* المقال جزء من العدد رقم 98 من دورية "الملف المصري" الإليكترونية، أكتوبر 2022.
تُعد قضية التمكين الاقتصادي للمرأة ومشاركتها في سوق العمل، من القضايا المهمة التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها لفهم أهميتها المُلحة ليس على مستوى حياة المرأة فقط، ولكن أيضًا على مستوى اقتصاديات الدول والعالم بشكل عام. وهناك تساؤلات دائمًا تُطرح عند مناقشة تلك القضية، تأتي في مقدمتها: هل يُعد التمكين الاقتصادى للمرأة ضرورة حتمية أم رفاهية؟ وما هو العائد على المجتمع من تمكين المرأة اقتصادياً؟ وهل هناك علاقة بين مشاركة المرأة فى سوق العمل وتحقيق العدالة والمساواة في هذا المجال وبين النهضة الاقتصادية للدولة؟ وهل تمكين المرأة اقتصاديًا هو أحد الحلول الجذرية لقضايا عالمية؟
ومن أجل الإجابة على تلك التساؤلات تحاول المقالة بداية إلقاء الضوء على أهمية مشاركة المرأة في سوق العمل، وما يمكن أن يشكله ذلك من مردود إيجابي على المرأة والمجتمع بأكمله، والذي يُعد تحقيقه مشروطًا بمعالجة أنماط التمييز القائمة على أساس الجنس، والتي تتطلب الأخذ في الاعتبار تأثير الأعراف الاجتماعية، والتي بإمكانها عرقلة أي سياسات وخطط جادة رامية إلى تعزيز العدالة بين الجنسين. ثم تناقش المقالة أبرز المؤشرات الإيجابية الناتجة عن سياسات وجهود الدولة المصرية فيما يخص ملف التمكين الاقتصادي للمرأة، ومشاركتها في سوق العمل. ومن منطلق الاختصاص الدستوري للمجلس القومي للمرأة بإبداء الرأي في مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بالمرأة، وباعتبار المجلس يُعد الآلية الوطنية المعنية بتمكين المرأة المصرية، فإن المقالة تتناول أبرز المقترحات ومشروعات القوانين الخاصة بدعم المرأة وتوفير البيئة الآمنة، والمساندة لها في عالم العمل، وكذلك برامج ومبادرات المجلس الخاصة بتنمية مهارات المرأة، ودعم قدراتها على إدارة المشاريع وتنمية مهاراتها الريادية. وذلك في إطار خطة الدولة المصرية لتحقيق الشمول المالي، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، وفي النهاية تقدم المقالة عدد من الاستنتاجات والتوصيات من أجل تحقيق المزيد من النتائج الإيجابية بخصوص التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية.
أولًا: أهمية مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي وسوق العمل
أشار تقرير لمؤسسة «بوز آند كومباني» عن المرأة وعالم العمل عام 2012 إلى أن زيادة مشاركة المرأة في الاقتصاد وسوق العمل تتجاوز فائدته العائدة على المرأة والفتاة لتصل إلى المجتمع بأكمله، وأن زيادة مشاركة النساء في قوة العمل إلى حد المساواة مع الرجال قد يؤدي إلى زيادة إجمالي الناتج القومي إلى 34 %. كما أشارت دراسات صندوق النقد الدولي؛ إلى أن الفجوة بين مشاركة الذكور، والإناث ينتج عنها فاقد يصل إلى 29 % من الناتج المحلي الإجمالي في مصر.
وقد طرحت الدراسة التي أجراها المجلس القومي للمرأة في عام 2018 بالتعاون مع البنك الدولي اثنى عشر مجالاً لتشغيل النساء بالقطاع الخاص، تشمل؛ (الرعاية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، وصناعة الملابس، وتجارة التجزئة، وخدمات الأعمال، وتصنيع أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات، والمعدات البصرية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والخدمات المالية والصناعات الدوائية، ووكالات السفر والسياحة، والأنشطة العقارية)؛ حيث يعمل بها 78 % من كل النساء العاملات بأجر في المنشآت الخاصة، وتشمل مراكز رعاية الطفل، ودور رعاية المسنين ودور رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.
وحددت الدراسة أيضاً أبرز القطاعات لتشغيل النساء؛ حيث يعتبر قطاعي الإعلام، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات صناعات تحقق نمواً مرتفعا، فضلاً عن أنها توفر أدوات فعالة للنهوض بالتنمية والعدالة الاجتماعية، وقد اتضح ذلك من تجارب الدول الأخرى.
وجاء «اقتصاد الرعاية» في المرتبة الأولى من بين وظائف الإناث بين جميع القطاعات، ثم قطاعي التعليم، والصحة في المرتبة الثانية، تلاهم الصناعات التحويلية مثل الملابس وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات والصناعات الدوائية.
وفي القطاع الخاص في مصر يمثل اقتصاد توفير الرعاية ثلث وظائف النساء. كما أن ثلث العاملات بأجر في ثلاثة قطاعات ترتبط باقتصاد توفير الرعاية، وهي الرعاية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، والثلث الآخر من النساء في المنشآت الخاصة بتجارة التجزئة وصناعة الملابس، وتتضمن القطاعات الباقية الصناعات الأكثر تطوراً، مثل الخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخدمات الأعمال وكذلك الصناعات الدقيقة مثل (صناعة الأدوية، وأجهزة الكمبيوتر والالكترونيات، والمعدات البصرية).
ونظراً لآن جزءاً ضئيلاً من الوظائف في اقتصاد الرعاية موجود بالفعل في القطاع الخاص، وأن الغالبية العظمى في قطاع الخدمة المدنية، لذلك أصبحت الاستثمارات العامة والخاصة في اقتصاد الرعاية لتشغيل النساء أكثر إلحاحاً.
