من الطبيعة المحددة لمؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ COP27، والذي يناقش تداعيات تغير المناخ، وطريقة إدارة هذه التداعيات من خلال حشد الجهود الدولية في هذا الاتجاه، حاولت أسرة علاء عبد الفتاح (الذي يقضي عقوبة السجن بسبب ثبوت تهم إشاعة ونشر أخبار كاذبة، والتحريض على العنف الجماعي في مصر) تسييس القمة وتحويلها إلى منصة للتحريض ضد الحكومة المصرية. هذه المحاولة تثير عددا من التساؤلات المهمة:
1- لماذا سمحت سكرتارية المؤتمر التابعة للأمم المتحدة -باعتبارها الجهة المنظمة لمؤتمر المناخ- باستغلال قمة تضم دول العالم، وتهدف إلى معالجة خطر تغير مناخ وتهديده للحياة فوق كوكب الأرض، لعرض قضية تخص شخص بعينه ولا تمت بصلة لأجندة المؤتمر؟ وإذا كان الادعاء بأن قضايا المناخ هي في جوهرها قضايا حقوقية، طالما أنها تتعلق بالحفاظ على حق الحياة، الذي يعتبر الحق الأول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالتالي يمكن -وفق أصحاب وجهة النظر هذه- اعتبار عرض قضية فرد مثل علاء عبد الفتاح على هامش المؤتمر قضية ذات صلة؛ فهل كانت اللجنة الأممية المشرفة على تنظيم المؤتمر، ستسمح لأي شخص في العالم غير علاء عبد الفتاح أو حتى أي هيئة تدافع عن إحدى قضايا حقوق الإنسان في أي بلد، بأن تأتي إلى المؤتمر لتعقد الندوات وتخاطب العالم أجمع من هذه المنصة بخصوص قضية مستقلة عن الأجندة الرسمية لمناقشات المؤتمر؟ وبشكل أكثر وضوحا هل كانت الهيئة المنظمة للقمة ستسمح، على سبيل المثال، بأن يحضر ممثل لحركة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" The Boycott, Divestment, Sanctions (BDS)، لعرض مأساة الشعب الفلسطيني والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيين بشكل جماعي على يد قوات الجيش الإسرائيلي وبشكل شبه يومي في الضفة الغربية المحتلة؟ بالتأكيد كانت الهيئة الأممية سترفض حضور هذه الحركة والأسباب مفهومة ومعروفة مسبقا.
وإذا كان الحق في الحصول على المعلومات الصحيحة، هو أحد الحقوق الأساسية، فلماذا سُمح لعائلة علاء عبد الفتاح بأن تنشر من خلال قمة المناخ، معلومات غير دقيقة عن وضعه القانوني والصحي استنادا إلى آراء عائلته، ودون النظر للبيانات العديدة من الجهات الرسمية المصرية التي تنفي ادعاءات علاء عبد الفتاح وعائلته بالأدلة الدامغة، ودون احترام للقضاء المصري، أو منح أطراف الفرصة لعرض وجهات نظرهم من خلال نفس المنصة، ومنع الطرف الآخر من حق عرض ما يعرفه من معلومات في نفس القضية (إبعاد مواطن مصري من القاعة التي ألقت فيها شقيقة علاء عبد الفتاح بيانها الحافل بمعلومات مضللة، بسبب اعتراضه على ذلك بشكل سلمي تماما).
