* المقال جزء من العدد رقم 99 من دورية "الملف المصري" الإليكترونية، نوفمبر 2022.
يعد تغير المناخ أحد أهم القضايا التي تحظى بالاهتمام على المستوى العالمي؛ حيث يعزى ذلك بشكل كبير إلى التهديدات التي تفرضها آثار تغير المناخ على كافة قطاعات التنمية في دول العالم، والتي تتمثل أبرز ظواهرها في: ارتفاع مستوى سطح البحر، والأحداث المناخية الجامحة من أعاصير، وسيول، وفيضانات مدمرة، وموجات حرارة، وبرودة أدت إلى العديد من الخسائر البشرية والاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر وغيرها من التأثيرات. ويعزى تغير المناخ إلى الأنشطة البشرية المستمرة على نحو غير مستدام مثل: حرق الوقود الأحفوري، والعمليات الصناعية، وإزالة الغابات والتي تسببت في زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي مما أدى إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية.
وقد اتفقت دول العالم على حتمية مواجهة هذه الظاهرة، وضرورة خفض الانبعاثات المسببة لها. وفي خضم العمل على تحقيق تلك الأهداف، وضرورة قيام الدول المتقدمة بأخذ زمام المبادرة في خفض الانبعاثات، فإن التحديات المتسارعة على الساحة العالمية والتأثيرات الجيوسياسية من أزمات نقص الطاقة والغذاء وجائحة كورونا وغيرها، قد تؤثر على مدى سرعة اتخاذ تلك الإجراءات. كما تلقي بمزيد من الضغوط على الدول خاصة النامية في مواجهة التحديات الخاصة بالتغيرات المناخية، وما يتطلبه من تمويل، ونقل تكنولوجيا، وبناء قدرات للتخفيف من الانبعاثات، والتكيف مع التأثيرات السلبية.
وتحاول هذه المقالة تسليط الضوء على أهم الإجراءات التي قامت بها الدولة المصرية في ملف الحد من الانبعاثات الكربونية، باعتباره ذات أولوية في ضوء التهديدات التي تواجهها مصر جراء تأثيرات تغير المناخ. ويأتي هذا العام كنقطة فارقة في ظل استضافة مصر، نيابة عن القارة الأفريقية، أعمال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP27 في شهر نوفمبر الحالي 2022 في شرم الشيخ، والذي يأتي بهدف الانتقال من مرحلة التعهدات والالتزامات المعلنة من جانب الدول إلى مرحلة التنفيذ الفعلي لإجراءات ملموسة وطموحة لمجابهة ظاهرة تغير المناخ، من خلال تخفيف الانبعاثات والتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ ومعالجة الخسائر والأضرار الناجمة، وتوفير التمويل اللازم لدعم الدول النامية. مع التأكيد على احترام مبادئ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، وأهمها المسئولية المشتركة مع تباين الأعباء، وتفاوت القدرات، ومبدأ الإنصاف، وحق الدول النامية في تحقيق التنمية المستدامة، ومحاربة الفقر.
أولًا: حتمية المواجهة الدولية للتغيرات المناخية
أوضح التقرير التجميعي الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر في عام 2014 أن احترار النظام المناخي واضح لا لبس فيه، وشوهدت منذ خمسينيات القرن الماضي كثرة من التغيرات الملحوظة غير مسبوقة على مدى عقود إلى آلاف السنين. فقد حدث احترار في الغلاف الجوي والمحيطات، وارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار 0.85 درجة مئوية خلال الفترة (1880-2012)، وتضاءلت كميات الجليد والثلوج في القطب الشمالي، وارتفع مستوى سطح البحر بنحو 19 سنتيمتر خلال الفترة (1901 - 2010).