هذا وقد أكدت الدراسة أيضاً أن اقتصاد توفير الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة هو أحد الاستثمارات العامة التي تسجل أعلى معدلات العائد الاجتماعي على الصعيد العالمي، ولهذه الاستثمارات أهمية بالغة للرعاية المبكرة للطفل، وفي مرحلة لاحقة لنواتج التنمية البشرية. وعلاوة على ذلك فهي تتيح لأفراد أسرة الطفل خاصة الأم متابعة أنشطتها الاقتصادية والإنتاجية وتواجدها بسوق العمل. كما أظهرت الدراسة أيضاً أن القطاع الواعد لتشغيل النساء هو الصناعات الزراعية وعمليات ما بعد الحصاد للمحاصيل الزراعية سواء من أجل التصدير أو للسوق المحلية.
أضف إلى ما سبق، فقد أكدت الدراسة أن تشجيع تواجد المرأة واستمرارها في سوق العمل يمكن أن يكون بمثابة استراتيجية مستدامة للتمكين الاقتصادي، كما توضح التجارب أن المرأة يمكن أن يكون لها أدوار مهمة في الإدارة المستدامة للطاقة، وإنتاج أنماط الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة مما يسهم في تحسين وتيرة النمو الاقتصادي الكلي.
وعلى الرغم من المردود الإيجابي، والمزايا المُشار إليها بخصوص مشاركة المرأة في سوق العمل، إلا أن الفجوة بين الجنسين، تُعد من أبرز التحديات التي تواجه عمل المرأة، ويعود ذلك لعدة عوامل من بينها: الأطر التنظيمية القانونية، ومحدودية وصول النساء إلى التدريبات المطلوبة في سوق العمل، وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر وغير المعترف بها (ارتفاع تكلفة رعاية الأطفال والأعمال المنزلية)، والأجور المنخفضة، وفي كثير من الأحيان العمل في القطاع غير الرسمي أو المنتظم، وغياب وجود ضمان اجتماعي، ومحدودية الوصول إلى الموارد والتحكم فيها (الأرض- الملكية - والتمويل) بالإضافة إلى عدم قدرة أسواق العمل على توليد وظائف لائقة.
وفي هذا السياق، فقد ذكرت العديد من التقارير العالمية أن معالجة الفجوة بين الجنسين تتطلب الاهتمام بعلاقة الارتباط التفاعلية بين الأسر، والمؤسسات، والأسواق، وتأثيرها على وضعية المرأة، وتتطلب أيضاً الاهتمام بالآثار القوية للأعراف الاجتماعية على المؤسسات والمجتمعات المحلية والأفراد؛ حيث تلعب دوراً مهمًا في تحديد الأدوار والمهام والفرص المتاحة لكل من المرأة والرجل.
كما أشارت دراسة المجلس القومي للمرأة والبنك الدولي (السابق الإشارة إليها) إلى أنه إذا لم يتم إجراء استثمارات لمعالجة أنماط التمييز القائمة على أساس الجنس، والهياكل الراسخة للمؤسسات المكلفة بتمويل سياسة المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وتحويلها إلى واقع عملي يعود بالنفع على النساء والفتيات، فإن هذه الأعراف الاجتماعية «غير الرسمية» سوف تؤدي إلى إفساد أفضل السياسات والخطط الرامية إلى تعزيز العدالة بين الجنسين، وهو ما أكده أيضاً إطار المساواة بين الجنسين الذي طرحته «راوارونا» بشأن كيفية تعزيز المساواة بين الجنسين، والحفاظ على استمرار النجاحات عام 2014.
فعلى الرغم من وصول نسبة الفتيات في الجامعات ونسبة المرأة من حاملي الماجستير والدكتوراه إلى النصف تقريباً، إلا أن نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل وصلت إلى 15.2 % عام 2021، وبلغ معدل توظيف المرأة 12.8 %؛ حيث جاء في مقدمة أسباب ذلك انتشار جائحة كورونا.
ثانيًا: السياسات المساندة لمشاركة المرأة في سوق العمل وتمكينها اقتصاديًا
وإدراكًا من الدولة المصرية لأهمية ملف التمكين الاقتصادي للمرأة ومشاركتها في سوق العمل وأنه هدف أساسي وضرورة حتمية لتحقيق نهضة المجتمع وأهداف التنمية المستدامة 2030، وليس من قبيل الرفاهية, وأن هذا الملف أولوية وطنية كبرى، فقد تحققت العديد من المؤشرات الإيجابية في هذا الملف، ومن بينها انخفاض معدل بطالة المرأة في عام 2021 حتى بلغ 16 % ، وذلك بعد أن وصل في عام 2014 إلى 24.8 %. كما وصلت نسبة السيدات العاملات في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلى 40 % خلال الفترة (2019 - 2022)، بينما بلغت نسبة خريجات التعليم العالي من النساء في مجال الاتصالات والمعلومات 36 % عام 2020، ونسبة المرأة من العاملين بالحكومة والقطاع العام بلغت 30.9 % عام 2020، كذلك بلغت نسبة المرأة من الوظائف الإدارية 50.4 %، وذلك أعلى من المتوسط العالمي البالغ 32 % عام 2021.
أضف إلى ما سبق، فقد بلغت نسبة المرأة من المستثمرين بالبورصة المصرية 29 % عام 2021، وبلغت نسبة المرأة من المستفيدين من القروض متناهية الصغر 62 % حتى عام 2020، كما بلغت نسبة المستفيدات من برامج جهاز تنمية المشروعات الصغيرة، المتوسطة والمتناهية الصغر 46 % حتى مايو 2021، بالإضافة إلى تدريب عدد 30400 امرأة في مجال التسويق والأعمال في مارس 2020.