2- ما هي القضية التي تخدمها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حينما تتبنى ادعاءات عائلة علاء عبد الفتاح حول وضعه الصحي وأنه مهدد بالموت خلال 72 ساعة، دون أن تملك أي تقارير طبية تؤكد مثل هذا الادعاء؟[1] ولماذا لم تطالب المفوضية قبل عقد المؤتمر بأيام من الحكومة المصرية أن تسمح لأحد مندوبيها بزيارته، ليس بهدف الاستماع إلى ادعاءاته ولكن فقط للتأكد من أنه يتلقى الرعايا الطبية المعتادة التي يحصل عليها أي سجين جنائي في السجون المصرية؟ وإذا كان البعض يردد أن الحكومة المصرية لم تكن لتقبل تحقيق مطلب المفوضية، ومع افتراض صحة ذلك؛ فلماذا لم تجرب المفوضية أن تقدم الطلب حتى ولو بهدف الإمساك بورقة رفض الحكومة المصرية لهذا المطلب، لتبرير انحيازها لرواية علاء عبد الفتاح وعائلته؟
3- لماذا تصر وسائط إعلامية عالمية يفترض أنها تتحلى بالموضوعية، على تجاهل الأدلة المثبتة على علاء عبد الفتاح، والتي أدت إلى معاقبته بالسجن على الجرائم التي ارتكبها والموثقة في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتداولها وسائل إعلام مصرية عديدة منذ سنوات؟ لقد لوحظ اهتمام مواقع إخبارية تابعة لجهات حكومية أوروبية مثل موقع BBC الذي تساهم الحكومة البريطانية في تمويله، وموقع DW التابع للحكومة الألمانية، بترديد ادعاءات باطلة عن قضية علاء عبد الفتاح بشكل خاص، وقضايا حقوق الإنسان في مصر بشكل عام، وذلك أثناء فترة انعقاد مؤتمر المناخ، حيث قدم الموقعان صياغات تبتعد عن الموضوعية والمهنية فيما يخص هاتين القضيتين، حيث اعتبرا علاء عبد الفتاح "سجين رأي"، وأن ما تقدمه مصر من أسباب للحكم بالسجن على علاء عبد الفتاح وغيره هي أسباب غير مقبولة بدعوى أنها غطاء لاعتقال المعارضين.[2] كما تعمدت BBC، وDW دوما تمرير ادعاء باطل آخر أثناء تناول قضية علاء عبد الفتاح بالزعم أنه يوجد أكثر من 60 ألف معتقل في السجون المصرية!! وعلى الرغم من مطالبة كثيرين من الصحفيين والكتاب المصريين، لمنظمات حقوق الإنسان التي تروج لهذا الادعاء، بأن تنشر بيانا بأسماء وتواريخ والوضع القانوني لهؤلاء الستين ألف معتقل! إلا أنهم يتجاهلون هذا المطلب، رغم أن أبسط قواعد العدالة أن يثبت من يدعي -وليس من يُنكر- صحة كلامه، وإلا تم اعتباره مغرضا ويسعى لتحقيق أهداف سياسة أو غيرها.
4- كيف يمكن فهم القبول غير المشروط بالتقارير التي تصدرها منظمات حقوق الإنسان العالمية، وأشباهها المحلية في كل بلد من بلدان العالم، وكأن هذه المنظمات مجرده من الهوى الأيديولوجي، والانتماءات التي تصب في مصالح أطراف أخرى (دول وحكومات) ضد مصالح نقيضة لأطراف منافسة أو معادية لها؟ إن تلوين هذه الحروب بين الأطراف المتصارعة، بشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان ليس سوى عملية تضليل واسعة النطاق تمارسها دول ومنظمات وأجهزة استخبارات، لا تُلقي بالا لما تسببه مثل هذه التقارير الزائفة أو المشوهة، والمبالغ فيها في كثير من الأحيان، من كوارث يدفع ثمنها ملايين البشر من المسالمين الأبرياء في صورة اضطرابات سياسية واجتماعية وحتى حروب أهلية.