وقد اتفقت دول العالم على حتمية مواجهة هذه الظاهرة وضرورة خفض الانبعاثات المسببة لها من خلال جهود دولية تتحملها بالأساس الدول المتقدمة طبقاً لمبدأ المسئولية التاريخية عن تلك الانبعاثات منذ قيام الثورة الصناعية وتسمى جهـــــــود التخفيف، والتكيف مع الآثار السلبية المحتملة على الدول من التغيرات المناخية، ويتم تنفيذ تلك الجهود على هذين المسارين من خلال إتاحة التمويل وتقديم الدعم التكنولوجي وبناء القدرات من الدول المتقدمة إلى الدول النامية. وهي محاور تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، والتي تم وضعها في عام 1992 وتضمنت مبدأ المسئولية المشتركة مع تباين الأعباء وتفاوت القدرات بين الدول المتقدمة والنامية، ومبدأ الإنصاف وحق الدول النامية في تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة الفقر وانبثق عنها بروتوكول كيوتو عام 1997 والذي دخل حيز التنفيذ في عام 2005 وتضمن التزامات كمية بخفض الانبعاثات على الدول المتقدمة.
ثم جاء اتفاق باريس المناخي عام 2015 تحت مظلة الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ والذي تضمن قيام كافة الدول بتقديم مساهمات محددة وطنياً تتضمن جهودًا للتخفيف من الانبعاثات، وتدابير للتكيف مع التأثيرات السلبية وتحديد الاحتياجات التمويلية والتكنولوجية وبناء القدرات اللازمة لمساعدة الدول النامية والحافظ على مبدأ المسئولية المشتركة مع تباين الأعباء وتفاوت القدرات في ضوء الظروف الوطنية المختلفة. وقد تضمن اتفاق باريس هدف عالمي للإبقاء على الارتفاع في متوسط درجة الحرارة دون مستوى درجتين مع بذل الجهود نحو تحقيق هدف درجة ونصف مئوية، ولكن الواقع الفعلي لا يشير إلى ذلك؛ حيث أوضح التقرير العلمي الصادر في عام 2022 من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في عام 2019 كانت أعلى بنحو 12٪ مما كانت عليه في عام 2010 وأعلى بنسبة 54٪ عن انبعاثات عام 1990، مما يشير إلى أن الأوضاع في طريقها للتفاقم في حال عدم اتخاذ إجراءات ملموسة للمساهمة في الحد من الانبعاثات المسببة لظاهرة تغير المناخ.
كما أوضح تقرير فجوة الانبعاثات الصادر في عام 2019 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن الانبعاثات الصادرة عن مجموعة الدول العشرين الصناعية تمثل نسبة 75% من الانبعاثات العالمية؛ حيث تحتل الصين المرتبة الأولى، يليها الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الهند، روسيا، اليابان. وأكد التقرير أنه يجب خفض الانبعاثات بمعدل 25% أقل مما كانت عليه في عام 2018 بحلول عام 2030 للإبقاء على هدف 2 درجة مئوية، والخفض بنسبة 55% أقل من انبعاثات 2018 لتحقيق هدف 1,5 درجة مئوية، وأن كافة التعهدات المشروطة وغير المشروطة المعلنة من جانب الدول لخفض الانبعاثات لا تفي بالمطلوب لمواجهة الظاهرة؛ حيث من المحتمل أن تصل الزيادة في متوسط درجة الحرارة إلى 3,2 درجة وأنه بات من المطلوب قيام الدول الصناعية خاصة بإجراء تغييرات هيكلية أساسية لزيادة الطموح في خفض الانبعاثات؛ بمعنى أن يتم خفض الانبعاثات العالمية بمعدل 7,6 % كل عام خلال العقد القادم لتحقيق هدف الدرجة ونصف، وبمعدل 2,7% سنويا لتحقيق هدف الدرجتين.