فيما ارتفعت نسبة الشمول المالي في منتصف عام 2021 إلى أكثر من 50 ٪ حيث زادت ملكية المرأة لحسابات المعاملات حتى وصلت إلى 47.5 ٪ مقابل 27 ٪ في عام 2017 (وفقًا لما هو منشور بمؤشر فينديكس التابع للبنك الدولي) وخلال السنوات الخمس الماضية ارتفع عدد المتعاملات من خلال القطاع المالي من 5.9 مليون امرأة إلى 16 مليون امرأة بمعدل نمو 171 %.
وبلغ عدد النساء اللاتي يمتلكن حسابات بنكية 16 مليون سيدة حصلن على أكثر من 45 مليون خدمة مالية سواء كانت محافظ إلكترونية مصرفية أو خدمات أخرى مدفوعة، وبلغ عدد النساء اللاتي يحملن بطاقات مصرفية 15 مليون امرأة، وتمتلك 5.7 مليون امرأة محافظ إلكترونية حتى شهر مارس2022.
وتبلغ نسبة النساء اللائي يقمن بأعمال منزلية 91 %، ويصل متوسط عدد الساعات التي تمضيها المرأة في العمل المنزلي إلى 5 ساعات يومياً، و27 % من المصريات يقمن بأعمال متصلة بالرعاية الأسرية لأفراد الأسرة، ويصل متوسط تلك الساعات إلى 23 ساعة يومياً، وهذه الأعمال غير مدفوعة وتقدر ب 458 مليار جنيه سنويًا للأعمال المنزلية و 167 مليار جنيه سنويًا للأعمال الأسرية، وفي كثير من الأحيان لا يشارك الزوج في هذه الأعمال حتى إذا كانت المرأة عاملة.
ولم تكن هذه المؤشرات الإيجابية لتتحقق دون إقرار الدولة المصرية العديد من السياسات المساندة لمشاركة المرأة في سوق العمل، وعلى رأسها المادة 11 من الدستور والتي جاء في نصها « تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا.»
كما جاءت الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 التي أقرها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية عام 2017 بمحور التمكين الاقتصادي للمرأة، والذي يستهدف تنمية قدراتها لتوسيع خيارات العمل أمامها، وتحقيق تكافؤ الفرص في توظيف النساء في كافة القطاعات بما في ذلك القطاع الخاص، وزيادة مشاركتها في الأعمال، ونشر ثقافة ريادة الأعمال بين النساء، وتقليص نسبة المرأة المعيلة تحت خط الفقر إلى 9 %، وزيادة نسبة الإقراض متناهي الصغر الموجه للمرأة إلى 53 %، ونسبة المشروعات الصغيرة الموجهة للمرأة إلى 50 %. كذلك تستهدف مصر بحلول عام 2030 زيادة نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل إلى 35 %.
ومن بين السياسات المساندة أيضًا لدعم دور المرأة في سوق العمل في مصر إطلاق المجلس القومي للمرأة «محفز سد الفجوة بين الجنسين» بالتعاون مع وزارة التعاون الدولي، وهو مبني على نموذج المنتدى الاقتصادي العالمي، ويعد أول نموذج من نوعه للتعاون بين القطاعين العام والخاص في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، بهدف مساعدة الحكومات والشركات على اتخاذ إجراءات حاسمة لسد الفجوات الاقتصادية بين الجنسين، وزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، وسد الفجوات بين الجنسين في الأجور، ودفع المزيد من النساء إلى المناصب الإدارية والقيادية، والمساواة بين الجنسين في مستقبل العمل.
وقد تم إطلاق «محفز سد الفجوة بين الجنسين» لاتخاذ إجراءات استباقية لتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، ولضمان نتائج أفضل، كما يسلط إطلاق «المحفز» الضوء على التزام الحكومة المصرية المستمر بتطبيق السياسات المطلوبة والإصلاحات الهيكلية لدفع أجندة تمكين المرأة المصرية.
كما يعد كذلك «الختم المصري للمساواة بين الجنسين» أحد السياسات المساندة لدعم دور المرأة في سوق العمل في مصر. وهو عملية اعتماد تسترشد بنموذج المساواة بين الجنسين الذي وضعه البنك الدولي، ويهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين، والقضاء على التمييز على أساس النوع الاجتماعي، وإنهاء الممارسات التي تعيق ترقّي النساء إلى المناصب العليا في الشركات.
وقد طُبِق نموذج المساواة بين الجنسين في العديد من البلدان؛ حيث يُركز على أربعة نطاقات أساسية؛ وهي: التوظيف، والتطور الوظيفي، والتوازن بين الأسرة والعمل، وسياسات مواجهة التحرش الجنسي.
وتعد مصر الدولةُ الثانيةُ عالميًا التي تحصد جائزةَ المساواةِ بين الجنسينِ للمؤسسات مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكان جهازُ تنميةِ المشروعاتِ الصغيرةِ والمتوسطةِ ومتناهيةِ الصغر أولَ جهةٍ تحصل عليها في مصرَ والمنطقةِ العربيةِ.
وفي عام 2021، تم إطلاق نموذج المساواة بين الجنسين للبنك الدولي وتوطينه في السياق المصري، من خلال «شهادة ختم المساواة بين الجنسين المصرية»؛ حيث يمكن للشركات والكيانات التجارية التقدم للحصول على الشهادة، وقد تم اعتماد ثلاث شركات من القطاع الخاص حتى أبريل 2022. هذا وتلتزم هيئة الرقابة المالية بمبادئ تمكين المرأة للأمم المتحدة، وتشجع الشركات المالية غير المصرفية على الشروع في نفس الخطوة والالتزام بمبادئ تمكين المرأة.