إن التأكد من نزاهة منظمات حقوق الإنسان بات مطلبا رئيسا لإنقاذ قضية حقوق الإنسان نفسها من الاستغلال السياسي، ولن يتم ذلك إلا بوجود جهات تراقب مدى ما تتحلى به هذه المنظمات ومن يعملون فيها بالموضوعية والشفافية، خاصة في ظل سوابق عديدة أُدينت فيها هذه المنظمات أو بعض العاملين فيها بالفساد وممارسة العديد من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الموظفين الكبار ضد الموظفين الصغار، مثل التحرش والتمييز العنصري وكتابة تقارير زائفة عن بعض البلاد والحكومات، وكانت أكبر هذه الفضائح قد طالت منظمة العفو الدولية Amnesty International نفسها التي كانت تدعي أنها لا تتلقى أي تمويل من الحكومات وتعتمد على تبرعات رجال الأعمال والمؤسسات الخاصة والأفراد بعد فحص سيرتهم الشخصية بعناية، لكن فيما بعد تم الكشف أن المنظمة منذ عام 2009 تلقت تبرعات من الحكومات الأمريكية، والبريطانية، والنرويجية، والإيرلندية، والمفوضية الأوروبية، ومن رجل الأعمال جورج سوروس الذي يرعى بعض المنظمات الفوضوية في العالم. وبسبب الفساد الداخلي في المنظمة انتحر اثنان من موظفيها عام 2018، كما تم طرد سبعة آخرين على نفس الخلفية.[3]
فضيحة أخرى كانت من نصيب منظمات وبرامج تابعة للأمم المتحدة مثل برنامج مكافحة مرض الايدز، ومنظمة الصحة العالمية، وأيضا منظمة العفو الدولية، حيث تورطت الجهات الثلاث في تقديم امرأة متهمة بتشكيل منظمة للاتجار بالبشر وتدافع عن تقنيين مهنة الدعارة، وتدعي "اليجاندرا جيل" Alejandra Gil المكسيكية الجنسية، كمستشارة دولية لمكافحة الدعارة والاتجار بالبشر.[4]
هذه النماذج التي تعبر عن انحرافات جسيمة في عمل منظمات حقوقية تستدعي تشديد الرقابة وإجراءات المراجعة للتقارير الصادرة عنها، ومقاضاة وسائل الإعلام التي تنشر تقارير هذه المنظمات دون أن تطالبها ببيانات موثقة تثبت صحة ما تنشره.
5- لماذا تكيل الحكومات الغربية بمكيالين فيما يتعلق بتقدير خطورة دعم من يدعون للفوضى في العديد من بلدان العالم، فيشددون من مواقفهم ضد المحرضين على الكراهية وانتهاك حقوق الآخرين في بلدان الغرب، ويتعاملون مع هؤلاء المحرضين على أنهم يرتكبون جرائم تستلزم المسائلة القضائية، ثم يتعاملون على العكس تماما مع دعاة الفوضى والعنف في مصر وبلدان أخرى بتصويرهم على أنهم نشطاء سياسيون وضحايا للقمع في بلادهم؟ والمثال المهم هنا هو كيفية تعامل الحكومات الغربية مع منكري المحرقة اليهودية، أو من يشيعون بالكتابة أو العمل الأدبي والفني اسطورة سيطرة اليهود على حكومات العالم وعلى اقتصادات وإعلام الدول وخاصة الدول العظمي؟
بريطانيا التي تأوي على أراضيها منظمات إرهابية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، وأفراد يعملون في منظمات تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، أو أفراد يحرضون على العنف ضد حكومات وشعوب بلدانهم، هي أيضا التي لم تتسامح طيلة تاريخها مع من يهددون أمنها؛ فلماذا تُطَالبْ مصر بالتسامح مع من يشكلون نفس الخطر على أمن مواطنيها وحقهم في التمتع بالاستقرار؟ ففي عام 1981 رفضت رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر الخضوع لابتزاز اليسار البريطاني والأوروبي الذي طالب بالإفراج عن عدد من الإرهابيين المسجونين في السجون البريطانية والمنتمين للجيش الجمهوري الأيرلندي، والذين أضربوا عن الطعام وأصبحوا مهددين بالموت. لقد أدى رفض تاتشر لهذا الابتزاز الذي كان يٌمارس تحت لافتة حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، إلى وفاة إحدى عشر من هؤلاء الإرهابيين. وبعدها بسنوات قليلة تخلصت بريطانيا من الإرهاب الأسود للجيش الجمهوري الأيرلندي، ولولا صمودها أمام ابتزاز وضغوط اليسار المتطرف لظلت بريطانيا إلى يومنا هذا غارقة في بحور الدماء التي يريد أمثال علاء عبد الفتاح بتحريضهم على العنف والارهاب إغراق مصر بها.