ثانيًا: إدراج العمل المناخي كجزء من خطط التنمية الاقتصادية المستدامة للدولة المصرية
على الرغم من أن مساهمة مصر في الانبعاثات العالمية لا تتجاوز 0,6% حيث بلغت انبعاثات مصر عام 2015 نحو 325 مليون طن ثاني أكسيد الكربون المكافئ طبقاً للتقرير المحدث الأول كل عامين المنشور في عام 2019، تعد مصر من أكثر الدول المهددة بسبب التأثيرات السلبية لتغير المناخ على كافة القطاعات، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتغلغل المياه المالحة وفقدان الأراضي الخصبة وتأثر الإنتاجية الزراعية، والظواهر الجوية الجامحة (شدة الحرارة، البرودة، الفيضانات، الثلوج والعواصف المطيرة)، وتأثر تدفق مياه النيل بالإضافة إلى التأثيرات الصحية، وهو ما يؤدي الى إضافة تحدي جديد إلى مجموعة التحديات التي تواجهها مصر في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤيتها لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030، حيث تولي رؤية مصر 2030 أهمية كبيرة لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر.
وفي هذا الإطار، قامت مصر بالعديد من الإجراءات؛ فعلى المستوى الدولي كانت من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، وبروتوكول كيوتو، واتفاق باريس التابعان لها. كما قامت باستيفاء وتقديم الإبلاغات، والتقارير الوطنية المطلوبة في إطار الاتفاقية الإطارية، واتفاق باريس التابع لها. وعلى المستوى المؤسسي، تم إعادة تشكيل المجلس الوطني للتغيرات المناخية في عام 2019 ليكون برئاسة رئيس الوزراء، والذي يضم ممثلين من كافة الجهات الحكومية والمجتمع المدني، ويهدف إلى تجميع وتركيز كافة الجهود الوطنية المبذولة في مجال الدراسات والبحوث المتعلقة بتغير المناخ.
كما أطلقت الدولة المصرية خلال العام الحالي الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية حتى عام 2050 برؤية تتضمن التصدي بفعالية لآثار وتداعيات تغير المناخ، بما يساهم في تحسين جودة الحياة للمواطن المصري، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولي في مجال تغير المناخ. وقد تضمنت الاستراتيجية في أحد أهدافها تحقيق نمو اقتصادي مستدام ومنخفض الانبعاثات في مختلف القطاعات، والذي يسعى إلى التأكد من تحقيق نمو اقتصادي مستدام في ظل سياسات تنمية منخفضة الانبعاثات الكربونية في مختلف القطاعات.
وغاية الهدف هي التأكد من إدراج العمل المناخي، وإدارة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كجزء من خطط التنمية الاقتصادية المستدامة للدولة بشكل يحافظ على استمرار التقدم الاقتصادي، ويضمن مساهمة العمل المناخي في هذا التقدم وسعياً لظروف اجتماعية أفضل للجميع؛ وذلك لتحقيق أركان التنمية المستدامة، من خلال تحول مجال الطاقة عن طريق زيادة حصة جميع مصادر الطاقة المتجددة والبديلة في مزيج الطاقة، وخفض الانبعاثات الناتجة عن استخدام الوقود الإحفوري، وتعظيم كفاءة الطاقة، وتبَنّي اتجاهات الاستهلاك والإنتاج المستدامة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الأنشطة الأخرى غير المتعلقة بالطاقة.
ثالثًا: الحد من الانبعاثات الكربونية على مستوى القطاعات المختلفة
اتخذت الدولة المصرية العديد من الإجراءات في القطاعات المختلفة من أجل الحد من الانبعاثات الكربونية؛ وذلك في إطار رؤيتها 2030؛ حيث قامت بحشد استثمارات كبيرة من مواردها الحكومية، ومن القطاع الخاص لتنفيذ تلك الجهود، وسوف يتم توضيح أبرز القطاعات على النحو التالي:
1- قطاع الطاقة
يأتي قطاع الطاقة كأكبر القطاعات المساهمة في انبعاث غازات الاحتباس الحراري؛ حيث يمثل حوالي 64,5٪ من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري طبقًا للتقرير المحدث الأول كل سنتين المنشور في عام 2019؛ حيث تنتج هذه الانبعاثات عن حرق الغاز الطبيعي، والمنتجات البترولية لإنتاج الطاقة. وتعتمد محطات توليد الكهرباء في مصر بشكل أساسي على الغاز الطبيعي، وذلك لما تحقق من اكتفاء ذاتي بعد الاكتشافات الأخيرة.