أما في إطار التعامل مع تداعيات جائحة كورونا، فإن مصر عملت جاهدة على الحفاظ على الاستقرار النسبي لمشاركة المرأة اقتصادياً، وعدم تأثر التقدم المحرز في ملف تمكين المرأة المصرية ومواجهة تداعيات الأزمة العالمية بالتدابير والاستجابات السريعة؛ فمصر كانت هي الدولة الأولى على مستوى العالم التي أصدرت سياسة استجابة سريعة تجاه وضع المرأة في ظل جائحة كورونا، وأصدرت آلية رصد للإجراءات التي تتخذها الدولة مستجيبة لاحتياجات المرأة. وتم اتخاذ أكثر من 165 إجراءً احترازيًا مستجيبًا لاحتياجات المرأة منها ما يتعلق بشكل كبير بالجانب الاقتصادي لمشاركة المرأة. وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع قرار مصري مدعوم من الجزائر والصين والسعودية وزامبيا بشأن تعزيز الاستجابة الوطنية والدولية السريعة لتأثير جائحة كورونا على النساء والفتيات.
وإيماناً بأن توفير البيئة والسياسات الداعمة للمرأة للمشاركة الفعالة في سوق العمل والأنشطة الاقتصادية لا تكتمل دون وجود الإطار الدستوري والقانوني والقرارات التي تخدم إدماج المرأة في الاقتصاد وتعزيز مشاركتها الاقتصادية، فقد اعترف قانون الضرائب رقم (91) لسنة 2005، وتعديلاته بالقانون رقم (11) لسنة 2013، بالمرأة كعائل للأسرة، وتم تعديل قانون الخدمة المدنية لسنة 2016 الذي يمنح مزايا للأمهات العاملات مثل إجازة وضع لمدة 4 أشهر بدًلا من 3 أشهر. كما يخصص قانون الاستثمار الجديد رقم (17) لسنة 2017(المادة 2) لضمان تكافؤ فرص الاستثمار لكل من الرجل والمرأة، وقرار هيئة الرقابة المالية رقم (2020/50) الخاص بضرورة تمثيل امرأة واحدة على الأقل في مجالس إدارات الشركات والكيانات المالية غير المصرفية.
كما صدر قرار هيئة الرقابة المالية رقم (2020/204) للنهوض بالمساواة بين الجنسين في الخدمات المالية غير المصرفية، كذلك القرار رقم (2020/205) الذي يوفر حوافز للشركات والكيانات المالية غير المصرفية التي لديها نسبة 25 ٪ أو أكثر من المستفيدات من خدماتها. فضلًا عن صدور قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (2020/2659) الخاص بإعادة تشكيل المجلس القومي للأجور، والذي تم إنشاؤه بموجب القرار رقم (2003/983)، لتحديد مهامه، وتضمين عضويته المجلس القومي للمرأة، وصدر القانون رقم (2020/152) ولائحته الخاصة بتنمية المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
وقام البنك المركزي بتعديل قواعد الحوكمة لتشكيل مجالس إدارة البنوك والنص على وجود سيدتين على الأقل في مجالس إدارة البنوك فى عام 2021. كما صدر منشور البنك المركزي المصري بتاريخ 22 أبريل 2021، والذي يؤكد على تعزيز المساواة بين الجنسين في جميع الخدمات المصرفية بما في ذلك تلك المتعلقة بالقروض والائتمانات، وتوفير آلية للشكاوي دون تمييز في هذا الصدد. كما صدر قرار الهيئة العامة للرقابة المالية رقم (2022/48) القاضي بضرورة تمثيل ما لا يقل عن 25٪ أو امرأتين في مجالس إدارات الشركات والكيانات المالية غير المصرفية.
وفي خطوة تاريخية جاءت قرارات وزير القوى العاملة رقمي (43 و 44) لعام 2021 لرفع القيود المفروضة على قدرة المرأة على العمل ليًال والقيود المفروضة على العمل في صناعات / مهن معينة، مع ضمان توفير تدابير الحماية والسلامة للمرأة. وتعد هذه القرارات استمرارًا لجهود الدولة الحثيثة لتمكين المرأة اقتصاديًا؛ حيث تكفل حق العمل للمرأة في المهن والأعمال والأوقات المختلفة ومراعاة مبادئ تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين وعدم التمييز في العمل، كما تكفل حقها في الرعاية والحماية واتخاذ كافة الاشتراطات والاحتياطات اللازمة لدرء المخاطر عنها وتأمين بيئة العمل، وتوفير الخدمات المرتبطة بالعمل ليلاً مثل الانتقال الآمن، والرعاية الصحية.
ثالثًا: دور المجلس القومي للمرأة في دعم المساواة في العمل
حرص المجلس القومي للمرأة منذ إنشائه على المساهمة في تقديم المقترحات ومشروعات القوانين المتعلقة ببيئة العمل وذات الصلة والقوانين المنظمة له، وقد أبدى رأيه ومقترحاته في قوانين العمل التي تم صدورها من قبل ومنها، قانون الخدمة المدنية رقم (81) لسنة 2016 والذي ينظم حقوق المرأة العاملة والمرأة العاملة الأم، ومنها ما يتعلق بإجازة الوضع والأمومة، والتي تتماشى مع المعايير الدولية بمنح الأم العاملة 4 أشهر بدلاً من 3 أشهر، وكذلك منحها الحق في تقلد المناصب العامة والقيادية والترقية والاختيار، وتقليل ساعات العمل في بعض الأحوال ومنحها إجازة رعاية الأسرة.