في بريطانيا أيضا وفي أعقاب أحداث الشغب في لندن في أغسطس 2011، والتي اجتاح فيها سكان الضواحي الفقيرة المناطق الغنية في العاصمة وقاموا بإحراق المنشئات العامة ونهب المتاجر، خطب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون متوعدا بالقبض على كل من تم تصويرهم خلال الأحداث وهم يحرقون وينهبون المصالح الحكومية والمتاجر، مؤكدا أنه لن يسمح بالإساءة لفكرة حقوق الإنسان من بعض من يحاولون باسمها منع نشر صور هؤلاء المتهمين في الإعلام. صحيح أن البعض ادعى أن كاميرون استخدم تعبير "حين يتم تهديد الأمن القومي للبلاد لا تسألني عن حقوق الإنسان" وأن هذا الادعاء لم يكن صحيحا، حيث قامت السفارة البريطانية بنفيه مرارا، إلا أن الفيديو الخاص بكلمة كاميرون يوضح أنه كان يرى أن هناك أشخاصا لا يمكن محاكمتهم أو سجنهم أو طردهم خارج البلاد بسبب اعتزاز بريطانيا بأنها دولة قانون وتدافع عن مبادئ حقوق الإنسان، لكنه لم ينكر أن أفكار وممارسة هؤلاء الأشخاص تهدد أمن ملايين البريطانيين المسالمين، وأن واجب الحكومة البريطانية أن تحمي أمن مواطنيها بالدرجة الأولى.[5] هذا هو ما تفعله الحكومة المصرية حاليا، فهي لم تُفرِج عن علاء عبد الفتاح المحكوم عليه في قضية جنائية، كما أنها تقوم بدورها الإنساني في منعه من الانتحار جوعا بتقديم الرعاية الطبية له مثله مثل أي شخص يقضي عقوبة يستحقها ولكن لا تحرمه من حقوقه المعروفة لكل السجناء في الدول المتحضرة. أيضا لم يختلف سلوك الحكومة المصرية عن رأي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون الذي شدد على أن دور الدولة هو حماية مواطنيها وحماية حقوق الإنسان، وأنه يجب الحفاظ على الحقين معا، وليس الاهتمام بأحدهم على حساب الآخر.
القوانين الأوروبية تتعامل بحزم مع مثل هذه الجرائم لأنها تدرك أن التسامح معها قد يتحول مع الوقت لممارسات واسعة النطاق على أرض الواقع، وبالتالي يصبح توقيف أصحاب هذه الجرائم إجراء ضروريا لحماية المجتمع من الانقسام والاقتتال بين أفراده. ولكن عندما تتعامل الحكومة المصرية بنفس المبدأ مع نفس النوع من الجرائم يتم معارضة ذلك باسم حقوق الإنسان. لقد حذرت المستشارة السابقة للحكومة الألمانية انجيلا ميركل في مايو عام 2021 من خطورة التسامح مع المعادين لليهود بقولها "الذين يضمرون الكراهية لليهود في الشارع، والذين يحرضون على الكراهية العرقية، هؤلاء خارج قانوننا الأساسي (الدستور)، مثل هذه الأعمال يجب أن تُعاقب بالطريقة المناسبة"، فلماذا لا يدرك هؤلاء أن تحريض علاء عبد الفتاح المنشور في كتاباته على قتل رجال الشرطة والجيش وعائلتهم، هو جريمة في غاية الخطورة تهدد أمن وسلامة ملايين المصريين، وأن واجب الحكومة المصرية هو حماية مواطنيها كما تفعل الحكومات الأوروبية تماما. [6] لقد أشارت ميركل إلى أن عدم مواجهة الأفكار النازية في بدايتها قد كلف ألمانيا والعالم حربا اسقطت خمسين مليون إنسان، هذا بالإضافة إلى الخراب العمراني والاقتصادي، وأن ما حدث يجب ألا يتكرر. لماذا يتجاهل الكثيرون والعديد من المنظمات الأوروبية ما فعلته ثورات ما يسمى "الربيع العربي" من كوارث أدت إلى انهيار دول عربية، وتشريد وقتل الملايين من سكانها؟ ولماذا الإصرار على السماح لمن يدعون إلى الفوضى والقتل الجماعي لفئات من الشعب المصري أن يظلوا أحرارا يمارسون دعواتهم المدمرة لتكرار المأساة نفسها؟