وقد وضعت مصر في تقرير المساهمات الوطنية المحدث المنشور في يوليو 2022 هدفاً طموحاً لخفض انبعاثات قطاع توليد ونقل وتوزيع الكهرباء بنحو 69,9 مليون طن ثاني أكسيد الكربون المكافئ بحلول عام 2030 بما يوازي خفض الانبعاثات بنسبة 33% تحت مستوى السيناريو المعتاد في حال عدم اتخاذ إجراءات. وفي إطار تحقيق ذلك الهدف تبنت الدولة استراتيجية الطاقة المستدامة التي تستهدف زيادة مساهمة الطاقة الجديدة والمتجددة؛ حيث تستهدف الدولة تركيب قدرات إضافية لتوليد الطاقة المتجددة للوصول لهدف مساهمة الطاقة المتجددة بنسبة 29% بحلول عام 2030، و42% بحلول عام 2035 من إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة من خلال تبني مزيج طاقة 14,6% رياح، 11,8% شمسية كهروضوئية، 7,6% مركزات طاقة شمسية، و3,2% طاقة كهرومائية وإحلال محطات الفحم واستبدال المحطات الحرارية منخفضة الكفاءة.
أضف إلى ما سبق، ما تتبناه الدولة حالياً من برامج طموحة لإدراج مصادر طاقة بديلة جديدة مثل: الهيدروجين الأخضر، والهيدروجين الأزرق، والطاقة النووية؛ حيث أطلقت الحكومة برنامج شامل لإصلاح سياسات الطاقة يتضمن إلغاء دعم الطاقة بشكل تدريجي، وتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة من خلال قانون الطاقة المتجددة (القرار رقم 203/2014) حيث بلغ إجمالي محطات الرياح والطاقة الشمسية المركبة في العام 2019/2020 نحو 3016 ميجاوات بزيادة قدرها 340% عن عام 2015/2016، والتي بلغت 887 ميجاوات. كما بلغ إجمالي الطاقة المتجددة (بما في ذلك الطاقة الكهرومائية) عام 2019/2020 نحو 5848 ميجاوات. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو إنجاز مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان بقدرة 1465 ميجاوات، والذي فاز بالجائزة السنوية كأفضل مشروعات البنك الدولي تميزًا على مستوى العالم وبجائزة التميز الحكومي العربي في دورتها الأولى (2019 -2020) فئة أفضل مشروع لتطوير البنية التحتية على المستوى العربي.
بالإضافة للعديد من المشروعات الأخرى مثل: محطة كوم أمبو للطاقة الشمسية 26 ميجاوات، ومحطة طاقة رياح جبل الزيت 850 ميجاوات، ومحطة رأس غارب لطاقة الرياح 262,5 ميجاوات. فضلًا عن الأنظمة الكهروضوئية الصغيرة على الأسطح، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الطاقة في إطار الخطة الوطنية لتحسين كفاءة الطاقة في قطاع الكهرباء من خلال تحول السوق إلى الإضاءة الموفرة للطاقة والتي أظهرت انخفاضاً كبيراً في استهلاك الكهرباء وصل إلى 40% في بعض المباني، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الطاقة في القطاع الصناعي.
وفي قطاع النفط والغاز، أعلنت مصر في تقرير المساهمات الوطنية المحدث يوليو 2022 استهداف تحقيق خفض في الانبعاثات بمقدار 1,5 مليون طن ثاني أكسيد الكربون المكافئ بحلول عام 2030 بما يوازي خفض الانبعاثات بنسبة 77% تحت مستوى السيناريو المعتاد في حال عدم اتخاذ إجراءات؛ حيث يأتي ذلك في إطار ما تقوم به الدولة من تنفيذ برنامج تحويلي متكامل في قطاع النفط والغاز. فقد أطلق قطاع البترول عام 2016 مشروع تحديث قطاع النفط والغاز في مصر؛ حيث تم تنفيذ برنامج تحسين كفاءة الطاقة ونجحت 31 شركة في تطبيق إجراءات كفاءة طاقة منخفضة التكلفة، كما تم نشر محطات سيارات الغاز الطبيعي كوقود منخفض الانبعاثات لتصل إلى أكثر من 850 محطة في مصر.