وفي خضم الحديث عن قانون جديد يأتي محل قانون رقم (12) لسنة 2003 بإصدار قانون العمل الموحد يضع في اعتباره المستجدات في مجال العمل والعلاقات المختلفة بين أصحاب الأعمال والعمال/ات والموظفين/ات، فإن المجلس ومن منطلق اختصاصه الدستوري بإبداء الرأي في مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بالمرأة، فقد قام من خلال اللجنة التشريعية - بعد إجراء العديد من الدراسات والمقارنات- بتقديم رؤية شاملة تتضمن مقترحات تشريعية لدعم المرأة وتوفير البيئة الآمنة، والمساندة لها في عالم العمل. وتأتي في مقدمة تلك المقترحات: النص على مبدأ الحق في الأجر المتساوي عن العمل ذي القيمة المتساوية ومنع التمييز في الأجور عن الأعمال ذات القيمة المتساوية، وأن يكون تطبيق هذا المبدأ من خلال تنظيم الأعمال ذات القيمة المتساوية في لوائح العمل، وذلك التزاماً بما نصت عليه اتفاقيات العمل الدولية حول الأجور والتي صدقت عليها مصر باعتبار ذلك ضمانة لإزالة أي فجوات أو تمييز يتعلق بالأجور في الوظائف المختلفة ذات القيمة المتساوية واتصالاً بالجهود التي تبذلها مصر لتحقيق المساواة في الأجور.
وتماشيًا مع توجهات الدولة بالقضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة ومنها في أماكن العمل، فإن المجلس قد تقدم أيضًا بمقترح بإضافة مادة في مشروع قانون العمل تتعلق بحظر جميع أشكال التحرش الجنسي والعنف والتعدي والمضايقات والاعتداءات والاستغلال وإساءة استخدام السلطة في أماكن العمل أو بمناسبة العمل، ويعاقب عليها بالجزاءات التأديبية ويأتي هذا اتساقًا مع رؤية الدولة والتكليفات الرئاسية بشأن مواجهة جميع أشكال التحرش والعنف والمضايقات والاستغلال وإساءة استخدام السلطة في أماكن العمل ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان.
ومن المهم الإشارة إلى أن التحرش الجنسي في مكان العمل يعتبر انتهاكاً لقوانين العمل، وقد أجريت تعديلات مهمة على مواد التحرش الجنسي بداية من عام 2014 وصولاً إلى التعديلات الأخيرة في عام 2021؛ حيث صدر القانون رقم (141) لسنة 2021 والذي شدد فيه المشرع العقوبة في حالة ارتكابها من جانب من كان له أي سلطة وظيفية لتصل إلى عقوبة السجن سبع سنوات، وهو ما يشمل حالات التحرش من الرؤساء أو الزملاء في العمل حتى وإن تم التحرش خارج مكان العمل. وفي هذا الصدد أيضاَ أصدرت هيئة الرقابة المالية الكتاب الدوري رقم (7) لسنة 2021 لحث الشركات المقيدة بالبورصة المصرية والعاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية على تبني الالتزام ببنود الميثاق الأخلاقي لمنع التحرش والعنف والمضايقات في بيئة العمل، وصدر قرار وزير النقل رقم (237/2021) بإصدار المدونة القومية لقواعد السلوك للمستخدمين والمشغلين والعاملين في مرافق ووسائل النقل والتي حرصت على مناهضة كافة أشكال التحرش والعنف والمضايقات في مرافق ووسائل النقل.
كما اقترح المجلس لأول مرة وضع مادة تنظم الحق في إجازة أبوة (الأبوة /الوالدية) وهي إجازة خاصة مدفوعة الأجر لعدد من الأيام تستحق عند ولادة الطفل، ويتم تحديدها وفقاً للأحوال التي ينظمها القانون ولوائح العمل. وقد أدرج هذا المبدأ في العديد من قوانين العمل للدول منها دول عربية، وهي خطوة مهمة في سبيل تشجيع المشاركة في المهام، ومسئوليات رعاية الأطفال بين الوالدين وتدابير التوفيق بين العمل والأسرة والتي تهم الرجل والمرأة على حد سواء.
وفي ظل المستجدات والتغيرات التي يشهدها عالم ما بعد الجوائح والأوبئة، والتي قد فرضت على مصر والعالم العمل على مواجهة تداعياته وخاصة الاقتصادية منها، كان لابد من اقتراح نظم متطورة وإجراءات عمل وساعات مرنة حتى لا تتأثر المشاركة الاقتصادية للمرأة والرجل، وهذا بالفعل كان من ضمن مقترحات المجلس على مشروع القانون.
وقد اقترح المجلس ضرورة النص على أحكام خاصة -إما في مشروع قانون العمل أو في قانون مستقل- تتعلق بنشاط تشغيل العمالة المنزلية بالشركات المرخص لها بالتشغيل في الداخل والخارج مع السماح لها بإصدار تراخيص للعمالة التابعة لها وتوفير الخدمات الصحية والـتأمينية لمن يعمل لديها، وذلك لمنح قطاع عريض من المجتمع ممثلاً في عمال وعاملات المنازل، التغطية القانونية والتأمينية الواجبة، وذلك اتساقاً مع الجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر وتنظيم العمالة.
ومن ضمن مقترحات المجلس القومي للمرأة أيضاً الحماية من كافة أشكال التمييز والتفرقة في جميع جوانب العمل، ومنها إعلانات العمل والتعيين والترقيات والأجور، والنص على ذلك صراحة وتعريف التمييز والمساواة في العمل؛ إما في القانون أو في لوائح العمل. وفي جانب آخر، حرص المجلس أيضاً على تضمين ذلك في مقترحاته.
كما تضمنت المقترحات ما يتعلق بحقوق «المرأة العاملة الأم»، والمرأة التي ترعي أطفالًا من ذوي الإعاقة، والتأكيد على حفظ حقوق المرأة العاملة بعد عودتها من الإجازات الخاصة برعاية الأطفال، وإجازة الوضع.
واتساقًا مع جهود الدولة في توفير خدمات رعاية الأطفال ودور الحضانة، اقترح المجلس إدخال تعديل على المواد المتعلقة بالتزام أصحاب الأعمال بشأن توفير الدعم لرعاية أطفال العاملات. وباعتبار أن المجلس القومي للمرأة هو الآلية الوطنية المعنية بتمكين المرأة المصرية، فقد أولى المجلس اهتمامًا كبيراً منذ إنشائه بملف التمكين الاقتصادى للمرأة؛ حيث تهتم برامج المجلس بتنمية مهارات المرأة وبناء القدرات البشرية كخطوة أولى لتسهيل وضمان دخول المرأة في سوق العمل وإيجاد الفرص الملائمة لها وتوفير الدخل، مثل التدريبات الحرفية.
ويسعى المجلس إلى التطوير من قدرات السيدات في كافة المجالات بما في ذلك قدرتهن على إدارة المشاريع وتنمية مهاراتهن الريادية، وتثقيفهن ماليًا، ومحاولة مساعدتهن في تخطي العقبات التي تواجه مشاريعهن مثل التسويق والتسعير، وذلك عبر تقديم العديد من البرامج والتدريبات مثل تدريبات (ريادة الأعمال، والتثقيف المالي، والتسويق الإلكتروني)
ونظرًا لما يمثله التسويق والترويج من عقبة كبيرة أمام السيدات فقد حرص المجلس على إنشاء قاعدة بيانات واسعة تضم السيدات صاحبات المشروعات والمنتجات اليدوية وغير اليدوية، وتسعى لدعمهن بالتسويق وترويج علاماتهن التجارية كخدمة تسويقية يقدمها المجلس لرائدات الأعمال.
كما أطلق المجلس مبادرة «كتالوج المصرية» عام 2018، لتعزيز الخدمات التسويقية للسيدات صاحبات المشروعات الصغيرة والحرف اليدوية، بالتعاون مع كل من بنك الإسكندرية، ومؤسسة ساويرس للتنمية المجتمعية؛ بهدف مساعدتهن على فتح قنوات تسويق لهن، والاحتكاك بجمهور المستهلكين، كما يتضمن قصص نجاح لبعضهن ممن واجهن صعوبات في بداية الطريق، وهي قصص ملهمة لأخريات كي يضعن قدمهن على أول طريق النجاح، وقد تم إطلاق أربعة إصدارات من الكتالوج.
وفي إطار البرنامج المشترك بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) «التمكين الاقتصادي للمرأة من أجل النمو الشامل والمستدام» الذي يتم تنفيذه بالشراكة مع المجلس القومي للمرأة ووزارة التجارة والصناعة وبدعم من حكومة كندا، قدم برنامج «رابحة» حزمة من التدريبات غير المالية والتأهيل لسوق العمل وبرنامج لحاضنات الأعمال، وورش عمل التفكير التصميمي التي تساعد على كسب المهارات الأساسية للانطلاق بفكرة مشروع وتحويلها لمشروع مستدام وقابل للتنفيذ.
وهناك أيضاً مبادرة مشروع « تعزيز المرأة في التجارة الدولية»، والتي يقدمها وينفذها مركز التجارة الدولية بتمويل من مؤسسة التمويل الدولية والبنك الإسلامي للتنمية وشريك أساسي هيئة تنمية الصادرات تحت مظلة وزارة التجارة والصناعة بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة والمجلس التصديري، ومن خلال هذه المبادرة، تم إمداد 50 شركة صغيرة ومتوسطة مملوكة للنساء بالمهارات المطلوبة لزيادة حجم مبيعاتهن وصادراتهن.
كما أطلق المجلس مبادرة «المشغل الإنتاجي»، والتى بدأت بمشروع تم تنفيذه في محافظة الجيزة بتمويل من هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتدريب السيدات المصريات والوافدات من جنسيات مختلفة على حرفة الخياطة، وبالفعل تم تجهيز فرع المجلس بمحافظة الجيزة بالمعدات، والماكينات اللازمة للتدريب، وتم العمل على تجهيز 4 مشاغل بمحافظات المنيا والغريبة وقنا، ويضم كافة المستلزمات والمعدات. وتم تنفيذ عدد من الدورات التدريبية، وإنتاج المستلزمات الطبية والماسكات الواقية؛ استجابة لتداعيات جائحة كوفيد 19؛ حيث استهدفت المبادرة 1000 سيدة.
فضلًا عما سبق يأتي المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية الذي أطلقه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، والذي يسعى من خلاله إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري، من خلال ضبط النمو السكاني، والارتقاء بالخصائص السكانية، ويشمل العمل على خمسة محاور، يأتي في مقدمتها محور التمكين الاقتصادي. وفي هذا السياق يعمل المجلس على توفير مشاغل تدريب إنتاجية على مستوى المراكز، والقرى، والنجوع داخل المستشفيات التكاملية الكائنة بمراكز صحة وتنمية الأسرة من خلال تجهيزها بكافة المعدات، والماكينات، للتدريب على حرفة الخياطة وحرف متنوعة كنواة لمشروعات تدر دخلًا للسيدات.
وترتكز مراكز صحة وتنمية الأسرة وعددها 52 مركز في المرحلة الأولى للبرنامج على نطاق 20 محافظة، كما يتوافر لدى المجلس داخل فروعه بمحافظات الغربية، والجيزة، وقنا، والمنيا مشاغل خياطة ينفذ بها تدريبات إنتاجية على مراحل مختلفة.
وهناك أيضاً برنامج ريادة الأعمال الذي يهدف إلى تشجيع السيدات على البدء بمشروعاتهن المتناهية الصغر، ووضعهن على الطريق الصحيح للإعداد للمشروع، ويتم تنفيذ البرنامج على مستوى 20 محافظة.
وبرنامج التثقيف المالي الذي يأتي تحت عنوان «التعامل الرشيد مع أموالي»، وهو أحد البرامج الدولية المعتمدة من منظمة العمل الدولية.
كما يولي المجلس اهتماماً كبيراً بملف الشمول المالي للمرأة الذي يقع على قائمة أولويات الحكومة المصرية؛ حيث وقع المجلس بروتوكول تعاون هو الأول من نوعه في العالم بين البنك المركزي المصري، وآلية وطنية معنية بشئون المرأة لزيادة نسبة الشمول المالي للنساء.