كذلك، تستهدف الدولة استعادة واستخدام الغازات المصاحبة المتولدة من حقول النفط الخام، بالإضافة إلى ربط خطوط أنابيب الغاز الطبيعي للمنازل لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين من خلال الوصول للوقود النظيف منخفض الانبعاثات، والعمل على إنتاج أنواع الوقود الأخضر البديلة مثل استخراج 350 ألف طن من زيت الطحالب سنوياً لاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي، وتوليد 100 ألف طن من الإيثانول الحيوي سنوياً.
2- قطاع النقل
يشهد قطاع النقل طفرة تحويلية حالياً تم اتخاذ العديد من الإجراءات التي تساهم في الحد من الانبعاثات الكربونية مثل إطلاق برنامج النقل المستدام، والذي يهدف إلى الحد من الاعتماد على السيارات الخاصة، وزيادة حصة البضائع المنقولة على السكك الحديدية، والمجاري المائية الداخلية، وزيادة استخدام النقل غير الآلي مثل الاعتماد على الدراجات في المدن. ومن الجدير بالذكر أن مصر قد أعلنت في تقرير المساهمات الوطنية المحدث يوليو 2022 استهداف تحقيق خفض في الانبعاثات بمقدار 8,9 مليون طن ثاني أكسيد الكربون المكافئ بحلول عام 2030 بما يوازي خفض الانبعاثات بنسبة 7% تحت مستوى السيناريو المعتاد في حال عدم اتخاذ إجراءات، من خلال التوسع في شبكة مترو أنفاق القاهرة الكبرى - أحد أنجح المشروعات - حيث تم تشغيل المرحلة الرابعة من الخط الثالث بطول 11,5 كيلومتر وإنشاء خطوط مترو جديدة، بالإضافة إلى إعادة تأهيل الخطوط الحالية، وتطوير مترو الإسكندرية (أبوقير – خط سكة حديد الإسكندرية) لنقل 61 ألف راكب في الساعة، وإعادة تأهيل خط ترام الرمل لنقل 13800 راكب في الساعة.
أضف إلى ذلك تشغيل سكة حديد العاصمة الجديدة بطول 56,5 كيلومتر بعدد 22 محطة ومونوريل 6 أكتوبر بطول 42 كيلومتر بعدد 12 محطة، وإنشاء القطار الكهربائي الخفيف (السلام – العاشر من رمضان – العاصمة الجديدة) بطول 103 كيلومتر بعدد 19 محطة. بالإضافة إلى القطار الكهربائي السريع (العين السخنة – العاصمة الجديدة – برج العرب – العلمين - مطروح) بطول 660 كيلومتر بعدد 20 محطة كما تشمل الإجراءات القطار الكهربائي السريع (6 أكتوبر – الأقصر - أسوان) بطول 925 كيلومتر بعدد 28 محطة والقطار الكهربائي السريع (الأقصر – قنا – سفاجا - الغردقة). والقطار الكهربائي السريع (غرب بورسعيد - أبوقير) من أجل التحول نحو تحقيق النقل الجماعي منخفض الكربون، وتحويل الحافلات العامة للعمل على أنواع وقود منخفضة الكربون مثل الغاز الطبيعي واعتماد أنظمة النقل السريع للحافلات (Bus Rapid Transit) وتشجيع استخدام الدراجات.