وقد تم تحديد الشمول المالي، طبقًا للأبحاث التي أجريت بهذا الشأن، كأداة مهمة لتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، وزيادة قدرتها على مواجهة المخاطر والنفقات غير المتوقعة، والمشاركة في النمو الاقتصادي المستدام؛ حيث يتعلق الإدماج المالي بوصول الأفراد، وخاصة الأكثر احتياجاً إلى مجموعة كاملة من المنتجات، والخدمات المالية المفيدة، وذات التكلفة المعقولة التي تلبي احتياجاتهم مثل (الحسابات، والمدخرات، والمدفوعات، والتحويلات، والائتمان والتأمين) بطريقة مسئولة ومستدامة، ضمن بيئة قانونية وتنظيمية مواتية لتنميتها، من خلال مقدمي الخدمات الرسميين.
وبينما تواجه النساء وبصفة خاصة المرأة الريفية عوائق للدخول إلى القطاع المالي الرسمي لافتقارهن للضمانات المطلوبة، فإن الإدماج المالي يظل مهماً بشكل خاص للنساء والفتيات، بمعنى أنه يمكن أن يزيد من تمكينهن ويعزز المساواة من خلال الوصول إلى الموارد والأدوات، كما يساعد المرأة في الحصول على دخلها الخاص، والتحكم في الأصول خارج المنزل والمساهمة في الأنشطة الإنتاجية، بالإضافة إلى تسهيل الاستهلاك وتغطية النفقات غير المتوقعة
ويندرج تحت مظلة الشمول المالي للمرأة، نشاط تكوين مجموعات الادخار، والإقراض الرقمي والذي يستهدف شمول المرأة المصرية بالقرى الريفية اقتصادياً ومالياً، وإدماجها بالمنظومة المصرفية الرسمية وكذلك رفع الوعي ونشر الثقافة المالية للسيدات المستهدفات ومحو الأمية الرقمية، وتوفير الخدمات المالية لها بجودة عالية. وذلك من خلال استخدام التكنولوجيا ورقمنة آلية عمل مجموعات الادخار والإقراض، والتي ترتكز على تكوين مجموعات ادخارية بداخل القرى المستهدفة وإصدار كروت «ميزة» لهن من أجل شمولهن مالياً، ودمجهن بالنظام المصرفي الرسمي، وتدريبهن أسبوعياً في شكل جلسات ادخارية وتدريبية على مدار دورة كاملة لمدة 52 أسبوع لبناء قدراتهن وتحسين مستوى المعيشة لديهن وتجهيز عدد منهن لإقامة أنشطة مدرة للدخل، وتقديم الدعم اللازم من تدريبات متخصصة وتجهيزات حسب متطلبات كل مشروع أو نشاط أو حسب الميزة النسبية لكل قرية. ويستهدف النشاط 1.2 مليون سيدة لتكوين حوالي 60 آلاف مجموعة ادخارية، وتوفير 3000 فرصة عمل في 20 محافظة خلال 3 سنوات.
ويقوم المجلس القومي للمرأة بتنفيذ النشاط من خلال آليات عمله، والتي تتمثل في الأمانة العامة، وفروعه بالمحافظات، وميسراته وغيرهم. ويعمل المجلس القومي للمرأة على تنفيذ هذا النشاط لخدمة أهداف وخطة الدولة المصرية لتحقيق الشمول المالي والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة.
وخلال العام الجاري (2022) تم الإعلان عن تطبيق «تحويشة»، كأول تطبيق رقمي في مصر لمنظومة الادخار والإقراض، والذي جاء ثمرةً للتعاون مع البنك المركزي، وهو البديل الرقمي الجديد لصندوق الادخار الحديدي القديم المنتشر بقرى ونجوعِ مصر. ويمثل هذا التطبيق نقلة نوعية للقرى المصرية لتصبح مجتمعات بنكية رقمية غير نقدية، ونقلة نوعية لـلميسِرات الماليات بالمجلس؛ حيث أَصبحن لأولِ مرة في مصر وكيلات مصرفيات، وهو ما يعني بنك بكل الصلاحيات .
وتتم أيضًا جميع الأنشطة السابق ذكرها في إطار الشمول المالي تحت مظلة المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية بمحافظات المبادرة الرئاسية «حياه كريمة».
رابعًا: استنتاجات وتوصيات
بعد هذا العرض المختصر لجوانب واحد من أهم الملفات في قضايا تمكين المرأة، نخلص إلى العدد من الاستنتاجات والنقاط المهمة، تأتي في مقدمتها: لا يمكن استدامة النمو الاقتصادي سوى بمشاركة جميع فئات المجتمع، وأن المرأة تمثل مورداً غير مستغل وخسارة اقتصادية واجتماعية كبيرة. كما أن المعاملة داخل القطاع الخاص تشكل عقبة كبيرة للمرأة في طريق مشاركتها، ومساهمتها في النمو الاقتصادي، علاوة على أن تعزيز مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي سوف يؤتي ثماره في حالة تنمية القدرات البشرية، والفرص الاقتصادية، والاهتمام بعلاقة الترابط التفاعلية بين الأسرة، والمؤسسات، والأسواق وكيفية تأثيرها على وضع المرأة في سوق العمل.
كما أنه من الضروري الاهتمام بتوفير فرص عمل لائقة للنساء في القطاع الخاص، والتشجيع على ريادة الأعمال لاغتنام الفرص. ويعد الشمول المالي للمرأة عاملاً رئيسيًا لتمكينها اقتصادياً ولإكسابها مهارات ريادة الأعمال، والتثقيف المالي.
كذلك، يعد تيسير مشاركة النساء الفعالة في الأنشطة الاقتصادية أولوية ملحة على قائمة الأجندة الوطنية، وهو ما يتطلب تشريعات، وسياسات أحسنت صياغتها وحلولاً مبتكرة وشراكات قابلة للاستمرار، ويتطلب أيضاً تحولاً في الثقافة العامة للمؤسسات، وفي عقلية الرجال والنساء على السواء.
والأهم ضرورة إحداث تحول في عقلية كل من أرباب الأعمال، والباحثين عن وظائف، وكذلك تغيير التصور الخاطئ لدى الطرفين بوجود قطاعات ملائمة للإناث، وقطاعات أخرى ملائمة للذكور.
وعلى الرغم من أهمية تلك الإنجازات الملموسة، إلا أنه يمكن التطلع نحو المزيد عبر تبني خمسة مقترحات:
أولها، تطوير سياسات لضمان التزام القطاع الخاص بتمثيل مناسب للمرأة في مجالس إدارة الشركات، والاهتمام بتنوع القطاعات الاقتصادية المتوطنة بالمحافظات، وجذب صناعات تستطيع خلق فرص مباشرة وغير مباشرة عبر سلاسل القيمة لتشغيل النساء، وتفعيل السياسات والإجراءات التي تشجع النساء على إقامة مشروعاتهن الخاصة. فضلًا عن التوسع في خدمات تنمية الأعمال الموجهه للمرأة، وتطبيق نظم الشباك الواحد للمرأة المستثمرة، والتوسع في تطبيق تجارب إنشاء تعاونيات النشاط الاقتصادي الموجهة للمرأة، وتوفير الخدمات المالية لمبادرات تشجيع الادخار، والإقراض الجماعي للنساء.
ثانيها، توفير بيئة عمل آمنه ولائقة، وأماكن عامة آمنه، ووسائل نقل آمنه، ومعالجة الانحياز الواعي، وغير الواعي بالقطاع الخاص، وتطوير سياسات الاستثمار ونظم الإدارة والتمويل، وسياسات لضمان التزام القطاع الخاص بتمثيل مناسب للمرأة في مجالس إدارة الشركات، إلى جانب الاهتمام بتنوع القطاعات الاقتصادية المتوطنة بالمحافظات، وجذب صناعات تستطيع خلق فرص مباشرة، وغير مباشرة عبر سلاسل القيمة لتشغيل النساء، وتفعيل السياسات والإجراءات التي تشجع النساء على إقامة مشروعاتهن الخاصة والتوسع فى خدمات تنمية الأعمال الموجهه للمرأة.
ثالثها، تحقيق المزيد من الحماية لحقوق المرأة العاملة، وتقديم الخدمات المساندة من خلال تفعيل القوانين التي تحمي المرأة العاملة وتضمن حقوقها فيما يتعلق بساعات العمل والإجازات، والمساواة مع الذكور في الأجر لاسيما في القطاع الخاص. علاوة على اتخاذ التدابير لضمان التزام سياسات وأنظمة الموارد البشرية بإدراج السعي لتحقيق المساواه بين الجنسين في كافة علاقات العمل، بما في ذلك (التوظيف والتدريب والترقية والأجور والحصول على المنافع وإنهاء الخدمة). كما ينبغي أيضًا أن تأخذ هذه السياسات بعين الاعتبار استحقاقات الأمومة، وآليات التظلم والإجراءات اللازمة لمكافحة التحرش بأماكن العمل، وتوفير الخدمات المساعدة للمرأة العاملة وفقاً للمادة 11 من الدستور مثل توفير خدمات رعاية الأطفال (وقت لرضاعة الأطفال والحضانات) وتحقيق الحماية لها داخل وخارج بيئة العمل.
رابعها، تعزيز عمل المرأة في القطاع الزراعي والتوسع في مشروعات تسهل تشغيل النساء في مواقع مختلفة من سلاسل القيمة للإنتاج الزراعي بما في ذلك التصنيع الزراعي، وإتاحة مصادر للتمويل للمرأة العاملة في القطاع الزراعي بكل أنشطته لتوسيع دورها فيه.
خامسها، عدم إغفال دور المرأة العاملة داخل المنزل، وفي القطاع غير الرسمي، عبر وضع القوانين والإجراءات التي تساعد على الحفاظ على حقوق المرأة العاملة في القطاع غير الرسمي، وإجراء دراسات حول المساهمة الاقتصادية لعمل المرأة غير مدفوعة الأجر داخل المنزل، كأساس لنشر ثقافة تقدر هذا العمل، وتطبيق نظم التشغيل المرن والعمل من المنزل لإعطاء المرأة خيار الجمع مع الموازنة بين عملها، ودورها الأسري، وحماية العاملات في المنازل، وتقنين أوضاعهن بما يكفل حقوقهن.
ختامًا، يمكن التأكيد على أن تمكين المرأة المصرية على مختلف الأصعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً يساهم في تحرير طاقاتها للبذل والعطاء، ويدعم مشاركتها الفعالة في بناء وطن قوي متماسك يتطلع إليه الجميع، مع الانتباه إلى حقيقة مهمة مفادها أنه مهما وُضعت سياسات جيدة، ومهما أُجريت دراسات قيمة لتعزيز العدالة بين الجنسين في مجال العمل، باعتبار ذلك ضرورة حتمية لنهوض المجتمعات، فلن يؤتى ذلك بثماره، ولن يتحقق أي تقدم منشود في هذا المجال دون تغيير حقيقي في الأعراف والقيم المجتمعية السائدة «صاحبة الكلمة العليا». لذلك فإن التوعية المجتمعية تُعد ضرورة ملحة - جنباً إلى جنب - مع وضع السياسات وإجراء الدراسات. مع ضرورة تقدير واحترام كافة الأعمال التي تقوم بها المرأة العاملة داخل منزلها ورعاية أسرتها، وخارجه في سوق العمل، باعتبار أن كلا الدورين غاية في الأهمية ومحل احترام وتقدير.