كما تقوم الدولة بتنفيذ المشروع الوطني للطرق الذي يهدف إلى تطوير طرق جديدة بطول 7 آلاف كيلومتر ليصبح إجمالي شبكة الطرق 30 ألف كيلومتر، وتحديث 10 آلاف كيلومتر من البنية التحتية للطرق الحالية. علاوة على إنشاء 34 محوراً جديداً للطرق على النيل وإنشاء 1000 جسر ونفق وإنشاء طرق معبدة داخل المحافظات واستخدام تقنيات إعادة تدوير الأسفلت الحديثة للحد من الآثار البيئية؛ حيث سيؤدي ذلك إلى تحسين الترابط بين المدن وتقليل استهلاك المركبات للوقود على الطرق بما يساهم في الحد من الانبعاثات الكربونية. بالإضافة إلى ذلك من المستهدف أيضاً تخضير قطاع الطيران المدني من خلال إدخال وقود حيوي بنسبة 2% للطائرات، وتحويل حافلات الركاب والمركبات الأخرى للعمل على وقود أنظف وتركيب خلايا شمسية في المطارات، وتحسين كفاءة الطاقة في مرافقها.
كما تم تطوير استراتيجية أولية لقطاع تطوير الموانئ (البحري) 2021-2024 يتم مراجعتها حاليًا من أجل التوافق مع أهداف وغايات استراتيجية التنمية المستدامة 2030، وتركز الاستراتيجية على نشر مبادئ الموانئ الخضراء، والحد من الانبعاثات الكربونية، والملوثات الناتجة عن أنشطة الموانئ.
3- قطاع الصناعة
تستهدف الدولة الحد من الانبعاثات الكربونية من خلال تقليل كثافة الطاقة واستخدام أنواع الوقود المتجددة والبديلة وتحسين العمليات منخفضة الكربون من خلال تنفيذ تدابير في خارطة الطريق منخفضة الكربون لصناعة الأسمنت المصرية بما في ذلك الاستبدال الجزئي للوقود البديل وخفض محتوى الكلنكر في الأسمنت بنسبة تصل إلى 80%، وتحسين كفاءة الطاقة؛ حيث صدر القرار الوزاري 49/2021 للاستبدال الجزئي الإلزامي للوقود البديل في قطاع الأسمنت في مارس 2021 من قبل وزارة البيئة كإجراء سياسي داعم. وقد بدأ قطاع الأسمنت بالفعل في استخدام الوقود البديل ليحل محل نسبة من الفحم المستورد كوقود رئيسي للطاقة الحرارية اللازمة، كما يستهدف القطاع الصناعي تعزيز كفاءة الطاقة الكهربائية والحرارية في القطاعات الأخرى كثيفة الاستهلاك للموارد لخفض متوسط استهلاك الطاقة الحرارية بنسبة 10% لثلاث صناعات كثيفة الاستخدام للطاقة (الحديد والصلب، والأسمدة، والسيراميك) وتعزيز الأنظمة الكهروضوئية على الأسطح، بما يساهم في الحد من الانبعاثات.
4- قطاع الإنشاء
كما تقوم الدولة بالعديد من الإجراءات في القطاعات الأخرى مثل: قطاع المباني، والمدن الحضرية لتعزيز الاستدامة في المباني القائمة والجديدة لاعتماد معايير وبرامج منخفضة الكربون من خلال تعزيز استخدام الطاقة المتجددة كتركيب الألواح الكهروضوئية على الأسطح، والسخانات الشمسية، والتوسع في برامج كفاءة الطاقة وزيادة الوعي بين المستهلكين لشراء المنتجات الموفرة للطاقة وتفعيل أكواد كفاءة الطاقة للمباني، وزيادة المساحات الخضراء والحدائق المستدامة في المدن الجديدة المروية بمياه الصرف الصحي المعالجة. وتشجيع المواطنين على استخدام الدراجات والتحول للمركبات الكهربائية وتركيب إنارة شوارع تتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة و/ أو تعمل بالطاقة الشمسية.
5- قطاع السياحة
وفي قطاع السياحة تسعى الدولة لتطوير السياحة منخفضة الكربون، وتخضير الفنادق والمنتجعات من خلال تشجيع استخدام الطاقات المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة من خلال الإضاءة الموفرة وأنظمة التدفئة والتهوية والتكييف الفعالة.
6- قطاع المخلفات
وفي قطاع المخلفات تم إطلاق قانون تنظيم إدارة المخلفات 202/2020 ولائحته التنفيذية، وقرار رئيس الوزراء 41/2019 بشأن تعريفة تحويل المخلفات إلى طاقة. بالإضافة إلى الاستثمارات في إنشاء البنية التحتية لإدارة المخلفات الصلبة في أربع محافظات رائدة (كفر الشيخ – أسيوط – قنا - الغربية) في إطار البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة. كما تستهدف الدولة جذب استثمارات لتطوير البنية التحتية لإدارة المخلفات في جميع المحافظات لتحسين كفاءة الجمع من 55% إلى 95% بحلول عام 2025، وزيادة معدلات إعادة التدوير واستعادة الطاقة، وزيادة مساهمة تحويل المخلفات إلى طاقة بنسبة تصل إلى 20% بحلول عام 2023 من خلال استخدامها كوقود بديل في صناعة الأسمنت، وتحويلها إلى وقود حيوي، وغيرها من التقنيات الحديثة.
من مجمل ما سبق، يمكن القول إنه على الرغم من الجهود المبذولة من جانب الدولة المصرية للحد من الإنبعاثات الكربونية، إلا أن الجهود الوطنية لوحدها لن تكون كافية لتحقيق التطلعات الطموحة للدولة للمساهمة في الحد من الانبعاثات الكربونية؛ حيث أكد التقرير المحدث للمساهمات المحددة وطنياً لمصر الصادر في يوليو 2022 على أن تحقيق تلك الأهداف الطموحة سوف يتطلب نحو 197 مليار دولار لتنفيذ تدابير الحد من الانبعاثات، بما يتطلبه ذلك أيضاً من بناء قدرات ونقل تكنولوجيا، وهو ما يتطلب توافر التمويل من جانب الدول المتقدمة في ضوء التزاماتها في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، وفي إطار اتفاق باريس التابع لها، والذي ينص في مادته التاسعة على التزام الدول المتقدمة بتقديم الدعم للدول النامية.
كما تعتبر جائحة كورونا والأزمات العالمية الراهنة تحدي جديد يضاف للتحديات التي يعاني منها الاقتصاد المصري بسبب تغير المناخ، ولكن تسعى الدولة المصرية جاهدة للانضمام لمسار الدول التي تعمل على الاستفادة من هذه المحنة من خلال تشجيع الاستثمارات الصديقة للبيئة والمناخ. ولعل أهم مبادرات الحكومية، هي السندات الخضراء والتي تتيح تسهيلات لتنفيذ تلك المشروعات؛ حيث نجحت مصر في الإصدار الأول للسندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار بما يضع مصر على خريطة التمويل المستدام. كما تم وضع أول إطار لدليل معايير الاستدامة البيئية ليتم تطبيقه على مشروعات الموازنة العامة، لتخضير مشروعات الموازنة بنسبة 100% بحلول عام 2030؛ حيث بات واضحاً أن إدماج المعايير البيئية والاجتماعية في السياسات والبرامج والخطط والمشروعات التنموية المختلفة، سيضمن تحقيق تنمية مستدامة وشاملة تضمن الحفاظ على حق الأجيال المتعاقبة في التمتع بالحياة في بيئة نظيفة وصحية وآمنة.
وفي إطار استضافة مصر، مؤتمر COP27 فإن الدولة تعكف على تجهيز حزمة من المشروعات في مجالي التكيف والتخفيف المنتظر طرحها للتمويل، كما عملت على بلورة مجموعة من المبادرات بما يعطي الفرصة لمشاركة الشباب والمرأة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتسريع وتيرة العمل المناخي.